"صفعة لنتنياهو وأميركا".. تفاعل واسع مع تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بعد سنوات من توتر العلاقات بين السعودية وإيران وحشد تحالفات عربية غربية إسرائيلية للجم طهران، تمكنت الصين من التوسط بين الخصمين الإقليمين، في حدث فاجأ الجميع.

واتفقت طهران والرياض على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح السفارتين، تتويجا لمحادثات جمعت الجانبين في بكين، بحسب ما أعلن في 10 مارس/ آذار 2023.

وقالت وكالة الأنباء السعودية (واس)، إن وفدا من المملكة يرأسه وزير الدولة، عضو مجلس الوزراء، مستشار الأمن الوطني مساعد بن محمد العيبان، ووفدا من إيران يرأسه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، أجريا مباحثات في الصين.

وبحضور صيني رسمي، أعلنت الدول الثلاث التوصل إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران.

ويتضمن الاتفاق، تأكيدهما احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما اتفقا أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعا لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما،

واتفق الطرفان على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقعة سنة 2001 والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة سنة 1998.

وأعربت الدول الثلاث عن حرصها على بذل الجهود كافة لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.

وفي يناير/كانون الثاني 2016 قطعت السعودية علاقاتها مع إيران إثر اعتداءات تعرضت لها سفارة الرياض في طهران وقنصليتها بمدينة مشهد (شرق)، احتجاجا على إعدام المملكة لرجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر لإدانته بتهم منها الإرهاب.

وأجرى مسؤولون من البلدَين خمس جولات من المحادثات المباشرة استضافها العراق منذ العام 2022، كان آخرها في أبريل/نيسان، دون تحقيق أي انفراجة دبلوماسية.

صفعة لإسرائيل

وتباينت ردود الفعل على الاتفاق، بين الحفاوة به والنظر إليها على أنها خطوة مهمة على الطريق الصحيح وضمانا لأمن المنطقة، والإشادة بتصفير الأزمات بين البلدين، وبين التشكيك في نوايا الطرفين تجاه بعضهما وتأكيد أن العداوة تاريخية ومتجذرة.

وخلص فريق عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسم #الاتفاق_السعودي_الإيراني، إلى أن هذا الاتفاق يعد انتصارا لإيران، وصفعة مدوية على وجه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والسياسة الإسرائيلية التي تتطلع إلى إنشاء تحالف عربي خليجي إسرائيلي لمواجهة إيران.

ونظر ناشطون إلى خبر عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، أنه الأسوأ هذا العام، مذكرين بالأحقاد الإيرانية على العرب واحتلالها لعدة عواصم عربية عبر مليشياتها في المنطقة وأطماعها التوسعية في المنطقة، وعدم إيمانها والتزامها بالعقود والمواثيق ونقضها للعهود.

وأشاروا إلى أن الاتفاق يعني نجاح السياسة الخارجية الصينية، وتوسع النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، وتلاشي الدور الأميركي، وإرباك لحسابات الاحتلال الإسرائيلي وانتهاء لمزاعم التطبيع مع الكيان لمجابهة إيران. 

وتفاعلا مع الأحداث، قال الباحث في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي، إن اتفاق السعودية وإيران على استئناف العلاقات يمثل صفعة لنتنياهو ودليل على فشله في عزل إيران وبناء تحالف إقليمي ضدها.

ورأى الكاتب السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون، أن اتفاق السعودية وإيران ضربة لموجة التطبيع العربي، وإفشال محاولات حرف مسار المنطقة بالصراعات البينية، وإحباط لمساعي نتنياهو بعزل طهران وتجيش المنطقة ضدها، وخسرانه التلويح بورقة تهديد وتخويف دولة وأنظمة.

وأكد المنتج الفني ماجد عبدالله، أن عودة علاقات السعودية وإيران ستقطع دابر توغل الصهاينة في المنطقة، وستعطي منطقة الخليج نفس تفكر من خلاله جيداً وتدرك حجم الخطر الصهيوني على كل دولة منفردة أو كلهم مجتمعين.

ولفت الإعلامي القطري جابر الحرمي، إلى وجود انزعاج صهيوني من الاتفاق السعودي-الإيراني الذي يمهد لعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، موضحا أن مع الصهاينة هناك تجّار الأزمات لا يريدون استقرارا للمنطقة لذلك هم منزعجون من هذا الاتفاق.

وأضاف: "نعم نختلف مع إيران في جوانب من سياساتها الخارجية بالمنطقة، لكن نرى حلها بالحوار العقلاني والجاد".

"هزيمة لأميركا"

ورأى ناشطون أن نجاح السياسة الصينية في وساطتها بالتقارب بين السعودية وإيران يحسب لها، ويخلط جميع الأوراق، ويعني هشاشة موقف أميركا وقدرة الصين على أخذ مكان أميركا وإزاحتها من المشهد.

