مقابل بقائه بالسلطة.. هل تنجح روسيا بدفع الأسد للتخلي عن إيران؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

طالما مثّلت سوريا منطقة تنافس وتسابق بين النفوذ الروسي والإيراني، حيث سعى كل طرف إلى تحقيق أعلى قدر من المصلحة على حساب الآخر، كل بطريقته الخاصة، رغم اتفاق الطرفين وحرصهم على أن بقاء نظام بشار الأسد هو الضامن الوحيد لتحقيق تلك المصالح.

فبحسب دراسة أجراها مركز "التقدم" للدراسات، فإن الطرفين (الروسي الإيراني) يتفقان على ضرورة الحفاظ على نظام الأسد في سوريا، لضمان مصالحهما الإستراتيجية، لكنهما يختلفان في حساب الفوائد والصفقات الاقتصادية ومساحة النفوذ على الجيش والسلطة في البلاد، وعلى آليات ووسائل تحقيق تلك الأهداف والتوافقات المشتركة.

وقد دفع حساب المصالح والفوائد، الجانبين إلى التغلغل أكثر في مواقع ومراكز النفوذ، حيث تنافس وتسابق الجانبان على إحداث تغييرات أمنية وعسكرية في قيادة النظام السوري، إذ سعى الجانب الإيراني إلى تعيين قيادات من الطائفة العلوية تتيح لطهران إمكانية التمدد العسكري وتحقيق مكاسب اقتصادية في سوريا.

وفي المقابل، سعى الروس إلى تفكيك المنظومة الطائفية لجيش النظام السوري والأجهزة الأمنية، تحت مبرر ضرورة أن تكون الأجهزة الأمنية ذات تنوع طائفي ومناطقي، غير أن ذلك كان، فيما يبدو، من أجل الحيلولة دون هيمنة الجانب الإيراني على المراكز الحساسة لنظام الأسد. 

تفكيك منظومة إيران 

في دراسة حديثة لمركز "المرصد" للدراسات الإستراتيجية، كشف عن تغييرات وتعيينات وترقيات هي الأوسع منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أجراها النظام السوري لمسؤولين عسكريين في قيادة الأجهزة الأمنية وضباط المخابرات.

وبحسب الدراسة، فإن الاستخبارات الروسية كانت هي المسؤولة عن تلك التغييرات، حيث شرع الروس بإحداث تغييرات جوهرية طالت مراكز قيادية عسكرية وأمنية، وذلك بعد إحكام سيطرتهم على قيادة أركان قوات النظام والحكومة، وتحويل شعبة "المخابرات العامة"، و"إدارة أمن الدولة" إلى ذراع أمني واستخباراتي روسي في سوريا.

منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تعكف الاستخبارات الروسية على تفكيك المنظومة الموالية لإيران ولماهر الأسد الذي يعتمد على قائد فيلق القدس، اللواء قاسم سليمان، في تقوية التشكيلات المسلحة الخاضعة له، فيما يعوّل سليماني، بدوره، على ماهر الأسد للمحافظة على شبكة واسعة من المقرات العسكرية ومصانع إنتاج وتخزين الصواريخ، لضمان أكبر قدر من الهيمنة العسكرية والاقتصادية في سوريا.

نفوذ مبكر للروس

بالرغم من أن التدخل الروسي جاء بعد خمس سنوات من حرب استنزاف تعرضت لها إيران في سوريا، في عملية مثّلت ما يمكن أن يسمى انتشالا لإيران من مستنقع كاد أن يغرقها، بعد أن تقلصت المساحة التي يسيطر عليها النظام لنحو 20 بالمائة من الأرض، إلا أن النفوذ الروسي كان قد سبق تلك الأزمة بوقت مبكر.

