تحذيرات أميركية.. لماذا أشعلت "سكوبا" السعودية غضب واشنطن؟

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بشكل مفاجئ أوقفت شركة الدفاع السعودية "سكوبا" جميع أعمالها لصالح الولايات المتحدة، بعد أن فضلت المجموعة الأم للشركة "عجلان وإخوانه" التقارب مع الشركات الروسية الصينية.

ففي 26 فبراير/شباط 2023، أغلقت شركة "سكوبا" السعودية التابعة لمجموعة "عجلان وإخوانه" فرعها في الولايات المتحدة، الذي أنشئ خصيصا للعمل على صناعة المعدات العسكرية على الأراضي السعودية. 

لم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ بدأ نائب رئيس مجلس إدارة المجموعة محمد بن عبد العزيز العجلان تسريح موظفيه الأميركيين، ومعظمهم من الضباط رفيعي المستوى ويعملون منذ تقاعدهم كمستشارين للشركة السعودية. 

أثارت هذه الخطوة أزمة تختمر منذ بضعة شهور بين الرياض وواشنطن، فيما يتعلق بالشراكات الدفاعية.

ظهر هذا بوضوح في معرض "آيدكس" بأبوظبي الذي أقيم من 20 إلى 24 فبراير 2023، عندما تجاهل وكلاء "سكوبا" السعودية تماما مستشاري الولايات المتحدة.

منشأ الخلاف

في 7 مارس/آذار 2023، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات تقريرا يتحدث عن التحذير الأميركي لشركة "سكوبا" السعودية من التوجه نحو موسكو وبكين. 

وذكرت أن منشأ الخلاف يعود للتقارب المستمر للشركة السعودية مع شركات الدفاع الروسية والصينية الخاضعة للعقوبات الأميركية، وذلك رغم تحذيرات واشنطن المتكررة لها،

ففي عام 2021، والذي أنشئت فيه شركة "سكوبا"، أطلق رئيس الأخيرة محمد بن عبد العزيز العجلان شركة TAL بالتعاون مع قطاع الدفاع الصيني.

وبعد فترة وجيزة من الغزو الروسي لأوكرانيا، أنشأ العجلان أيضا شركة Sepha التي تركز على التعاون مع موسكو وعهد بإدارتها إلى "إدوارد كوخارشوك"، مدير تطوير الأعمال السابق لمقاول الحرب السيبرانية في الكرملين "كونكيرن جرانيت".

وقالت المجلة الفرنسية: "إنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تجاوزت مجموعة عجلان وإخوانه الخطوط الحمراء حين جمعت الشركات الثلاث معا (سكوبا - TAL - Sepha) في إطار مجموعة دفاع واستخبارات واحدة برئاسة المدير الإستراتيجي السابق في وزارة الدفاع السعودية فواز العقيل".

وأتبعت: "أراد العقيل أن تجمع الكيانات الثلاثة مواردها، لكن هذا أثار حفيظة الجانب الأميركي القلق من التجسس الصناعي المحتمل على منصات وأنظمة الناتو (حلف شمال الأطلسي) الدفاعية، والتي اهتمت (سكوبا) بشرائها".

اتفاقات وشراكات

وقالت "إنتيليجنس أونلاين"، إن "القشة التي قصمت ظهر البعير بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة، والسعودية من جهة أخرى، تمثلت في تفاوض Sepha وTAL على شراكات سرية مع شركات روسية وصينية يُحتمل أن تكون خاضعة للعقوبات". 

وأتبعت: "أقنع ذلك العديد من المديرين التنفيذيين الأميركيين بالاستقالة من المجموعة السعودية، لأنه في وقت لاحق، أُبلغ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ومكتب مراقبة التجارة الدفاعية  الأميركي (DDTC) أولئك المستشارين بتفاصيل قضية علاقة الرياض بالشركات الصينية والروسية".

أما على صعيد العلاقات الأوروبية فلم يتضح مصير "سكوبا" النهائي في فرنسا وأوروبا بعد، إذ لا يزال المدير التكنولوجي للشركة فيصل بن دوس، وهو فرنسي من أصل سعودي في منصبه. 

