بعد انتخاب شنين.. هل يعي إسلاميو الجزائر الدرس؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بشكل أو بآخر أصبح الإسلاميون في الجزائر جزءا من السلطة ومنظومة الحكم، في خضم ثورة شعبية متواصلة منذ نحو 5 أشهر للمطالبة برحيل رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وربما يكون انتخاب أحد رموزهم رئيسا للبرلمان مقدمة لسيناريوهات عدة.

فبينما يرى كثيرون في تلك الخطوة تقدما إلى الأمام واستمرارا لانتصارات الحراك الشعبي، يؤكد آخرون أن النموذج المصري الذي أعقب ثورة 25 يناير، وكيفية تقريب الإسلاميين ثم التنكيل بهم لا يزال حاضرا في بلد المليون شهيد.

شنين يخلف بوشارب

بعد أيام من استقالة معاذ بوشارب أحد رموز "العهد البوتفليقي" من رئاسة الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري (المجلس الشعبي الوطني) شهدت البلاد سابقة تاريخية بوصول نائب إسلامي لرئاسة المجلس.

حظي شنين بتزكية حزب جبهة التحرير، وهو حزب بوتفليقة، والتجمع الوطني الديمقراطي، اللذان يشكلان أغلبية البرلمان، بينما قاطع جلسة الانتخاب التي تحولت إلى تزكية نظرا لانسحاب المرشحين أمام شنين نواب حركة مجتمع السلم.

النائب سليمان شنين (54 عاما) الرئيس الجديد للبرلمان، المنحدر من محافظة ورقلة جنوب الجزائر، يعد أحد أبرز القيادات الإسلامية المحسوبة على تيار الإخوان المسلمين في البلاد، ويملك مسارا حافلا من العمل السياسي والإعلامي منذ تسعينيات القرن الماضي.

دخل شنين البرلمان عقب انتخابات مايو/أيار 2017، ضمن قائمة مشتركة لثلاثة أحزاب إسلامية بالعاصمة، وهي "جبهة العدالة والتنمية" و"حركة البناء" و"حركة النهضة"، وأصبح رئيسا لهذا التكتل النيابي الذي يحتل 15 مقعدا فقط من أصل 462 في البرلمان، كما أنه قيادي في حركة البناء الوطني، ورئيس المجلس السياسي لها.

إلى جانب نشاطه السياسي، يدير صحيفة محلية يومية تحمل اسم "الرائد"، كما يملك مركز دراسات بالتسمية نفسها، وهو عضو في رابطة "برلمانيون من أجل القدس".

بدأ شنين مساره السياسي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، داخل حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي حاليا) وكان ضمن شباب الحزب المقربين من مؤسسها الراحل محفوظ نحناح، إذ كان يشتغل داخل ديوانه.

وساير شنين هزات عدة شهدتها "مجتمع السلم"، الحركة الأم لتيار الإخوان المسلمين في الجزائر، حيث كان ضمن القياديين الذين انسحبوا من الحزب عام 2008، احتجاجا على فوز الرئيس السابق أبوجرة سلطاني، بولاية ثانية.

وعام 2009، كان ضمن القياديين الذين حضروا رفقة الوزير الأسبق عبد المجيد مناصرة، حزبا إسلاميا جديدا للم شمل المنسحبين من الحركة الأم "مجتمع السلم" تحت اسم "حركة التغيير"، لكن التنظيم الجديد عرف انشقاقات أخرى، حيث انسحب منه سليمان شنين، وقياديون آخرون، وأسسوا عام 2013 حركة البناء الوطني.

وهذه الحركة الجديدة لا تزال حتى اليوم تنازع حركة مجتمع السلم (الحركة الأم)، شرعية تبني ميراث الشيخ المؤسس محفوظ نحناح (1942 - 2003)، وكذا تمثيل تيار الإخوان المسلمين في البلاد.

وقبل أشهر، ظهر مشروع لتوحيد الحركتين واندماجهما لكنه تعثر لأسباب مجهولة، رغم أن قيادات الحركتين تعلن باستمرار تمسكها به.

