في مخالفة لحلفائه.. لماذا يدعم ماكرون رؤية الصين لحل أزمة أوكرانيا؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تحدثت صحيفة "لو بوتي جورنال" الفرنسية عن أهداف الزيارة المرتقبة للرئيس إيمانويل ماكرون، إلى الصين، مطلع أبريل/نيسان 2023 في خضم حرب أوكرانيا.

وفي أواخر فبراير/شباط 2023، وأثناء زيارته لمعرض باريس الزراعي السنوي، أشار ماكرون إلى رغبته في إقناع الحكومة الصينية بالمساعدة في وقف العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

ووفق الصحيفة الفرنسية، فإن ماكرون قد أعلن عن هذه الرحلة في البلاد عدة مرات، في سياق تجدد التوترات مع الولايات المتحدة على المستوى الخارجي، والاحتجاجات الضخمة التي تضعفها على المستوى الداخلي.

ومنذ يناير/كانون الثاني 2023، تشهد فرنسا مظاهرات عمالية في عدة مدن؛ للتنديد بمشروع إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل، الذي جدد ماكرون تمسكه به.

وأكدت "لو بوتي جورنال" أن زيارة ماكرون للصين لم يُعلَن عنها جزافا، إذ إن أجندة الرئيس الفرنسي واضحة إلى حد بعيد.

فبعد أن نشرت رؤيتها لحل الأزمة الروسية- الأوكرانية في 24 فبراير/شباط 2023، أشاد ماكرون ببكين، قائلا "أعتقد أن حقيقة مشاركتها في جهود السلام أمر جيد، سأذهب بنفسي إلى الصين في أوائل أبريل".

وجاءت الرؤية الصينية في 12 نقطة بعنوان "موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية"، تعزز، من بين أمور أخرى، احترام سيادة جميع الدول ووقف الأعمال العدائية واستئناف محادثات السلام بين موسكو وكييف.

خلافات غربية

وأشارت الصحيفة أن ماكرون - بهذه التصريحات- اتخذ موقفا متمايزا تماما عن الذي اتخذته الولايات المتحدة وألمانيا.

فقد شكك الرئيس الأميركي جو بايدن، والمستشار الألماني أولاف شولتز، في خطة السلام التي نشرتها بكين.

وقال بايدن متحدثا عن الخطة الصينية: "إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصفق لها، فكيف يمكن أن تكون جيدة؟ أنا لا أريد أن أكون طريفا، أنا جاد للغاية".

وتابع: "لم أر شيئا في الخطة يشير إلى أنها ستكون مفيدة لأي شخص آخر غير روسيا"، ورفض بشكل قاطع فكرة تفاوض الصين على "السلام" في الحرب، ووصفها بأنها "غير عقلانية".

وأردف بايدن: "فكرة أن الصين سوف تتفاوض بشأن حرب غير عادلة تماما بالنسبة لأوكرانيا ليست عقلانية".

وبدوره، قال المستشار الألماني إن "ما تفتقر إليه خطة الصين للسلام هو القول بوضوح إنه يجب أن تنسحب القوات الروسية من أوكرانيا".

وبالطبع، فإن ماكرون أشار كذلك إلى أن "هذا السلام ممكن فقط بوقف العدوان الروسي وانسحاب القوات، واحترام السيادة الإقليمية والشعب الأوكراني".

لكن يبدو أنه بثنائه على الخطة الصينية، يفكر ماكرون في طريق ثالث، يمثل حلا بديلا، وفق الصحيفة الفرنسية.

وقالت إنه "بالتأكيد، سيتعين على فرنسا مواصلة دعمها لأوكرانيا ولكن كل جهد في طريق السلام يسير بالطبع في الاتجاه الصحيح، ففي النهاية لن يجرى تسوية الصراع إلا بالطرق الدبلوماسية".

وترى "لو بوتي جورنال" أن لفرنسا دورا أكثر أهمية في الحرب الروسية-الأوكرانية، فهي على عكس الولايات المتحدة، لا تنظر للصين كعدو معلن، ولكن كخصم محتمل.

وخلال لقائه مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في قمة مجموعة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قال ماكرون إنه يريد من بكين أن تلعب "دورا أكبر في الوساطة" في الحرب الأوكرانية، من أجل "دفع روسيا إلى التهدئة".

ولذلك، اتهمت الصحافة الدولية ماكرون بمغازلة الرئيس الصيني "شي جين بينغ"، لكن هذا الاعتدال وضبط النفس هو ما يجعل فرنسا اليوم شريكا تستمع إليه الصين، على الرغم من العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على بكين، وفق الصحيفة.

علاقات مميزة

وتعود زيارة ماكرون الأولى للصين إلى أوائل عام 2018، وقد أدت إلى تقارب واضح مع "شي جين بينغ"، الذي مارس برشاقة ما يُطلق عليه المراقبون "دبلوماسية الباندا".

