رغم المطالبة الشعبية وموافقة البرلمان.. لماذا لم يطرد الأردن سفير إسرائيل؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

أثارت موافقة البرلمان الأردني في 22 مارس/ آذار 2023 على طرد السفير الإسرائيلي إيتان سوركيس من عمّان، تساؤلات عديدة عن طبيعة رد الديوان الملكي على تصريحات وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش ضد المملكة والشعب الفلسطيني.

وفي 19 مارس 2023، وقف سموتريتش يلقي خطابا من على منصة مرسوم عليها خريطة لإسرائيل تضم المملكة الأردنية والأراضي الفلسطينية.

وقال في خطابه الذي ألقاه بفاعلية صهيونية بفرنسا، إن "الشعب الفلسطيني اختراع لم يتجاوز عمره 100 عام"، متسائلا: "هل تعرفون من هم الفلسطينيون؟ أنا فلسطيني".

وتابع: "هناك عرب حولهم لا يحبون ذلك... اخترعوا شعبا وهميا ويدعون حقوقا وهمية في أرض إسرائيل فقط لمحاربة الحركة الصهيونية"، زاعما أن "هذه هي الحقيقة التاريخية، هذه هي الحقيقة التوراتية... التي يجب أن يسمعها العرب في إسرائيل وكذلك بعض اليهود المشككين في إسرائيل".

إجراءات متلاحقة

وردا على هذه الإهانة الكبيرة، أعلنت وزارة الخارجية الأردنية، في 20 مارس 2023، استدعاء السفير الإسرائيلي في عمّان، إيتان سوركيس، وإبلاغه "رسالة احتجاجٍ شديدة اللهجة لنقلها على الفور لحكومته".

وأكدت الرسالة، وفق بيان لخارجية "إدانة الحكومة الأردنية للتصريحات العنصرية التحريضية المتطرفة إزاء الشعب الفلسطيني"، محذرة من "خطورة استمرار هذه التصرفات العنصرية المتطرفة الصادرة عن الوزير ذاته الذي كان قد دعا سابقا إلى محو قرية حوارة الفلسطينية".

وفي اليوم التالي، دعا وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الحكومة الإسرائيلية لتأكيد أن تصريحات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بشأن فلسطين والمملكة لا تمثل موقفها.

وقال الصفدي، إن التصريحات العنصرية لوزير المالية الإسرائيلي لن تدفع إلا لمزيد من العنف، وأضاف أنه سيتوجه إلى بريطانيا (المستعمر السابق للأردن وفلسطين)، لإجراء محادثات مع المسؤولين هناك بشأن تصريحات سموتريتش.

كما أكد الصفدي أنه "في حال تصاعدت الاستفزازات الإسرائيلية فسنتخذ الإجراءات اللازمة"، دون توضيح ماذا يقصد بذلك.

في الوقت ذاته، نقلت وكالة رويترز في 21 مارس 2023 عن  مصدر أردني مسؤول (لم تكشف هويته)  قوله، إن المملكة تلقت تطمينات إسرائيلية بأن سلوك سموتريتش ووقف وراء منصة عليها خريطة لإسرائيل بحدود موسعة تشمل الأردن "لا يمثل موقفها".

وأضاف المصدر أيضا أن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى أشاروا أيضا إلى رفضهم لتصرف سموتريتش خلال الكلمة التي ألقاها في فرنسا، وأكدوا أنهم يحترمون حدود الأردن ومعاهدة السلام الموقعة مع المملكة.

وكانت وزارة الخارجية الإسرائيلية قد أكدت في بيان مقتضب في 20 مارس اعترافها بوحدة الأراضي الأردنية، دون إعلان موقفها صراحة من تصريحات سموتريتش، وعرضه خريطة لإسرائيل تضم حدود الأردن.

وإلى جانب الغضب الشعبي في الأردن، تحرك البرلمان ووافق بالأغلبية على مقترح لطرد السفير الإسرائيلي من عمان.

وقال رئيس البرلمان أحمد الصفدي خلال جلسة بثها التلفزيون الأردني، في 22 مارس، إن "هناك مقترحا لطرد السفير الإسرائيلي من عمان"، فرفع النواب ايديهم بالموافقة، ثم علق عليها بالقول: "أغلبية واضحة، وشكرا".

