الإرهابي غرشون سلمون إذ يقتحم المسجد الأقصى المبارك

12

طباعة

مشاركة

في الساعة 10:30 من صباح يوم الإثنين 10 أكتوبر/ تشرين الأول 1990، تسببت جماعة إرهابية تطلق على نفسها اسم (أمناء جبل المعبد) في مجزرةٍ كبيرة في المسجد الأقصى المبارك، راح ضحيتها ثمانية عشر مقدسياً استشهدوا برصاص قوات الاحتلال أثناء محاولتهم منع هذه الجماعة الإرهابية من اقتحام المسجد لوضع "حجر الأساس" لبناء المعبد الثالث المزعوم.

كان ذلك آخر عامٍ يتمكن فيه رئيس الجماعة الإرهابي غرشون سلمون، من دخول المسجد الأقصى المبارك، قبل أن تصدر محكمة الاحتلال حكماً بمنعه من دخوله خوفاً من رد الفعل الإسلامي بعد أن تسبب بتلك المذبحة الرهيبة.

ومع تطور الأحداث في القدس والمسجد الأقصى المبارك والهرولة العربية الرسمية لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، تذيلت قضية القدس أولويات بعض الساسة العرب، ظهر ذلك  بوضوح من رد الفعل العربي الهزيل لإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب القدسَ الموحدةَ عاصمةً لدولة الاحتلال الإسرائيلي. 

لم يستسلم غرشون سلمون لقرارات محكمة الاحتلال، فقدم عدة التماسات على مدار السنين لإلغاء قرار المنع، حتى 5 ديسمبر/ كانون الأول 2018، عندما أصدرت المحكمة الصهيونية قراراً يسمح له بالصلاة عند باب المغاربة – أحد أبواب المسجد المبارك الملاصق لحائط البراق – من الخارج فقط. لم يرُق لغرشون الحكم، فقدم التماساً آخر للسماح له باقتحام الأقصى، لكن المحكمة رفضت ذلك بناء على توصية الشرطة الصهيونية التي رأت في دخوله خطراً على المنطقة نظراَ لحساسيتها الشديدة ولفظاعة ما قام به من قبل.

اليوم، بعد ثمانية وعشرين عاماً من منع هذا الإرهابي من دخول المسجد الأقصى المبارك، وتحديداً يوم الأحد 27 يناير/ كانون الثاني 2019، اقتحم عجوز صهيوني متطرف في الرابعة والثمانين من عمره المسجدَ الأقصى على كرسي متحرك، بحراسة شرطي خاص به فقط – من بين جميع المقتحمين – كان يجر كرسيه المتحرك، وتجول بمنتهى السرية في المسجد، ثم خرج من المسجد بنفس السرية التي دخل بها. هذا العجوز الثمانيني لم يكن إلا الإرهابي المتطرف غرشون سلمون نفسه!

واقتحم المسجد بإذنٍ خاصٍ من قائد شرطة لواء القدس الصهيوني يورام هاليفي، الذي قرر – دون سابق إنذار – أن يسمح لهذا الإرهابي باقتحام المسجد معتبراً ذلك "هدية" تقاعده من سلك الشرطة في دولة الاحتلال.

اللافت أن أفراد شرطة الاحتلال خافوا من أن يرافقوا هذا المتطرف في جولته داخل المسجد، ورفضوا جميعاً دفع كرسيه المتحرك، حتى "تطوع" أحدهم وقام بمرافقته ودفع كرسيه في المسجد، وسبق ذلك إنشاء غرفة عمليات خاصة لدى شرطة الاحتلال تحسباً لأية مشاكل قد تحدث في المسجد مع المسلمين إن علموا باقتحام الإرهابي للمسجد الأقصى. وحتى جماعات المعبد المتطرفة التي تنشط يومياً في الاقتحامات والدعوة إليها لم تعلم عن اقتحام غرشون حتى انتهائه، ولم يتمكنوا من الحصول على أية صورة لهذا الحدث الذي وصفوه بـ"التاريخي".

