حراك دولي لاستيعاب التوترات بعد احتجاز الناقلة البريطانية

رائد الحامد | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

يسود اعتقاد بأنّ احتجاز الناقلة البريطانية جاء رداً على احتجاز السلطات البريطانية في مضيق جبل طارق ناقلةَ نفطٍ إيرانية في وقتٍ سابق من هذا الشهر يوليو/ تموز تحمل مليوني برميل من النفط الإيراني إلى سوريا في خرقٍ للعقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوربي على سوريا مُنذ عام 2012.

ويُنظر إلى الخطوة الإيرانية بأنّها تصعيدٌ خطيرٌ للتوترات في منطقة الخليج العربي وتحدياً جدياً للقوانين الدولية التي تضمن حرية الملاحة في الممرات البحرية، ومن بينها مضيق هرمز الذي يربط الخليج العربي بخليج عدن وبحر العرب ومن ثمّ البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط عبر ممر قناة السويس المصرية. 

ترى إيران أنّ الناقلة البريطانية المحتجزة انتهكت القوانين الدولية وأنّها اصطدمت بزورقِ صيدٍ إيراني استدعى قيام بحرية الحرس الثوري الإيراني بالاستيلاء عليها واقتيادها إلى المياه الإقليمية الإيرانية.

وأشارت وزارة النقل البريطانية إلى أنّ الناقلة البريطانية احتُجزت بينما كانت تعبر مضيق هرمز في المياه الإقليمية لسلطنة عمان التي لمْ تعلقْ تأكيداً أو نفياً.

ظلّت دول الاتحاد الأوربي بعيدة نسبياً عن التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في منطقة الخليج العربي، إلاّ أنّ احتجاز الناقلة البريطانية وضع دول الاتحاد الأوربي، بريطانيا وألمانيا وفرنسا، أمام خيار الدخول في عمق التوترات. 

بعد أنْ احتجزت بريطانيا في 4 يوليو/ تموز ناقلةَ نفطٍ إيرانية لانتهاكها العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، بادرت إيران في 19 يوليو/ تموز إلى احتجاز ناقلة بريطانية في مضيق هرمز وناقلاتٍ أخرى اقتادتها إلى مياهها السيادية قبل أنْ تُفرج عنها، ومنها ناقلة النفط الجزائرية. 

لكنّ السياسات البريطانية لا تبدو واضحة حول الكيفية التي سترد بها على إيران.

من المؤكد أنّ بريطانيا وكذلك الولايات المتحدة وحتى دول الخليج العربية التي تعرضت لاعتداءات إيرانية على ناقلاتها يعتمدون سياسة ردّ الفعل بما لا يتناسب مع الفعل نفسه، بل بمستوياتٍ أقل.

يمكن للمخاوف الأمنية البريطانية أنْ تكون عاملاً في ردود الفعل "الضعيفة" على احتجاز ناقلتها النفطية والاكتفاء بالتصريحات والتحذيرات والمطالبة بالإفراج عن الناقلة مع مساعٍ لتشكيل قوّةٍ بحريةٍ متعددة الجنسيات قد لا تجدُ استجابةً من الدول الأخرى.  

من المحتمل أنْ تلجأ إيران إلى إعادة تنشيط بعض الخلايا العاملة في بريطانيا لتنفيذ عمليات تخلّ بالأمن الداخلي في حال تعمقت الأزمة بين البلدين بشكلٍ أعمق.

سبق لبريطانيا أنْ أعلنت قبل أسابيع عن اكتشاف الشرطة وجهاز المخابرات في عام 2015 ثلاثة أطنان من نترات الأمونيوم تدخل في صناعة المتفجرات مخزنة لصالح عناصر تابعين لحزب الله اللبناني، الحليف الأوثق لإيران. 

وتحاول بريطانيا تشكيل قوّة بحرية بقيادةٍ أوربية لتأمين حركة الشحن الدولية في المنطقة بالتشاور، وليس بالشراكة مع الولايات المتحدة التي هي الأخرى تسعى لتشكيل قوّة بحريةٍ دوليةٍ من دولٍ مستفيدة من حركة المرور عبر المضيق على أنْ ترافق سفن تابعة لهذه الدول سفنها التجارية أو ناقلات النفط المملوكة لها، بينما تكتفي الولايات المتحدة بتقديم الدعم المعلوماتي والاستخباراتي والإشراف والقيادة. 

ويُعتقد أنّ المشروع البريطاني الذي سيضمُّ عدداً من دول حلف شمال الأطلسي سيندمج في وقتٍ ما مع مبادرة الولايات المتحدة العضو في الحلف أيضاً.