وعد أستاذ العلوم السياسية بالكويت عبدالله الشايجي، الاتفاق بمثابة انتكاسة لواشنطن وانتصار كبير للصين في منطقة نفوذ أمريكا المهمة لدولة لم يعرف عنها اهتمامها سوى بالطاقة والتصدير وطريق الحرير والحزام والطريق الواحد.

ورآه أيضا انتصارا للسعودية إذا عدلت إيران من شروعها وبرنامجيهما النووي والصاروخي ومليشياتها وأنشطتها المزعزعة للأمن وشبكات تجسسها.

وكتبت الكاتبة القطرية ابتسام آل سعد: "الصين تزحزح واشنطن عن المشهد السياسي وتتبنى عودة العلاقات السعودية الإيرانية بعد سنوات أججت الولايات المتحدة الخلاف الخليجي مع إيران وعدت عدوها عدو المنطقة بأسرها..".

وتابعت: "بكين اليوم تصنع فارقا عميقا في الأداء السياسي على مسرح العلاقات الخليجية الخارجية".

وقال الصحفي العراقي عمر الجنابي، إن بيان الصلح الذي صدر من بكين، "أوضح حجم التخبط الأمريكي والأوروبي في الشرق الأوسط، وضعف الموقف الغربي أمام الصين التي يبدو أن دخولها قوي جداً في المنطقة".

وأوضح الصحفي العراقي إياد الدليمي، أن تدخل الصين في المنطقة لم يعد مقتصرا على الاقتصاد، ها هي اليوم تلعب دورا سياسيا فشلت فيه دول كبرى، وتريد أن تطرح نفسها على أنها دولة عظمى يمكن الوثوق بها.

وأكد أن نجاح وساطتها بين الرياض وطهران وتحول الاتفاق إلى واقع، سيعني أن نفوذها بات واقع حال ستعززه مستقبلا بورقة الاقتصاد والمال.

وقال المذيع الصحفي والباحث والمعلق السياسي محمد قواس، إن اتفاق استئناف العلاقات بين السعودية وإيران سيربك واشنطن.

وأشار إلى أن بكين هي راعية هذا التحوّل والرياض تعبّر من جديد عن أجندات وطنية مستقلة عن حسابات الآخرين، حتى لو كانوا أصدقاء حلفاء كأميركا، وطهران مجبرة على احترام موقع السعودية الجديد داخل مصالح روسيا والصين.

وأشار مدير عام إذاعة الرياض سابقا صالح المرزوق، إلى أن عودة العلاقات السعودية الإيرانية ضربة للغرب وخاصة أميركا وتلاعبها في هذه المنطقة وابتزازها المستمر.

وبين أنا الاتفاق يقطع الطريق على جولة وزير الدفاع الأميركي (لويد أوستن خلال مارس/آذار 2023) الذي يلوح بضرب إيران.

ولفت إلى أن انتقال ملفات الشرق الأوسط إلى القوة القادمة الصين ضربة أخرى للغرب، وفق تقديره.

وأشار الكاتب الصحفي والباحث السياسي عادل عبدالله المطيري، إلى أن السعودية اتجهت عكس الإرادة الأميركية في قضايا مهمة كتنسيق إنتاج البترول مع روسيا، والآن اتفاقها مع إيران وبرعاية صينية، مؤكدا أن الولايات المتحدة "لا تهتم إلا بمصالحها الضيقة ولا بد من حل مشاكلنا بأنفسنا".

تأييد الاتفاق

وأعرب ناشطون عن تأييد الاتفاق السعودي الإيراني، وأشادوا بالخطوة، وتحدثوا عن أهميتها وتأثيرها على المنطقة.

وقال عبدالله بن ناصر آل ثاني، إن عودة العلاقات بين الرياض وطهران تنزع فتيل حرب الخليج الثالثة التي أوشكت على الاندلاع.

وأشار إلى أن هذا النهج يغضب بعض الأطراف التي لا تريد إلا الخراب والدمار للمنطقة ولا ترغب بحل الخلافات بالطرق الدبلوماسية وبالحوار المباشر.

وأعربت لولوه بنت جاسم آل ثاني، عن تأييدها الصلح بيت السعودية وإيران، قائلة إن خبر استئناف العلاقات الدبلوماسية بين أكبر دولتين إقليميتين "سار" لأنه سيساهم في استقرار المنطقة ويخدم مصالح شعوبها.

وأوضحت أن هذا التقارب مهم في توقيته ويحسب للدولتين إنجازه خاصة ونحن نعيش في وضع عالمي مضطرب ومتغير يتصارع فيه الكبار على زعامته، متمنية كل التوفيق للجارتين وأن يكون النجاح الأكبر تذليل كل المشاكل العالقة بينهما من أجل إحلال سلام دائم في المنطقة.

ورأى الصحفي أحمد عطوان، أن مبادرة عودة العلاقات بين الصين والسعودية، من أفضل المبادرات السياسية خلال نصف القرن الماضي، لأنهما دولتان جارتان وتجمعهما روابط دينية وثقافية ويمكنهما حل الخلافات بالحوار والطرق السلمية مما يؤدي لإحلال الأمن والاستقرار في المنطقة ويقضي على الابتزاز الصهيوأمريكي.

