معهد "بروكنجز" يطرح إستراتيجية "المدن" لإعادة بناء ليبيا

الاستقلال - قسم الترجمة | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

نشر معهد "بروكنجز" الأمريكي تقريرا، سلط فيه الضوء على الوضع المضطرب في ليبيا منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011، مقترحا أفكارا إستراتيجية لإعادة استقرار البلد.

وقال التقرير إن "ليبيا ما زالت تشهد تعثرا على الرغم من وجود عناصر من النشاط الاقتصادي، والحوكمة (حكومة إلكترونية)، ولكن ماعدا ذلك فقط خليط من المؤسسات المركزية الضعيفة جدا والترتيبات المحلية المرتجلة، بينما تتنافس "الميليشيات المسلحة" والجهات الأخرى على غنائم الدولة."

ونتيجة لذلك، بحسب المعهد الأمريكي، فإن ليبيا لا زالت في حالة من الفوضى، ما يمثل مصدرا محتملا للإرهاب. كما أنه يشكل خطرا واضحا وحاضرا فيما يتعلق بالتدفقات غير المنظمة إلى أوروبا، التي تنشأ من داخل حدود ليبيا وكذلك من الدول الأفريقية المجاورة".

وأضاف: "هناك كذلك خطر تزايد النفوذ الروسي الذي ينمو مع مرور الوقت. ومع ذلك، قد يكون هناك بصيص من الأمل، حيث أن الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة في ليبيا بدأت تحقق المزيد من الجذب. ومما يشجع أيضا، أن الإصلاحات الاقتصادية في أواخر عام 2018 تضيف مزيدا من الأمل".

اقتراح أمريكي

وبحسب التقرير، فإن أمريكا تقترح مقاربة جديدة لليبيا، تركز على مفهوم تنشيط المشاركة الأمريكية. فعلى مدى سنوات، كان الدعم الأمريكي لمهمة الأمم المتحدة سلبيا، وكان في معظمه يتمثل في عبارات إيجابيه في مجلس الأمن".

وذكر المعهد أن "قيادة أمريكية أكثر استدامة وحزما، تستطيع أن يكون لها تأثير فيما إذا كانت الأمم المتحدة ستنجح هذه المرة في توحيد الليبيين وشركاءهم الدوليين، وذلك مع قرب انعقاد المؤتمر الوطني الهام الذي قد يعقد في ليبيا في 2019".

وأشار إلى أنه "كعنصر أساسي في هذه القيادة، ينبغي علي الولايات المتحدة أن تعيد الأمريكيين والسفارة الامريكية والسفير إلى ليبيا. ومن المهم أن يؤدي وجود السفارة إلى تفاعل مع الليبيين من العديد من المناطق والقبائل، وأن يضم العديد من المسؤولين السياسيين والاقتصاديين/التنمويين (وكذلك موظفي الأمن) أيضا".

وتمشيا مع النهج القائم التي أقرتها الأمم المتحدة والعديد من البلدان الأجنبية، إضافة الليبيين أنفسهم، ينبغي للولايات المتحدة وغيرها من الجهات الفاعلة الخارجية أن تركز أيضا على تمكين مختلف البلديات، بحسب التقرير.

وأوضح أن "الجهود ستستمر على الصعيد الوطني أيضا بالطبع. يمكن لهم بناء مؤسسات تشمل حرس السواحل وربما نخبه من قوات الأمن لحراسه الأصول والأفراد؛ يمكنهم أيضا مواصلة تعزيز الإصلاحات الاقتصادية. ولكن ينبغي التركيز بدرجة كبيرة على الجهات الفاعلة المحلية- الحكومات البلدية المنتخبة، والمليشيات الداعمة التي ترغب في الالتزام بمعايير سلوكية عليا  والكف عن السلوك الإجرامي، وجماعات المجتمع المدني".

ويتعين على واشنطن، بحسب المعهد، أن "تستخدم المزيد من الدبلوماسية الرفيعة المستوى للتوصل إلى توافق إقليمي ودولى حول عمل الأمم المتحدة والحد من التدخل الخارجي غير المفيد والتنافسي في السياسة الداخلية الليبية. وبسبب بعدها عن ليبيا، وانفصالها النسبي عن البلاد في الآونة الأخيرة، وعلاقتها مع الحلفاء الأوروبيين وشركاء الخليج العربي، فإن الولايات المتحدة هي القوه الوحيدة التي يمكن، أن تفكك بشكل موثوق، علي الأقل جزئيا، ادوار الجهات الفاعلة الأجنبية".

تكنوقراط ليبيون

واقترح المعهد الأمريكي "نموذجا أوليا للمدينة لن يكون تحولا جذريا مقارنة بالحقائق على أرض الواقع اليوم، أو الرغبات التي أعرب عنها العديد من الليبيين. لكنه سيشكل تحولا هاما في الإستراتيجية الرسمية وفي الأفق أو الرؤية السياسية".

