بوتين ليس الأول.. تعرف على زعماء صدرت بحقهم مذكرات اعتقال دولية

لندن - الاستقلال | a year ago

12

طباعة

مشاركة

مع دخول الغزو الروسي لأوكرانيا عامه الثاني، وعدم انصياع الكرملين لدعوات الحل الدبلوماسي، تلقى الرئيس فلادمير بوتين هذه المرة "حرجا شخصيا"، بإصدار مذكرة اعتقال دولية بحقه.

إذ أعلنت المحكمة الجنائية الدولية في 17 مارس/آذار 2023، إصدار مذكرة اعتقال بحق بوتين لمسؤوليته عن جرائم حرب ارتكبت في أوكرانيا منذ بداية الغزو في 24 فبراير/ شباط 2022.

بوتين مطلوب

وأصدرت الدائرة التمهيدية الثانية في المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق شخصين في إطار الوضع في أوكرانيا:

الأول فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين والثاني ماريا أليكسييفنا لفوفا-بيلوفا"، وهي المفوضة الرئاسية لحقوق الطفل في روسيا.

وأوضحت المحكمة في بيان، أن "بوتين يفترض أنه مسؤول عن جريمة الحرب المتمثلة في الترحيل غير القانوني لسكان (أطفال) والنقل غير القانوني لسكان (أطفال) من المناطق المحتلة في أوكرانيا إلى الاتحاد الروسي".

وشددت المحكمة على وجود ما قالت إنها "أسباب معقولة للاعتقاد بأن بوتين مسؤول شخصيا عن هذه الجرائم".

وقال المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان، إنه صار واجبا توقيف بوتين المولود عام 1952، إذا وطأت قدماه أيا من الدول الأعضاء في المحكمة البالغ عددها 123 دولة.

وأكد خان في تصريحات لوكالة فرانس برس في 17 مارس، أن مذكرتي التوقيف "استندتا إلى أدلة جنائية و(عمليات) التدقيق"، مبينا أن "الأدلة التي قدمناها ركزت على الجرائم ضد الأطفال، لأنهم الفئة الأكثر ضعفا في مجتمعنا".

والمحكمة الجنائية الدولية ومقرها في مدينة لاهاي الهولندية، أنشئت في عام 2002 للنظر في أسوأ الجرائم الدولية المرتكبة في العالم.

وتحقق المحكمة منذ أكثر من عام في جرائم حرب محتملة أو جرائم ضد الإنسانية ارتكبت خلال الغزو الروسي لأوكرانيا.

لكن لا روسيا ولا أوكرانيا عضوان في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن كييف قبلت بعمل المحكمة على أراضيها وتعمل مع المدعي العام بها.

وتعد المحكمة الملاذ الأخير للنظر في أسوأ الجرائم في العالم عندما تعجز الدول عن محاكمة المشتبه فيهم على سبيل المثال لا الحصر.

وبدأ خان بعد أيام فقط على بدء الغزو الروسي تحقيقا في احتمال وقوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا.

"قرار تاريخي"

ومذكرة التوقيف بحق بوتين خطوة غير مسبوقة للجنائية الدولية بحق رئيس دولة عضو في مجلس الأمن الدولي إلى جانب أربع دول أخرى هي: فرنسا والولايات المتحدة والصين وبريطانيا.

ولقي قرار المحكمة إشادة من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي قال إنه "قرار تاريخي تبدأ منه المسؤولية التاريخية".

وأشاد حلفاء أوكرانيا الغربيون بالقرار وقال الاتحاد الأوروبي إنه "ليس سوى بداية"، بينما عد الرئيس الأميركي جو بايدن مذكرة التوقيف بحق نظيره الروسي "مبررة".

من جانبها عبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" على الإجراء بالقول: "إنه يوم عظيم لكثير من الضحايا".

لكن المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا رفضت مذكرتي التوقيف الصادرتين عن المحكمة.

وقالت زاخاروفا عبر تلغرام إن "قرارات المحكمة الجنائية الدولية عديمة الأهمية بالنسبة لبلدنا"، مضيفة "روسيا ليست طرفا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وليست عليها التزامات بموجبه".

وعلى المستوى التنفيذي، رأى حقوقيون كثيرون أن الاحتمالات ضئيلة في أن يشاهد بوتين معتقلا؛ لاستحالة تنفيذ المذكرة كون روسيا دولة عضوا في مجلس الأمن ويحق لها استخدام حق النقض "الفيتو".