أثارت سلسلة الهجمات الإيرانية على ناقلاتِ نفطٍ استجابة أمريكية لبدء عملية مراقبة بحرية واسعة النطاق من دولٍ عدّة لحماية الممرات البحرية بالتنسيق والتعاون مع الدول الحليفة لها والشريكة.

استقدمت الولايات المتحدة إلى قاعدة الأمير سلطان السعودية 500 من أفراد القوات المسلحة مع معداتهم كقوّة ردعٍ قابلةٍ للزيادة لمواجهة "التهديدات الناشئة" في المنطقة "وتعزيز العمل المشترك في الدفاع عن أمن المنطقة واستقرارها وضمان السلم فيها".

قد لا تُكتب للجهود الأمريكية نسبة نجاحٍ مقبولة في تأمين الممرات البحرية بينما تستمر دوافع الأعمال الإيرانية قائمة والتي تمثلها حملة "الضغط القصوى" المتجددة بحزمٍ من العقوبات التي تدفع إيران إلى "تفجير" الأوضاع في المنطقة على أمل إرغام المجتمع الدولي للضغط على الولايات المتحدة للجلوس إلى طاولة المفاوضات دون شروطٍ مسبقة، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة التي تدعو إلى مفاوضاتٍ ثنائية حول الملف النووي مع شروطٍ تسبقها بتبني إيران سلوك "الدولة الطبيعية" التي لا تُهدد جيرانها أو أمن المنطقة.

وتنوي الولايات المتحدة إطلاق مبادرة لتأمين حركة الشحن الدولية عبر الممرات البحرية في الخليج العربي عبر نشر سفنٍ حربيةٍ وطائرات استطلاعٍ ومراقبة واسعة النطاق، بالإضافة إلى كاميرات وأجهزة مراقبة على السفن التجارية وناقلات النفط المارة عبر مضيقي هرمز وباب المندب. 

وتحدثت تقارير غربية عن أنّه من بين المعدات التي وصلت إلى "قاعدة الأمير سلطان" في السعودية عددٌ من بطاريات منظومة صواريخ باتريوت الدفاعية سيعمل عليها الجنود الأمريكيون الذين وصلوا فعلاً إلى القاعدة، بالإضافة إلى احتمالات نشر سرب من طائرات الشبح "أف 22" في القاعدة نفسها بما يُتيح، وفق رؤية القيادة المركزية الأمريكية، "ردعًا إضافياً، ويضمن قدرة الولايات المتحدة على حماية قواتها ومصالحها في المنطقة من تهديداتٍ ناشئةٍ جدية".

طالما استمرت الولايات المتحدة في حملة "الضغط القصوى" فإنّ خطر التصعيد سيظلّ قائماً، وقد تنزلق المنطقة إلى حربٍ "محدودة" يمكن أنْ تتسع رقعتها لتشمل جغرافياتٍ أخرى تتمتع إيران فيها بنفوذٍ واسع عبر قوات حليفة موالية لها، الحشد الشعبي العراقي و"حزب الله" اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية.

إنّ أيّ مواجهاتٍ في المنطقة ستعني وقف حركة الشحن الدولية عبر الممرات البحرية في المنطقة ما قد يؤدي إلى اضطراباتٍ في سوق النفط العالمية وبالتالي إمكانية دخول العالم في أزمة اقتصادية حادة، وهو ما تُدركه الولايات المتحدة وبريطانيا ومعهما دول العالم الأخرى بما يجعلهم يتجنبون قدر المستطاع أي احتمالات لتفجير الأوضاع في المنطقة. 

من المرجح أنْ تحتفظَ إيران بالناقلة البريطانية للمساومة على ناقلتها المحتجزة في مضيق جبل طارق.

إنّ احتمالات تبني بريطانيا عقوبات على إيران بعد فوز بوريس جونسون بزعامة "حزب المحافظين" الحاكم في بريطانيا، ليصبح بذلك رئيس الوزراء البريطاني الجديد المعروف بتأييده مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ قد يدفع إيران لتنفيذ المزيد من الإجراءات الاستفزازية ما "قد" يزيد من احتمالات توجيه الولايات المتحدة والدول الحليفة، بما فيها إسرائيل، ضربةً عسكريةً "محدودة" تستهدف مصادر التهديد الإيرانية بالتنسيق مع بريطانيا التي كانت تجنح في عهد رئيسة الوزراء السابقة إلى عدم تقويض صفقة الاتفاق النووي مع إيران، وضرورة التفاوض حول ملفها النووي.