واستدرك: "لكن لن يكون منطقيا، إلا إذا كان اغلب الأطراف الليبية الرئيسية - مسؤولي الحكومة الحالية، وقادة الميليشيات الرئيسية، والقادة التكنوقراطيين في الحكومة الحالية، وغيرهم من الأفراد الملتزمين بمستقبل البلاد - يؤيدون مثل هذا التحول في النهج، ومن ثم سيركز نشاط اقتصادي وسياسي وامني كبير في نحو 15 مدينة رئيسية في البلاد. ستوضع معايير للكيفية التي يمكن بها للكيانات المحلية أن تتأهل لتخصيص حصتها العادلة من عائدات النفط والمعونة الدولية".

وبعد ذلك، بحسب المعهد: "سيقوم مجلس رقابة مكون من تكنوقراط ليبيين وخبراء أجانب بتقييم الأهلية استنادا إلى السلوك الفعلي للجهات الفاعلة المحلية. سيكون لديهم القدرة علي حجب نسبه مئوية من المخصصات الشهرية للميليشيات والجهات الفاعلة المحلية الأخرى في حاله سوء سلوك خطير مثل أساءه استخدام حقوق الإنسان، أو التدخل في النشاط الاقتصادي العادي، أو السرقة، أو العنف".

ولفت التقرير إلى أن "المليشيات الليبية والجهات السياسية الفاعلة لها أحيانا ميول قبلية، لكنها تفتقرعموما إلى الدوافع الإيديولوجية أو الطائفية السامة التي تزيد من تفاقم دورات العنف في معظم أنحاء المنطقة. فهي مدفوعة أكثر بالتنافس علي حصتها من ثروة الدولة، فضلا عن السيطرة علي الأحياء والمدن الأكثر أهمية بالنسبة لهم".

وأعرب المعهد عن أمله في أن "يتجه الكثير منهم لتغيير سلوكهم نحو الأفضل. و قد تبدأ هذه العملية ببطء ولكن بعد ذلك تتسارع، وذلك عندما تفهم المليشيات والجهات الفاعلة الأخرى ديناميكية العمل، وتقرر ألا تكون خارج المنظومة الجديدة. سيتم بناء مؤسسات على المستوى الوطني في يوم من الأيام من تلك الكيانات الحضرية. ستشمل في نهاية المطاف برلمانا جديدا ودركا أو جيشا".

مكافحة الإرهاب

ولكن الانتخابات الوطنية، وفقا للتقرير، وإن "كانت لا تزال مهمة للحفاظ على الأفق السياسي نظرا لعدم وجود طريقة بديلة حقيقية لإنشاء حكومة وطنية يمكن أن ينظر إليها الليبيون علي نطاق واسع على أنها عادلة ومشروعة، لن يتم التعجيل بها."

وبينت أن "مكافحة الإرهاب ستظل أولويه قصوى بالنسبة للولايات المتحدة والبلدان الأخرى في إطار النهج الجديد. ومع ذلك، فإنه سيتم متابعتة بطريقة أكثر دقة، مع معايير أكثر صرامة حول الجهات الفاعلة المحلية للاختيار كشركاء. ونظرا لأن خطر الإرهاب يبدو مقيدا نسبيا، فإنه ليس هناك حاجة إلى أقامة علاقات محتملة غير مرغوب فيها مع الجهات الفاعلة المحلية التي يمكنها المساعدة في مهمة مكافحه للإرهاب، وغالبا ما تكون علي حساب محاولة إنشاء دوله أكثر استقرارا".

ولفت المعهد إلى أن "ليبيا قد تكون الآن في وضع يمكن فيه التوازن بين هاتين الأولويتين-مكافحه الإرهاب الفوري والاستقرار (و هو اللازم فى حد ذاته لنجاح جهود مكافحه الإرهاب على المدى الطويل) يمكنها ان تتحول إلى حد ما لصالح هذا الأخير".

واختتم "بروكنجز" قائلا: "بينما يؤيد العديد من الكتاب في مجموعتنا جميع الأفكار المذكورة أعلاه، فإنهم يعتقدون أيضا أن احتمالات وضع استراتيجية جديدة في ليبيا ستعزز بشكل كبير من خلال تفويض ونشر قوة أمنية خاضعة للامم المتحدة، على افتراض أن هناك طلبا لمثل هذه القوة من قبل الاطراف الليبية الرئيسية.  ونظرا للفخر والوطنية الليبية، ينبغي أن تكون لهذه القوة ولاية ضيقة تركز علي حماية أصول ومؤسسات ومواقع محددة. ولكن سيتعين منحها قواعد قوية للاشتباك من أجل الدفاع عن النفس، لكي تكون فعالة".