"انظروا إلينا باحترام".. لماذا ثار رئيس الكونغو الديمقراطية في وجه ماكرون؟ 

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

تراجع للنفوذ وانهيار في العلاقات وضربات تحت الحزام تعاني منها فرنسا ورئيسها إيمانويل ماكرون خلال السنوات الأخيرة مع بعض المستعمرات السابقة في غرب إفريقيا.

وجاءت زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون، إلى الكونغو والغابون وأنغولا والكونغو الديمقراطية في جولته الإفريقية التي بدأها مطلع مارس/ آذار 2023، كرغبة في طي هذه الصفحة وبدء أخرى جديدة من العلاقات.

لكن "المستعمر الفرنسي" لم ينس سطوته السابقة على القارة، وحاول ماكرون خلال لقائه الأخير مع رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، الحديث رفقة من معه بمنطق "أبوي ومسيطر". 

لكن ذلك أدى إلى وقوع ما لم يكن في الحسبان عندما احتد عليه الرئيس تشيسيكيدي، بشكل مفاجئ وغير مسبوق من رئيس إفريقي.

احترموا الأفارقة

وفي 4 مارس/ آذار 2023، كان المؤتمر الصحفي بين رئيس الكونغو الديمقراطية تشيسيكيدي وماكرون، بالعاصمة كينشاسا، يسير على ما يرام، حتى طرحت صحفية من وكالة الأنباء الفرنسية، سؤالا حول تصريح مثير للجدل لوزير الخارجية السابق، جان إيف لودريان، عام 2019.

واستشهدت الصحفية بإشارة لودريان إلى أن نتائج انتخابات الرئاسة في الكونغو الديمقراطية "كانت ترتيبا مسبقا" بين الرئيس المنتهية ولايته جوزيف كابيلا، وتشيسيكيدي، ولا علاقة لهيئة الانتخابات في البلاد بذلك.

ولم يستطع تشيسيكيدي صبرا أمام ذلك الطرح وانفجر في وجه الصحفية: "لماذا تختلف رؤية الأشياء حين يتعلق الأمر بإفريقيا؟ لماذا لا تتحدثون عن تسوية أميركية مثلا حينما تكون هناك مخالفات في الانتخابات الأميركية أو تسوية فرنسية حين تحدث مخالفات في الانتخابات الفرنسية خصوصا زمن (الرئيس الراحل، جاك) شيراك؟".

وحاول ماكرون التدخل وتدارك الأمر بالقول "إنها آراء الصحافة وليس حكومة فرنسا". 

لكن رئيس الكونغو عاد ووجه أصابعه نحو ماكرون قائلا: "هذا أيضا يجب أن يتغير في طريقة التعاون بين فرنسا وأوروبا عامة والكونغو الديمقراطية.. انظروا إلينا بطريقة أخرى، وباحترام كشريك حقيقي وليس بنظرة أبوية وإملاءات".

وشدد على أن "الفرانكفونية لم تعد موجودة، يجب أن نؤسس لسياسة التكافؤ والمساواة".

صدام الرئيس الكونغولي وحديثه عن نهاية "الفرانكفونية"، وهو نقاش مطروح على طاولة المستعمرات القديمة لفرنسا، متعلق بزوال عصر "إفريقيا الفرنسية" وبداية طريق جديد متعدد الأقطاب. 

ولعل هذا ما أدركه ماكرون ويحاول التعامل مع تلك الحقيقة، حيث أعلن في 27 فبراير/ شباط 2023، قبل سفره إلى الجولة الإفريقية، وضع إستراتيجيته للسنوات الأربع المقبلة في القارة السمراء، وفق بيان صادر عن الإليزيه.

وأكد أن فرنسا ستنهي استضافة قواعد عسكرية منتظمة في إفريقيا، وتسحب عددا من جنودها وستنشئ بدلا من ذلك "أكاديميات" تشارك في إدارتها مع الدول المضيفة.

وعلق موقع "أفريكا نيوز" في 6 مارس 2023، على تصريحات ماكرون، قائلا: "إنه تعبير ملطف من الرئيس عن قواعد الجيش الفرنسي التي ستستضيف هذه (الأكاديميات) وتقدم برامج تدريبية للوحدات الأمنية في المستعمرات السابقة وتزودها بالمعدات الأساسية". 

ولفت إلى أن "فرنسا تحاكي السياسة الأميركية في إفريقيا من خلال التواجد في القارة، ولكن مع تخفيض ملحوظ في عدد أفرادها العسكريين، والاعتماد على هيئات ووحدات موالية لها تحافظ على مصالحها". 

وأرجع الموقع الإفريقي تلك "السياسة الماكرونية الجديدة"، إلى تحول القارة إلى "مسرح واسع للصراع الدولي"، خاصة مع صعود النفوذ الصيني والروسي في المنطقة، وتزايد المشاعر المعادية للفرنسيين بشكل خاص في العديد من المستعمرات السابقة، مثل الكونغو الديمقراطية والغابون وبوركينا فاسو ومالي.

