الإمارات على خطى السعودية في توثيق العلاقات مع إيران.. ما الأسباب والأهداف؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

لم تمض أيام على التطبيع السعودي الإيراني حتى اتخذت الإمارات سلسلة خطوات بدأت بـ"فرملة" العلاقات مع إسرائيل، عبر إلغاء زيارة مؤجلة لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، ثم إلغاء صفقة لشراء أنظمة أمنية في 13 مارس/ آذار 2023.

وتبعتها بالخطوة الأهم وهي استقبال حكام أبوظبي في 16 مارس كبير المسؤولين الأمنيين الإيرانيين، علي شمخاني، لإجراء محادثات في مؤشر جديد على التقارب بين إيران ودول الخليج.

توجه المسؤولين الإماراتيين لفرملة، لا وقف، العلاقات مع إسرائيل، ثم التقارب من إيران عده مراقبون محاولة من حكام أبوظبي للانحناء للغضب الشعبي العربي بفعل جرائم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

"قلق إماراتي"

ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 13 مارس 2023 معلومات تشير إلى أن السبب هو قلق الرئيس الإماراتي محمد بن زايد من تركيبة حكومة نتنياهو الجديدة ومن تصريحات وزرائه المتطرفين، وتصعيد الاحتلال جرائم القتل في الضفة الغربية.

أما السبب الأهم من التطبيع مع إيران فهو سعي الإمارات للحاق باتفاق مرتقب سترتب له إيران بين مسؤولين خليجيين والحوثيين، بما يضمن عدم تكرار إمطارهم مدنها بصواريخ كما حدث في فترات سابقة، بحسب ما تحدث مصدر دبلوماسي عربي لـ "الاستقلال".

وفي يناير/ كانون الثاني 2022، قصف الحوثيون اليمنيون الإمارات ثلاث مرات واستهدفوا أبوظبي ودبي بصواريخ وطائرات مسيرة، حسبما أعلنوا، ما هدد الدولة التي تعتمد على فكرة "المول التجاري" بهرب الاستثمارات منها.

وتزامن الهجوم الثالث الذي شنه الحوثيون في 31 يناير 2023 مع زيارة للرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، للإمارات، التي تشكل جزءاً من تحالف تقوده السعودية لقتال الحوثيين المدعومين إيرانياً.

وأوضح المصدر الدبلوماسي أن الإمارات والسعودية تريان أن هذا هو الوقت المناسب لتوقيع اتفاق مع إيران يتضمن تنازلات أكبر بسبب اشتداد الحصار الغربي عليها، وأزمات النظام الداخلية، وتكهنات قرب تنفيذ إسرائيل هجوما موسعا على مفاعلاتها النووية.

وأيضا حتى لا تعد إيران التحالف العربي الإسرائيلي إعلان حرب ضدها فتنتقم من الخليج لو وجهت لها ضربات أميركية أو إسرائيلية، وفق قوله.

وتحدث تحليل لوكالة "رويترز" البريطانية في 16 مارس 2023 عن "إحباط (من تأخر الاتفاق) دفع علي خامنئي (المرشد الأعلى الإيراني) لإبرام اتفاق مع السعودية في الصين"، ما يشير ضمنا لضغوط على طهران دفعتها لتسريع الاتفاق.

ونقلت الوكالة عن مسؤولين إيرانيين تأكيدهما لرويترز أن "خامنئي نفد صبره حيال بطء وتيرة المحادثات مع السعودية وطلب تسريع التطبيع معها".

ما قد يشير لحاجة إيران لهذا التطبيع لخلخلة الحصار وإفساد خطط إسرائيل وأميركا لتشكيل تحالف عربي إسرائيلي ضدها.

وفي 10 مارس 2023، أعلنت السعودية وإيران استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات في غضون شهرين بعد سبع سنوات من القطيعة، وأكدا "على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بينهما عام 2001".

وجاء اتفاق التطبيع بمثابة صفعة مدوية لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي جو بايدن، حيث كانا يعولان على تطبيع سعودي إسرائيلي لحصار وعزل إيران، فجاء التطبيع سعوديا إيرانيا.

