أبعد من اللاذقية وطرطوس.. لماذا تصاعد الخلاف بين موسكو وطهران؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شهد المسرح السوري المشتعل منذ سنوات توترا بدأت معالمه تطفو على السطح، بين القوى العسكرية اللاعبة في الميدان، وتحديدا روسيا وإيران، حيث تعددت الأسباب التي عمّقت الخلافات بين البلدين.

في أبريل/ نيسان 2019، نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان تقريرا عن تصاعد وتيرة الخلافات بين إيران وروسيا داخل سوريا، لأسباب تتعلق بمحاولة مد النفوذ السياسي والاقتصادي.

ومنذ بداية الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، وجدت سوريا وإيران بقوة لدعم حليفهما بشار الأسد.

إيران أرسلت الآلاف من عناصر الحرس الثوري بالإضافة إلى ميليشيات شيعية أخرى مثل حزب الله اللبناني، ولواء "زينبيون" الباكستاني، ولواء "فاطميون" الباكستاني، المدعومين من قوات الحرس الثوري.

في 30 سبتمبر/ أيلول 2015، بدأ التدخل الروسي المباشر في سوريا، بعد طلب بشار الأسد من موسكو تقديم دعم عسكري، لكبح جماح قوات المعارضة، وهو ما ترتب عليه زيادة النفوذ الروسي في سوريا، خاصة في سياق مناطق خفض التصعيد وعملية الأستانة للسلام، ومؤخرا المناطق منزوعة السلاح في محافظة إدلب.

بعدها قامت روسيا ببناء قوات برية كبيرة في مختلف أنحاء سوريا، وتشير تقديرات هذه القوات بحسب موقع "تلفزيون سوريا" إلى وجود حوالي 4000 جندي على الأرض، يشملوا شركات عسكرية خاصة (مثل إينوت كورب ENOT Corp، وواجنر Wagner، ومجموعة مورجان للأمن Morgan Security Group) مع قوات الشرطة العسكرية الروسية مزودة بأسلحة حديثة.

استنفار عسكري

في 6 يوليو/ تموز 2019، نشر موقع هيئة الإذاعة البريطانية "BBC"، تقريرا عن الخلافات الروسية الإيرانية في منطقة دير الزور شرقي سوريا، حيث أورد التقرير أن "التباين الإيراني الروسي بدأ يأخذ شكلا جديدا مختلفا عن الصورة النمطية لتقاطع المصالح بين الطرفين الذين توليا مهمة الدفاع عن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد".

وأكد الموقع البريطاني أن "المهمة تحققت، وإن لم تكن أسباب الحرب ولا الحرب نفسها قد انتهت، إلا أن التقاطع في المصالح تحول إلى تضاد وهو الذي بدأ يتجلى في أكثر من مكان في سوريا".

ونقلت "BBC" عن مصدر أمني عراقي رفيع أن "منسوب التوتر ارتفع بين قوات البلدين في منطقة شرقي سوريا، ووصل إلى حد الاستنفار العسكري، وهو ما كاد يتدرج إلى اشتباك بينهما". 

والتوتر مرده حسب المصدر العراقي إلى "قيام القوات الروسية بمنع فصائل حليفة لإيران من التمركز في عدد من المناطق بما في ذلك نقطة حدودية مع العراق".

وحسب هيئة الإذاعة البريطانية، أكد مصدر في غرفة عمليات حلفاء سوريا التي تضم الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وفصائل عراقية، تلك الأنباء دون إعطاء المزيد من المعلومات. 

جاءت هذه التطورات بعد أقل من 10 أيام على اجتماع مستشاري الأمن القومي الإسرائيلي والروسي والأمريكي في إسرائيل والتي ترافقت مع التوتر الإيراني الأمريكي المتزايد في منطقة الخليج. 

صراع المرافئ

بحسب ما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية "مثّل الوجود الإيراني على البحر المتوسط مصدر قلق بالنسبة لروسيا، التي تريد أن تكون صاحبة القوة الرئيسية على الساحل الشرقي للمتوسط، وهو ما يضمنه لها مرفأ طرطوس الذي استأجرته لمدة 49 عاما".

ورغم أن إيران حصلت على حق التشغيل التجاري حصراً لمرفأ اللاذقية أواخر العام 2018، إلا أن مجرد وجود إيران هناك يشكل قلقا لروسيا التي تملك قاعدة عسكرية قريبة من المرفأ في حميميم، وهو ما قد يعرض قواتها للخطر في حال حدوث أي توتر كبير بين إيران وإسرائيل أو بين إيران والولايات المتحدة.

إلى جانب هذا، قال مصدر سوري مطلع لـ "BBC" إن "روسيا تفضل أن يكون مرفأ اللاذقية مع الصين بدلا من إيران".

وأكد أن "التزاحم يتجلى على مستوى التعيينات داخل الجيش والقوى الأمنية، وفي التسابق على قطع الطرقات أمام الطرف المقابل لتثبيت النفوذ داخل مؤسسات الدولة بشكل خاص، بل وحتى إلى قيام إيران بما يشبه تهريب الأسد إليها بعيدا عن أي تسريب مسبق في زيارة رسمية كي تنجح بالتقاط صور له مع القادة الإيرانيين في طهران دون أن يؤدي تدخل روسي إلى إفشالها".