زيارة مسمومة 

وفي 7 مارس 2023، وصفت صحيفة "إنتركينيوس" الكونغولية زيارة ماكرون إلى البلاد بـ"المسمومة". 

وشككت في مقصده من وراء الزيارة، حيث لفتت الانتباه إلى الصراع بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، مشددة على أن الرئيس الفرنسي "مؤيد" لرواندا بشكل فعلي، وأنه يسعى للحفاظ على مصالح باريس الاقتصادية في تلك المنطقة الغنية بالمعادن.

وهناك صراع حدودي تاريخي مستمر من 30 عاما في شرق الكونغو الديمقراطية ورواندا وبوروندي.

ووفقا للإحصاءات التي قدمتها الأمم المتحدة مطلع فبراير/ شباط 2023، أدى التصعيد الأخير في أعمال العنف شرق الكونغو الديمقراطية إلى نزوح 800 ألف شخص. 

وذكرت الصحيفة الكونغولية، أنه "رغم إعلان ماكرون في زياته أن بلاده قدمت الدعم الواضح لوقف إطلاق النار والحد من النزاع، لكن سياسته تهدف إلى موقف جيوسياسي محايد، يحفظ مصالح باريس أولا وأخيرا".

وشددت على أن "فرنسا لم تغير نهجها المهيمن تجاه المنطقة، ولكنها تكيّفت مع الوضع الجديد، لتثبيت نفوذها". 

يذكر أن مواطني الكونغو الديمقراطية لم يكونوا سعداء بزيارة ماكرون، وفي 3 مارس 2023، تجمع العشرات خارج سفارة باريس في كينشاسا للتظاهر ضد الزيارة، ورفعوا لافتات تشير إلى أن رئيس فرنسا شخص "غير مرغوب فيه".

طريق مؤلم 

وكانت زيارة ماكرون محل ترقب من قوى متعددة ومتداخلة في إفريقيا، على رأسها روسيا التي تنازع الوجود الفرنسي هناك. 

وفي 3 مارس 2023، نشرت صحيفة "غازيتا" الروسية تقريرها، عن جولة ماكرون قائلة: "حقبة الهيمنة الفرنسية على القارة الإفريقية قد وّلت، وثمة طريق مؤلم وطويل أمام التعددية القطبية لإثبات حضورها بالمنطقة". 

وأشارت إلى أنه عشية زيارة ماكرون لكينشاسا انطلقت مسيرات مؤيدة لروسيا.

وخرج العشرات إلى الشوارع حاملين الأعلام الروسية وصور الرئيس فلاديمير بوتين، مكايدة لماكرون.

ونقلت الصحيفة الروسية عن الضابط المتقاعد، فيليب جيرالدي، أن "الولايات المتحدة وفرنسا تهدفان إلى نموذج أحادي الجانب يحكمه القانون الدولي، والذي يتم بموجبه إنشاء القواعد والقوانين".

ورأى موقع القناة الفرنسية "TV5 Monde" خلال تقرير نشر في 4 مارس 2023، أن سبب جولة ماكرون الإفريقية يعود إلى الضربات الكبيرة التي يواصل النفوذ الفرنسي تلقيها في القارة السمراء لصالح قوى دولية منافسة مثل الصين وروسيا.

واستبعد الموقع أن تتحسن الصورة السلبية لفرنسا ورئيسها في تلك المنطقة، أو على الأقل أن تهدأ الانتقادات تجاههما، حتى يدرك صناع القرار في باريس أن عالم الاستعمار والوصاية القديم قد تغير اليوم.

وأكد الموقع أن "فرنسا واجهت مشاعر متزايدة مناهضة لها، بعد طردها من مالي وبوركينا فاسو مع انتهاء عملية برخان".

وعملية "برخان" هي عملية لمكافحة التمرد في منطقة الساحل الإفريقي بدأت في 1 أغسطس/ آب 2014، وتتألف من 3000 إلى 4500 جندي فرنسي، وانتهت رسميا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

وفي السنوات الأخيرة، حاولت فرنسا التأكيد على مفهوم "فرانس أفريك" (Françafrique) وممارسة شبكات نفوذها الموروثة من الاستعمار في سياق هذا المفهوم.

ويستخدم المصطلح كثيرا حاليا كانتقاد للعلاقة الاستعمارية الحديثة بين فرنسا والدول الإفريقية التي احتلتها في السابق.

وأشار الموقع إلى أن "ماكرون لا يزال يتعرض لانتقادات بسبب استمرار اجتماعاته مع القادة الأفارقة الذين يُتهمون بالاستبداد".

وأكد أن "هذه المشاعر المعادية لفرنسا تفيد في الوقت الراهن الصين وروسيا، اللتين تبرزان بيادقهما في القارة السمراء".