وسرد البعض، مثالا على استبعاد تسليم بوتين للمحكمة، بالمقارنة مع الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي لم يسلم بعد للمحكمة، رغم وجود سلطة في بلاده جاءت نتيجة ثورة شعبية ضده أطاحت به واعتقلته وأودعته السجن.

وكان البشير قد تمكن إبان حكمه من زيارة عدد من الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية بما فيها جنوب إفريقيا والأردن، رغم أن محكمة لاهاي قد أصدرت في 2009 مذكرة توقيف بحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وذلك على خلفية اندلاع نزاع مسلح بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة عام 2003، أودى بحياة حوالي 300 ألف، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.

إلا أن الأيام الخالية، شهدت عدة محاكمات عادلة، فقد نجحت في السابق المحكمة الجنائية الدولية ذاتها، في محاكمة رؤساء ومجرمي حرب ارتكبوا جرائم إبادة في دولهم، وأصدرت أحكاما نهائية بحقهم.

سلوبودان ميلوسوفيتش

وشهد العالم في 12 يناير/ كانون الثاني 2002، أولى جلسات محاكمة الزعيم الصربي "سلوبودان ميلوسوفيتش" المولود عام 1941، والذي تولى السلطة لسنوات قاد خلالها حملات تطهير عرقي واسعة في دول البلقان، انتهت بالإطاحة به.

واعتقلت السلطات الصربية ميلوسوفيتش في مطلع أبريل/ نيسان 2001، وسلمته في يونيو/ حزيران من العام نفسه للمحكمة الخاصة بجرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة، في لاهاي.

وأدين زعيم الصرب، بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في مذبحة سريبرينتسا، التي وقعت في يوليو/ تموز 1995، وراح ضحيتها أكثر من 8 آلاف رجل وصبي مسلم على أيدي القوات الصربية.

كما أدين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بسبب دوره في حروب كرواتيا والبوسنة (1991-1995) وكوسوفو (1998-1999).

وذلك لكونه العقل المدبر السياسي وراء حملة التطهير العرقي، التي شهدت طرد الكروات والمسلمين من مناطق الصرب في البوسنة.

ووجهت لميلوسوفيتش 60 تهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لكنه رفض تعيين محام للدفاع عنه، وأجرى الدفاع عن نفسه في المحاكمة التي استمرت نحو خمس سنوات.

قضاها متنقلا بين السجن والمستشفى نظرا لتدهور وضعه الصحي، مما أدى لتأجيل صدور الحكم ضده أكثر من مرة، وفي 11 مارس/ آذار 2006 عثر عليه ميتا في زنزانته.

رادوفان كراديتش

وفي 20 مارس/ آذار 2019، حكم القضاء الدولي بالسجن مدى الحياة على الزعيم السابق لصرب البوسنة رادوفان كراديتش، لإدانته بارتكاب مجزرة وجرائم حرب وتحديدا لدوره في حصار ساراييفو ومجزرة سريبرينتسا في 1995.

ووجهت إلى كراديتش المولود عام 1945، عشر اتهامات، بينها مجزرة سريبرينتسا، كما أدين بأعمال اضطهاد وقتل واغتصاب وبمعاملات غير إنسانية وتهجير قسري، خصوصا خلال حصار ساراييفو لأربعة أعوام.

وكراديتش، شاعر وطبيب نفسي تحول إلى زعيم سياسي عديم الرحمة، وأصبح أرفع مسؤول يمثل أمام المحكمة بشأن حرب البوسنة بعد وفاة الرئيس الصربي الأسبق سلوبودان ميلوسوفيتش أثناء محاكمته عام 2006.

راتكو ملاديتش

أما الشخصية الثالثة التي شاهدها ذوو الضحايا يقف في قاعة المحكمة، فهو القائد العسكري السابق لصرب البوسنة الجنرال راتكو ملاديتش، والذي بدأت لاهاي بمحاكمته في 16 مايو/ أيار 2012، بتهمة ارتكاب مجزرة سريبرينتسا.

وملاديتش المولود عام 1942 نجح في الإفلات من العدالة الدولية 16 عاما، لكنه اعتقل في 26 مايو 2011 في صربيا وهو متهم بجرائم ارتكبتها قواته خلال حرب البوسنة التي أسفرت عن سقوط 100 ألف قتيل ونزوح 2,2 مليون بين عامي 1992 و1995.

واتهم ملاديتش (المساعد العسكري لكراديتش) خصوصا بمجزرة سريبرينتسا، التي عدت أسوأ مجزرة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية في نظر القضاء الدولي.