وحض الصفدي حكومة بلاده على "اتخاذ إجراءات فاعلة ومؤثرة تجاه استخدام سموتريتش خريطة تضم حدود المملكة والأراضي الفلسطينية المحتلة"، مشيرا إلى أن "هذا أمر لا يمكن السكوت عنه، ويشكل خرقا لمعاهدة السلام وللأعراف الدولية".

خطوة منتظرة

وعن احتمالية تطبيق الحكومة قرار البرلمان، قال الكاتب الأردني عبدالله المجالي إنه "رغم تصاعد النبرة بعد أكثر من 36 ساعة على الموقف الاستفزازي للوزير الصهيوني، وخروج وزير الخارجية بمؤتمر صحفي للحديث عن الموضوع، إلا أن الموقف الرسمي مازال منخفضا ودون طموح غالبية الشعب الذي يرفض أساسا وجود هذا الكيان المغتصب".

ورأى المجالي خلال مقال نشرته صحيفة "السبيل" الأردنية في 21 مارس، أن الحكومة (الأردنية) لا زالت تتعامل مع تلك التصرفات وكأنها صادرة من مجنون معزول، حيث تطلب من المسؤولين عنه "ظبه" في البيت حتى لا يزعج الآخرين!.

ولفت الكاتب إلى أن "الوزير المتطرف ليس حدثا عابرا أو معزولا، بل يمثل ظاهرة واسعة وتتسع في الكيان الصهيوني، وهي ظاهرة تعبر بشكل واضح عن طبيعة وحقيقة المشروع الصهيوني الاستعماري التوسعي".

وخلص إلى أن "الأردن شعبا وجيشا لديه من الكرامة والشجاعة والروح المعنوية والجاهزية ما يكفي للتصدي للحماقات الصهيونية. لكن هذا لا يعني أن نغض الطرف ونضع رؤوسنا في الرمال ونحن نرى العدو يتمادى في استفزازاته ومخططاته التوسعية".

من جهته، ادعى الكاتب الأردني عبد الحكيم القرالة أن رد بلاده وموقفها من مثل هذه التصريحات كان واضحا وحاسما وعلى قدر الموقف وبدء بسلسلة من الاجراءات الدبلوماسية باستدعاء السفير، وقد تتطور، لتضع حدا لهذا الشطط والتطرف الذي لن يخدم عملية السلام برمتها وسينعكس سلبا على الأمن والاستقرار بالمنطقة.

وأضاف خلال مقال نشرته صحيفة "الرأي" الأردنية في 23 مارس، أن "رد الأردنيين الغاضب وعلى المستويين الرسمي والشعبي مبرر وهذه هي ردة الفعل الطبيعية تجاه مثل هذه التصريحات المستفزة والرعناء".

وتابع القرالة: "لا يمكن السكوت على هذه التصريحات أو تجاوزها لإيصال رسالة للجانب الاسرائيلي أن هذه الأطماع لم ولن تمر، وأننا لن نتخلى عن فلسطين إلى أن تنال استقلالها وتعاد الحقوق إلى أصحابها".

وأكد أن "كيانا لا يلتزم بالقانون الدولي ولا بالأعراف الدبلوماسية ويضرب بقرارات الشرعية الدولية عرض الحائط يجب أن نتوقع منه أي سوء، وما جرائمه البشعة بحق الأشقاء الفلسطينيين إلا خير شاهد ودليل، غير أن ذلك لن يحيدنا عن موقفنا وواجبنا تجاه فلسطين".

وطبقا للدستور الأردني، فإن تصويت البرلمان يُعد غير ملزم للحكومة، لأن أي قرار يجب أن يحظى بموافقة الحكومة وبعد ذلك الملك عبد الله الثاني، ثم يأخذ مساره للتطبيق.

الأردن الذي طبع العلاقة مع إسرائيل في عام 1994 تحت عنوان "معاهدة السلام" سبق لجميع أعضاء برلمانه أن وقعوا مذكرة تطالب بطرد السفير الإسرائيلي من عمّان تعبيرا عن رفضهم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2021، لكن لم تستجب الحكومة بعدما وعدت بدراسة الطلب.

