صواريخ "جافلن" الأمريكية.. كيف فضحت دعم فرنسا لحفتر في ليبيا؟

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد قرابة الثلاثة أعوام، أقرت فرنسا للمرة الثانية بتدخلها عسكرياً في ليبيا، معترفة أن الصواريخ التي عثرت عليها قوات موالية لحكومة الوفاق مع قوات حفتر في قاعدة غريان، تعود إلى الجيش الفرنسي الذي اشتراها من الولايات المتّحدة.

الصواريخ التي عثر عليها مع قوات متمردي اللواء المتقاعد خليفة حفتر في غريان من نوع "جافلن" وصنع ‏الشركتين الأمريكيتين "رايثيون" "ولوكهيد مارتن" باعت واشنطن في ‏‏2010 منها لباريس 260 صاروخا بالمعدات التابعة له مقابل ‏عقد بقيمة 69 مليون دولار.‏

كانت المرة الأولى لفرنسا التي تعترف فيها بوجود قوات تابعة لها في ليبيا، في يوليو/تموز 2016، حين أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية وقبلها الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند، مقتل 3 عسكريين فرنسيين هناك.

وجاء أول اعتراف إثر إسقاط "سرايا الدفاع عن بنغازي"- وهي قوة تشكلت بهدف إعادة النازحين الذين هجرتهم عملية الكرامة من بنغازي- مروحية كان على متنها العسكريون الفرنسيون الثلاثة، في منطقة المقرون (65 كيلومترا غرب مدينة بنغازي).

حينها قالت القوات التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يقود منذ 4 أبريل/نيسان الماضي هجوما ضد قوات الوفاق للسيطرة على العاصمة طرابلس، إن هؤلاء "مستشارون عسكريون" لها.

نفاق فرنسي

الاعتراف الفرنسي الثاني في يوليو/تموز 2019 الجاري، أسقط ورقة التوت عن نفاق فرنسا، التي ثبت دعمها للثورة المضادة في ليبيا، حينما أقرت وزارة الدفاع الفرنسية بأن الصواريخ التي عُثر عليها في قاعدة قوات حفتر مصدرُها باريس، قائلة: إن صواريخ "جافلين التي تم العثور عليها في غريان غرب ليبيا هي فعلا ملك للجيش الفرنسي وتم شراؤها من الولايات المتحدة".

فرنسا راوغت في إقرارها قائلة إن "الأسلحة تابعة لها لكنها غير صالحة للاستخدام"، دون أن توضح كيف انتهت إلى أيدي قوات حفتر؟ والعثور عليها داخل قاعدة كانت في يد ميليشياته قرب طرابلس.

حكومة الوفاق طالبت الحكومة الفرنسية بتقديم ‏توضيحات "عاجلة"، مطالبة على لسان وزير خارجيتها محمد الطاهر سيالة نظيره ‏الفرنسي جان-إيف لودريان "بتوضيح الآلية التي وَصلت بها الأسلحة الفرنسية التي عثِر عليها ‏في غريان، إلى قوات حفتر، ومتى تم شَحنها؟ وكيف سُلمت؟".‏

كما طالب "سيالة" نظيره الفرنسي بـ"معرفة حجم هذه الأسلحة التي يتنافى وجودها مع ما تصرح ‏به الحكومة الفرنسية في المحافل الدولية واللقاءات الثنائية بدعمِ حكومة الوفاق الوطني باعتبارها ‏الحكومة المعترف بها دوليًا".‏

وإثر تلك المطالبات صرحت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي بأن الصواريخ التي اعترفت فرنسا بامتلاكها "لم تكن بين أيادي ليبية"، إلا أن موقع "ميديابار" الفرنسي، قال إن جميع الأدلة توحي بأن باريس سلّحت قوات المتمردين، في انتهاك لحظر الأمم المتحدة والاتفاق الموقّع مع الولايات المتحدة.

وتحدّث الموقع عن التفسيرات المرتبكة لوزيرة الدفاع الفرنسية، والتي اكتفى مكتبها بذكر 3 نقاط، أولها أن "هذه الأسلحة كانت مُوجهة للحماية الذاتية لفرقة فرنسية تم نشرها لأغراض استخباراتية فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب".

