خطاب العنصرية.. هل يصل بترامب إلى الرئاسة الثانية؟

محمد سراج الدين | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

"أنا لست عنصريا.. لا بل أنت كذلك"، هذا السجال ربما لم يكن الأول بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعدد من معارضيه، الذين يتعامل معهم ترامب دائما بألفاظ وسياسات عنصرية واضحة.

إلا أن المرة الأخيرة التي تعامل بها ترامب بألفاظ عنصرية لم تمر مرور الكرام كما اعتاد الرئيس، فالخطاب كان موجها لعضوات بالكونجرس، والألفاظ التي استخدمها ترامب كانت تشكيكا في ولائهم للولايات المتحدة، ما دفع بالكونجرس لاستصدار قرار يدين تصريحات الرئيس ويقول له: "أوقف تجاوزاتك".

تصريحات ترامب التي شملت دولا وأجناسا وديانات، يعتبرها البعض أمرا مرتبطا بموسم الانتخابات، حيث يعول ترامب في حملته الرئاسية الثانية على الأمريكيين البيض، مستخدما لغة القومية سلاحا للوصول إلى أصواتهم، وهو ما استطاع تحقيقه في المرة الأولى.

إلا أن نفس السياسة هذه المرة لها حسابات مغايرة، ومستقبل ربما يكون غامضا، بعد أن تحول ترامب إلى "أسد" على الأمريكيين، بينما تحول إلى "نعامة" أمام تركيا وكوريا وإيران.

الزم حدك

وفقا للمتابعين فإن الإجماع الذي شهده الكونجرس الثلاثاء 16 يوليو/تموز الجاري لإدانة ترامب بشكل رسمي، دفعت الأخير لمحاولة تجميل تصريحاته، محاولا تبرئة نفسه بأنه غير عنصري، بعد أن وصف تكتل الحزب الديمقراطي، الذي انضم له 4 نواب من الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس، عبارات ترامب ضد النائبات الديمقراطيات، ألكسندريا أوكاسيو كورتيز (نيويورك) وإلهان عمر (مينيسوتا) وأيانا بريسلي (ماساشوستس) ورشيدة طليب (ميشيغان)، بأنها عدائية وعنصرية.

وحسب المتابعين، فإنها المرة الأولي الذي يتخذ فيها الكونجرس هذا الموقف الصارم ضد ترامب، فهو لم يكتف بالإدانة، وإنما أكد أيضا أن تصريحات ترامب "شرّعت وزادت الخوف والكراهية تجاه الأمريكيين الجدد والأشخاص الملوّنين".

وانتقد القرار "قول ترامب إن أعضاء الكونجرس من المهاجرين، لا ينتمون إلى الكونجرس أو إلى الولايات المتحدة الأمريكية"، رافضا أيضا وصف ترامب بالمهاجرين وطالبي اللجوء بـ"الغزاة".

وقال ترامب ردا على حملة الانتقادات حول تغريداته، بأنها لم تكن عنصرية، وأضاف قائلا: "لن تجدوا جراما واحدا من العنصرية لدي"، داعيا نواب حزبه إلى عدم الوقوع في "الفخ" الذي ينصبه لهم خصومهم الديمقراطيون.

ورغم تحذيرات ترامب لنواب حزبه من مشاركة الديمقراطيين في انتقادهم، فإن سيناتور أريزونا الجمهوري السابق جيف فليك، وصف تغريدات ترامب بـ"المهينة"، مؤكدا أن سكوت قادة الحزب عن كلام من هذا النوع لا يمكن تبريره.

وقال فليك في تغريدة له: "قلت مرارا إنه لا يمكن للنواب الجمهوريين الرد على كل تصريحات الرئيس، لكن عندما تكون هذه التصريحات فظيعة ومهينة لا بد لهم عندها من إدانتها".

أما جو بايدن، نائب الرئيس السابق والمرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة عام 2020، فقال: إن التاريخ الأمريكي "لم يشهد إطلاقا رئيسا عنصريا أكثر من هذا الرجل".