وكانت الشركة قبل بدء الأزمة الحالية في طور بناء فريق من الاستشاريين الغربيين، كما انضم إليها نائب الأدميرال الفرنسي المتقاعد برنارد فيلي.

لكن وبحسب المجلة الفرنسية، وصلت اتفاقات "سكوبا" التي فوضت الشركات الأميركية المصنعة مثل (Raytheon وL3 Harris) إلى طريق مسدود.

فيما قد تسير الأمور مع شركات "إيرباص" و"نيكستر" و"تاليس" الفرنسية، وشركة "بيريتا" الإيطالية للأسلحة، وشركة (U-TacS) البريطانية للطائرات المسيرة، على نفس المنوال.

شركة سكوبا 

وسكوبا التي تسببت في الأزمة الأخيرة مع واشنطن هي ‬شركة‬‬ ‬للصناعات العسكرية، و‬من ‬أبرز ‬الشركات ‬الدفاعية ‬في ‬السعودية، ‬وهي ‬مملوكة ‬بنسبة 100 بالمئة ‬لمجموعة ‬عجلان ‬وإخوانه ‬القابضة، وجرى تأسيسها عام 2020.  

وبحسب الموقع الرسمي للشركة فإنها ‬تساهم ‬بشكل ‬مباشر ‬فيما يطلق عليه ‬الخطة ‬الإستراتيجية ‬لرؤية ‬2030 ‬التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان.

وهدف الشركة الأول دعم صناعات ‬عسكرية ‬محلية، ‬وتحديث ‬القوات ‬المسلحة ‬السعودية، ‬والوصول ‬إلى ‬سوق ‬الدفاع ‬والأمن ‬العالمي ‬بالشراكة ‬مع ‬كبرى ‬الشركات ‬العالمية.‬

وتتخصص سكوبا في المنتجات الدفاعية ودخلت في شراكات لتوفية أنظمة القتال المتعددة، مثل التطبيقات البحرية والدفاع الجوي المتكامل والأمن السيبراني، وكذلك الأنظمة الاستخباراتية.

وكان اعتمادها الأول في البداية على التعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والآن عززت تعاونها مع روسيا والصين. 

ويرأس "سكوبا" محمد بن عبد العزيز العجلان، المقرب من محمد بن سلمان، وهو نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة "عجلان" وإخوانه التي تمتلك "سكوبا". 

العجلان الذي كلف بمهمة التقارب مع الصين والحصول على العقود الدفاعية منها، يرأس بنفسه مجلس الأعمال السعودي الصيني. 

ومنذ 2020 حصل من قبل الحكومة الصينية على العديد من الأوسمة والجوائز تقديرا لجهوده في تعزيز التعاون العسكري بين الرياض وبكين. 

ركوب الخلاف 

التقارب بين السعودية والصين وروسيا، والتي كانت شركة "سكوبا" من أبرز شواهده، يأتي بالتزامن مع التوتر المتصاعد بين الرياض وواشنطن.

وذكرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أنه "بينما يسود توتر لافت في العلاقات بين الولايات المتحدة وحليفتها التقليدية السعودية، تحاول الصين ركوب الخلاف لبسط نفوذها الاقتصادي والعسكري في واحدة من أقوى الدول داخل منظمة أوبك (النفطية)".

وأضافت أن "العلاقة الاقتصادية بين واشنطن والرياض لم تكن دائما على ما يرام، وإنها صمدت أمام عدة عقبات منذ أكثر من قرن، بينما المتغير الوحيد هو محاولة الصين القفز لتحقيق هيمنتها الاقتصادية التي تسعى لها".

وأوردت الوكالة الأميركية أنه مع اتساع هوة الخلاف بين الولايات المتحدة والسعودية، عمدت الصين إلى تعميق علاقاتها ليس فقط مع السعوديين، ولكن مع الاقتصادات في جميع أنحاء منطقة الخليج".