وقال مصدر سعودي لقناة "العربية" 15 مارس 2023 إن الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران يتضمن 3 نقاط سرية لا يمكن الإفصاح عنها، مشددا على أن المملكة ليست طرفا في الصراع بين الغرب والصين. 

ولفت إلى أن الاتفاق تضمن "التزاما ثنائيا أمنيا ودفاعيا مع إيران بعدم الاعتداء عسكريا وأمنيا واستخباراتيا". 

أيضا قال مسؤول سعودي أكد لـ "سي إن إن" الأميركية في 16 مارس 2023 إن الصفقة مع إيران شملت بنودا سرية، و"عدم استخدام القوة العسكرية ضد بعضهما البعض، وعدم دعم الجماعات (المسلحة) ضد بعضها البعض".

فرملة التطبيع

في 12 مارس 2023 ذكرت وسائل إعلام عبرية أن رئيس الإمارات جمد مشاريع مشتركة مع إسرائيل احتجاجا على سياسات حكومة نتنياهو.

القناة الإخبارية الإسرائيلية "12"، أوضحت أن الإمارات "قررت تجميد شراء معدات عسكرية من إسرائيل بسبب سياسات حكومة بنيامين نتنياهو الأخيرة".

وأضافت أن اقتحام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، للمسجد الأقصى في مدينة القدس، وتصريحات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش عن محو قرية "حوارة" الفلسطينية شمالي الضفة الغربية "وراء القرار".

وأشارت إلى أن محمد بن زايد قال لمصادر إسرائيلية: "طالما أننا لا نستطيع التأكد من أن نتنياهو لديه حكومة يسيطر عليها، فلا يمكننا التعاون".

وأكد عبد الخالق عبد الله المستشار السابق لابن زايد، حينئذ "تجميد" علاقات بلاده السياسية والعسكرية مع حكومة نتنياهو.

ووصف أنباء إلغاء زيارة نتنياهو ووقف الصفقة العسكرية مع إسرائيل بأنها تأتي "احتجاجا على سياسة حكومته الاستيطانية المتطرفة وتصاعد الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني في الآونة الأخيرة".

وعلق فيصل إدريس، أستاذ الإعلام في جامعة الملك عبد العزيز بجدة سابقاً على ذلك، عبر حسابه على تويتر، مؤكدا أن "الإمارات العربية المتحدة تحاول كبح جماح سياسة نتنياهو الداخلية".

غير أن الحكومة والخارجية الإسرائيلية سارعت إلى نفي ما نشرته صحف عبرية عن تجميد صفقات مع الإمارات أو غضب ابن زايد.

لكن "نير دفوري" المراسل العسكري للقناة 12 قال إن هناك أزمة حقيقية في العلاقات بين إسرائيل والإمارات.

وبين أن الغاء زيارة نتنياهو للإمارات، التي كانت مقررة في يناير 2023 وتأجلت دون تحديد موعد جديد، وإلغاء صفقة لشراء أنظمة أمنية جاء "بسبب الاتفاق السعودي الإيراني".

وأصبح التعاون الأمني الإماراتي الإسرائيلي رسميًا مع توقيع اتفاقات التطبيع، وبات واسع النطاق.

إذ يزود الاحتلال دولة الإمارات بأنظمة الدفاع والهجوم السيبراني، بجانب أنظمة دفاع جوي تحمي حقول الغاز والنفط من الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز.

وكانت إسرائيل تعد هذا جزءا يسمح لها ببناء تحالف إقليمي ضد إيران، يتكون أساسا من الدول الخليجية التي لا ترى إسرائيل عدوا، وفي نفس الوقت لا تريد لإيران الحصول على قدرات نووية.

شمخاني في الإمارات 

كانت دعوة الإمارات أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني "على شمخاني" لزيارتها في 16 مارس 2023 وبعد 6 أيام من توقيع طهران اتفاق تطبيع العلاقات مع الرياض، مؤشرا على سعيها للاستفادة من ذلك في إنهاء أزمة اليمن أيضا.

سلطت زيارة شمخاني للإمارات ولقاؤه مع رئيس الإمارات محمد بن زايد، وطحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني (المخابرات)، الضوء على تنامي العلاقات بين طهران وأبو ظبي.