 

مصرع زهر 

كانت حادثة مقتل اللواء عصام زهر الدين قائد حامية دير الزور منذ سنة 2015، نتيجة انفجار لغم في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2017، هو ما أشعل فتيل الخلاف بين القوتين الروسية والإيرانية في سوريا.

وزهر يعد من أبرز رجالات نظام بشار الأسد الذين اعتمد عليهم في تصفية خصومه بعد اندلاع الثورة السورية، وقاد عمليات في مختلف المناطق، واتهم بارتكاب مجازر بحق المدنيين في حي باب عمرو في حمص، وفي الغوطة الشرقية، وفي دير الزور.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، نشر المركز الفرنسي للبحث الاستخباراتي، تقريرا لمدير البحوث ألان رودييه، قال فيه: إن "موسكو اعتبرت، أن اللواء زهر تعرض للاغتيال بأوامر من طهران، لأنه أصبح ذا شعبية هائلة ليس فقط بين الناس، وإنما أيضا لدى بشار الأسد".

وأشار الكاتب إلى أنه "لو كان هذا اللواء من العلويين لما وصل الوضع إلى هذا الحد من الخطورة".

وأكد رودييه "الواقع أن اللواء عصام زهر الدين من الدروز، وهو ما عزز مخاوف طهران من اكتسابه نفوذا كبيرا في القيادة السورية خصوصا أنه مدعوم من روسيا، الأمر الذي يخوله امتيازات أفضل من امتيازات المليشيات الشيعية".

وربط الباحث الفرنسي بين رفض موسكو تقديم دعم جوي لهذه المليشيات خلال هجمات نفذها تنظيم الدولة ضدها صيف 2018 في منطقة البوكمال، ردا على حادثة مقتل اللواء المدعوم من قبل روسيا.

وأردف ألان رودييه أنه "تجدر الإشارة إلى أن طهران تعتبر هذه المنطقة بمثابة نقطة العبور الرئيسية بين العراق وسوريا الواقعة على الممر الذي يربط إيران بساحل البحر الأبيض المتوسط". 

البوابة الإسرائيلية 

في مارس/ آذار 2019، قال حسين جابري أنصاري، النائب السابق لوزير الخارجية الإيراني: إن "هناك اختلافا في وجهات النظر بين طهران وموسكو فيما يخص إسرائيل"، مؤكدا في الوقت ذاته "وجود مصالح مشتركة مع روسيا في سوريا"

وأضاف أنصاري: "إسرائيل أدركت الآن تبعات الربط بين إيران وسوريا ولبنان، وتسعى إلى تحميل خططها للاعبين الآخرين في سوريا ومن جملتهم روسيا، والكيان الإسرائيلي يستغل العلاقات التاريخية بينه وبين روسيا لتحقيق أهدافه".

وتعد البوابة الإسرائيلية محور خلاف دائم بين موسكو، وطهران، فروسيا بحسب المسؤولين الإيرانيين لم تكن يوما إلى جانب إيران فيما يتعلق بتل أبيب.

وهو ما دفع نائب وزير الخارجية الروسي "سيرغي ريباكوف" للقول إن "إيران ليست حليفة لموسكو، وأن بلاده لا تستخف بأي طريقة بأهمية التدابير التي من شأنها ضمان أمن قوي لإسرائيل، وهي من أهم أولويات روسيا".

القوات الأجنبية

في مايو/ أيار 2018، استدعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رئيس النظام السوري بشار الأسد للاجتماع به في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود. 

ركز اللقاء بشكل أساسي على رغبة موسكو في تفعيل العملية السياسية على ضوء ما تعتبره انتصارا في الحرب على الإرهاب، وخلال اللقاء، نُقل عن فلاديمير بوتين قوله للأسد: "على القوى الأجنبية المسلحة مغادرة الأراضي السورية".

بعد ذلك طلب بوتين رسميا عن طريق ممثله الرسمي في سوريا، "ألكسندر لافرينتيف"، مغادرة جميع القوات الأجنبية من البلاد، بما في ذلك الأمريكيون وحلفاؤهم في التحالف، والأتراك، وأيضا المليشيات الشيعية الأجنبية "الباكستانية والأفغانية والعراقية واللبنانية"، وأيضا الكوادر الإيرانية التابعة لقوات الحرس الثوري الإيراني. 

علل الرئيس الروسي طلبه بأن "وجود القوات الأجنبية في سوريا ليس قانونيا بموجب القانون الدولي، لأن مساعدتهم لم تأت على خلفية طلب من حكومة شرعية".

سارعت بعض الجهات المحسوبة على إيران وحزب الله إلى استبعاد نفسها من الرسالة الروسية، لكن المبعوث الخاص للرئيس الروسي، عاد وأوضح أن "التصريح الذي صدر كان يقصد كل الجهات دون استثناء بما في ذلك حزب الله وإيران".