كما ادعى مكتب الوزيرة أن "هذه الذخائر تالفة وغير صالحة للاستخدام لذلك خُزّنت مؤقتا في أحد المستودعات من أجل تدميرها، ولم تُنقل إلى القوات المحلية"، فضلا عن أن "هذه الأسلحة لم تكن تخضع لقيود الاستيراد إلى ليبيا بالنظر إلى أنها كانت بحوزة قواتنا من أجل سلامتهم".   

وأضاف الموقع في تقرير له 11 يوليو/تموز الجاري: "إذا كانت هناك مفرزة فرنسية في غريان في القاعدة العسكرية التابعة لحفتر والواقعة بالتحديد على خط الجبهة، فسيكون في ذلك اعتراف بالتورط الفرنسي غير المسبوق في الحرب الأهلية الليبية، ومشاركة مباشرة في ساحة المعركة".

وتحدث الموقع عن أمرين غريبين أولهما إعلان صدر غرة يوليو/تموز الجاري على تويتر من قبل السفارة الفرنسية في ليبيا نفت فيه نفيا قاطعا وجود جنود فرنسيين أو أفرادا عسكريين في غريان.

أما الأمر الغريب الثاني فيتعلق بمعدات القوات الفرنسية في حد ذاتها، إذ أن صواريخ جافلن تم شراؤها سنة 2010 في انتظار جيل جديد من الصواريخ الفرنسية التي تنتجها شركة "إم بي دي إيه".  

فضح الازدواجية

اعترافات فرنسا فضحت أيضا ازدواجيتها في التعامل مع الأزمة الليبية، التي تدعم حكومة الوفاق في العلن عبر التصريحات الدبلوماسية وإعلان دعم عملية السلام بوساطة الأمم المتحدة التي يقودها غسان سلامة، في الوقت ذاته تقدم فيه الدعم العسكري لحفتر ومليشياته.

الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون كان أول زعيم غربي يدعو حفتر إلى أوروبا في سياق ما زعم أنها محادثات سلام، إلا أن المراقبين أكدوا انحياز فرنسا إلى جانب حفتر، معتبرين استقباله بمثابة دعم ضمني له، خاصة أن فرنسا شنت ضربات جوية لدعم قواته في فبراير/شباط الماضي، واستهدفت قوات المعارضة التشادية التي تقاتل ضد هذه القوات جنوبي ليبيا.

كما أكدت مصادر عسكرية وسياسية ليبية، بعد أسبوع من حملة حفتر على طرابلس، أن طائرات فرنسية بدأت التحليق في سماء العاصمة، لتقديم الدعم لقوات حفتر، التي تخوض حالياً حرباً ضد قوات حكومة الوفاق، بهدف السيطرة على العاصمة.

وأفادت بوصول خبراء فرنسيين عسكريين، سيقدمون لقوات اللواء المتقاعد الدعم على الأرض.

يأتي الدعم العسكري الفرنسي لحفتر رغم تمديد مجلس الأمن الدولي في يونيو/حزيران الماضي، القرار الصادر منذ مارس/آذار 2011 بـ"منع بيع أو توريد الأسلحة وما يتصل بها من أعتدة إلى ليبيا، ويشمل ذلك الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية والمعدات شبه العسكرية وقطع الغيار"، لمدة عام كامل جديد بعد أن تم تمديده أكثر من مرة. 

وسمح القرار الذي صاغته بريطانيا، لدول الاتحاد الأوروبي بتفتيش السفن في أعالي البحار قبالة سواحل ليبيا، عندما يكون لديها "أسباب معقولة" للاعتقاد بأنها تنتهك الحظر.

وأتاح القرار للدول الأوروبية تفتيش السفن المتجهة من وإلي ليبيا، بغرض مكافحة الهجرة غير النظامية، ويمكنها من مصادرة الأسلحة والذخيرة الموجودة أثناء التفتيش على تلك السفن. 