وتمنى رئيس الإمارات أن تؤدي زيارة الأدميرال شمخاني لفتح صفحة جديدة في العلاقات الإيرانية والإماراتية، وقال: الإمارات مستعدة لإزالة سوء التفاهم ورفع العلاقات الثنائية مع إيران في جميع المجالات إلى أعلى المستويات"، بحسب وكالة "تسنيم".

وفي 22 أغسطس/ آب 2022 أعادت الإمارات سفيرها إلي إيران، بعد أكثر من ست سنوات من تخفيض الدولة الخليجية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وقالت إن ذلك "في إطار جهود الإمارات لتعزيز العلاقات معها".

وكان ملفتا أن إيران تعمدت تصدير "على شمخاني" أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني للتفاوض مع السعودية ثم الإمارات، ربما لأنه من أصول عربية من خوزستان (الاحواز) كبادرة على التقارب بين البلدين.

وقال شمخاني إن زيارته إلى الإمارات هي "بداية ذات مغزى للبلدين لدخول مرحلة جديدة من العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية".

وتزامنت زيارة شمخاني للإمارات، التي وصفها بـ "دبلوماسية الجوار" مع لحظة حرجة من الضغط الدولي المتزايد، حيث تعرضت إيران لانتقادات واسعة بسبب قمعها القاتل للمعارضة خلال ستة أشهر من الاضطرابات.

كما أدى الجمود في المحادثات مع الغرب التي كان من المأمول أن تنقذ الاتفاق النووي المهم إلى زيادة تعقيد عملية التسوية وتصاعد التهديدات بعمل عسكري، بحسب موقع "المونيتور" الأميركي 16 مارس 2023.

لذلك قال المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله إن إيران هي التي ذهبت إلى الإمارات "لأنها في مأزق داخلي عويص لا تستطيع الخروج منه بدون الانفتاح على دول الخليج العربي".

وأرجع المحلل السياسي الإيراني، سعيد ليلاز، أولويات الإمارات في محادثتها مع شمخاني لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، 15 مارس 2023 بأنها "إنهاء الصراع اليمني المستمر منذ تسع سنوات"، وأيضا حل مشكلات مالية وتجارية.

وبحسب ما تقول صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية نقلا عن محللين، استخدمت إيران أيضا على مدار العقد الماضي، الشركات في المراكز التجارية بالإمارات للتحايل على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ردا على برنامج إيران النووي.

قالت: تريد طهران فك العزلة والحصول على الشرعية، لذا اتجهت نحو الخليج لتحسين العلاقات.

وكانت الإمارات من بين أكبر الشركاء التجاريين لإيران منذ عقود حتى في الأوقات الصعبة بين الدولتين، وكان ملفتا أن شمخاني اصطحب معه للإمارات محافظ البنك المركزي الإيراني، محمد رضا فرزين.

الحوثيون الهدف

ورأى باحثون في "معهد أبحاث الأمن القومي" التابع لجامعة تل أبيب، أن استئناف العلاقات السعودية الإيرانية ولو أنه "لطمة لإسرائيل"، إلا أن "الامتحان الحقيقي للاتفاق سيكون في قدرته على إنهاء حرب اليمن"، بحسب ما نشرت صحيفة القدس العربي في 16 مارس 2023.

أكدوا أن "المصلحة الإيرانية" من الاتفاق هي الرغبة في تحقيق رؤية النظام الإيراني بتحسين العلاقات مع الجوار كما أعلن الرئيس إبراهيم رئيسي، كجزء من السياسة العامة الأكبر التي تطمح إلى تقليل التأثير الأميركي في المنطقة، وتخفيف الحصار على طهران.

فيما تكمن "المصلحة السعودية"، وبالتبعية الإماراتية، في إنهاء الحرب الدائرة ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، وكذلك وقف الهجمات المتكررة عليهما كما جرى في الهجوم على شركة أرامكو وأبو ظبي ودبي.

وشددوا على أن تقارب دول الخليج مع إيران له علاقة أيضا بتشككهم في الالتزام الأميركي تجاه حماية السعودية والإمارات، كما أن إسرائيل لا تشكل شبكة أمان في مقابل التهديد الإيراني

وأكد الباحثون الإسرائيليون أن "السعودية استنتجت أنه عليها إدارة المخاطر وتقليل حدة المواجهة مع منافستها إيران".

