كيف دفعت أمريكا تركيا إلى شراء "أس 400" الروسية؟

12

طباعة

مشاركة

أرجع الكاتب والصحفي التركي سيدات إرجين، صفقة الصواريخ الروسية "أس 400" التي عقدتها تركيا إلى تصدع العلاقات بين واشنطن وأنقرة، مشيرًا في مقال له نشرته صحيفة "حرييت" التركية، أنه لو كانت العلاقات بين الطرفين على ما يرام وقائمة على الثقة، ولو لم تكن للولايات المتحدة يد في تنفيذ المحاولة الانقلابية في تموز 2016، لكان ذلك أفضل للجميع.

وبدأ إرجين مقاله مذكّرًا بأن المقر الرئيسي لمحاولة الانقلاب التي وقعت قبل ثلاث سنوات، هي "قاعدة أكنجي" -رابع أكبر قاعدة عسكرية تركية مقرها العاصمة أنقرة- حيث لعب كل من عادل أوكسوز وكامل باطماز دورًا مهمًا في عملية صنع القرار في الانقلاب، فعلى سبيل المثال، غادرت طائرة من طراز أف-16، التي قصفت مركز العمليات الخاصة بالشرطة في جول باشي وقتلت 44 شرطيًا، من ذات القاعدة.

ولفت الكاتب إلى أنه وبعد محاولة انقلاب 15 تموز، تم إلغاء ثلاثة أساطيل طيران بسبب سجلهم في المحاولة، وتخفيض رتب عدد من القادة هناك إلى مستويات مختلفة، فيما تحول اسم القاعدة العسكرية "أكنجي" إلى "قاعدة مرتد" عقب إفشال محاولة الانقلاب. 

رمزية قوية 

واستطرد صاحب المقال، قائلا: "انظروا إلى تقلبات الزمن، بعد ثلاث سنوات من إطلاقه، أصبح المدرج الذي يبلغ طوله أربعة كيلومترات في هذه القاعدة، مسرحًا لصعود وهبوط طائرات الشحن العسكرية العملاقة التي تحمل أنظمة الدفاع الجوي من طراز أس 400 من روسيا.

وفي الذكرى السنوية الثالثة لمحاولة الانقلاب، كان للتغيير في وظيفة الطائرات العسكرية باستخدام هذه القاعدة وجنسية الضيوف الجدد رمزية هائلة.

وتابع موضحا؛ من المهم أن القاعدة، التي كانت مقرًا لمحاولة الانقلاب التي وقعت في 15 يوليو/تموز -التي يعتقد كوادر حزب "العدالة والتنمية" أن وراءها الولايات المتحدة- تستضيف الشطر الأول من أنظمة أس 400 الروسية الصنع اليوم.

من الممكن أن تكون لوصول الصواريخ في ذات ذكرى إفشال الانقلاب رمزية قوية، كما كانت أول طائرة أنتونوف "آن 124" المعروفة بـ"روسلان". فقد هبطت في "قاعدة مرتد" يوم الجمعة 12 يوليو/تموز وفي الأيام التالية، تزامنت مراسيم تسليم أس 400 مع مراسيم إحياء ذكرى 15 تموز، ومع استمرار حركة شحن البضائع من روسيا؛ هذا التزامن، بحسب الكاتب، لم يكن صدفة.

وأشارت الصحيفة إلى أن "آن 124" روسلان، هي ثاني أضخم طائرة نقل عسكري في العالم بعد الطائرة الروسية أنتونوف "آن 225"، وتعتمد عليها القوات الجوية الروسية في نقل العتاد العسكري والجنود إلى مواقع تبعد آلاف الكيلومترات عن قواعد انطلاقها، كما تستخدمها دول أخرى لذات الغرض.

وقد توقف إنتاج الطائرات الجديدة من هذا الطراز في عام 2013، ويزيد حجمها بنسبة 25 % عن طائرة الشحن العسكري الأمريكية "سي 5 جالاكسي".

رسائل مشفرة

ومضى الكاتب، معلقًا على ذلك بالقول، في الواقع، إن علاقة 15 تموز بصواريخ "أس 400" ظهرت بشكل غير مباشر في الخطاب الرسمي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا العام؛ فعلى سبيل المثال، كان خطابه يوم الإثنين 15 تموز في قسم شرطة أنقرة في الصباح وفي المساء جرت الاحتفالات بمطار إسطنبول أتاتورك، وقد ركز في كلا الخطابين بشدة على "أس 400".