وأكد قرار مجلس الأمن الصادر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (بما يعني جواز استخدام القوة العسكرية لتنفيذه) أن "الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يشكّل أحد أشد الأخطار التي تهدد السلم والأمن".

فشل حفتر

رغم الدعم الفرنسي المقدم لقوات حفتر إلا أن الحرب التي يقودها على طرابلس منذ 4 أبريل/نيسان الماضي، كان مآلها الفشل، حيث أكدت صحيفة  "لوفيغارو" الفرنسية، أنه بعد 3 أشهر من شن الهجوم على طرابلس، خسر أمير الحرب (حفتر) مدينة غريان إحدى المدن الليبية التي تقع في الجزء الشمالي الغربي ووجد نفسه محاصرًا. 

وأضافت في تقرير لها نشرته في يوليو/تموز الجاري: "لقد فَقَد المشير حفتر جزءا من الأراضي التي يسيطر عليها وربما القليل من هدوء أعصابه أيضا، واستهدفت غارات جوية مركز احتجاز في ضواحي طرابلس، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى".

في 26 يونيو/ حزيران الماضي تمكنت قوات عسكرية تابعة لحكومة الوفاق من السيطرة على كامل ‏مدينة غريان (100 كلم جنوب طرابلس)، ودخلت مقر غرفة العمليات الرئيسية لقوات حفتر، ‏التي يدار منها الهجوم على العاصمة.‏

وتعد غريان من أهم معاقل قوات حفتر غربي ليبيا وأثار سقوطها المفاجئ الجدل حول ‏القوة المزعومة التي يمتلكها اللواء المتقاعد والسيناريوهات المطروحة أمامه بعد فشله في دخول ‏العاصمة طرابلس.‏

ذلك الفشل، دفع الناطق باسم قوات حفتر اللواء أحمد المسماري، في مؤتمر عقده 7 يوليو/تموز ‏الجاري، إلى التصريح بأن المعركة التي يخوضها الجيش منذ أبريل/نيسان الماضي هي "معركة ‏صبر".‏

وزعم المسماري أنه "لم يتبقّ لحكومة الوفاق إلا الطائرات بدون طيار بعد القضاء على ‏سلاحها الجوي"، مشيراً إلى أن ليبيا ستكون لها حكومة وحدة وطنية وستجرى فيها الانتخابات ‏عقب "تحرير" طرابلس.‏

وسبق أن قال "المسماري" إنهم ينتظرون أوامر القائد العام لاقتحام مدينة غريان، وزعم أن قواته ‏في المدينة تعرضت لما وصفها بـ"الخيانة"، وهو ما تسبب بالهزيمة التي لحقت بقواته.‏

وادعى المسماري أنهم رصدوا 86 اسما ممن ارتكبوا "الخيانة"، موضحا أن قواته تعرضت ‏داخل المدينة إلى عمليات قتل عن قرب وتصفية وقنص ودعس بالسيارات، وطرق أخرى لم ‏يكشف عنها.‏

واجهت فرنسا انتقادات حادة من الليبيّين المؤيّدين لحكومة الوفاق، إذ يتّهمون باريس بأنّها تدعم الهجوم العسكري الذين يشنّه حفتر للسّيطرة على العاصمة الليبيّة.

وكشف مصدر حكومي رسمي أن "السراج" أبلغ السفيرة الفرنسية لدى بلاده بياتريس دو إيلين احتجاجا شديد اللهجة على موقف باريس الداعم لحفتر، حسب الجزيرة.

واتهم وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني الليبية فتحي باشاغا، باريس بدعم حفتر، وطالبها بالالتزام بالقيم الفرنسية وتاريخها الديموقراطي. ورد وزير الخارجيّة الفرنسي جان إيف لودريان، ملمحاً إلى أن وزير الداخلية الليبي يتلقى إملاءات من تركيا لاتهام فرنسا، واصفاً ما يقوله بأنها مزاعم.

وقال نصاً: "فرنسا دعمت باستمرار حكومة السراج.. لاحظتُ أنّ فتحي باشاغا الذي يُهاجم فرنسا بانتظام ويندّد بتدخّلها المزعوم في الأزمة، لا يتردّد في قضاء بعض الوقت في تركيا، لذلك أنا لا أعرف أين يوجد تدخّل". 

