المكافأة أميركية.. لماذا فتحت السعودية وعمان أجواءهما أمام طائرات إسرائيل؟

محمد النعامي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي ينفذ فيه جيش الاحتلال سلسلة من المجازر الأعنف منذ عام 2002 في الضفة الغربية والقدس المحتلة، احتفلت إسرائيل بإنجاز وصفته بـ"التاريخي"، في مجال التطبيع مع الدول العربية.  

وفي 27 فبراير / شباط 2023، أعلنت إسرائيل التي قتلت منذ بداية عام 2023، 84 فلسطينيا من بينهم 15 طفلا، تسيير أول رحلاتها إلى الشرق الأقصى عبر الأجواء السعودية والعُمانية مباشرة.

أجواء عربية عبرية

وفي تغريدة عبر تويتر، كشف حساب "إسرائيل بالعربية" التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية عن "إقلاع أول رحلة لشركة الطيران الإسرائيلية إل-عال إلى الشرق الأقصى تمرّ فوق المجالين الجوّيين السعودي والعُماني".

وأضاف: "تسنى ذلك بعد إعلان مسقط (العاصمة العمانية) عن فتح مجالها الجوي أمام الطيران المدني الإسرائيلي"، مؤكدا أن "المسار الجديد يختصر وقت الرحلة إلى بانكوك (عاصمة تايلاند) ساعتين ونصف الساعة".

ويأتي الإقلاع الإسرائيلي بعد إعلان هيئة الطيران المدني العمانية في 23 فبراير، فتح أجوائها أمام جميع الناقلات الجوية في العالم، ومن بينها إسرائيل، التي  سارعت إلى الترحيب بالقرار، مؤكدة أنه سيجلب لها فوائد اقتصادية.

وقبلها أعلنت السلطات السعودية في 15 يوليو/ تموز 2022، فتح أجوائها "لجميع الناقلات الجوّية التي تستوفي متطلبات الهيئة لعبور الأجواء"، دون أن يستثني القرار الطائرات الإسرائيلية المدنية.

ورحب وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين "بالقرار التاريخي لسلطنة عمان"، لافتا إلى أنه "سيختصر وقت الرحلة إلى آسيا ويقلل التكاليف على الإسرائيليين ويساعد شركات الطيران الإسرائيلية على أن تكون أكثر قدرة على المنافسة".

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أكد بعد زيارته لعمان عام 2018، أن السلطنة مستعدة لفتح مجالها الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية، وهو الأمر الذي لم يكن ذا أهمية كبيرة، خصوصا للرحلات الجوية إلى آسيا، وذلك لعدم السماح لها بالتحليق فوق السعودية.

وأتت خطوة فتح المجال الجوي أمام الاحتلال كنتيجة لجهود أميركية، حيث وجه وزير خارجية إسرائيل الشكر للرئيس الأميركي جو بايدن ولوزير خارجيته أنتوني بلينكن، في إشارة لهذا الدور.

وعقب القرار العماني بفتح الأجواء، قال نتنياهو في 23 فبراير، إنه سيواصل العمل على توسيع اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية، وأنه اختار نهجا مختلفا تجاه القضية الفلسطينية والصراع مع العرب.

وأضاف: "ذهبت مباشرة إلى الدول العربية من خلف ظهور الفلسطينيين، وصغت مفهوما جديدا للسلام، لقد أقمت أربع اتفاقيات سلام تاريخية، وهو ضعف عدد اتفاقيات السلام التي سبق لتل أبيب إبرامها منذ 70 سنة".

إغراءات ومناورات

وفي 23 فبراير، وهو اليوم نفسه الذي تم فيه الإعلان عن فتح المجال الجوي أمام شركات الطيران المدني الإسرائيلي، شهدت مسقط انعقاد الجولة الأولى من الحوار الإستراتيجي بين سلطنة عُمان والولايات المتحدة.

وجرى على هامش تلك الاجتماعات توقيع مذكرة تفاهم مع بنك التصدير والاستيراد الأميركي "إكسيم"، لتقديم تسهيلات مالية لإقامة مشاريع صناعية، من بينها معدات الاتصالات اللاسلكية وشبكة الجيل الخامس والتكنولوجيا الحيوية والطاقة المتجددة والزراعة ومعالجة المياه.

كما تضمنت المذكرة خطة أولية لتقديم قروض وضمانات لتمويل صادرات أميركية إلى عُمان. 

واللافت أن الإدارة الأميركية اعتمدت على الإغراءات الاقتصادية من أجل تمرير هذا القرار.

وهو أمر يظهر في تزامن القرار مع جولة الحوار الإستراتيجي بين مسقط وواشنطن، والتي ركزت على تعاون اقتصادي بالأساس يفتح المجال للاقتصاد العماني لاستفادة أكبر من برامج تمويل أميركية.

من جانبها، كشفت شركة "إل عال" الإسرائيلية أن القرار العماني والسعودي، سيقلل أوقات رحلات شركات الطيران الإسرائيلية إلى آسيا بما يصل إلى ثلاث ساعات، "وسيفتح مزيدا من الفرص لشركات الطيران تجاه آسيا وأستراليا".

