عبر جذب خبراء روس.. كيف تحاول الإمارات تعزيز قدراتها بالأمن السيبراني؟

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في وقت تخاطر فيه روسيا بمقدراتها البشرية وخبرائها الذين دفعهم غزو الجارة أوكرانيا للفرار إلى الخارج، تجد كثير من الدول فرصة سانحة لاستقطاب عمالقة التكنولوجيا الفائقة من الروس الذين لديهم خبرة طويلة في مجال الأمن السيبراني.

وذكرت مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، أن شركة "بيركون رد" الإماراتية للأمن السيبراني، التابعة لمجموعة "إيدج"، استقبلت موجة من المهندسين السيبرانيين الفارين من روسيا بعد غزو أوكرانيا الذي انطلق في 24 فبراير/شباط 2022.

احتواء الخبراء

وأوضح تقرير المجلة المنشور في 13 مارس/آذار 2023، أنه يجرى احتواء هؤلاء المهندسين في موقع منفصل عن باقي الشركة.

ويبدي الموظفون الغربيون في شركة "بيكون ريد" الإماراتية قلقا متزايدا بشأن وصول أعداد كبيرة من المهندسين السيبرانيين الروس إلى الشركة، لدرجة أن بعضهم عمد إلى مغادرة الشركة.

وبالفعل، شهدت شركة "بيكون رد" التابعة لمجموعة "إيدج" المتخصصة في تقنيات الحرب الهجينة تدفقا كبيرا من المهندسين الروس الذين وصلوا خلال فترة زمنية قصيرة إلى حد ما، لا سيما منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وبالنسبة للموظفين الحاليين في "بيكون رد"، فإن الكثير من الغموض يكتنف حالة الوافدين الجدد إلى الشركة.

بل أكثر من ذلك، فإن المهندسين الروس باتوا يعملون في موقع منفصل عن الشركة بعيدا عن باقي الموظفين.

كما أنهم لا يرتبطون بأي اتصال مع بقية الفرق السيبرانية التي يرأسها روجيريو ليموس، والذي عمل سابقا في شركة الدفاع الأميركية "Booz Allen Hamilton"، وقبلها في شركة الاستخبارات السيبرانية الإماراتية "دارك ماتر".

وفي 21 سبتمبر/أيلول 2022، أعلن الرئيس الروسي فلادمير بوتين، عن تعبئة جزئية لتعزيز صفوف قواته في حرب أوكرانيا، وبدأ بعدها وزير التنمية الرقمية، مكسوت شداييف، يكافح بشدة لإعفاء خبراء تكنولوجيا المعلومات من الخدمة العسكرية في محاولة منه لحماية القطاع الذي يمر بمرحلة حرجة، رغم معارضة وزير الدفاع، سيرغي شويغو.

لكن هذا الإعفاء انقلب سلبا على شداييف، حيث يغادر المهندسون السيبرانيون الروس بلادهم بشكل متزايد بحثا عن آفاق عمل واعدة في أبو ظبي، وفق "إنتلجنس أونلاين".

وتشير المجلة المذكورة في التقرير ذاته، إلى أنه "لطالما أرادت أبو ظبي تعزيز قدراتها السيبرانية، لذا تبدو مصممة على الترحيب بالخبراء الروس الفارين من موسكو".

الإمارات كوجهة

لم تقتصر استفادة أبو ظبي من الخبراء الروس في مجال الاستخبارات السيبرانية وحدها، ففي يونيو/حزيران 2022، فر فلاديمير غيرشنزون وزوجته أولغا غيرشنزون، اللذان يرأسان شركة "ScanEx" الروسية الرائدة للاستخبارات الجغرافية المكانية، من موسكو إلى أبو ظبي.

وتلقى الزوجان ترحيبا حارا من خبير الاستخبارات الجغرافية المكانية الإماراتي، إبراهيم العبيدلي، الذي عمل سابقا في إدارة المسح العسكري بوزارة الدفاع وكذلك في شركة "بيانات".

ومنذ ذلك الحين، أنشأ الزوجان غيرشنزون شركة "أرضية الإبداع" لحلول المعلومات، والمعروفة أيضا باسم "Innovation Floor"، تجمع هذه الشركة بعض العاملين السابقين في شركة "ScanEx" معا للعمل على برامج الذكاء الاصطناعي والروبوتات ورسم خرائط المواقع الجغرافية.

وفي ظل تزايد الأزمة الاقتصادية التي سببها الغزو الروسي لأوكرانيا وتعاظم دور العقوبات الغربية وعواقبها الاقتصادية الثقيلة على موسكو، فإن قضية الهجرة الجماعية لعلماء الكمبيوتر، الذين لا ينوون العيش في ظل نظام بوتين باتت حاضرة بقوة.

