السعودية والكويت.. هل ينفجر بركان الأزمة؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن جراح الأزمة الصامتة بين المملكة العربية السعودية ودولة الكويت تأبى أن تندمل، بل ينكؤها بين الحين والآخر حدث يفيد بأنها قد تخرج بشكل رسمي إلى العلن، مدفوعا بجبل من جليد التوترات التاريخية والمعاصرة، الدامية أحيانا.

ولعل الأزمة الخليجية الناشبة منذ أكثر من عامين هي العنوان الحالي لتطورات تلك الأزمة، بين إصرار كويتي على لعب دور الوساطة لرأب الصدع الخليجي، واتهامات سعودية متواصلة بانحيازها لصالح قطر.

مشهدان موحيان

أحدث إرهاصات الموجة الحالية من التوتر بين البلدين، والتي تعد الأعنف والأكثر شراسة منذ فترة، بدأتها الإعلامية السعودية في قناة "العربية" سارة دندراوي، عندما كانت تتناول في برنامجها تقريرا لوكالة "بلومبرج" يتحدث عن تخفيض قطر لأسعار الخمور قبل مونديال 2022.

المذيعة ذكرت اسم دولة الكويت بطريقة ساخرة في نهاية تقريرها، عندما قالت: "ننتظر تعليقات أصحابهم في الكويت على الكرم القطري"، الأمر الذي اعتبره كويتيون إساءة بالغة في حق بلادهم.

كلمات الإعلامية السعودية أثارت غضبا شعبيا واسعا في الكويت، حيث تصدر وسم يسخر منها قائمة الأكثر تداولا في الكويت، وصل إلى حد طالب فيه مغردون كويتيون بضرورة اعتذار المذيعة وإغلاق مكتب قناة "العربية" في الكويت.

المشهد الثاني سُجل في الدوحة، تزامنا مع مشهد الإساءة للكويت، عندما افتتحت قطر "قاعدة الظعاين" التي تعد أكبر قواعدها البحرية المتخصصة بأمن الحدود وحراسة الموانئ والمنشآت النفطية.

دُشّنت القاعدة في منتصف الساحل الشرقي للإمارة في منطقة سميسمة على بعد نحو 30 كيلومترا شمال الدوحة، قبالة إيران التي تبعد نحو 230 كيلومترا عن قطر، ومن المنتظر أن تلعب القاعدة الجديدة دورا مهما في تأمين الحدود البحرية، ومنع عمليات التهريب والهجرة غير المشروعة، والبحث والإنقاذ.

ليس هذا ما يشد الانتباه في الخبر، على أهميته، بل كان لافتا حضور قائد عسكري كويتي حفل الافتتاح وهو المدیر العام لخفر السواحل الكویتیة مبارك العمیري، إلى جانب رئيس الوزراء القطري الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني واللواء بحري جيم مالوي قائد القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية، وقائد أمن السواحل التركي عميد بحري أحمد كندير.

المفارقة أن المشهدين المتباعدين جغرافيا، شكلا بتزامنهما تطورا عميق الدلالة على الأزمة بين السعودية والكويت، فالأولى ينطق إعلامها بالإساءة للثانية، التي تتقارب مع قطر تحت لافتة السعي لوحدة الصف الخليجي وحل الأزمة الراهنة.

الكويت تغضب

وبقدر ما كان الغضب الكويتي سريعا وقويا على المستوى الشعبي، لم يكن أقل منه قوة وسرعة على المستوى الرسمي، فأصدرت وزارة الإعلام الكويتية بيانا شديد اللهجة أعربت فيه عن رفضها "إقحام بلادها بقضایا لا دخل لها فيها" معتبرة ما قامت به مذيعة قناة "العربية" السعودية "إساءة بالغة غیر مقبولة تجاه الكویت وشعبها".

البيان أكد حرص الكويت على النأي بنفسها من أن تكون طرفا في الحملات الإعلامية بين دول الخليج، معلنا أن الوزارة اتخذت إجراءاتها الداخلیة المعتادة بالتواصل مع المسؤولین في قناة "العربیة" ومكتبها في الكویت وطالبتها بتصحیح الخطأ وتداركه فورا.