ويعد الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد منذ خمسة أشهر، أهم عامل في تراجع أحزاب السلطة سابقا عن التنافس على المنصب، خوفا من زيادة الاحتقان الشعبي، وكانت هذه الظروف، وفق مصادر برلمانية، وراء تمكن هذا النائب الإسلامي من التسلل نحو رئاسة البرلمان في سابقة تاريخية.

وكان شنين، من السياسيين الذين نزلوا الشارع مع أولى مسيرات الحراك المطالبة برحيل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ونشر صورة له على صفحته بموقع "فيسبوك"، في أول تظاهرة في 22 فبراير/ شباط الماضي، مرفقة بتعليق جاء فيه: "خرجت مثل آلاف الجزائريين في مسيرة سلمية، عبّر فيها شباب بلادي بوعي كبير، وأحبطوا كل التكهنات السلبية، أدركت منذ البداية أن المسيرة مؤطرة ومحددة الأهداف ورسائلها منتقاة، وتوقعي أن نتائجها قريبة".

انتصار أم أمر واقع؟

وعلى الرغم من إمكانية اعتبار خطوة انتخاب شنين تجربة ديمقراطية جديدة أفرزها الحراك الشعبي، إلا أن الدعم الذي حظي به من نواب الأغلبية وترشحه المفاجئ يعطي دلالة بأن وجوده في هذا المنصب أمر من السلطة التي تحكم البلاد.

في جلسة انتخابه، قال شنين أمام المجلس: إن ذلك "دليل على ميلاد تجربة جديدة حيث بإمكان الأقلية أن تتقدم لرئاسة المجلس وتحظى بتزكية ودعم الأغلبية، بما يعيد الثقة في المؤسسات".

ويرى مراقبون، أن انتخاب شنين خطوة في الاتجاه الصحيح، باعتبارها انتصارا للحراك الشعبي، وأن مجرد ترؤس شخصية سياسية ليس لها ماض مشين وغير محسوبة على السلطة أو على نظام بوتفليقة انتصار في حد ذاته.

سياسيا، فإن انتخاب شنين يفتح الباب أمام أحزاب الأغلبية المعروفة بدعمها المطلق للرئيس المستقيل، لإعادة هيكلة نفسها والمساهمة في الحوار المقبل الذي تدعو إليه رئاسة الدولة والمؤسسة العسكرية، والمشاركة في الاستحقاقات المقبلة.

وعلى غرار استقالة بوشارب تحت وطأة ضغط الشارع الثائر، فإن تولي معارض إسلامي معروف لهذا المنصب الحساس الذي يعد أحد مكونات السلطة في البلاد، ليس ببعيد عن هذا الأمر، بل يعتبر امتدادا له.

حركة مجتمع السلم، الحركة الأم لشنين، قالت عن الرجل: إنه "رئيس أمر واقع مثل من سبقه، ولا تمثل تزكيته حالة ديمقراطية؛ إذ هو نتاج هِبة منحتها بقرار فوقي أغلبية برلمانية مزورة ومرفوضة من الشعب الجزائري"، على حد تعبيرها.

الحركة التي قاطع نوابها جلسة انتخاب شنين، رأت أيضا في بيان رسمي لها أن تزكيته "عملية تزيينية فاشلة للالتفاف على مطالب الحراك الشعبي".

لعبة الجيش

على الجهة المقابلة، نشرت تقارير إعلامية جزائرية معلومات مفادها بأن ترشح شنين الذي جاء في اللحظات الأخيرة، أثار دهشة الكثيرين، بمن فيهم نواب أحزاب الموالاة أو ما كان يسمى بالتحالف الرئاسي الذين اختلطت عليهم الأوراق.

وأضافت التقارير، أن خبر ترشح شنين جاء وسط تردد أنباء في الكواليس عن أن ترشحه يحظى بمباركة السلطة الفعلية في البلاد، وأنه تم بإيعاز من المؤسسة العسكرية، في إشارة إلى دور كبير لعبه قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح في الدفع بشنين.