ولا سيما أن الكثير منهم فر مبدئيا إلى أرمينيا وجورجيا وتركيا، قبل أن تبدأ عمليات التسرب نحو دول جديدة، حيث يؤكد معهد "سكولكوفو"، وهو معهد خاص بأبحاث الدراسات العليا في موسكو، تأسس عام 2011، أن ما يقرب من ثلث الشركات الروسية بقطاع أمن تكنولوجيا المعلومات تحاول نقل أنشطتها وموظفيها إلى الخارج.

وسبق أن نقلت وكالات أنباء روسية في 20 ديسمبر/كانون الثاني 2022، عن وزير التنمية الرقمية، شداييف، قوله "لقد غادر ما يصل إلى 10 بالمئة من العاملين في شركات تكنولوجيا المعلومات البلد ولم يعودوا. وفي المجموع، بات نحو 100 ألف متخصص في تكنولوجيا المعلومات في الخارج".

وأضاف الوزير، أن "كثيرين ممن غادروا روسيا استقروا في تركيا أو جورجيا أو أرمينيا أو الإمارات أو منطقة آسيا الوسطى حيث يتسنى لهم مواصلة العمل وتلقّي أجورهم".

وفي مسعى إلى احتواء الوضع، أوصى الوزير شداييف، بعدم فرض "قيود صارمة" على العمل من بعد في القطاع الرقمي لأن ذلك قد يدفع العاملين فيه إلى "البحث عن فرص في شركات أجنبية".

ترسيخ المكانة

ويعد المتخصصون الروس في الأمن السيبراني الأكثر طلبا في العالم، كما أنهم يعدون من بين أكثر المتخصصين تقييما في هذا القطاع حيث إن العديد من دول العالم يمكنها الحصول على بيانات لا تقدر بثمن من خلال التقنيات الإلكترونية، وهذا ما تتجه له دولة مثل الإمارات.

وعكفت الإمارات على بناء بنية تكنولوجية قوية في مجال الأمن السيبراني من خلال مشاريع التعاون والشراكة الجديدة.

وتؤكد تقارير صحفية أنه منذ عام 2008، وتحت إشراف أجهزة الاستخبارات الأميركية وخبراء الأمن السيبراني، حققت الإمارات خطوات كبيرة في مجال التقنيات الإلكترونية.

وفي 22 فبراير/شباط 2023، أكد مجلس الأمن السيبراني في الإمارات، أن ينتهج أفضل معايير وممارسات التحول الرقمي الآمن، مع التأكيد على أهمية حماية البنى التحتية الرقمية والتي هي أساس التحول الرقمي من خلال منظومة أمن سيبراني فائقة التطور قادرة على تحصين الفضاء الرقمي للإمارات.

وتسعى الإمارات لتسريع مسار التحول الرقمي، وترسيخ مكانتها كمركز رقمي موثوق في المنطقة.

ويقول خبراء في المجال الرقمي إن عددا من الدول الأوروبية تتعرض لحالة "نيران دائمة" من قراصنة الإنترنت، عقب غزو روسيا لأوكرانيا.

وعلى سبيل استهداف المؤسسات المالية ومصانع الأسلحة ومقدمي الطاقة والمنظمات الإنسانية وسلطات الضرائب في ألمانيا، حيث وجد محققون في الجرائم الإلكترونية أن المتسللين الروس هم من يقفون وراء تلك الهجمات.

وتحاول الإمارات تحصين مؤسساتها الحكومية والأمنية من الهجمات السيبرانية على المدى الطويل، ولهذا فإن تشتت الخبراء الروس عقب غزو أوكرانيا شكل مناخا ملائما لاستقطاب هؤلاء الذين فروا بحثا عن ملاذ آمن.

وأكد تقرير نشرته شركة استخبارات التهديدات "ريكورديد فيوتشر'' للأمن السيبراني، في 24 فبراير/شباط 2023، تراجع النشاط على منتديات الجرائم الإلكترونية باللغة الروسية نتيجة للتعبئة العسكرية الروسية.

وتصف الشركة "هجرة العقول" لمحترفي الإنترنت الروس، أن ما جرى بسبب تجنيد بعض الجهات الفاعلة في مجال التهديد، بينما قد يكون البعض الآخر من بين أولئك الذين هاجروا إلى البلدان المجاورة لتجنب التجنيد في الجيش.