وزادت حدة الاتهامات بين حكومة الوفاق وفرنسا بعد الحملة التي شنها "حفتر" على طرابلس، وظلت فرنسا تنفي انحيازها للأخير، إلى أن أقرت "مراوغة" بأن الصواريخ التي عثر عليها في قاعدة غريان تعود لفرنسا، زاعمة أنها "غير صالحة للاستعمال".

بدورها، قالت منظمة الصحة العالمية إن أكثر من 1000 شخص لقوا مصرعهم، وأصيب ما يزيد عن 5 آلاف آخرين، منذ بدء هجوم حفتر على طرابلس. وذكرت المنظمة في بيان 9 يوليو /تموز الجاري، أنّ 1048 شخصا لقوا مصرعهم في ليبيا منذ أبريل/نيسان الماضي، بينهم 106 مدنيين. 

كما أوضحت أن محاولة حفتر للسيطرة على العاصمة الليبية، أسفرت عن إصابة 5558 شخصا بينهم 289 مدنيا.كما أعلنت المنظمة عن ارتفاع عدد ضحايا القصف الذي نفذته طائرات حربية تابعة لقوات حفتر، واستهدف مركزا لإيواء مهاجرين غير ‫قانونيين في منطقة تاجوراء شرقي طرابلس، إلى 53 قتيلا و130 جريحا.

فيما أعلنت الأمم المتحدة أن الـ53 قتيلاً بينهم 6 أطفال، مؤكدة أن تلك الغارة، قد ترقى إلى جريمة حرب.

تلك الأرقام المتزايدة للضحايا لم تثنِ حفتر عن عملياته، إذ قالت قواته إن ساعة الصفر بدأت تقترب لـ"تحرير طرابلس من المليشيات المسلحة"، في إشارة إلى قوات حكومة الوفاق.

الكعكة الليبية

الكميات الضخمة من إنتاج النفط الليبي ومثلها تقريبا من الغاز الطبيعي يبدو أنها تثير شهية القوى الإقليمية والدولية من أجل ضمان نصيبها في الكعكة، حيث تملك ليبيا 40 بالمئة تقريبا من النفط الإفريقي الثمين، لجودته العالية وتكلفة استخراجه المنخفضة، فضلاً عن احتياطيات عظيمة من الغاز الطبيعي.

ورغم الصراع المسلح الدائر في ليبيا منذ 2011، إلا أن نسق إنتاج النفط في البلاد حافظ على مردودية عالية، إذ أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية في العاصمة طرابلس، أنها سجلت عام 2018 أعلى نسبة إيرادات وصلت إلى 13.6 مليار دولار.

وأشارت إلى أنه من المتوقع أن يبلغ إجمالي الإيرادات 23.4 مليار دولار إذا تمكنت المؤسسة من مواصلة عملها دون عوائق.

وكان نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني قد صرح بأن "فرنسا لا تريد تحقيق الهدوء في ليبيا، لأن مصالحها في قطاع الطاقة تتعارض مع مصالح إيطاليا".

وترى صحيفة ذي غارديان البريطانية أن الأزمة الليبية تزداد تفاقما مع تدخل الدول الأجنبية فيها، مؤكدة أن الدعم الخارجي لأحد أمراء الحرب (في إشارة إلى حفتر)، ومنع المهاجرين غير النظاميين من الفرار من مناطق الصراع لا يسهم في تعزيز الاستقرار في البلاد.

وأشارت الصحيفة في افتتاحيتها ‏8 يوليو/تموز الجاري، ‏إلى أن إن نحو 1000 شخص لقوا حتفهم منذ أن بدأ حفتر هجومه على طرابلس، وتلقي الصحيفة باللوم أيضا على الدول التي توفر له الدعم، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة وفرنسا أبدتا دعمهما لحفتر برغم اعترافهما بالحكومة الوطنية، وأن كلا من مصر والإمارات والسعودية وروسيا أيضا تقدم الدعم للواء المتقاعد.


المصادر