رئيس جهاز أمن الدولة زمن مبارك.. لماذا عاد اسم حسن عبد الرحمن إلى الواجهة؟

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

استشهد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، خلال كلمته في فعاليات الندوة التثقيفية للقوات المسلحة (37) في 9 مارس/ آذار 2023، باسم اللواء حسن عبد الرحمن. 

وقال السيسي عن الأوضاع قبل اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011: "كنت نائبا لمدير المخابرات (العسكرية) في 2009 فكنا بنعمل لقاءات لمناقشة الوضع الأمني في سيناء".

وأضاف: "كانت اللقاءات تعقد مع مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع (آنذاك) اللواء مراد موافي، ورئيس جهاز أمن الدولة اللواء حسن عبد الرحمن".

كان ذكر السيسي لاسم حسن عبد الرحمن كفيلا باستحضار ذكريات الزمن المر لقطاع عريض من المصريين. 

فعبد الرحمن هو الذي شغل منصب رئيس جهاز أمن الدولة في واحدة من أكثر الحقب شراسة وهيمنة لذلك الجهاز على حياة المصريين.

وأشيرت أصابع الاتهام إليه أنه من الأسباب المباشرة لقيام الثورة، بسبب عمليات الخطف والتعذيب والقتل التي كانت تجرى داخل مقرات الجهاز المنتشرة في ربوع مصر. 

وحسن عبد الرحمن كان ثالث ضلع في المثلث الأمني زمن الرئيس الأسبق حسني مبارك، وقبله وزير الداخلية وقتها حبيب العادلي، ورئيس جهاز المخابرات العامة آنذالك عمر سليمان. 

وبالتالي عودة الرجل للظهور في خطاب السيسي، وإجباره بتصريحات إعلامية، أثارت العديد من التساؤلات، واسترجعت تاريخه الأسود.

البدايات والصعود

اسمه بالكامل حسن محمد عبد الرحمن يوسف، ولد بمحافظة القاهرة في 27 مارس/ آذار 1949. والتحق بكلية الشرطة عام 1967 وتخرج فيها عام 1971، ليعمل مباشرة في مديرية أمن القاهرة. 

في أغسطس/آب 1974 التحق بجهاز مباحث أمن الدولة، في فترة من أكثر فترات النشاط السياسي لمصر، بعد حرب 1973، والاستعداد لعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل (كامب ديفيد 1978)، وعودة الحياة الحزبية، وازدهار النشاط الطلابي في الجامعات. 

وهو الوضع الذي جعل رئيس النظام الأسبق محمد أنور السادات يرفع من شأن جهاز مباحث أمن الدولة، ويطلقه بقوة في حياة المصريين، ليستمر الأمر خلال زمن حسني مبارك. 

وفي خضم تلك الأحداث والتطورات تأسس حسن عبد الرحمن كضابط صاعد في أمن الدولة، يترقى في الرتب البوليسية من آن إلى آخر. 

بدأ حسن عبد الرحمن يحصل على مناصب قيادية رفيعة عندما أصبح مفتشا لأمن الدولة في محافظة البحيرة، وبموجبها ترقى لرتبة لواء في 2 أغسطس/آب 1996. 

وفي عام 2002 أصبح نائب رئيس جهاز أمن الدولة على مستوى القطر المصري، دون أن يلبث طويلا في هذا المنصب.

فقد أصدر وزير الداخلية آنذاك حبيب العادلي قرارا في 4 يوليو/ تموز 2004 بتعيين اللواء حسن عبد الرحمن رئيسا لجهاز أمن الدولة.

واعتمد عليه حسني مبارك في قمع معارضيه من كل التيارات والتجسس على المواطنين، في وقت كانت تقارير أمن الدولة هي المعيار الرئيس لتولي أي منصب حكومي أو أكاديمي.

ومن هنا انطلقت رحلة جديدة في حياته، ليصبح مسؤولا عن كل أفعال الجهاز الإجرامية حتى قيام ثورة 25 يناير 2011.

وعرف عن عبد الرحمن الصمت وندرة الحديث، ووصف بالرجل الغامض، وكان ديكتاتورا فى إدارته لجهاز أمن الدولة، بحسب ما نشرته صحيفة "المصري اليوم" المحلية عنه في 1 يونيو/ حزيران 2012.