وتابعت: "نظرا لأن روسيا تعاني من هجرة الأدمغة لمتخصصي تكنولوجيا المعلومات، فمن المرجح أن تصبح كارتلات المجرمين الإلكترونيين المنظمة التي تتفكك الآن أكثر لامركزية من الناحية الجغرافية، مما يجعل علاقاتهم أكثر انتشارا".

"مستهلك شره"

وتستخدم الإمارات برامج تجسس عالية الدقة، ففي عام 2017 ذكرت مجلة "إنترسبت" الأميركية أن "الإمارات مستهلك شره لأدوات التجسس والرقابة التكنولوجية، وأنها تقوم بشكل متكرر بشراء هذه المعدات من الدول الغربية لتعقب معارضيها السياسيين".

وسبق أن أكدت وكالة "رويترز" البريطانية في 30 يناير/كانون الثاني 2019، اختراق فريق من ضباط المخابرات الأميركية السابقين، الذين يعملون لحساب الإمارات، أجهزة آيفون الخاصة بنشطاء ودبلوماسيين وزعماء أجانب من خصوم الإمارات.

ويأتي هذا الاختراق عقب الاستعانة بأداة تجسس متطورة تسمى (كارما)، في حملة تظهر كيف أن الأسلحة الإلكترونية فائقة الفاعلية بدأت تتسرب خارج القوى الكبرى وتصل إلى أيدي دول أصغر.

و(كارما) هي أداة قادرة على إتاحة الدخول عن بعد إلى أجهزة آيفون بمجرد تحميل أرقام الهواتف أو حسابات بريد إلكتروني على نظام استهداف آلي، غير أن أداة التجسس لها حدود أيضا، إذ إنها لا تعمل على الأجهزة التي يشغلها نظام أندرويد، كما لا يمكنها اعتراض المكالمات الهاتفية.

وتنقل وكالة "بلومبيرغ" الأميركية عن أندرو غروتو، وهو زميل في جامعة "ستانفورد" الأميركية في تقرير نشرته في 27 يناير 2020، قوله إن "أبوظبي تحديدا تعتمد ميزانياتها الدفاعية على التعاقد الخارجي مع ترسانات إلكترونية، بهدف المراقبة والتجسس".

وفي مقال للباحث في مركز الدراسات الإيرانية (إيرام)، أرسين تشاهموت أوغلو، نشرت وكالة "الأناضول" التركية في 27 ديسمبر/كانون الأول 2020، قال "إن الإمارات ترغب في أن تكون دولة فعالة في المنطقة فيما يتعلق بالقوة الإلكترونية، إلا أنه من غير المعروف كيف سيكون رد فعل الدول الإقليمية الأخرى على ذلك".

وأضاف: "إدارة أبوظبي، التي يقال إنها تستخدم قدراتها التكنولوجية كوسيلة للضغط على عناصر المعارضة، قد ركزت على تجارة الأسلحة السيبرانية في تعاونها مع الدول والشركات الأجنبية في مجال الاستخبارات".

وأشار تشاهموت أوغلو إلى أن "الإمارات ستكون قادرة على استخدام تقنيات التجسس الإلكتروني ليس فقط ضد الجهات الفاعلة الحكومية أو غير الحكومية الأخرى في المنطقة، ولكن أيضا حول العالم، حيث يمكن أن تستفيد من تقنيات الإنترنت ليس فقط للعمل في مجال الأمن فحسب، بل للحصول على البيانات والمعلومات أيضا".

وختم بالقول: "ستكون المبادرة التي ستصبح فيها الإمارات شريكا إستراتيجيا في الفضاء السيبراني، والتي عبر عنها المسؤولون في كلا البلدين، خطوة مهمة للإمارات لاكتساب القوة السيبرانية". 

يذكر أن تقارير إعلامية من بينها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تحدثت عن وجود محادثات إسرائيلية لبيع الإمارات أنظمة الأمن السيبراني.

وقدرت الإمارات سوق الأمن الإلكتروني لديها بمبلغ 490 مليون دولار عام 2019.

وفي مقابلة نشرتها صحيفة "كلكليست" الاقتصادية بتل أبيب، في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، مع رئيس الأمن السيبراني لحكومة الإمارات، محمد حمد الكويتي، قال: "بدأت معاملات كثيرة مع شركات الإنترنت الإسرائيلية، بما ذلك في مجالات الأمن السيبراني والتكنولوجيا الرقمية والتعليم".

وأضاف قائلا: "إسرائيل شريك إستراتيجي لنا، وهي متقدمة جيدا في مجال الدفاع السيبراني وبناء مناعة إلكترونية، نريد التعلم منها، والمنتجات التي طورتها في مجال السوفتوير والهاردوير تساعدنا في تعزيز القدرات الحالية".