وفي مقابل التقارب العربي مع إسرائيل، صدمت الأخيرة بتوقيع السعودية اتفاقا لتطبيع العلاقات مع إيران في الصين في 9 مارس/ آذار 2023.

وهو أمر يضعف من آمال نتنياهو بالتطبيع الكامل مع السعودية ويبدد فكرة تدشين تحالف إقليمي ضد طهران، وهو ما روج له الاحتلال باسم "الناتو العربي الإسرائيلي".

واستثمرت إسرائيل على مدار السنوات الأخيرة العداء بين إيران والسعودية؛ لاستمالة الأخيرة لتوقيع اتفاق تطبيع، ومع بوادر انتهاء الخلاف بين الرياض وطهران، من المتوقع أن تنتهي مبررات التطبيع.

لكن بالتوازي مع الاتفاق الإيراني السعودي، تداولت صحف أميريكية أخبارا تشي باستمرار رغبة السعودية بالتطبيع مع إسرائيل ولكن بشروط جديدة. 

وكشفت صحيفتا "وول ستريت جورنال" و"نيويورك تايمز"، في 9 مارس، أن السعودية طلبت ضمانات أمنية ومساعدة لتطوير برنامج نووي مدني، من الولايات المتحدة، مقابل إبرام صفقة تطبيع بين المملكة وإسرائيل.

وقالت "وول ستريت جورنال" إن إدارة بايدن منخرطة بعمق في المفاوضات المعقدة، وأن ملف التطبيع لم يُغلق بعد.

هدف إسرائيلي

من جانبه، قال الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور إياد القرا إن "عقبة الطيران في الأجواء العربية التي كانت تؤرق الاحتلال انحلت، والمضحك المبكي أن توقيت حلها كان بالتزامن مع وصول إسرائيل لقمة إجرامها بحق الشعب الفلسطيني".

وأضاف لـ"الاستقلال": " تجني إسرائيل الثمار من الدول العربية دون أن تقدم أي تنازل، ولو رمزي للشعب الفلسطيني، الاحتلال حقق إنجازا ثمينا بعد سماح عمان والسعودية بمرور طائراته في أجوائهما".

وأكد المختص أن إسرائيل والولايات المتحدة سعتا على مدار عقود إلى تحقيق اختراق في جانب السماح للطائرات الإسرائيلية بعبور الأجواء العربية، فدولة الاحتلال المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة تقع في قلب العالم العربي، ويجب السماح من كل دولة لإسرائيل باستعمال مجالها الجوي.

وتابع: "مصر كانت أول من طبع وسمح للطيران الإسرائيلي بالعبور، ثم الأردن تلتها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، ثم سمحت السعودية لإسرائيل باستخدام أجوائها، ولكن هذا القرار لم يكن مفيدا إلا في حال وافقت سلطنة عمان وهو ما حصل".

وشدد القرا على أن احتفاء الاحتلال بالإنجاز يرافقه رهان على أن تكون خطوة السماح للطائرات بعبور المجال الجوي مقدمة للتطبيع الشامل مع السعودية وسلطنة عمان ودول أخرى، خصوصا أن التطبيع لم يعد يتطلب تخفيف الإجرام الصهيوني ضد الفلسطينيين.

واستدرك الكاتب الفلسطيني قائلا: "على الرغم من أن إسرائيل وصلت مع الأنظمة المطبعة لمراحل متقدمة، ولكنها باتت تدرك أكثر من أي وقت آخر أنها لن تخترق الشعوب العربية، وكان مونديال قطر أحد الأمثلة الحية، لدرجة طلب إسرائيل من صحافييها مغادرة الدوحة خوفا على حياتهم".  

بدوره، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مصطفى الصواف، إن "الاتفاق السعودي الإيراني لا يعني انتهاء التقارب الإسرائيلي مع الرياض، بل إنه ربما سيؤجل التطبيع إلى حين حصول السعودية على مكاسب تهمها، وربما في ولاية رئيس أميركي آخر".

وأضاف لـ"الاستقلال": "خطت الرياض على مدار السنوات الأخيرة خطوات تجاه إسرائيل، ورأينا حملات إعلامية وتغيرات تمهد للتطبيع، خصوصا في حقبة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وأعلن نتنياهو في عدة مناسبات أن الاتفاق مع السعودية قريب".

وشدد الصواف على أن ما تناقلته وسائل إعلام أميركية من تسريبات لشروط إقامة العلاقات السعودية مع الاحتلال يؤكد أن الاتفاق بين السعودية وإيران لن ينهي فرص التطبيع بين الرياض وتل أبيب.

وتابع: "كان من الواضح أن السعودية أعطت الضوء الأخضر لتطبيع الإمارات والبحرين، وحتى وقت قريب كانت الأقرب للتطبيع، ولكنها تريد جني ثمن كبير على هذه الخطوة، وتعلم مدى تأثيرها على الاحتلال لذلك طالبت بمطالب كبيرة كالسماح بمشروع نووي سلمي".