ويُقصد بهذه الدبلوماسية استخدام الصين للباندا العملاقة كهدايا دبلوماسية للدول الأخرى، بهدف تقوية العلاقات فيما بينها.

فخلال زيارة عام 2018، قدم ماكرون  جوادا من جياد الحرس الجمهوري الفرنسي إلى نظيره الصيني، وذلك ردا على إعارة الأخير لحيوان الباندا الصيني ليوضع في حديقة للحيوان قرب باريس.

وفي عام 2019، زار ماكرون شنغهاي في زيارة تركزت على المجال التجاري بشكل رئيسي، كان هدفها المعلن هو الترويج للمنتجات الفرنسية، خاصة الغذائية الزراعية، وافتتاح فرع لمركز "جورج بومبيدو" للفنون والثقافة.

وخلال الزيارة، نوقشت العديد من المشاريع، من الطائرات لشركة إيرباص إلى مشروع محطة معالجة الوقود النووي، وفق التقرير.

وأكدت "لو بوتي جورنال" أن هذه الزيارة كانت تهدف بالفعل إلى إظهار أن فرنسا أرادت أن تجنب نفسها تكاليف الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة.

ويتمتع ماكرون بعلاقة مميزة مع "شي جين بينغ" الذي يعامله "معاملة مدللة"، حسب وصف مراقبين دوليين.

كما كرر المسؤولون الصينيون خلال زيارة ماكرون الأخيرة أن رئيس بلادهم يولي أهمية خاصة لهذه الزيارة، التي تفترض أنها كانت بداية "مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية".

ولم يواجه الرئيسان مشكلة في التوافق على الدفاع عن مبدأ التعددية، خاصة في الوقت الذي كان يميل فيه الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إلى مناهضة الصين.

"فقد هدفت هذه الإستراتيجية إلى الدعوة إلى التعددية على المستوى الدولي؛ وذلك لتبرير العلاقات الودية التي تناسب كلا البلدين"، يضيف التقرير.

وتطمح الصين إلى تعزيز موقفها ضد الولايات المتحدة فيما يخص الزعامة الإقليمية، وبدروها، ترغب فرنسا في الحفاظ على موقفها المتوازن.

تحديات قوية 

ويشدد التقرير على أن العلاقات الاقتصادية لفرنسا مع الصين لا تزال غير متوازنة، إذ تشتري باريس الكثير من بكين، ولا تبيعها بما يكفي.

وأشار إلى أن عجز الميزان التجاري الفرنسي حطم رقما قياسيا تاريخيا خلال عام 2022، ووصل إلى 164 مليار يورو.

أما فيما يخص العلاقات التجارية بين الصين وفرنسا، فقد تضاعف الخلل التجاري 5 مرات في أقل من 20 عاما، حيث وصل من 5.7 إلى 27.2 مليار يورو.

"وعلى ذلك، يجب القول إن انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية تماشى مع ضعف الإنتاج الصناعي الفرنسي، إذ تعد العلاقة بين البلدين هي الأكثر تفاوتا منذ عام 2008".

ومع ذلك، فإن ما يمكن أن يقلل من هذه الفجوة هي التجارة في الخدمات كالسياحة، والنقل، والبنوك، والتأمين، وما إلى ذلك، حيث تمتلك فرنسا رصيدا إيجابيا فيها يبلغ 16 مليار يورو عام 2020.

ويمكن للواردات القادمة من شركات صينية هي في الأصل تابعة لمجموعات فرنسية، أن تقلل هذه الفجوة.

لكن تؤكد "لو بوتي جورنال" أن هذه الأدوات ليست كافية لتعويض حجم العجز بين فرنسا والصين.

وفيما يخص الحرب مع أوكرانيا، أكدت الصحيفة الفرنسية أن هذا الملف سيكون حاضرا، خلال الزيارة المرتقبة لماكرون، والتي تأتي بعد نشر الصين رؤيتها لإنهاء الحرب.

لذلك رحب الرئيس الفرنسي بهذه الخطة، داعيا الصين إلى "عدم تسليم أي أسلحة لروسيا"، ومساعدة بلاده في الضغط عليها "حتى لا تستخدم أسلحة كيماوية أو نووية".

كما ستسمح القمة بين ماكرون وشي جين بينغ بمناقشة إستراتيجية المفاوضات التي من المستهدف أن ينتهي الصراع على أساسها.

وشددت الصحيفة الفرنسية على أن هناك مصلحة مشتركة بين الطرفين في نهاية وشيكة للحرب الجارية، وذلك بهدف التركيز على المجال التجاري بينهما في مناخ أكثر هدوءا.