فقد أشرفت الاستخبارات الروسية على تدريب وتأهيل الدوائر الأمنية المحيطة ببشار الأسد، منذ عام 2000 وحتى 2009، وتدخلت في إنهاء الأزمة الناشئة عن مقتل رئيس شعبة الأمن السياسي الأسبق اللواء رستم غزالي على يد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق اللواء رفيق شحادة عام 2015، ما مكنها من معرفة مفاصل الدولة والدائرة الضيقة المحيطة به، والأماكن الحساسة والعناصر الحساسة في نظام الأسد.


وعليه تمكنت من تعزيز نفوذها الروسي في القصر الجمهوري، وأحكمت السيطرة على جهاز المخابرات، ومراقبة الأنشطة الإيرانية والأمريكية في سوريا، وشرقي الفرات على وجه الخصوص، كما ساعدها أيضا على التخلص من مناوئي بشار الأسد من الشخصيات التي يمكن أن تحظى بدعم خارجي تتحدى سلطته في المرحلة القادمة.

ماذا مقابل بقاء الأسد؟

كانت البداية لتلك التغييرات والتحولات الجذرية التي قامت بها الاستخبارات الروسية، عندما طلب الرئيس الروسي فلادمير بوتين من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فبراير/ تشرين الثاني الماضي، تصورا لكيفية معالجة الأزمة السورية، وفتح قناة تواصل مع واشنطن حول سوريا.

ونتج عن ذلك اجتماعات عدة، كان أهمها الاجتماع الثلاثي في القدس المحتلة، بين واشنطن وموسكو وتل أبيب، نهاية يونيو/حزيران الماضي، الذي ضم مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، وسكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي بتروشيف، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي بن شبات.  

تناول الاجتماع الحديث عن إخراج إيران من سوريا، والانفتاح مع تل أبيب، وهو الأمر الذي يشكّل مصلحة إسرائيلية، وبالضرورة مصلحة أمريكية، حيث سيسهم خروج إيران من سوريا، بتعزيز أمن إسرائيل، ويسهم أيضا باستحواذ موسكو وتفردها بالقرار في سوريا .


وكان الإعلام الروسي الرسمي، قد سرّب الحديث عن موافقة واشنطن وتل أبيب لصفقة تضمنت إعادة تأهيل النظام السوري، مقابل القبول بخروج إيران من سوريا، وأن دمشق ترغب بإقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب مقابل التخلي عن طهران.

ولعل تسليم رفات الجندي الإسرائيلي زخاريا باوميل في أبريل/نيسان الماضي، الذي فُقد في معركة بسهل البقاع اللبناني قرب الحدود السورية عام 1982، قد جاء في السياق ذاته، حيث أتى، بحسب مراقبين، كبادرة حسن نية مع إسرائيل وخطوة من أجل بناء الثقة، وبحسب "قناة 13 الإخبارية" الإسرائيلية، فإن موسكو كانت قد رتبت لهذه العملية، التي أسفرت عن تسليم الجندي بعد اختفائه لأكثر من 37 عاما. 

وبحسب دراسة المرصد، فقد تحدثت مصادر أمنية مقربة من موسكو، أن دمشق أبدت تجاوبا في مسألة التخلي عن القوات الإيرانية، واستعدت لمناقشة رحيل القوات الإيرانية مقابل ضمانات، بعد تلقيها وعودا ببقاء بشار الأسد رئيسا، ورفع العقوبات على الحكومة وشخصيات سورية أخرى.

ثمن بقاء النظام

وفقا لتقرير نشره موقع "ديبكا" الاستخباراتي الإسرائيلي في 20 يونيو/ حزيران الماضي، فإن بشار الأسد أجرى اتصالا مطولا في 8 يوليو/تموز الجاري مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بوساطة من الكرملين، وعلم من البيت الأبيض، تناول فيه الترتيبات العسكرية في المناطق الحدودية، وتعهد بشار الأسد بالآتي: 
1. الحفاظ على حالة السلم في المناطق الحدودية.
2. منع القوات الإيرانية وعناصر "حزب الله" من توجيه ضربات إلى إسرائيل، عبر الأراضي السورية.
3. إبعاد جميع الوحدات القتالية والمنظومات الصاروخية عن الجولان.
4. منع الطائرات الإيرانية المسيّرة من استخدام المجال الجوي السوري للهجوم أو التجسس على إسرائيل.
5. عدم السماح لإيران بالسيطرة على أي مرفق إستراتيجي من قطاعات الاقتصاد السوري، وخاصة ميناء اللاذقية، حيث طمأن الأسد نتنياهو بأن العقد الذي تم توقيعه مع الإيرانيين لإدارة الميناء لن يتم تنفيذه في وقت قريب، إلا أنه لم يتحدث عن إلغاء العقد بالكامل.