وقال وزير خارجية تونس الأسبق رفيق عبدالسلام، إن التقارب السعودي الإيراني واستئناف العلاقات الدبلوماسية خطوة في الاتجاه الصحيح لأنه لا أحد يستفيد من الصراع بين الدول الإسلامية غير الأعداء. 

وأضاف: "قبل أن نتحدث عن الروابط الدينية والثقافية هناك قوانين الجغرافيا التي لا يجب القفز فوقها، السعودية وإيران هما جاران في نهاية المطاف".

تنديد بالاتفاق

فيما قلل ناشطون من أهمية الاتفاق خاصة على الجانب السعودي، وصبوا غضبهم على ولي العهد محمد بن سلمان، الذي تبنى خطابات عنترية هاجم فيها إيران وخاص حربا في اليمن منذ 2015 ما زالت مستمرة حتى اليوم بدعوى ردع مليشياتها هناك، مذكرين بجرائم إيران في المنطقة.

ورأى الباحث مهنا الحبيل، أن مشكلة الرياض لن تحل بعودة العلاقات ولكن عبر فن إدارة اللعبة التي تضرب بها طهران الوطن العربي وهي تمد يدها وتبتسم.

وأكد أن السعودية الجديدة بحاجة ضرورية لتصحيح أخطائها الداخلية مع شعبها ووقف التصعيد على الحقوقيين وغيرهم، ومد جسور الدبلوماسية الثقافية والسياسية الذكية مع المتضررين من إيران.

واتهمت الناشطة السعودية المعارضة علياء أبوتايه الحويطي، محمد بن سلمان، بالخضوع صاغرا لإيران.

وقالت: "حتى تعلموا يا شعبنا الأبي ان بن سلمان جبان وكذاب وارعبكم بالبعبع للإيراني وحارب كل الحركات الإسلامية بدعوى أنهم مدعومين من إيران".

وأشارت إلى أن ابن سلمان سجن وقتل مواطنين بذريعة محاربة إيران وحتى قادة حركه (المقاومة الإسلامية) حماس لم يسلمو منه وقطر قاطعها بسبب إيران، وأهالي القطيف خون نضالهم مدعياً دعم طهران، وحتى اليمن احتله بهذه الذريعة والآن هو صاغراً يطلب ودها، بحسب تعبيرها.

وتساءل مغرد آخر، عمن يدير السياسة الخارجية للمملكة، مذّكرا بافتعال مشاكل مع قطر وانتهت كأن لم تكن بدون أي نتائج لما خُطط له، ومحاربة اليمن لاستئصال الحوثي وإهدار الأرواح والثروات والآن يفاوضهم ومستعد للدفع ليرضوا بإنهاء الحرب، واليوم يظهر أن هناك مصالح مع إيران لم تكن موجودة.

واستنكر المحلل الأمني والاستراتيجي، ضابط الأمن السعودي المنشق عن النظام رابح العنزي، محاصرة قطر في عهد ابن سلمان بدعوى إقامتها علاقات مع إيران، بينما تعلن السعودية اليوم رسمياً ارتمائها في أحضانها وإقامة أقوى العلاقات معها.

وشكك رئيس تحرير صحيفة المصريون جمال سلطان، في جدوى الاتفاق السعودي الإيراني، قائلا إنه "مجرد مناورة وليست سياسة جادة، لأن ملالي إيران خطابهم ومشروعهم وشرعيتهم قائمة على التمدد الطائفي والعسكري في الشرق العربي، وهي تحتل ـ واقعيا ـ أربع عواصم عربية، فهل تنسحب منها؟!". 

وقال الكاتب والصحفي ياسر أبو هلالة، إن حل المشاكل مع إيران بالحوار، لا يعني تزيين جرائمها التي ارتكبتها، ولا تزال؛ في العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان، ولا يعني منح الشرعية لمليشاتها السائبة، بقدر ما يعني بداية وقف النزيف وصولا إلى التئام الجرح.

وأكد الناشط السياسي والحقوقي سام يوسف، أن تجديد العلاقات بين السعودية وإيران، ضربة قاتلة لجهود بناء تحالف إقليمي ضد إيران، وفشل ذريع لحكومة نتنياهو نتج عن مزيج من الإهمال السياسي والضعف العام والصراع الداخلي في البلاد.

وبدوره، بين أستاذ الاتصال السياسي أحمد بن راشد بن سعيد، أن ثمّة قواسم مشتركة بين حكومتَيْ الرياض وطهران، فهما عدوّان للربيع العربي، "وقد قامت السعودية بدور بارز في اغتيال الثورة المصرية، بينما كان لإيران دور أساسي في إجهاض الثورة السورية". 

وأوضح أن إيران كان لها مصلحة في إفشال دولة سنّيّة في مصر، كما كانت السعودية غير مرتاحة لقيام نظام في سوريا يقوده إسلاميون سنّة، وهكذا، فإن ما يجمع الحكومتين، في الحقيقة، أكثر مما يفرّقهما.