كأس أمم إفريقيا 2019.. هل تصلح الكرة ما أفسدته السياسة؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

المشهد الذي زين شوارع وساحات المدن العربية ومواقع التواصل الاجتماعي احتفاء بفوز المنتخب الجزائري ووصوله لنهائي كان 2019 المقامة بمصر، أعاد للذاكرة ما حصل قبل 9 أعوام من الآن، خلال التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا.

وقتها شهدت العلاقات بين الجزائر ومصر توترا كبيرا، بعدما تعرضت حافلة المنتخب الجزائري في القاهرة لاعتداء من الجمهور، وما حدث في أعقاب المباراة الفاصلة التي أقيمت في أم درمان بالسودان، وفاز فيها المنتخب الجزائري بهدف دون رد وتأهل إلى نهائيات كأس العالم على حساب المصريين.

مساء الجمعة 19 يوليو/تموز الجاري، كانت الجماهير العربية على موعد مع نهائي كأس الأمم الإفريقية (كان 2019)، الذي حجز فيه المنتخب الجزائري مقعدا أمام السنغال بعد فوزه على منتخب نيجيريا في الدور قبل النهائي بهدفين لهدف.

بعد مباراة الجزائر ونيجيريا هتفت الجماهير من المغرب الأقصى إلى القاهرة فرحا بتأهل الفريق العربي الوحيد إلى نهائي كان 2019 ما طرح التساؤل، هل تصلح كرة القدم ما أفسدته السياسة على مدار الأعوام الماضية بين الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج؟.

فوق السياسة

من مدرجات ملعبي 30 يونيو والسلام في القاهرة، إلى مقاهي طنجة والدار البيضاء والرباط، توحّد الكثير من المغاربة وراء تشجيع المنتخب الجزائري خلال نهائيات كأس الأمم الإفريقية المقامة في مصر، خاصّة بعد خسارة المنتخب المغربي من منتخب بنين في الدور ربع النهائي.

تداولت القنوات الناقلة حصريا للمباريات مشاهد من مدارج هذه الملاعب لجماهير مغربية شاركت في تشجيع الفريق الجزائري، كما سجّلت وسائل إعلام محلية ودولية حجم التفاعل داخل المغرب مع جميع مباريات المنتخب الجزائري.

وضجت مواقع التواصل الإجتماعي بعدد كبير من الفيديوهات من مقاهي المدن الكبرى في المغرب لجماهير أثناء متابعتهم المباريات واحتفالهم بوصول الفريق الجزائري إلى النهائي.

لعلّ أبرز مقطع مصور شهد انتشارا على مواقع التواصل وتناقلته وسائل الإعلام العربية، الذي أظهر مشجعا جزائريا اخترق الحدود وسط الهتافات، فيما لم يرفع الجنود المغاربة السلاح في وجهه، رغم عدم قانونية فعلته، فيما تبادل آخرون التحيات على طول الحدود بين البلدين.

الحالة الحماسية المغربية الجزائرية اتخذت بعدا سياسيا، إذ فتحت الباب لتجديد المطالب بفتح الحدود البرية بين البلدين والمغلقة منذ عام 1994، واتخذت المطالب شكلا أكثر فاعلية إذ بدأ الدعوات عبر فيسبوك، لمسيرة من أجل عبور الحدود بين البلدين يوم السبت 20 يوليو/تموز 2019 .

الدعوة قوبلت بترحيب واضح لاسيما بين العائلات المختلطة والتي تسكن المناطق الحدودية بين البلدين وتعاني بسبب الإغلاق حيث يصعب على الكثيرين زيارة أقاربهم على الجانب الآخر للحدود.

ليس المغاربة وحدهم من شجعوا المنتخب الجزائري، فالجزائريون كذلك شجعوا المنتخب المغربي في محافل كثيرة، ومن ذلك مشاركة أسود الأطلس في مونديال روسيا 2018، في ظل عدم مشاركة "محاربي الصحراء" خلال تلك النهائيات. 

وبدأت حملة التشجيع مبكراً قبل ضمان التأهل عندما انتشرت صورة حملت هذه العبارات: "نحن كجزائريين نتمنى أن يتأهل بلدنا الثاني المغرب ويعوّض غيابنا وسنكون معه بالقلب والروح وسنشجعه.. خاوة خاوة".

خاوة خاوة

على الجانب الآخر من الحدود الجزائرية، التي لا تعيش نفس المشاكل السياسية بين البلدين، حيث يتوقع أن يصل عدد  السياح الجزائريين إلى تونس عام 2019 حسب تقديرات وزارة السياحة التونسية 3 ملايين سائح، عاش التونسيون شعورا مزدوجا بين الحسرة على خسارة منتخبهم والسعادة بتأهل المنتخب الجزائري.