لم يكن بيان الإعلام الرد الرسمي الوحيد على إساءة الإعلامية السعودية، فاعتبرت وزارة الخارجية على لسان نائب الوزير خالد الجارالله، أن تصريحات الإعلامية "خطأ جسيم وإساءة" إلى البلاد، مشددة على أنه يستوجب الاعتذار.

وقال الجارالله، في تصريح على هامش الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي: "ما حدث كان خطأ جسيما يستدعي ويستوجب من الإخوة في قناة العربية أن يبادروا ويسارعوا في تقديم اعتذار لتصحيح ما بدر منهم".

وبلهجة مستنكرة قال نائب الوزير الكويتي: "ما هكذا تُكافأ الكويت على جهودها لتحقيق الوحدة في الموقف الخليجي. الكويت تبذل جهودا متواصلة، وتدعو دائما وباستمرار لإيقاف هذه الحملات الإعلامية، وألا ندفع بها لأن تسيء وتمس العلاقات الأخوية".

ويبدو أن اللهجة الشديدة في بيان وزارة الإعلام وتصريح نائب وزير الخارجية في الكويت، تنذر بأن الأزمة ليست عابرة كسابقاتها، وتوحي بأن تطوراتها المتلاحقة لا تنبئ بأن تمر مرور الكرام، خاصة إذا ترافقت مع موقف سعودي متجاهل رسميا ومصعّد إعلاميا.

السعودية تتجاهل وتصعّد

التجاهل الرسمي كان مصير رد الفعل السعودي على الأزمة، رغم أن دولة الكويت طالبت باعتذار يفترض أن تقدمه الدولة السعودية المالكة بشكل أو بآخر لقناة العربية الناطقة باسمها.

غير أن الموقف السعودي لم يتوقف عند حدود التجاهل، بل وصل إلى مستوى التصعيد الإعلامي متضمنا الإشادة بكلمات المذيعة، والتضامن معها مقابل المطالب الكويتية بالاعتذار.

حتى سارة دندراوي لم تكلف نفسها عناء الاعتذار، وظهرت في اليوم التالي، الأحد، عبر البرنامج ذاته لتكتفي بالقول إنها "تكن كل حب واحترام للكويت"، وكلامها كان موجها "للناس المتحمسة دائما للدفاع عن قطر، طلبت منهم يردوا على الخبر، هم نفس الناس اللي بالي بالكم يهاجموا السعودية بموضوع معين، ولما ييجي الموضوع على قطر إما يدافعوا أو يسكتوا".

فلا القناة اعتذرت ولا الإعلامية اعتذرت هي الأخرى، ولا تشير التكهنات إلى احتمالية أن يصدر اعتذار من أية شخصية أو جهة سواء على المستوى الإعلامي أو الرسمي، بل على العكس تحمل الأزمة في طياتها مظاهر تصعيدها.

الإعلامي السعودي عبدالرحمن الراشد رئيس مجلس تحرير "العربية" و"الحدث" العائد حديثا إلى القناة، غرد عبر "تويتر" فور تفجر الأزمة، قائلا: "شكرا للزميلة #سارة_الدندراوي كشفت لنا حجم النفاق هناك".

وعبر وسم باسم المذيعة وآخر باسم (#كلنا_ساره_دندراوي) لعب الذباب الإلكتروني السعودي دوره في الإشادة بالمذيعة، والإعراب عن الفخر بموقفها بل ودعوتها إلى الاستمرار على الطريق ذاته بلفظ "الجلّادة" الذي يشير هناك إلى الشخص الذي توجع كلماته من يهاجمه.

ومن أبرز هؤلاء وأكثرهم نشاطا وقربا من سعود القحطاني الممثل السعودي "فايز المالكي"، الذي كتب: "تحية احترام وتقدير #سارة_الدندراوي كم نفخر بأمثالك من بنات الوطن"، مرفقا بتغريدته تصميما لصورة الإعلامية وشعار سارة المجد، والذي يحمل سخرية من شعار مماثل أطلقه قطريون دفاعا عن أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في أعقاب الأزمة الخليجية.