واعتقل آلاف المواطنين على خلفيات سياسية دون وجه حق خلال سنوات قيادته للجهاز، كثير منهم تعرضوا للتعذيب وبعضهم قتل بالفعل.

وخلال عهده أشرف على قضايا شهيرة أبرزها تفجيرات دهب، وشرم الشيخ، وطابا بجنوب سيناء، في 24 أبريل/نيسان 2006.

وآخر القضايا التي أشرف عليها كانت تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية في مطلع يناير 2011.

وكانت قضية مقتل المواطن سيد بلال بالإسكندرية عام 2010 داخل مقر احتجاز أمن الدولة، تحت وطأة التعذيب، أول سطور ثورة يناير ونهاية أسطورة حسن عبد الرحمن آنذاك. 


دراكولا الداخلية 

لكن بالتوغل في تفاصيل حقبة حسن عبد الرحمن وقيادته لأمن الدولة، يوجد الكثير من الأشياء المريعة التي كشفت عنها السراديب السوداء للجهاز سيئ السمعة. 

ففي 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، نشرت صحيفة "الوفد" المصرية، تحقيقا عن حسن عبد الرحمن بعنوان "دراكولا"، في إشارة إلى شخصية خيالية تمثل "أسطورة الرعب". 

وقالت إن ذلك اللقب كان يلقبه الإسلاميون به، إذ تنوعت في عهده وسائل التعذيب واستقدم خلال السنوات الأخيرة التي سبقت سقوط مبارك أدوات جديدة لاستجواب المعتقلين.

وذكرت أنه ابتكر مع فريق من الداخلية طرقا شديدة القسوة والغرابة في نزع المعلومات من الضحايا الذين كان رجاله يجمعونهم من المساجد والبيوت في منتصف الليل.

وكان  موقع "الجزيرة نت" قد نشر في 8 مارس/آذار 2011، تحقيقا عن الوجه الخفي لأمن الدولة زمن مبارك، تحت قيادة اللواء حسن عبد الرحمن. 

واحتوى التحقيق شهادات تفصيلية لاقتحام الثوار لمقرات أمن الدولة، التي كانت أشبه ببيوت الرعب، تحديدا المقر الرئيس في مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة.

ونقل الموقع عن أحد المقتحمين وهو "محمد مزيد" قوله: "عثرنا داخل المقر على قمصان نوم وملابس داخلية وصدريات نسائية وبدل رقص".

وأوضح: "أن الضباط كانوا يلبسونها قسرا للمساجين السياسيين، كنوع من الإذلال لهم، أو أنهم كانوا يستقدمون ساقطات إلى مقراتهم". 

وأضاف: "اكتشفنا أجهزة تعذيب منها جهاز معدني تشد إليه الأطراف، ولوح خشبي مليء بالمسامير الضخمة وعليه آثار دماء". وأكمل: "وجدنا نحو مائة غرفة مخصصة للتعذيب، بخلاف غرف الاستجواب".

ثم أردف: "أكثر ما أصابنا بالفزع ما رأيناه في غرف التعذيب من كماشات وصواعق كهربائية وجهاز الكرارة (الذي يجرى به تعليق الضحية)، ومثقاب يدوي، وألواح مسامير".

وأتبع: "فضلا عما وجدناه في مكاتب كبار الضباط من زجاجات خمور، وحشيش، وسيجار، وثلاجات مليئة بالأطعمة والعصائر".

سري جدا 

بدأ السقوط الكبير لعبد الرحمن وسدنة وزارة الداخلية مع اندلاع ثورة 25 يناير 2011، لا سيما أن الشعب المصري قصد ذلك اليوم تحديدا الموافق "عيد الشرطة" للقيام بثورته.

وبطبيعة الحال كان حسن عبد الرحمن يقف كواحد من أهم الجنرالات فى خندق المواجهة ضد الشعب الثائر بالشوارع والميادين.

لكن رصاص الشرطة لم يستطع أن يوقف نهر الثورة الهادر الذي أسقط الداخلية يوم 28 يناير واقتحم المتظاهرون أقسام الشرطة، حتى فر كبار الضباط من مكاتبهم، وخلعوا زيهم الرسمي. 