تنديد واسع

وعلى صعيد المواقف الدولية والعربية، استنكرت الولايات المتحدة وفرنسا، في 21 مارس، تصريحات سموتريتش التي أنكر خلالها وجود شعب فلسطيني وقال إنه "اختراع وهمي لم يتجاوز عمره 100 سنة".

ووصفت الخارجية الأميركية تصريحاته، بأنها "مهينة وخطيرة"، إذ قال المتحدث باسمها فيدانت باتيل للصحفيين "نرى أن هذه التصريحات ليست غير دقيقة فحسب، بل هي أيضا مهينة وخطيرة".

وأضاف أن الفلسطينيين يملكون "تاريخا وثقافة ثريين، والولايات المتحدة تثمّن شراكتنا مع الشعب الفلسطيني"، منددا بسلوك الوزير الذي تحدث على منصة كانت عليها خريطة إسرائيل بحدود موسعة تضم المملكة الأردنية والأراضي الفلسطينية.

من جهتها، استنكرت الخارجية الفرنسية تصريحات سموتريتش "غير المسؤولة"، وقالت في بيان: "ندعو الأشخاص المُعيّنين في مناصب رفيعة في الحكومة الإسرائيلية إلى التحلي بالوقار المطلوب واحترام كرامة الآخرين والامتناع عن أي أعمال أو تصريحات تسهم في تصعيد التوتر".

وعلى الوتيرة ذاتها، قال المتحدث باسم الشؤون العالمية الكندية جيسون كونغ، إن "التصريحات المخزية من الوزير سموتريتش غير مقبولة"، داعيا "الحكومة الإسرائيلية إلى التنصل من هذه التعليقات، وإلى وقف فوري للتوترات مع دخولنا شهر رمضان".

وكان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قد دعا في 20 مارس الحكومة الإسرائيلية إلى التنصل من تصريحات وزير المالية، وقال للصحفيين في بروكسل إن تصريحات سموتريتش "لا يمكن التغاضي عنها بالتأكيد".

وتابع المسؤول الأوروبي "يجب أن أستنكر تعليقات الوزير سموتريتش غير المقبولة. إنه لمن الخطأ، إنه عدم احترام، إنه أمر خطير، وإنه غير مجد قول مثل هذه الأشياء في وضع متوتر بالفعل".

أما عن الموقف العربي، فقد أدانت قطر، بأشد العبارات ما أقدم عليه الأخير، واستخدامه خريطة لإسرائيل تضم حدود المملكة الأردنية الهاشمية والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقالت الخارجية القطرية، خلال بيان لها في 21 مارس، إن تصريحات الوزير الإسرائيلي دليل جديد على عنصرية حكومة الاحتلال ومحاولة لتزييف التاريخ وإنكارا لحق الشعب الفلسطيني في الوجود.

وأكدت أن هذه التصريحات المتطرفة والادعاءات الواهية المخالفة للقيم الإنسانية، يكذبها التاريخ الذي يؤكد وجود الشعب الفلسطيني على هذه الأرض منذ الأزل، معتبرة أن استخدام الوزير للخريطة خرقا فاضحا للأعراف والمواثيق الدولية.

وفي السياق ذاته، استنكرت الخارجية العراقية، تصريحات وزير مالية "الكيان الصهيوني"، إذ حذر المتحدث باسمها أحمد الصحاف من أن "لغة العنف الممنهج التي يكرّسها الكيان الغاصب (إسرائيل) تُنبئ بمزيد من الاحتقان وتعزّز مناخ التوتر".

وأكد الصحّاف رفض "العراق لخطاب التحريض وجميع الممارسات التي تتعارض والحقوق الإنسانية والأخلاقيّة للشعب الفلسطيني، وأن وحقه الذي لن يسقط بالتقادم".

واستنكرت كل من مصر والإمارات والسعودية والكويت والبحرين وعُمان وتونس والمغرب والجزائر وحكومة فلسطين خلال بيانات متفرقة في 21 مارس 2023، تصريحات سموتريتش، ووصفوها بـ"المستفزة".


المصادر