الجيش كان حاضرا في كلمة شنين التي أعقبت انتخابه، حيث أعرب، بحسب ما نقل عنه الموقع الإلكتروني للمجلس، عن "الدعم والاعتزاز بالجيش الوطني الشعبي".

ونوه إلى أن "التصريحات المكررة لقائد الأركان نائب وزير الدفاع الوطني الفريق قايد صالح في المرافقة السياسية الواضحة ومكافحة الفساد وإعادة الأمل في بناء الديمقراطية، وبناء عدالة مستقلة، وحماية وحدة الشعب من كل الاختراقات التي تستهدفه".

الكلمات التي يمكن وضعها في خانة الدبلوماسية أو حتى التوافق السياسي في مرحلة حرجة من تاريخ البلاد، لا يمكن استبعادها كذلك من تصنيفها باعتبارها تملقا أو غير ذلك على نحو يجعل ما نشرته التقارير سالفة الذكر منطقيا.

بطبيعة الحال، فإن الجيش الجزائري، كما الحال في الدول العربية، رقم لا يمكن تجاهله في المعادلة، بل هو الرقم الأصعب والمسيطر الفعلي على مقدرات البلاد ومفاصل السلطة سواء الآن أو حتى على مدار عقود وصلت إلى حد تسميته بـ"صانع الرؤساء".

فهل تعمّد الجيش تصعيد شخصية إسلامية على رأس البرلمان في التوقيت الحالي تحديدا، ولأي غرض؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه توافقا بين الجيش والقوى السياسية التي تحاول التخلص من إرث نظام بوتفليقة؟

التجربة المصرية

على مدار أشهر الحراك الشعبي في الجزائر ورفيقه السوداني، انشغل كثيرون بالمقارنة بينهما وبين ما شهدته التجربة المصرية في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، في جميع مراحلها وفي أدق تفاصيلها.

ولعل الوضع الحالي هو الأقرب لتشبيه النموذج الجزائري بالتجربة المصرية، أو حتى على أقل تقدير التحذير من المصير ذاته.

في مصر، تصدر الإخوان المسلمون وتيارات إسلامية أخرى مثل السلفيين المشهد عقب الثورة، وحازوا على أغلبية البرلمان بغرفتيه (مجلسي الشعب والشورى) ورئاسة المجلسين، بل وصل الأمر إلى رئاسة الجمهورية.

كل ذلك تم بمباركة الجيش أو على الأقل بعدم اعتراضه وإفساحه المجال، حتى ظن الإسلاميون أنهم بصدد تحقيق آمالهم وتنفيذ برامجهم الطموحة، إلا أن ما دُبر بليل كان عكس ذلك تماما.

الخطة بدأت على مهل منذ اليوم الأول لتنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك، بالعمل على نزع الإسلاميين من المكون الثوري شيئا فشيئا، حتى أصبحوا في خندق واحد مع الجيش ضد معسكر الثوار وقواه السياسية الفاعلة.

وعندما اعتبر الثوار أن الإسلاميين خانوا الثورة، وبدأ الهجوم عليهم مثل الهجوم على الجيش تحت شعارات "لا عسكر ولا إخوان"، ومصطلحات مثل رفض الفاشية الدينية والعسكرية، نجح مخطط الجيش في مرحلته الأولى.

ومن ثم انطلقت المرحلة الثانية والتي تم فيها قمع الإسلاميين بكل ما أوتي الجيش من قوة في انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، بمباركة من كانوا يوما رفقاء الثورة وزملاء الميدان، وترحيب من شعب سيطر على عقله إعلام فاسد.

الوضع في الجزائر الآن بعد انتخاب شنين، مشابه للنموذج المصري في بداياته، وربما يسعى الجيش الجزائري إلى تفريغ الحراك الشعبي عن طريق استدراج الفصيل الأكبر والأكثر تنظيما وهو الإسلاميين للواجهة بمناصب كبرى وتصدر المشهد السياسي.