وبالمقابل، سيقوي استئناف العلاقات بالنسبة لإيران، من شعورها بالأمان وسيزيد من قدرتها على التعامل مع تشديد العقوبات الذي تريده واشنطن وإسرائيل.

حين بدأ الحوثيين قصف أبو ظبي ودبي يناير 2022 وهددوا عبر مواقع التواصل باستهداف برج خليفة أعلى برج في العالم، وطالبوا الأجانب والشركات العالمية بالرحيل، خرج بعض قيادتهم ليعلنوا أن الهدف هو ضرب الاستثمار في الإمارات بصفتها مولا تجاريا كبيرا سينهار لو هربت منه الشركات العالمية.

قال هذا بوضوح 31 يناير/كانون الثاني 2022 المتحدث العسكري باسم ميليشيات الحوثيين "يحيى سريع" الذي أكد في بيان إن الهجمات في الفترات المقبلة ستستهدف مقرات الشركات العالمية في الإمارات.

وقد أشارت لخطورة هذا التهديد صحيفة التايمز البريطانية 31 يناير 2022 التي أشارت لتخوف المستثمرين والأجانب بالفعل مما شاهدوه في سماء أبو ظبي من مواجهة بين صواريخ الحوثيين وصواريخ الدفاع الاماراتية.

أوضحت أن الحوثيين أوجعوا الإمارات باستهداف الشركات العالمية وأجهضوا رؤيتهم لتغيير المنطقة بالتطبيع مع إسرائيل.

قالت إن أبو ظبي تحتل مكانا متقدما في تصنيف المنتدى الاقتصادي العالمي لأكثر البلدان أمانا في العالم، لكن سكان المدينة استحوذ عليهم التوتر بعد الهجمات الأخيرة، خشية استهداف الحوثيين المراكز السياحية والتجارية في الإمارات.

رغم محاولات سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، ولانا نسيبة سفيرة الإمارات لدى الأمم المتحدة، في مقال مشترك بصحيفة وول ستريت جورنال 31 يناير 2022 تنبيه الغرب أن الهدف ليس أبوظبي ولكن الشرق الأوسط كله، في إشارة لسعي إيران للهيمنة عليه.

فقد كان مقالهما بمثابة استعطاف للغرب للتدخل لحمايتهم، واتهام أميركا بعدم أداء واجباتها في حماية شركائها هي أو إسرائيل، ما عجل بخطوة الإمارات نحو التطبيع مع إيران لا إسرائيل كما فعلت السعودية.

وقد اضطرت وزارة الدفاع الأميركية حينئذ للإعلان أنها هي التي تدافع عن أبو ظبي وأنها صدت آخر ثالث هجمة للحوثيين بصواريخ عبر دفاعاتها المضادة بصواريخ باتريوت.

وفي فبراير 2021 ألغت الولايات المتحدة تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية "لتشجيعهم على الحد من الأعمال العدائية"، لكن الإمارات رأت أنهم أصبحوا أكثر عدوانية، وصعدوا من عنفهم ضد الأهداف المدنية.

ويتهم التحالف، الذي تقوده السعودية في اليمن، إيران بتزويد الحوثيين بالسلاح، وهو اتهام تنفيه جماعة الحوثي وطهران، إلا أن خبراء ينظرون إلى الصراع في اليمن باعتباره "حربا بالوكالة بين السعودية وإيران".

ولأنه يتوقع أن يتبع هذا التحسن في العلاقات مع الإمارات، توقف إيران عن مد الحوثيين بالسلاح أو تقليصه، سيكون هذا مكسبا لأبو ظبي التي أرعبها القصف الحوثي في يناير 2022 خشية انهيارها كقلعة لجذب استثمارات العالم.

وقد كشف مسؤولون أميركيون وسعوديون، لصحيفة "وول ستريت جورنال" 16 مارس 2023، أن "إيران وافقت على وقف إرسال شحنات الأسلحة إلى حلفائها الحوثيين في اليمن"، كجزء من صفقة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية.

وأشاروا إلى أنه "إذا توقفت طهران عن تسليح الحوثيين، فقد تضغط بذلك على الجماعة للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الصراع".