وأجد من اللازم هنا الإشارة إلى مسألتين اثنتين:

الأولى: أن اقتحام غرشون سلمون للمسجد الأقصى المبارك ليس مثل اقتحام غيره من الصهاينة المتطرفين، فهذا الرجل بالذات على يديه دماء ثمانية عشر مصلياً مسلماً بريئاً قتلوا في المسجد الأقصى المبارك لإرضاء نزعةٍ شوفينية لدى هذا الإرهابي وجماعته المتطرفة، وهذا العدد هو أكبر عدد من المسلمين يقتل في ساعة واحدة داخل المسجد الأقصى المبارك منذ الاحتلال الصهيوني للمسجد عام 1967م.

لم يحدث في تاريخ الاحتلال الصهيوني للمسجد حتى اليوم أن استشهد هذا العدد من المصلين في يوم واحد إلا في مجزرة الأقصى الأولى التي تسبب بها هذا الإرهابي عام 1990م، فإصرار قائد لواء القدس في شرطة الاحتلال على أن يختم مسيرته بإدخال هذا الشخص بالذات إلى المسجد الأقصى مع كل هذه الإجراءات والتجهيزات دليل واضح على أن قوات الاحتلال تحاول الآن حسم قضية المسجد الأقصى المبارك والعودة به إلى الأسبوع الأول من عام 1967م، حين أغلقته تماماً وفكرت في إزالته من على وجه الأرض لبناء معبدها المزعوم في مكانه.

وهو ما ينبئ أن قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك باتت تحتل صدارة الاهتمام الصهيوني دون غيرها من القضايا. على عكس الحال في الجانب العربي الرسمي المهترئ الذي يريد الآن إلغاء هذه القضية تماماً من الأجندة الرسمية والشعبية والتخلص من تبعاتها، حتى صار بعض الرسميين العرب يرون في المسجد الأقصى المبارك عبئاً عليهم.

ولا أصدق في هذا الأمر من الرئيس الليبي المخلوع معمر القذافي، حين قالها بالفم الملآن في القمة العربية الطارئة التي أقيمت في أكتوبر عام 2000 لمناقشة انتفاضة الأقصى، عندما قال: (ما هو المسجد الأقصى؟ مسجد مثل باقي المساجد! فليهدموه! ماذا في ذلك؟). هذه النظرة الانتقاصية للمسجد الأقصى المبارك أعلنها القذافي يومها بوضوح، وكتمها آخرون صاروا اليوم يعلنونها بكل وقاحة على الملأ.

ثانياً: إن سربلةَ اقتحام هذا الإرهابي بهذا التكتمِ والسريةِ الشديدةِ، والرعبَ الذي ساد في أوساط قوات شرطة الاحتلال ومتطرفيه، يعني بالضرورة أن الردع الشعبي في القدس هو ما يوقف الاحتلال حالياً عن التمادي في مشروعه، أو يؤخره على الأقل. وهو ما يشير إلى أن الاحتلال لا يخشى الرسميين العرب، وإنما يخاف الشارع فقط، فالشعب الفلسطيني في القدس أثبت على الدوام أنه حجر العثرة الأكبر، والحاجز الأول والأخير بين الاحتلال وأحلامه في القدس، ويجب على أهل القدس أن يفهموا هذه المعادلة، فمهما حاول الاحتلال التمادي فإنه يبقى الأقل والأصغر عدداً في القدس. أما المقدسيون، فإنهم بالعدد فقط يمكنهم أن يشكلوا حامياً للمسجد الأقصى المبارك وإطاراً رادعاً للاحتلال والمتعاونين معه – حتى العرب منهم –، وهذه المعادلة إن فهمها المقدسيون فيمكنهم أن يقلبوا الطاولة على الاحتلال ويرغموه على التراجع بل والانسحاب نهائياً.