إثر مباراة النصف النهائي، ازدحمت شوارع المدن الساحلية التونسية بالجزائريين والتونسيين المحتفلين بتأهل "محاربي الصحراء" إلى الدور النهائي، ولم يغب عن تدوينات التونسيين على مواقع التواصل الإجتماعي تمنياتهم بالفوز واحتفالهم بعد الانتصار.

ويرفع المشجعون الكرويون  في الجزائر وتونس شعار "خاوة خاوة" أي (إخوة إخوة)، الذي أضحى وسما متداولا، بصورة واسعة، على منصات التواصل الاجتماعي، وأظهرت بعض الصور مقاهي في تونس تزينت بـألوان المنتخب الجزائري استعدادا لمباراة نهائي كأس الأمم الإفريقية مساء اليوم الجمعة 19 يوليو/تموز.

ما حصل في تونس هو تماما ما حصل في مدن الجزائر احتفاء بوصول المنتخب التونسي للدور النصف النهائي، حيث تجمعت الجماهير الجزائرية أمام شاشات عملاقة لمشاهدة مباريات المنتخب التونسي. 

تجاوز المشكلة

إذا ذكرت مصر والجزائر ستحملك الذاكرة القريبة مباشرة إلى أم درمان عام 2009، تلك الأحداث التي رافقت مباراة تصفيات المونديال، حينها كان لوسائل الإعلام المصرية الدور الكبير في تأجيج التوتر بين جماهير البلدين، ما أدى إلى وقوع أحداث مؤلمة بقيت تداعياتها مؤثرة على علاقة الشعبين الشقيقين.

إلاّ أنّ السنوات القليلة التي تلت هذه الحادثة كانت كفيلة بتجاوز هذه الأحداث المؤسفة، إذ أثبتت الأيام أن الأخوة المصرية الجزائرية كان شرخها وجرحها هو الإعلام المسيس.

موقع "يوروسبور" ذكر في تقرير حول الأحداث قال فيه "موقف التكريم الجزائري للنجم المصري الخلوق قائد الأهلي السابق محمد أبو تريكة، والمحبة التي يحصل عليها في مختلف أطياف الشعب الجزائري، ماهو إلا دلالة على أن الجاني الأكبر في الأحداث المؤسفة التي كادت أن تضر بالتكاتف العربي لولا العقلاء، هو الإعلام فقط ولا أحد غيره".

وخلال نهائيات هذا العام، كما هتفت الجماهير الجزائرية في أكثر من مقابلة في الدقيقة 22 (رقم قميص أبو تريكة) لنجم المنتخب المصري السابق محمد أبوتريكة، اقتداء بالجماهير المصرية وكذلك التونسية، بعد الدعوات التي أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي، حرصت الجماهير المصرية على تشجيع المنتخب الجزائري في الأدوار المتقدّمة التي وصل إليها.

وانتشرت عشرات المقاطع المصورة للجماهير المصرية من داخل ستاد القاهرة خلال مباراة نصف النهائي التي جمعت الجزائر ونيجيريا، للجماهير المصرية وهي تشجع اللاعبين الجزائريين وخاصّة نجم مانشستر سيتي رياض محرز.

جدل واسع

وخلال المؤتمر الصحفي قبل مباراة الجزائر ونيجيريا قال جيرنوت رور مدرب منتخب نيجيريا عن توقعاته بشأن مساندة الجماهير المصرية: "المصريون ساندونا ضد جنوب إفريقيا، ربما لأننا قدمنا كرة قدم جيدة، لكن ليس بالضرورة أن يدعمونا ضد الجزائر، هم أخوة ويتحدثون نفس اللغة".

في الوقت نفسه أثارت إجابة جمال بلماضي المدير الفني لمنتخب الجزائر خلال المؤتمر الصحفي الخميس 18 يوليو/تموز الجاري حول تشجيع الجماهير المصرية للمنتخب الجزائري جدلا واسعا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

بلماضي رد على سؤال حول توقعاته بدعم الجماهير المصرية لمحاربي الصحراء في المواجهة الختامية أمام السنغال باستاد القاهرة، قائلا: "هذا السؤال لا يجب توجيه لي فالقرار متروك للجماهير المصرية، في كل الأحوال، سنلعب المباراة النهائية سواء في حالة حضور جماهير مصر فأهلا وسهلا بها وفي حالة عدم تواجدها فهناك جماهيرنا التي تدعمنا".

ووفقا للموقع الرسمي لبطولة كأس الأمم الإفريقية، أوضح بلماضي موقفه بقوله  "لم أقصد أنني لا أريد تشجيع الجماهير المصرية، بل ما قصدته هو أنهم لديهم مطلق الحرية في اتخاذ أي قرار يريدونه، وسنكون في كل الأحوال بخير لوجود جماهيرنا القادمة من الجزائر لمساندتنا، ولكن في النهاية مرحبا بالجماهير المصرية إلى جانبنا".