"حلم إسرائيل الكبرى لم ينته".. هل بدأت خطة حسم السيطرة الكاملة على الضفة؟

محمد النعامي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في خطوة استفزازية تنذر بالأسوأ، أعلن وزير المالية الإسرائيلي، رئيس حزب "الصهيونية الدينية"، بتسلئيل سموتريتش، ضمنيا بدء ما يسمى "خطة الحسم".

وقال سموتريتش، إن "الفلسطينيين مجرد اختراع وهمي لم يكن قائما قبل 100 عام" مع عرضه خريطة "إسرائيل الكبرى"، التي شملت فلسطين، الأردن، وأجزاء من لبنان وسوريا.

سموتريتش الذي دعا لمحو بلدة حوارة خلال فبراير/ شباط 2023، وحرض على تطهيرها عرقيا، ظهر في خطاب ألقاه في 19 مارس/ آذار 2023، بالعاصمة الفرنسية باريس، ليواصل تحريضه ضد الشعب الفلسطيني، ساعيا للتحشيد لخطوات مقبلة ستتخذها حكومة بنيامين نتنياهو.

ودعا سموتريتش الصحفيين في المؤتمر ذاته، لفهم سياسته تجاه الفلسطينيين من خلال قراءة "خطة الحسم".

خطة الحسم

ونشر الوزير سموتريتش، في أيلول / سبتمبر 2017، مخططا أسماه "خطة الحسم" الذي يرى أن تطبيقه سينهي الصراع الإسرائيلي– الفلسطيني، من خلال محو "الخط الأخضر" (أراضي 1948).

وتستند هذه الخطة إلى أن "حل الدولتين ليس واقعيا ولن يطبق أبدا، والمشروع الصهيوني هو الأكثر عدلا وأخلاقية"، وفق زعمه.

وتشمل المرحلة الأولى من الخطة فرض "سيادة إسرائيل" في الضفة الغربية، وبخاصة من خلال توسيع الاستيطان، بادعاء أن من شأن ذلك أن "ينهي وعي العرب والعالم كله بأنه لا يوجد أي احتمال لإقامة دولة فلسطينية"، وهو ما شرع به سموتريتش منذ بدء العمل بمنصبه ديسمبر/ كانون الأول 2022.

وفي المرحلة الثانية من "خطة الحسم"، يتم تخيير الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، "بإمكان من يريد وقادر على التنازل عن تطلعاته القومية أن يبقى هنا والعيش كفرد في الدولة اليهودية، "لكن ليس كمواطنين".

ومن لا يريد أو ليس قادرا على التنازل عن تطلعاته القومية، فسيحصل من دولة الاحتلال على مساعدة من أجل الهجرة إلى دول عربية عديدة "التي بإمكان العرب أن يحققوا فيها تطلعاتهم القومية، أو إلى أي وجهة أخرى في العالم".

وأضاف سموتريتش في خطته أنه "سيكون هناك من سيصرون على اختيار خيار ثالث، أي الاستمرار في مقاومة الاحتلال، وهم من سيتعامل معهم جيش الاحتلال بقوة كبيرة".

ويتوقع وزير المالية أن تقابل خطته بمعارضة شديدة في فلسطين والعالم، "ربما سيكون من الصعب هضم خطة الحسم في البداية، لكن المنطق الكبير الذي تتضمنه، مثل كونها ضرورية وحتمية، سيؤدي في نهاية المطاف إلى تبنيها من جانب المجتمع الإسرائيلي والمجتمع الدولي"، وفق ادعائه.

من جهته، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، فايز أبو شمالة، إن "تصريحات سموتريتش حول إسرائيل الكبرى، مرتبطة ارتباطا وثيقا بخطته التي أسماها خطة الحسم، بل هي إعلان صريح عن برنامجه ونواياه بشأن حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال" أن "سموتريتش يشغل منصب وزير المالية والاستيطان، وحزبه الصهيونية الدينية هو ثاني أكبر حزب في الائتلاف الحاكم، وعضو مجلس كنيست مصغر، وبالتالي هو من أصحاب القرار المهمين والمؤثرين، لذلك فإن تصريحاته تعبر عن برنامج حكومة وليس رأي فردي".

