لوبي الثروة في تونس.. لماذا أفشل الشراكة مع الاتحاد الأوروبي؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في حواره مع صحيفة "لوموند" الفرنسية الثلاثاء 9 يوليو/تموز 2019، تحدث سفير الاتحاد الأوروبي بتونس باتريس برغاميني عن "لوبي عائلات" يتحكم في الاقتصاد التونسي، وهو ما أثار حفيظة حكومة يوسف الشاهد التي سارعت باستدعاء السفير وطلبت منه توضيحا حول تصريحاته.

تصريحات السفير الأوروبي جاءت بعد أيام قليلة من تداول أنباء حول تعليق اتفاق التبادل الحر بين الاتحاد الأوروبي وتونس، والذي حمّل السفير الأوروبي "المجموعات المعارضة للشفافية والمنافسة النزيهة" مسؤولية هذا التوقف.

تصريح السفير أعاد الحديث مرّة أخرى عن حقيقة حرب الحكومة التونسية على الفساد والذي رفعته شعارا منذ تولي يوسف الشاهد رئاستها، وعن درجة التدخّل الأجنبي في الشئون الداخلية للبلاد.

مستقبل مقلق

في قراءة متشائمة لمستقبل تونس ما بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، قال السفير الأوروبي بتونس باتريس بيرغاميني في حواره مع صحيفة لوموند: "أنا قلق أكثر من رفض النظام في تونس  للتطور اقتصاديًا. مهما كانت نتيجة الانتخابات، في عام 2020، سيكون هناك شخص في القصبة (مقر الحكومة)، عليه وضع أولويات إستراتيجية واقتصادية واضحة".

مضيفا: "من أجل ذلك يجب أن يكون لديه أغلبية نيابية مستقرة وصلبة من أجل تنفيذ برامجه. لم يكن هذا هو الحال مع الأسف في السنوات الثلاث الماضية، وهو ما يفسر سبب كون تونس اليوم أقل تجهيزًا اجتماعيًا واقتصاديًا مما ينبغي عليه أن تكون لحماية نفسها من الاضطرابات في ليبيا أو ربما في الجزائر غدًا".

وأضاف السفير "في عام 2020، سيكون أمام القيادة السياسية في هذا البلد خيارات أقل ووقت أقل من العام 2014 أو ما كانت عليه في العام عام 2016. ومهما كانت توجهاتهم السياسية، فسيواجه الفائزون في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة خيارًا: إما أنه عليهم أن يدركوا أن عليهم تطوير نموذج اقتصادي جيد جدًا يواجه الاحتكار، وإن لم يدركوا ذلك، سيكون هنالك قلق كبير".

وأضاف بيرغاميني معتبرا أن الثروة تتركز في أيدي عائلات معينة ترفض المنافسة وتوشك أن تقضي على مكتسبات الثورة، قائلا: "عائلات بعينها تتحكم في مفاصل الاقتصاد الوطني التونسي، بالإضافة إلى أن هناك مجموعات احتكارية تعوق المنافسة العادلة والشفافة".

واعتبر السفير الأوروبي أن الانتقال الاقتصادي في تونس لم يتحقق بعد، وأن الثروة تزداد تركزا في أيادي عائلات دون غيرها، وأنها توشك على الإجهاز على ما حققه الانتقال الديمقراطي سياسيا.

تدخل مرفوض

الحديث الذي أطلقه السفير الأوروبي يبدو لم يرقْ للحكومة التونسية، التي سارع وزير خارجيتها خميس الجهيناوي لاستدعائه على خلفية الحوار، وتناقلت وسائل إعلام محلية ودولية معلومات عن تقديم السفير اعتذاره للوزير التونسي معلّلا ذلك بأن جزءا من حديثه أخرج من سياقه.

وذكرت وكالة الأناضول التركية نقلا عن مصادرها أن "السفير اعتذر عن أقواله التّي أثارت موجة من الانتقادات في تونس، وأنه (برغاميني) اعتبر تصريحاته أخرجت نوعًا ما من سياقها".

في الوقت نفسه عبّر الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقلیدية (منظمة رجال الأعمال) عن استنكاره الشديد لما ورد في حوار السفیر، وشدد الاتحاد في بیانه 13 يوليو/تموز 2019 على رفضه تدخل سفیر الاتحاد الأوروبي بتونس، "في المشهد السیاسي والاقتصادي الوطني، بھذه الطريقة السافرة، بعد فشله الذريع في ملف الألیكا، وقبل شھرين من الانتخابات، وھو ما يطرح العديد من التساؤلات حول أجندة الاتحاد الأوروبي".