ليس أولهم

ذهب العديد من الخبراء إلى أن ترامب لم يكن الأول بين الرؤساء الأمريكيين الذين استخدموا ألفاظا عنصرية من أجل أهداف انتخابية، وهو ما أكدته شبكة cnn الأمريكية، بأن تصريحات ترامب في مؤتمر انتخابي بكارولينا الشمالية، يرسم ملامح حملة ترامب الانتخابية، والتي من الواضح أنها ستعتمد على الكراهية والاستقطاب السياسي، بغض النظر عن تأثير ذلك على المجتمع الأمريكي.

وتشير cnn إلى أن الصيحات بإعادة إلهان عُمر إلى بلادها، وهي أول أمريكية من أصل صومالي تصل إلى الكونجرس، تعتبر جزءا من خطة ترامب المُمنهجة للتخلص من المهاجرين، ونبذ التنوع بهدف الحصول على دعم القوميين البيض من أجل إعادة انتخابه، مستدلة بلجوء العديد من الرؤساء إلى الطريقة ذاتها مثل ريتشارد نيكسون، الذي كان يستخدم الرسائل العنصرية المموهة في حملته الانتخابية.

ويروي المؤرخ الرئاسي تيموثي نفتالي، لـ cnn أن الولايات المتحدة شهدت العديد من الرؤساء العنصريين، حيث رفض وودرو ويلسون عملية إعادة الإعمار بعد الحرب، خوفاً من هيمنة العرق الجاهل والأدنى على البلاد، كما أنه عارض منح السود حق التصويت، وأرجع ذلك إلى أنهم يشكلون تهديداً على المجتمع.

كما وقع كالفين كوليدج، الرئيس رقم 30 للولايات المتحدة، مشروع قانون للهجرة يهدف إلى تجنب الخطر الأصفر، أي الآسيويين، بالإضافة إلى منع الأفارقة والعرب من دخول البلاد، وشدد في عام 1923 على إبقاء "أمريكا أمريكية".

وحسب المؤرخ الأمريكي، فإن الرئيس فرانكلين روزفلت أصدر أمراً تنفيذيًا أدى إلى النقل القسري لـ117 ألف ياباني أمريكي من الساحل الغربي إلى معسكرات الاعتقال بعد قصف بيرل هاربر. ودافع مؤيدوه عن هذا الأمر مُشيرين إلى أن بلادهم تعرضت للقصف من قبل اليابانيين وكانوا في حالة حرب.

ويرى نفتالي أن "المختلف في وضع ترامب، أنه يعبر عن عنصريته بطريقة واضحة وصريحة، ويوجد العديد من الأمثلة التي تؤكد ذلك مثل موقفه من حادث شارلوتسفيل، وكذلك موقفه من المهاجرين غير الشرعيين، ودعواته لبناء جدار عازل بين الولايات المتحدة والمكسيك".

بين السطور

ويذهب العديد من المحللين إلى أن ما صرح به ترامب لم يكن زلة لسان، وإنما تعبر كلماته عن أهداف سياسية وإعلامية وانتخابية، ويستدل الكاتب المصري عبد الله عبد السلام في صحيفة الأهرام على أن كلام ترامب ليس زلة لسان أو تنفيساً عن غضب من انتقادات النائبات الأربع اللاذعة لسياسات ترامب، بأن أغلبية القيادات الجمهورية لاذت بصمت القبور، ولم يشذ سوى عدد قليل قام بانتقاد ترامب على استحياء.

وحسب تحليل عبد السلام الذي نشرته الأهرام المصرية (حكومية)، فإن ما يقوم به ترامب خطة محكمة تهدف لإعادة انتخابه من خلال تحديد أجندة المعركة الانتخابية بالتركيز على قضايا أثيرة لديه مثل منع الهجرة وبناء السور.