فى 4 مارس/ آذار 2011، وبعد أقل من شهر على سقوط مبارك، كانت أعمدة الدخان تتصاعد من مقار ومكاتب جهاز أمن الدولة، بالعاصمة وفى المحافظات، في وقت واحد.

هرع الناس ليتبين أن الدخان صادر عن حرق أوراق ومستندات وملفات أمن الدولة. 

ومع فتح القضية ظهرت الحقيقة بأن اللواء حسن عبدالرحمن أمر بإحراق المستندات والأوراق بعد تسريب ونشر خطابه الذي يحتوي أمرا لجميع رؤساء فروع الجهاز بحرق الملفات تحت بند "سرى جدا".

بعدها في 9 مارس 2011 أعلنت وسائل الإعلام المصرية أن القوات المسلحة وضعت الرئيس السابق لجهاز مباحث أمن الدولة اللواء حسن عبد الرحمن رهن الإقامة الجبرية في مكان لديها، وسط أنباء عن تقديمه للمحاكمة قريبا.

وفي 15 مارس 2011 أصدر وزير الداخلية "آنذاك" منصور العيسوي، قرارا بحل جهاز أمن الدولة، بجميع إداراته وفروعه ومكاتبه في أنحاء الجمهورية.

وأنشأ قطاعا جديدا تحت اسم الأمن الوطني وجدت مقاره في نفس مقار جهاز أمن الدولة السابق.

محاكمة الجنرال 

جاءت أنباء القبض على عبد الرحمن في 11 مارس 2011 عندما أعلنت النيابة العامة المصرية حبس 4 من قادة الشرطة لمدة 15 يوما على ذمة التحقيق معهم بتهم تشمل قتل متظاهرين خلال الثورة التي أدت إلى تخلي حسني مبارك عن منصبه.

وقادة الشرطة الأربعة هم مدير أمن القاهرة اللواء إسماعيل الشاعر، ومدير جهاز مباحث أمن الدولة اللواء حسن عبد الرحمن، ومساعد وزير الداخلية للأمن المركزي اللواء أحمد رمزي، ومساعد وزير الداخلية للامن العام اللواء عدلي فايد.

جميعهم اتهموا بارتكاب جرائم بطريق الاتفاق والتحريض والاشتراك والمساعدة في قتل المجني عليهم من المتظاهرين والشروع في قتل عدد آخر.

ووجهت إليهم تهمة استعمال القوة وإطاعة وزير الداخلية وقتها حبيب العادلي في شأن تعطيل الأوامر الصادرة من الحكومة بالمحافظة على الأمن العام والتسبب في الانفلات الأمني.

ثم أحيل عبد الرحمن وجميع قادة الشرطة إلى ما يعرف إعلاميا بمحاكمة القرن، التي حوكم فيها بجواره حبيب العادلي، و40 ضابطا بجهاز أمن الدولة في قضية "فرم مستندات الجهاز". 

واستمرت وقائع المحاكمة حتى بعد الانقلاب العسكري الذي جرى في 3 يوليو/تموز 2013 بقيادة وزير الدفاع (آنذاك) عبد الفتاح السيسي على الحكومة المنتخبة. 

وبعد الانقلاب اتخذت المحاكمات منحى مختلفا، حتى 29 نوفمبر 2014، عندما أصدرت محكمة جنايات شمال القاهرة، حكما ببراءة حسن عبد الرحمن في قضية "محاكمة القرن"، رغم الاتهامات بإتلاف أكثر من 60 ألف مستند، تخص الأمن القومي للبلاد. 

ووقتها تحدثت صحف محلية مصرية مثل "صوت الملايين" أن السبب الرئيس لبراءة عبد الرحمن وضباط أمن الدولة، هو التقرير الذي أرسله رئيس النظام عبد الفتاح السيسي للمحكمة، بضرورة إخلاء سبيل الضباط وإسقاط كل التهم عنهم. 

وذكرت الصحيفة أن "السيسي يرى أن اللواء حسن عبد الرحمن رئيس جهاز أمن الدولة الأسبق هو أخطر رجل في مصر". 

ومثلت واقعة خروجه وانطلاقه في الشأن العام دليلا دامغا على القضاء على مكتسبات ثورة يناير، وعودة الأمور إلى مربع الصفر مرة أخرى.