وأظهرت صور قديمة لملاديتش يوزع في سريبرينتسا سكاكر على الأطفال وكذلك في حافلة مع نساء، فيما كان يجري اقتياد الرجال والمراهقين في المدينة إلى غابة ويُعدمون.

وأدين ملاديتش أيضا بتهمة تدبير حملة أوسع "للتطهير الإثني" لطرد المسلمين والبوسنيين من مناطق رئيسة لإقامة صربيا كبرى في يوغوسلافيا السابقة، التي تفككت بعد سقوط الشيوعية.

وجرى تشديد عقوبة ملاديتش الأولية البالغة 40 عاما بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، إلى السجن مدى الحياة في عام 2019، وقد نقل عام 2019 من هولندا إلى بريطانيا، لمواصلة سجنه المؤبد هناك.

تشارلز تايلور

وأمام إفلات الكثير من القادة والزعماء من المحاكمة على الجرائم التي ارتكبوها بحق شعوبهم، وقف رئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلور، الذي كان يقارن نفسه بـ "السيد المسيح"، ليدفع حساب جرائم القتل بحق مواطني بلاده في تسعينيات القرن العشرين.

وألقي القبض على تايلور عام 2006 وأحيل للمحكمة الجنائية الخاصة المدعومة من الأمم المتحدة عام 2007.

وفي 30 مايو/ أيار 2012 أصدرت المحكمة الخاصة بسيراليون حكما بسجن تايلور، لمدة خمسين عاما لإدانته بالمساعدة والتحريض على ارتكاب جرائم حرب في سيراليون أثناء الحرب الأهلية التي استمرت عشر سنوات.

وقال قضاة المحكمة الخاصة بسيراليون إن رئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلور قد تكسب من سيراليون إذ تلقى الماس من المتمردين مقابل تزويدهم بالأسلحة والذخيرة.

وذكر القضاة أن تايلور استغل منصبه للمساعدة والتحريض على ارتكاب جرائم حرب بدلا من أن يعزز السلام والمصالحة، وأنه لم يبد أي ندم على الجرائم التي أدين بها ولم يتقبل المسؤولية عنها، وفق الأمم المتحدة.

دومينيك أونغوين

ومن الأمثلة لأشخاص اعتقدوا أنهم خارج نطاق القانون ولن تطالهم العدالة، ممن ارتكبوا جرائم حرب بحق شعوبهم، القائد السابق لما يسمى "جيش الرب للمقاومة" في أوغندا "دومينيك أونغوين" المولود عام 1975.

وحكمت المحكمة الجنائية الدولية في 6 مايو/أيار 2021، بالسجن 25 عاما على أونغوين الذي جرى تجنيده في طفولته ثم أصبح من قادة حركة التمرد هذه والتي عرفت بوحشيتها، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وأدين أونغوين، الذي سلم نفسه عام 2015، في فبراير/شباط 2021، بـ61 تهمة بما في ذلك الحمل القسري التي لم يسبق أن أوردتها المحكمة الجنائية الدولية، وأدين خصوصا بارتكاب جرائم قتل واغتصاب واستعباد جنسي وتجنيد أطفال.

وتقول الأمم المتحدة إن "جيش الرب للمقاومة"، الذي أسسه "جوزف كوني" وهو لا يزال طليقا وصادرة بحقه مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية، قتل ذبحا أكثر من مئة ألف شخص وخطف ستين ألف طفل في أعمال عنف امتدت إلى السودان وجمهوريتي الكونغو الديموقراطية وإفريقيا الوسطى.

عشرات مذكرات التوقيف

يذكر أن المحكمة الجنائية الدولية أدانت منذ إنشائها عام 2002 حتى عام 2018، فقط ثلاثة أشخاص، جميعهم من إفريقيا وجنوب الصحراء، واثنان من قادة المليشيات الكونغولية ومن مالي.

لكن المحكمة تمكنت من إصدار العشرات من مذكرات التوقيف بحق رؤساء دول وأجهزة مخابرات وضباط عسكريين.

ففي 27 يونيو/حزيران 2011، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، مذكرات توقيف بحق الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي ونجله سيف الإسلام ورئيس المخابرات الليبية عبد الله السنوسي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين.

وبالمحصلة، فإنه على الرغم من إصدار المحكمة الجنائية الدولية للمرة الثانية مذكرة توقيف بحق رئيس دولة لا يزال في السلطة وهو بوتين، وقبل ذلك الرئيس السوداني السابق عمر البشير، فإن المحكمة لا تملك قوة شرطة، وتعتمد على إرادة الدول لتنفيذ مذكرات التوقيف.