تطبيع على الدم

وعقب الاتفاق السعودي الإيراني، تطرق مسؤول إسرائيلي كبير يرجح أنه نتنياهو  حسب قناة "i24NEWS" الإسرائيلية، إلى تأثير استئناف العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض على العلاقات بين إسرائيل والسعودية وإمكانية التطبيع بين الجانبين، و"أن الاتصالات متواصلة ومتكررة مع دول في المنطقة، والصورة الأساسية لن تتغير بسبب التقارب مع إيران".

بدوره، قال الكاتب الفلسطيني الدكتور إبراهيم المدهون، إن فتح الأجواء العربية أمام إسرائيل وأنباء التطبيع الوشيك، يأتي في الوقت الذي يقود الكيان حكومة فاشية متطرفة، لا تؤمن إلا بالدم والمجازر، وهي تنظر للعربي والمسلم على أنه عدو. 

وأضاف: "العرب يريدون أن يتقربوا من الولايات المتحدة بالتقرب من الاحتلال؛ رغم أن إسرائيل تعيش مرحلة تآكل وتراجع وضعف، والحكام العرب يتوهمون بأن الطريق لقلب البيت الأبيض يمر من خلال التطبيع، ولو مع قتلة بني جلدتهم".

وشدد المدهون على أن من يساند الاحتلال في هذه المرحلة ويحاول إنجاح الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان ومنحها إنجازات مجانية للاستمرار وعدم السقوط، هو شريك في جرائمها بحق الفلسطينيين.

وأكد أن الاحتلال عدو للعرب والمسلمين كافة، ومن يتجاهل هذه الحقيقة، فعليه أن يعلم أن مشروع إسرائيل الكبرى يستهدف العمق العربي، ويصل حتى خيبر والحجاز، ولم يكن هذا المشروع ليتوقف إلا بمقاومة الشعب الفلسطيني المستميتة.

وتابع المدهون: "لذلك يتوجب على العرب مساندة الفلسطينيين في معركتهم، وليس وصفهم بالإرهاب ومساندة عدوهم، وإلا سيأتي يوم تستيقظ فيه أطماع الاحتلال في الأراضي العربية".

وأوضح المحلل السياسي أن نتنياهو ينظر للخليج على أنه كنز مالي ونفطي، يريد السيطرة عليه والاستفادة منه، وكثيرا ما تغنى بفرص إسرائيل هناك، لذلك هناك تهديد حقيقي لثروات الخليج من الطمع الإسرائيلي.

وأضاف: " البعض يظن أن  الاحتلال قادر على حماية دولهم من التهديدات الإقليمية، والحقيقة أن إسرائيل تستخدم إيران كفزاعة لجذب الدول للتطبيع وتحاول أن تصور نفسها على أنها الحامي للمنطقة".

ما المقابل؟

من جانبه، قال الباحث في الشؤون العربية عبد الله الكساب، إن قطار التطبيع بين إسرائيل ودول عربية يستمر، وما يحصل هو أن الدول تريد مقابلا لتطبيعها، بحيث تستفيد من إقامة العلاقات، وهذا المقابل لا يتعلق بالشعب الفلسطيني بل بأنظمة الحكم.

وأضاف لـ"الاستقلال" : "الدول المطبعة كافة حصلت على مقابل فالمغرب حصد اعترافات لسيادته على إقليم الصحراء، والسودان رفع من قائمة الإرهاب، والإمارات وجدت مصدرا للسلاح والتقنيات وأقامت تحالفا أمنيا مع الاحتلال وكذلك البحرين".

وأوضح الباحث أن المطالب التي وضعتها السعودية للتطبيع كذلك تخلو من أي مطلب يخص الشعب الفلسطيني، فهي طلبت الموافقة على إقامتها مشروعا نوويا سلميا وضمانات أمنية من أميركا، وهذا يعد تحولا في الموقف السعودي.

وشدد الكساب على أن تطبيع السعودية في حال حصوله، سيكون بوابة  لموجة أكبر من التطبيع، لذلك ستستمر إسرائيل في محاولة تحقيقه حتى بعد التقارب السعودي الإيراني.

وتابع: "نتذكر أن نتنياهو بدأ حكومته الحالية بهدف مركزي وهو تحقيق التطبيع مع السعودية، وبالتالي من المرجح أن تقدم إسرائيل تنازلات، وهذا الإنجاز في حال حصوله سيكون المكسب الأكبر لنتنياهو في صعيد التطبيع".

وعقب قرار السماح بالطيران الإسرائيلي بعبور الأجواء العمانية، نقلت القناة العبرية 12 أن سلطنة عمان تعهدت للسلطة الفلسطينية بأنها لن تبدأ عملية تطبيع للعلاقات مع الكيان الإسرائيلي، ووافقت السلطة على عدم إدانة سماح السلطنة للطائرات الإسرائيلية بالتحليق في أجوائها.

أما السعودية، فأعلنت 20 في  يناير / كانون الثاني 2023، على لسان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أنها لن تقوم بالتطبيع مع إسرائيل من دون إقامة دولة فلسطينية.