توقعات التجاهل السعودي الرسمي لتلك الأزمة، يعززها موقف الرياض من أزمة أكبر كادت تعصف بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ففي يناير 2018، غرّد المستشار في الديوان الملكي السعودي ورئيس هيئة الشباب والرياضة السابق رئيس هيئة الترفيه الحالي تركي آل الشيخ، واصفا وزير التجارة والصناعة والدولة للشباب الكويتي خالد الروضان بـ"المرتزق".

الوصف جاء انتقادا للوزير الكويتي الذي عبّر عن تقديره لأمير قطر لما قدمه من أجل رفع الإيقاف عن الرياضة الكويتية خلال زيارة رسمية قاد فيها وفدا كويتيا إلى الدوحة.

الغضب الكويتي حينها كان أقل حدة منه في أزمة سارة دندراوي، ليأتي رد الرياض مزلزلا، حيث اعتبرت أن تعليقات آل الشيخ "لا يتجاوز المألوف"، كونها صدرت منه بصفته رئيس اللجنة الأولمبية وهو منصب لا صفة سياسية له، متناسية المنصب الآخر الذي يشغل كمستشار في الديوان الملكي، فضلا عن قربه الشديد والمعروف من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

"الأزمة البطل"

على الرغم من وجود العديد من أسباب التوتر والخلاف بين السعودية والكويت منذ نحو 100 عام، إلا أن أزمة حصار قطر كانت القاسم المشترك في جميع شواهد التوتر القائم بين البلدين منذ اندلاعها في يونيو/حزيران 2017.

وكانت اتهامات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز للكويت بعدم الحياد في الأزمة الخليجية، وبأنها تتخذ موقفا محابيا لقطر، الشاهد الأكثر تصعيدا في هذا السياق.

ففي أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2017، نشر حساب "العهد الجديد" على "تويتر"، ما قال إنها تفاصيل ما جرى بين العاهل السعودي وأمير الكويت خلال زيارة الأخير إلى الرياض، منتصف الشهر ذاته لبحث تداعيات الأزمة الخليجية.

وقال الحساب الذي يعرّف نفسه بأنه قريب من مراكز صنع القرار في السعودية، إن أمير الكويت "شعر بأنه لا يوجد حل للأزمة المتواصلة منذ شهور، وأن الدور قادم على الكويت".

الملك سلمان اتهم الكويت صراحة بعدم الحياد وبأنها تتخذ موقفا محابيا لقطر، رغم أنها تقود جهود الوساطة بين رباعي الحصار وقطر منذ اندلاع الأزمة، وبحسب التغريدات، قال الملك للأمير: إحنا نعرف موقفكم مع قطر وليس محايدا، فرد عليه: يا طويل العمر، ما شفت كلمتي في المؤتمر الصحفي مع ترامب، قال: شفتها، وهي مع قطر.

وأشار حساب "العهد الجديد" إلى أنه عقب محادثاتهما، جلس أمير الكويت على مأدبة الغداء وهو ضيق الصدر ولم يأكل، ليوصل إلى السعوديين رسالة احتجاج.

وفي هذا السياق لا يمكن نسيان الأزمة التي سببتها تصريحات أمير الكويت، بنجاح بلاده في منع عمل عسكري ضد قطر من جانب دول الحصار، وفي المقابل، أصدرت دول حصار قطر بيانا مشتركا قالت فيه: إنها "تأسف على ما قاله أمير الكويت عن نجاح الوساطة بوقف التدخل العسكري"، مؤكدة أن "الخيار العسكري لم ولن يكون مطروحا بأي حال، وأن الأزمة مع قطر ليست خلافا خليجيا فحسب، لكنها مع عديد من الدول العربية والإسلامية".

النفط حاضرا

لم تكن الأزمة الخليجية وحدها مثارا للتوتر ومبعثا لخلافات متجددة بين الجارتين الخليجيتين، بل إن مسألة النفط تعد رقما صعبا في معادلة الخلاف تلك، خاصة مع التعنت الذي تبديه السعودية بشأن الحقول المشتركة أو ما تسمى المنطقة المحايدة أو المقسومة.