وأوضح أن "خطة الحسم التي يرتكز عليها مشروع الحكومة الإسرائيلية تقوم على عاملين، وهما الأرض والديموغرافية، بحيث يسيطر الاحتلال على أرض الضفة الغربية والقدس وحتى قرى وممتلكات لفلسطينيي الداخل المحتل، وينفذ سياسة التطهير العرقي تجاه الفلسطينيين".

ولفت أبو شمالة إلى أن "مطالبة سموتريتش بإسرائيل الكبرى والتي تشمل الأردن وأجزاء من دول عربية أخرى، تنطلق من علمه بأن معدة إسرائيل بالكاد تستوعب أراضي فلسطين، مع كل ما يحيط بها من مقاومة، ولكنه يريد من الأردن أن تستوعب الفلسطينيين الذي ستهجرهم خطته".

ونبه إلى أن إسرائيل "تقايض الأردن بهذه الطريقة، بأنه لو أراد الحفاظ على سلامة أراضيه فعليه استقبال المزيد من اللاجئين وتطبيق سياسة التوطين، وتحمل الثقل الديموغرافي الفلسطيني من الضفة الغربية".

وأكد أبو شمالة أن "كل الحكومات التي تعاقبت على الاحتلال منذ عام 1967 عملت على إدارة الصراع مع الشعب الفلسطيني، باستثناء الحكومة الحالية التي تعمل على حسم الصراع".

وشدد على أن "من يقود الحكومة الإسرائيلية فعليا الآن هما وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وسموتريتش، حيث أن نتنياهو بحاجة ماسة لهما في ظل خطواته للتنصل من المحاكمة وتحصين نفسه قضائيا، وهما يدركان مصدر قوتهما، ويدركان أن هذا الظرف المثالي لتطبيق مخططات الصهيونية الدينية قد لا يتكرر مرة أخرى".

وأكد أبو شمالة أن "الهدف الإسرائيلي هو توطين مليون مهاجر يهودي في الضفة الغربية في الأراضي المستولى عليها بفعل سياسة التطهير العرقي، وأن تصبح تحت السيطرة المطلقة للاحتلال". 

ويشمل المخطط حسم الصراع على المسجد الأقصى، وإقامة الهيكل وتغيير الوضع القائم مرة وللأبد، وسموتريتش وأعضاء حزبه، بدأوا بالفعل بنفس البوق داخل أسوار الحرم القدسي إيذانا ببناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.

بدء الضم

ويتشارك مع ابن غفير وسموتريتش كافة شركاء نتنياهو في الكنيست، حيث قال عضو الكنيست، تسفي فوغل، من حزب "عوتسما يهوديت" الشريك في حكومة الاحتلال، مطلع يناير/ كانون الثاني 2023، إن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية "دائم" وأن لإسرائيل "حق" بضم مناطق في الضفة.

ونقلت صحيفة "هآرتس" العبرية في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2022، عن مسؤول سابق في "الإدارة المدنية"  أن ما ينفذه سموتريتش منذ شغل منصبه "هو إجراءات ضم للضفة الغربية".

وكشف تقرير أوردته صحيفة "يسرائيل هيوم" في 25 يناير 2023، عن سلسلة طويلة من الخطوات "غير المسبوقة" لتسوية وتعزيز الاستيطان اليهودي في الضفة، ينوي تطبيقها سموتريتش، الذي حصل على صلاحيات غير محدودة في الضفة.

ومن الخطوات تعديل كافة القوانين التي تحد من الاستيطان في الضفة الغربية، ودعوة المجلس الأعلى للتخطيط والبناء للمصادقة على العشرات من المخططات الاستيطانية التي تعطلت خلال حكومة نفتالي بينيت، والمصادقة على بناء نحو 18 ألف وحدة استيطانية جديدة.

وأيضا تقليل خطوات المصادقة على إنشاء البؤر الاستيطانية، والعمل على تسريع وتيرة الاستيطان، باعتبار أن الهدف الذي وضعته الحكومة الإسرائيلية الحالية هو زيادة عدد المستوطنين في الضفة بمئات الآلاف في السنوات القادمة، حسب الصحيفة.

كما تناقش الحكومة الإسرائيلية، "بجدية"، على حد تعبير "يسرائيل هيوم"، "تغيير المعطيات الرسمية والبيانات المتعلقة بالمستوطنين في جميع الوزارات الحكومية، بحيث ترفع عددهم من نصف مليون مقيم في الضفة إلى 2.5 مليون، بما يشمل الفلسطينيين".