ويتفق مع نفس الرأي، طارق فهمي خبير العلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة الذي أكد أن هذه التصريحات، يجب فهمها في سياق الخطاب السياسي والإعلامي تجاه الأقليات في الولايات المتحدة وليس لشريحة معينة.

مشيرا إلى أن النسق الفكري العقائدي لترامب يؤكد على عنصريته، وأنه يريد في هذا التوقيت توظيف هذا الملف لحسابات انتخابية، متحدثا عن رغبته في إعادة أمريكا للأمريكيين فقط، ما يجعل في النهاية الموضوع ليس قضية حزبية أو انتخابية، ولكنها ترتبط بالقيم الحاكمة بالنظام السياسي الأمريكي.

جيش نسائي

محللون آخرون نظروا لخطاب العنصرية الذي يوجهه ترامب لخصومه، بوجهة نظر مغايرة، حيث اعتبروا أن الصدام هذه المرة مختلف وسيكون له تأثير سلبي على ترامب، وإيجابي علي أمريكا ككل، وربما يكون سببا في هزيمة ترامب وشركائه العنصرين، بما يعيد بوصلة النظام الأمريكي مرة أخرى.

وحسب مؤيدي هذا التحليل فإن عضوات الكونجرس الأربع ألكسندرا أوكاسيا (نيويورك)، رشيدة طليب (ميتشيغن)، إلهان عمر (مينيسوتا)، أيانا بريسلي (ماشوشيتس)، يُشكّلن وحدَهن جيشًا من الأحرار ويتصدين لترامب العُنصري وبذاءاتِه وسقطاته العنصريّة، ويُسقطن القِناع عن وجوه كُل الداعمين البيض الذين أوصلوه إلى البيت الأبيض، ويتساوين في هذا المِضمار مع كُل المُناضلين الشّرفاء ضِد التّمييز العُنصري في بلدهن مِثل القس مارتن لوثر كنغ.

ووفقا لأنصار الرأي السابق فإن أمريكا لم تكُن بيضاء حتى يُحاول ترامب وغيره الحِفاظ على جيناتها القوميّة البيضاء، وكانت وستظَل لكُل الأعراق والألوان، وإذا كان هُناك من يستحق الرّحيل فهو ترامب لا غيره.

اللعب بالنار

وربط مختصون تغريدات ترامب الأخيرة، بما كشفه السفير البريطاني في الولايات المتحدة، بأن ترامب انسحب من الاتفاق النووي مع إيران ووضع العالم علي فوهة بركان الحرب، نكاية في الرئيس السابق باراك أوباما، الذي يمثل عقدة لترامب، ولذلك فإن الأخير يحاول التنفيس عن هذه العقدة باستخدام منصبه للتّعبئة ضد كُل ما هو غير أبيض، ولهذا يصُب غضبه على المَكسيكيين والمُسلمين، والمُهاجرين من أمريكا اللاتينيّة.

وتشير تحليلات أخرى إلى أن عقدة ترامب ليست فقط من أوباما باعتباره شخصية مثقفة، وحازت على احترام الجميع، وإنما عقدته من الحزب الديمقراطي بشكل عام، وهو ما كان سببا في أن يصف ترامب في أول تجمع انتخابي له أعضاء الحزب بأصحاب "الإيديولوجيات اليسارية" التي تريد تدمير دستور أمريكا والقضاء على القيم التي قامت على أساسها.

ووفق الرأي السابق فإن ترامب يلعب بالنار، لأنه في الوقت الذي يثير حماسة قاعدته الانتخابية، يجازف بتأجيج التوترات العرقية والإيديولوجية من خلال تشجيع الانقسامات في البلاد، بعد أن أصبح رهانه الوحيد لكسب الانتخابات هو تعبئة الناخبين البيض، الذين منحوه خلال الأيام الماضية عدة نقاط إضافية في استطلاعات الرأي المتعلقة بشعبية المرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة بالولايات المتحدة.