بين شهري أغسطس/آب وسبتمبر/كانون الأول الماضيين، استبشر كثيرون بالمفاوضات الجارية والأنباء التي تناقلتها الصحف ووسائل الإعلام في كلا البلدين بشأن استئناف الإنتاج من الحقول المشتركة مطلع 2019، إلا أن نصف العام انقضى دون جديد.

في 2007 اكتشفت الكويت أن الأرض التي خططت لبناء مصفاة نفط بها قد تم منحها بالفعل لشركة "شيفرون" من السعودية، ثم قررت الرياض من جانب واحد أيضا تجديد امتياز الشركة للعمل في حقل "الوفرة" المشترك عام 2009.

تدريجيا جعلت الكويت الأمور صعبة على شيفرون لدرجة أن التشغيل في "الوفرة" أصبح شبه مستحيل، بسبب عجز شركة "شيفرون" عن الحصول على الإمدادات والتصاريح المناسبة من الحكومة الكويتية.

وعلى الرغم من أن الكويت تحججت بالصيانة كسبب لإغلاق حقل النفط في مايو/أيار 2015، إلا أن الحقيقة كانت رسالة احتجاج على الخطوات السعودية أحادية الجانب بشأن امتياز شركة شيفرون.

قبل هذا التاريخ الأخير بنحو عام واحد، أغلقت السعودية حقل النفط البحري المشترك "الخفجي"، بزعم أن العمليات هناك لا تلتزم بالمعايير البيئية، ليضيع البلدان فرصة الاتفاق على استغلال المنطقة المشتركة التي يصل إنتاجها لنحو نصف مليون برميل يوميا.

وكان إنتاج المنطقة المحايدة البرية "الوفرة" والبحرية "الخفجي" قد تراوح بين 500 و600 ألف برميل نفط يوميا، مناصفة بين الدولتين، وتبلغ الطاقة الإنتاجية لحقل الوفرة نحو 220 ألف برميل يوميا وتديره شركة شيفرون الأمريكية بالتعاون مع شركة نفط الخليج الكويتية، فيما تبلغ طاقة حقل الخفجي نحو 300 ألف برميل يوميا وتديره شركة "أرامكو" لأعمال الخليج مناصفة مع شركة نفط الخليج.

وكانت السعودية والكويت قد اتفقتا في عام 1964 على تقسيم المنطقة المشتركة عند منطقة النويصيب، ومنذ ذلك الحين أصبح الجنوب تحت الإدارة السعودية والشمال بإدارة الكويت.تحت ضغط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" من أجل زيادة الإنتاج، استأنف البلدان النقاش حول إعادة الإنتاج، نظرا لكونه البديل الوحيد لدى حكومة الكويت استجابة للضغط الأمريكي.

حينها سيطر التفاؤل على الجانبين، إلى حد دفع ببعض المسؤولين للتصريح بأن بداية عام 2019 قد تشهد استئناف الإنتاج، في حقلي المنطقة المحايدة التي لم تشملها اتفاقية "العقير" لترسيم الحدود بين البلدين عام 1922.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، فشلت زيارة ولي العهد السعودي إلى الكويت ولقاؤه أميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في حلحلة الموقف، رغم التقارير التي وضعت مسألة استنئاف الإنتاج المشترك للنفط على رأس جدول أعمال الزيارة.

لكن الزيارة لم تستغرق سوى ساعات، على وقع تصريحات كويتية تؤكد أن أي صفقة قد يتم الاتفاق عليها لن تشمل السماح لشركة "شيفرون" بالعمل وفق شروط سعودية.وفي ديسمبر/كانون الأول خاض وزير النفط الكويتي مفاوضات في الرياض لم تسفر عن شيء، وفي فبراير/شباط الماضي أعرب وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، عن أمله في أن يشهد العام الجاري 2019 التوصل لاتفاق بين البلدين، وذلك في أعقاب لقائه أمير الكويت.