وقال الاتحاد في بيانه: "الاتحاد لا يسمح لأي كان بالتشكیك في وطنیة ومصداقیة الفاعلین الاقتصاديین وفي المجموعات العائلیة الاقتصادية التونسیة، التي تعد مكونا رئیسیا في النسیج الوطني على غرار بقیة بلدان العالم".

وأكد الاتحاد أن "العديد من المعطیات التي قدمھا سفیر الاتحاد الأوروبي في شأن بعض الملفات الاقتصادية مثل زيتون الزيتون و"الألیكا" وھجرة الكفاءات مغلوطة وذات طابع افترائي، وأن القطاعات المعنیة في الاتحاد بھذه الملفات ستقدم كل المعطیات والتفاصیل خلال الأيام القريبة القادمة لدحض ھذه الادعاءات".

كما يستنكر الاتحاد لغة المنّ والتضخیم في حديث السفیر الأوروبي عن المساعدات التي يقدمھا الاتحاد الأوروبي لتونس في إطار برامج التعاون المشترك".

"كبش فداء"

يبدو أن قرار تونس تعليق المفاوضات حول اتفاق التبادل التجاري الحرّ والشامل مع أوروبا  والمعروف باسم "أليكا" هو الدافع الأساسي وراء تصريحات سفير الاتحاد الأوروبي بتونس باتريس براغميني، والذي هاجم رجال الأعمال التونسيين متهماً إياهم باحتكار السوق ومنع فرص العمل أمام المستثمرين الشباب ما تسبب في إفشال المفاوضات.

وأشار سفير الاتحاد الأوروبي إلى أن القرار التونسي يرجع إلى الضغوط التي مارسها رجال الأعمال التونسيون على الحكومة، من أجل حماية مصالحهم من انفتاح السوق متهماً لوبيات باحتكار الاقتصاد ومنع تطويره.

وكمثال على ما سمّاه "المواقف الاحتكارية"، يقدم السفير مثال زيت الزيتون، حيث يذكر أنه في سنة 2018 قررت المفوضية الأوروبية أن تمنح تونس حصة تصديرية إضافية بـ30 ألف طن من زيت الزيتون المعلّب، غير أن تونس لم تتجاوب مع هذه الخطوة الأوروبية.

السبب في ذلك، كما يقول براغميني، أن تجار الجملة، ومنهم بعض المضاربين، لم ينظروا إليها بعين الرضا لأن من شأنها أن تساعد على بروز فاعلين جدد يزاحمونهم على "المواقع غير التنافسية" التي تسمح لهم بمواصلة تصدير زيت الزيتون  الخام.

واعتبر براغميني، أن اتفاقية "الأليكا" هي "كبش فداء" في إطار الحملة الانتخابية في تونس مؤكدًا أن الهدف منها هو "المساعدة في دعم النمو وتنمية فرص العمل ورفع مستوى الاقتصاد التونسي" ومؤكدًا أنها ستكون لصالح تونس إذا تم التوقيع عليها.

هذه التصريحات أثارت حفيظة وزير السياحة روني الطرابلسي، واعتبر إنّ تصريحات السفير الأوروبي مبالغ فيها، وعبّر عن استغرابه منها. وذكّر الطرابلسي برغاميني بأنّ فرنسا أيضا فيها عائلات كبيرة تمارس سياسة الاحتكار في بعض القطاعات الرّائدة، تتحكّم في بعض القطاعات ولا يقتصر الموضوع فقط على تونس.

وأكّد الطرابلسي أن تونس تزخر بكفاءات ورجال أعمال يعملون بجدّ ويشغّلون المئات من اليد العاملة وهم مساهمون في إدخال العملة الصعبة إلى تونس، مضيفا: "السفير الأوروبي لا حقّ له كأجنبي في إبداء رأيه في تونس واقتصادها".

وقال المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر إن تصريحات السفير غير مفاجئة باعتبار أن هذا الكلام سبق أن قيل من طرف أحزاب ومنظمات مهتمة بالشأن الاقتصادي، لكن "الغريب في الأمر والمفاجئ هو الموقف التونسي".

يذكر أنّ الموقف المناهض لـ"أليكا" اشتركت فيه منظمات وطنية تونسية أكّدت على رفض الاتفاقية، والتحذير منها، إذ أكّد المجلس المركزي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري رفضه بشكل قطعي التوقيع على الاتفاقية في صيغتها الحالية، معتبرا تأهيل القطاع الفلاحي أولوية وطنية لا يمكن ربطها بملف الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.