وهو ما يعني إدراج السكان الفلسطينيين في المعطيات الرسمية الإسرائيلية، في تجل صارخ لعملية الضم الفعلي حسب خطة الحسم.

انتهاء الحل

من جانبه، قال الكاتب والأكاديمي الفلسطيني، وليد المدلل، إن "ضم الضفة الغربية لم يتوقف يوما منذ احتلالها عام 1967 وشهد العقد الأخير طفرة في ابتلاع الأراضي الفلسطينية وإقامة البؤر الاستيطانية". 

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال" أن "إسرائيل تعتبر أن وضع قطاع غزة نهائي وكذلك الجولان والأراضي اللبنانية المحتلة، ولكن الضفة الغربية لم تحسم بعد، والاحتلال يعتبرها أساس القضية الفلسطينية وكذلك محور يهودية دولة الكيان".

وتابع: "شكل الضفة الغربية بعد الضم أوضحه سموتريتش تهجير الفلسطيني أو إقامته كضيف في أرضه والرصاص سيكون مصير كل من يحاول مقاومة هذا المخطط، من المُسلَمات أن الفلسطينيين لن يقبلوا أبدا بهذه الخطة وهنا يحضر الخيار العسكري بحملة عسكرية تفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية ".

وأكد المدلل أن "سيناريو حملة عسكرية كبرى في الضفة الغربية أمر ليس مستبعدا، وخصوصا مع تنامي المقاومة في عدد من مدنها، وتراجع قوة السلطة الأمنية، والأهم صعود هذه الحكومة المتطرفة وعدم وجود كوابح لأشخاص كابن غفير وسموتريتش".

وتابع "من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية قدمت لتطبق مخطط استيطاني واسع في الضفة الغربية، وما حصل في مسافر يطا والخان الأحمر والأغوار وقرى نابلس خلال أول شهرين من انطلاق أعمال الحكومة الحالية يعطي تصور عما سيكون الوضع عليه في نهاية ولايتها".

وأوضح الكاتب أن "هذه الخطة قد لا تنفذ بحذافيرها وكذلك لن تنفذ دفعة واحدة، لكن النتائج ستكون في النهاية كما يخطط لها سموتريتش وابن غفير، وسبق أن سعت إسرائيل لضم الضفة في فترة ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب".

وكشف تقرير لمركز "مدار الإستراتيجي" أن "الحكومة الإسرائيلية الحالية تسرع الضم بحكم الأمر الواقع للمناطق المصنفة (ج) وتسعى للانقضاض على الوجود الفلسطيني فيها، وتعزيز التهويد والاستيطان في القدس وعلى جانبي الخط الاخضر".

بدوره، قال الخبير في شؤون الاستيطان، خالد معالي، إن "ضم الضفة الغربية يعني رسميا انتهاء حل الدولتين، وأن كل الأرض أصبحت للاحتلال، ويصادر من الفلسطينيين حقوقهم السياسية والسيادية، وسيختلف كل شيء". 

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال" أن "مطلب ضم الضفة الغربية يحظى بتأييد من الجماعات الدينية اليهودية لأسباب عقائدية، وبنظرهم الفلسطيني مجرد عبد أو عامل يجوز قتله وضربه وإخراجه من بيته، وهذه الجماعات على رأسها سموتريتش وبن غفير".

وشدد على أن "الاحتلال يقوم فعليا بضم الضفة، ووتيرة الضم زادت خلال السنوات الأخيرة، وزادت بشكل قياسي خلال الأشهر الماضية، و خطة حكومة الاحتلال تقضي بالاستيلاء على الأرض دون الثقل السكاني، وهذا يجري في الخان الأحمر ومسافر يطا ومناطق عديدة".

وأوضح أن مناطق (ج) والتي تشكل 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية المحتلة، هي الهدف الأول لسياسة تفريغ السكان، وهذا الأمر يسير بوتيرة أسرع مما سبق.

وتابع معالي: "قيام الاحتلال بخطوة الضم بشكل مباشر وواضح سيكون له نتائج على حساب أمنه وردة الفعل الفلسطينية، لذلك ربما شرع بتطبيق الخطة بالتدريج وبخطوات حذرة".