بعدها تنشط مؤامرة خلق استقطابات حادة بين القوى السياسية وبعضها البعض، ولعل بيان حركة مجتمع السلم الرافض لانتخاب شنين بادرة على ذلك، ويستمر الأمر ربما حتى تهتف تظاهرات الجمعة ضد الإسلاميين بجانب العسكر، وعلى المنوال المصري تسير الجزائر.

هل يستوعبون الدرس؟

منذ بداية الحراك الشعبي في الجزائر ضد نظام عبد العزيز بوتفليقة، في 22 فبراير/شباط الماضي، تجنّب الإسلاميون تصدّر واجهة الحراك، بل إن التيارات الإسلامية المختلفة فضّلت مسايرة الحراك والمشاركة فيه من دون محاولة الهيمنة على مفاصله، تجنبا لخلق حالة استقطاب سياسي وأيديولوجي يوفر فرصة للسلطة لضرب مطالب الحراك.

ودفع الإسلاميون عناصر أحزابهم والتنظيمات المتصلة بهم، إلى الشارع للمشاركة في الحراك والمساعدة في التنظيم والتعبئة أفرادا ومجموعات، من دون إعلان وجودهم في الحراك كتلة سياسية برايات حزبية أو دينية.

وحافظوا كذلك على المطلب المركزي والمشترك والمتعلق برحيل النظام ورموزه السياسية، والتأسيس لمرحلة البناء الديمقراطي الذي تكون فيه الفرص الانتخابية متكافئة وشفافة، وهو مطلب يتقاسمه الإسلاميون مع كافة القوى السياسية الفاعلة في الجزائر.

ونقلت تقارير إعلامية عن ناشطين في الحراك، أن قيادات وكوادر القوى الإسلامية، تحدثوا مرارا مع عناصرها بشأن تجنب الصراع على صدارة الحراك وتلافي بروز الإسلاميين في الصف الأول، وسحب الرايات الحزبية وكل ما له صلة بالمطالب الحزبية.

هذه الصورة التي اجتهد الإسلاميون كثيرا في رسمها وتأكيدها على مدار أشهر الحراك المتواصلة، كانت الضامن الرئيسي لعدم التفاف السلطة على مطالب الجماهير، أو حتى خلق استقطاب سياسي بين مكونات الثورة.

هنا وعى الإسلاميون الدرس جيدا، ورأوا في التجربة المصرية إشارة تحذير بالغة القسوة، نحو مصير لا يريدونه لأنفسهم، فابتعدوا عن تصدّر المشهد، وربما كان هذا هو السبب وراء استمرار التظاهر حتى الآن، وحالة التوافق الفريدة التي انخرط فيها الإسلاميون وسط الحراك دون راية تميزهم أو هتاف يدل على هويتهم أو مطلب يختلف عن الآخرين.

لكن يبدو أن قبول سليمان شنين أو إجباره على مسألة ترؤسه للبرلمان على هذا النحو الذي سبق تبيانه، تفيد بأن الإسلاميون مقبلون على فترة عصيبة إن لم يتلافوا الخطأ ويتعلموا من دروس الماضي القريب في دول الجوار. في انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 1988، ذات المطالب السياسية والاجتماعية قفز الإسلاميون إلى صدارة الانتفاضة وسيطروا على الشارع، وساهم نقص الخبرة السياسية لديهم في دفعهم إلى قراءة خطأ للواقع السياسي والاعتداد بالشارع.

قاد ذلك إلى رفع سقف المطالب وتجاوز التدرج، ووفر ذلك مبررات لجنرالات الجيش الذين كانوا يتربصون بالمسار الديمقراطي، ما أدى إلى ضربه في يناير/كانون الثاني 1992 بالانقلاب على الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

ولعل ما شهدته الجزائر في العشرية السوداء، تشكل أقوى دافع يجبر الإسلاميين على أن يلملموا أوراقهم ويعيدوا حساباتهم، حتى لا يروا مصير من سبقوهم داخل الجزائر وخارجها.