وتحدثت عن احتمالية إعادة تقييم جيواستراتيجي كبير، ما بين واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط، تحديدا السعودية. 

وسلطت الوكالة الضوء على حجم تباينات العلاقات السعودية مع الصين والولايات المتحدة.

ومن معالمها أنه بينما يتحدث الرئيس الأميركي جو بايدن عن "معركة بين الحكم المطلق والديمقراطية"، وملفات من قبيل احترام حقوق الإنسان وحرية الصحافة والتعبير، فإن الصين ليس لديها أي أجندة من شأنها أن تزعج الرياض في هذا الشأن تحديدا. 

بل على العكس تقدم بكين إضافة إلى روسيا الغريم التقليدي للولايات المتحدة، كل الخدمات الممكنة للسعودية، باعتبارها من أقطاب الشرق الأوسط، وأحد أبرز القوى هناك. 

نقطة تحول

التحولات السعودية المتصاعدة منذ سنوات تجاه الصين وروسيا، ودخولها إلى قطاعات حساسة مثل الدفاع والاستخبارات، دفعت للتنبؤ بمستقبل تلك العلاقات على صعيدين الأول التوجه نحو تلك الأقطاب، والثاني التحول عن الولايات المتحدة، الحليف التاريخي للمملكة. 

وتحدث الباحث في جامعة "إسطنبول آيدن" التركية عمر هلال عن تلك التحولات قائلا: "البداية من الولايات المتحدة نفسها وليس المملكة، فالعقد بين الدولتين بدأ عام 1945 باللقاء التاريخي بين الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت، ومؤسس المملكة الملك عبد العزيز آل سعود".

وقتها كان ملخص الاجتماع، النفط مقابل الحماية والبقاء، وهو ما تعهدت به واشنطن، ورضيت به الرياض، واستمر الوضع على ما هو عليه خلال العقود المتتالية. 

وأتبع: "لكن بدأت التحولات والاضطرابات بينهما منذ سنوات، ونستطيع القول إن متغيرات كبيرة وقعت خلال حقبة بايدن الأخيرة، بداية من الانتقادات الحقوقية للمملكة، خاصة وأن قضية قتل خاشقجي وإن خففت لكنها مثلت شرخا". 

وقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، واتهمت واشنطن عبر وكالة المخابرات المركزية ابن سلمان بإعطاء الأوامر والتورط في اغتياله.

وأكمل عمر هلال: "الأهم إنهاء واشنطن دعم حرب السعودية على اليمن، وكذلك محاولة وقف تصدير السلاح للرياض، خلال مشروع جرى التقدم به للكونغرس عام 2021، ورغم عدم تمريره، لكنه بعث بإشارة تهديد واضحة للنظام السعودي". 

وتحدث الباحث في شؤون الشرق الأوسط، أن تلك القلاقل والاضطرابات كانت تتم، بينما الصين وروسيا تتسللان بهدوء إلى قلب وعقل الدولة السعودية، تحديدا الرجل المتحكم في كل شيء محمد بن سلمان.

وقال: "ظهر هذا عبر سعي المملكة لتصنيع صواريخ باليستية معتمدة على القدرات الصينية، ومن خلال صفقات السلاح المتصاعدة مع موسكو، وبداية اعتماد التسليح السعودي على دول متنوعة مثل روسيا والصين وفرنسا، بعدما كانت أشبه بالمحتكرة على واشنطن، والآن تسرع شركات الدفاع السعودية في فتح مجالات جديدة خلف ظهر أميركا". 

واختتم: "ومع ذلك لا نجزم بأن هذا تحول كامل وبداية قطيعة، لكنه تحول ملموس ومهم، وتظل للولايات المتحدة حتى وقتنا هذا، اليد العليا في التعاون العسكري والدبلوماسي مع المملكة وسائر دول الخليج".

واستدرك: "ونظل نؤكد أن لكل شيء بدايته حتى ولو كان صغيرا، وما يحدث من تعاون سعودي صيني روسي، نقطة انطلاقة مستقبل قادم".