خطاب أردوغان في أنقرة، الذي جاء خلال حفل افتتاح مبنى إدارة شرطة أنقرة، بعد أن أعيد بناؤه على أنقاض ما دمرته طائرات من طراز أف-16 ليلة محاولة الانقلاب، وخلال تأبين الشهداء الذين قضوا في تلك الليلة، تطرق فيه الرئيس للكثير من القضايا؛ منها الاقتصاد والأمن وصناعة الدفاع والسياسة الخارجية.

وذكر أردوغان وقتها في خطابه، أن البعض قال إن أنقرة لن تتمكن من شراء الصواريخ الروسية، ثم قالوا إن شراءها خطوة غير صحيحة، وحتى لو حدثت لا يمكن نصب هذه الأنظمة، قبل أن يتابع: لكن الصواريخ وصلت، وبدأت في الوصول إلى مكانها والطائرات التي تحمل هذه المعدات لا تزال تهبط، والهدف اليوم هو إنتاج صواريخ بشكل مشترك مع روسيا، "بل إننا ذاهبون مع موسكو لما هو أبعد من ذلك".

الرئيس التركي، كرر ذات الكلمات في إسطنبول، أمام حشد كبير في مطار أتاتورك، وأضاف هذه المرة في خطابه: "نحن وقفنا ثابتين أمام كل الصعاب ولم ننحنِ، ولأننا أتراك نفي دائمًا بوعدنا ونكون دومًا خلف كلمتنا".

وشرح الكاتب، أبعاد هذه الاحتفالات وهذا الخطاب، مشددا على أن الاحتفال بذكرى فشل انقلاب 15 تموز بالتزامن مع تسليم "أس 400" هو تأكيد على القومية التركية. وهو ما أبرزته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عندما قالت على لسان مراسلها في إسطنبول: "إذا كانت هناك رسالة تكمن وراء هذا الاتفاق، أس 400، فهي شكوك أردوغان العميقة بأن واشنطن تقف وراء محاولة الإطاحة به في الليلة الدامية عام 2016". 

وزاد إرجين قائلا؛ في هذه الحالة، يعد وصول طائرات أس 400 ردا على تدخل الولايات المتحدة في محاولة انقلاب 15 تموز. مضيفا: "في الواقع، عدم اتخاذ الإدارة الأمريكية موقفا سريعا لإدانة محاولة الانقلاب، وعدم توفر الحكومة الأمريكية على القوة المتوقعة للإعلان عن دعمها لحكومة أنقرة تسبّب في تساؤلات جدية حول موقف واشنطن". 

أمريكا متهمة

وقد اتهم أردوغان بعض الجنرالات الأمريكيين بالوقوف بجانب المتآمرين في محاولة الانقلاب بعد فترة قصيرة منه، وبالتحديد في 29 من يوليو/تموز، وذلك إثر تصريحات بعضهم المثيرة للجدل ومنها أن "الانقلابيين هم من تركيا، وأنه عمل على تغذيتهم، وكذلك هم من الدائرة القريبة منه"، كما وجّه انتقادات مباشرة للولايات المتحدة.

وبعد ذلك، لم تسلم الإدارة الأمريكية فتح الله غولن المتهم الأول بتدبير محاولة انقلاب في تركيا، ولا حتى أيًا من المنسوبين لمنظمته؛ وهذا ما عزز رأي كوادر حزب "العدالة والتنمية" بأن الولايات المتحدة كانت وراء المحاولة. 

ولعل ما يؤكد ذلك، بحسب الكاتب، انعدام الثقة الناتج عن اختيار الولايات المتحدة لدعم أذرع حزب "العمال الكردستاني"، الذي تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية، في سوريا بواسطة قوات سوريا الديمقراطية "يي بي جي" و"بي يي دي"، حتى باتت هذه الأذرع حليفا عسكريًا للولايات المتحدة بدعوى قتالهم تنظيم الدولة، ما أدى لمزيد من تدهور العلاقات بين الطرفين التركي والأمريكي.

وختم الكاتب مقاله، قائلا إنه من الممكن أن يكون قد ظهر قرار شراء أس 400 من روسيا كنتاج لهذا المناخ السلبي بين أنقرة وواشنطن، لكن بعيدا عن هذا كله فإن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة لو كانت قائمة على الثقة، فلن تكون لأنقرة فرصة البحث مع روسيا على صواريخ تحمي مجالها الجوي، ولما كان هناك صواريخ أس 400.