وفي المقابل، تعهد نتنياهو لبشار الأسد بتقديم كامل الدعم الأمني والدبلوماسي لتحقيق التطبيع الإقليمي، وتمكين قوات النظام من السيطرة على المناطق الحدودية، وطمأنه بأن تل أبيب ستقنع الفصائل المتعاونة معها في القنيطرة بتحويل ولائها للنظام.

تحركات إيرانية 

على إثر تسرب تلك المعلومات إلى طهران، أجرى المساعد الخاص لرئيس البرلمان الإيراني للشؤون الدولية محسن أمير عبداللهيان زيارة مفاجئة في 15 يوليو/ تموز الجاري، إلى دمشق لمعرفة نوايا الأسد، ولم تنجح تأكيدات أركان النظام في تهدئة مخاوف إيران.

غادر عبداللهيان وهو مقتنع أن الأسد كان تقريبا قد حسم أمره و غيّر موقفه، الأمر الذي دفع بالاستخبارات الإيرانية إلى التواصل، بصورة سرية، وإجراء تغييرات في المخابرات السورية، منها إعفاء اللواءين علي مملوك وحسن جميل من منصبيهما.


وإثر التغييرات التي أجراها الروس، لإحكام سيطرتهم على مفاصل الدولة، بدأت إيران بإجراء تغييرات مقابلة، فغيرت في صفوف المخابرات الجوية، الإدارة المركزية بدمشق، كما قامت بتسريح ضباط، وإحالة آخرين إلى التقاعد، كما هو الحال مع قائد شعبة الاستخبارات العسكرية اللواء محمد محلاّ، الذي أحيل للتقاعد، وتم تعيينه مستشارا أمنيا في القصر الجمهوري.

تجدر الإشارة إلى أن بعض تلك التغييرات لم تتم بسلام، فقد شهدت الفترة الممتدة ما بين شهري أبريل/ نيسان ويونيو/حزيران 2019؛ اندلاع معارك سقط فيها عشرات العناصر من المجموعة المسلحة المحسوبة على الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري من جهة، والفيلق الخامس وبعض قطاعات الجيش من جهة ثانية، فضلا عن عمليات التصفية الجسدية التي طالت العشرات من ضباط النظام. 

في الوقت الذي ترغب موسكو بالتفرد بالقرار في سوريا، إلا أنه ليس من السهل التخلي عن الحليف الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، كذلك الأمر بالنسبة لطهران لن تغامر بالتفريط بالحليف الروسي خاصة بعد العزلة التي تعيشها إثر توتر العلاقات بين واشنطن وطهران، وهو ما يرجح أن عرض تل أبيب وواشنطن بدفع النظام السوري للتخلص من إيران، قد يكون غير قابل للتطبيق.

وذلك، لأن إيران تستند إلى مجموعات مسلحة تشكل القوة الفعلية على الأرض، وتتمتع بعلاقات وثيقة مع النظام السوري، وكان الأمين العام لمجلس الأمن القومي الأعلى في إيران، علي شمخاني، قد أكد أنه لا أحد يمكنه أن يجبر إيران على الانسحاب من سوريا، معتبرا المسألة هذه ليست محور بحث، بل من الخطوط الحمراء التي لا يسمح لأحد بالتكلم عنها، ما دفع مراقبين للقول إن التباينات والخلافات ستبقى بين طهران وموسكو على نار هادئة دون الوصول الى مرحلة الصدام .