لماذا غيرت أميركا لهجتها بشأن "قسد" قبل انتخابات تركيا؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

رصدت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية تصريحات لمسؤولين أميركيين تحاول نزع فتيل أزمة مع تركيا، بعد زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية لشمال شرقي سوريا.

وقالت الصحيفة إن "تركيا حاولت ليّ ذراع الولايات المتحدة بعد أن زار رئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي شرق سوريا أخيرا".

وأجرى "ميلي" الزيارة في 4 مارس/ آذار 2023 "لتقييم مهمة عمرها ثمانية أعوام تقريبا لمحاربة تنظيم الدولة ومراجعة إجراءات حماية القوات الأميركية من أي هجوم"، بحسب ما أوردت قناة الحرة الأميركية.

ولدى سؤاله عما إذا كان يعتقد أن مهمة سوريا تستحق المخاطرة، قال ميلي: "إذا كان (سؤالك هو) هل هذه المهمة ضرورية؟ فإن الإجابة: نعم".

وادعت "جيروزاليم بوست" أن الوجود الأميركي في سوريا هدفه محاربة تنظيم الدولة، بالتعاون مع شريكها الرئيس "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)" التي أُسست عام 2015 بدعم واشنطن.

وأكدت الصحيفة العبرية أن الولايات المتحدة تعمل عن كثب مع "قسد"، رغم كونها مصنفة على قوائم الإرهاب في تركيا، بصفتها امتدادا لـ"حزب العمال الكردستاني" الانفصالي.

ومنذ 2015، قدمت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة تدريبات مسلحة للآلاف من مسلحي "قسد"، متجاهلة جميع تحذيرات تركيا منذ بدء الحرب في سوريا.

دعم "قسد"

"ولهذا، ما فتئت أنقرة تتهم شريكها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بدعم "الإرهابيين" في سوريا"، تضيف الصحيفة.

علاوة على ذلك، نفذت تركيا العديد من العمليات العسكرية، والهجمات بالطائرات المسيرة على قوات سوريا الديمقراطية خلال السنوات الماضية.

ففي عام 2018، أطلق الجيش التركي عملية "غصن الزيتون" ضد التنظيمات الانفصالية المسلحة في مدينة "عفرين" شمالي سوريا.

وتبع ذلك عملية أخرى عام 2019 ضد "قسد" أطلقت عليها أنقرة اسم "نبع السلام" واستهدفت فيها وجود التنظيم في بلدات حدودية مع سوريا، منها رأس العين وتل أبيض.

ووفق الصحيفة، فإن الرواية التركية في محاربة "قسد" تستند إلى أن الأخيرة هي في الأصل "وحدات حماية الشعب الكردية"، المرتبطة بـ"حزب العمال الكردستاني" (بي كا كا).

وترى أنقرة أنه بعد أن كشفت الدعم الأميركي للتنظيم المصنف إرهابيا، اقترحت واشنطن على "وحدات حماية الشعب" استخدام اسم "قوات سوريا الديمقراطية"، لكن ظل التنظيم نفسه ومخططاته في استهداف تركيا لم تتغير.

وبعد زيارة الجنرال "ميلي" للشمال السوري، استدعت وزارة الخارجية التركية السفير الأميركي في أنقرة، جيف فليك، لطلب توضيح بشأن تلك الزيارة.

بدوره، قال العقيد ديف باتلر، المتحدث باسم ميلي، إن الأخير "التقى مع القوات الأميركية المتواجدة في شمالي شرق سوريا كجزء من حملة هزيمة تنظيم الدولة".

ومن جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، إن "الجنرال ميلي التقى فقط مع قوات واشنطن أثناء وجوده في سوريا، وكانت الزيارة مجرد تفاعل مع العسكريين الأميركيين"، وفق ما نقلت وكالة الأناضول التركية.

وأضاف أنه "ليس من غير المعتاد أن يزور رئيس هيئة الأركان المشتركة عناصر القوات الأميركية، وفي كثير من الحالات يجرى نشرهم في أماكن يمكن أن تكون بها خطورة، ويحتمل أن يقدموا تضحيات، ليس فقط نيابة عن زملائهم الأميركيين، بل عن جميع دول العالم".

"ويبدو أن وسائل الإعلام التركية تفاخرت بأن أنقرة دفعت وزارة الخارجية الأميركية للإدلاء بهذا التصريح"، يضيف التقرير.

وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن تركيا تخوض أجواء حملة انتخابية رئاسية، حيث من المقرر أن تجري الانتخابات في 14 مايو/ أيار 2023.

كما أنها في مرحلة التعافي من الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 فبراير/شباط 2023، وتجاوز عدد ضحاياه في تركيا وحدها 46 ألف حالة وفاة.

وفي الوقت نفسه، فإن تركيا مازالت مستمرة في استهداف التنظيمات المسلحة – التي تصنفها على قوائم الإرهاب- في كل من سوريا والعراق، تضيف الصحيفة.

ووفق التقرير، فإن أنقرة تصرح بأنها لا تستهدف الأكراد، وأن صراعها غير قائم على الإثنية، لكنها تستهدف التنظيمات التي تصنفها على أنها إرهابية انفصالية، بحسب قوله.

ورغم أن التفجير الإرهابي الأخير الذي ضرب شارع الاستقلال في إسطنبول، في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، نفذته امرأة قادمة من مناطق سيطرة "قسد" شمالي سوريا، وخطط له قادة في التنظيم المسلح، ادعت الصحيفة العبرية أن قوات سوريا الديمقراطية "لم تنفذ هجمات ضد تركيا".

استرضاء أنقرة

وأكدت "جيروزاليم بوست" أن "الرسائل الأميركية الأخيرة بشأن سوريا قيلت بهدف إرضاء أو استرضاء أنقرة".

ففي مناسبة أخرى، في فبراير 2023، كان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في مقابلة مع قناة NTV التركية، وسُئل عن أسباب التواجد الأميركي في سوريا.

وذكرت القناة التركية حينها ادعاء الولايات المتحدة أنها موجودة في سوريا لمقاتلة تنظيم الدولة، لكنها في سبيل ذلك تتعاون مع "وحدات حماية الشعب" التي تعد منظمة إرهابية كذلك.

ليرد الوزير قائلا: "إننا نعمل عن كثب مع الحكومة (التركية) للتأكد من معالجة كل المخاوف التي تساورها بشأن أمن حدودها، ولا سيما أننا نعارض بشدة أي هجمات عبر الحدود".

وأضاف بلينكن: "نحن بالطبع لا نؤيد قيام دولة كردية في شمال سوريا، ومن المهم جدا أن يتخذ الجميع خطوات لتجنب الصراع، والتركيز على محاربة تنظيم الدولة".

وعلقت "جيروزاليم بوست" على تصريحات بلينكن قائلة إن "حديثه عن "دولة كردية" خارجٌ عن إطار السؤال.

إذ إن أنقرة لم تتهم واشنطن بالسعي لإقامة "دولة كردية"، بل تتهمها بدعم "الإرهابيين".

ووصفت الصحيفة العبرية الرسائل الأميركية الأخيرة بشأن سوريا بأنها ملتبسة، ففي التصريح الأول، يبدو أن الضغط التركي دفع واشنطن حتى للتنصل من مجرد الاجتماع مع شركائها في "قسد".

أما التعليق الآخر، فقد جعلت فيه تركيا الولايات المتحدة تصرح أنها لا تدعم قيام "دولة كردية"، على الرغم من أن "قسد" وآخرين في سوريا لم يدّعوا رغبتهم في ذلك.

وبالتالي، فإن الولايات المتحدة تعارض شيئا لا يخطط له أي طرف، وفق تعبير التقرير.

وذكرت الصحيفة أن استدعاء وزارة الخارجية التركية للسفير الأميركي جاء في خضم الحملات الجارية للتحضير لانتخابات الرئاسة في تركيا.

ففي 6 مارس 2023، أعلن تحالف المعارضة التركي، المسمى بـ"الطاولة السداسية" أن زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، سيكون مرشحه المشترك أمام الرئيس، رجب طيب أردوغان، في الانتخابات الرئاسية المرتقبة.

وفي المقابل، يعمل حزب "العدالة والتنمية" الحاكم على ضمان فوز أردوغان بدورة رئاسية أخرى، هذا فضلا عن تحقيق أغلبية في البرلمان.

ووفق "جيروزاليم بوست"، فلربما تهدف واشنطن في هذه الفترة إلى تقليل التوترات مع الحكومة التركية مع اقتراب الانتخابات.

ويهدف ذلك إلى عدم إعطاء حزب العدالة والتنمية نقطة لصالحه، يستخدمها لجذب أصوات الناخبين ذوي الحس القومي، بحسب تقدير الصحيفة.

وختمت بالقول إن ذلك يحدث بالرغم من منع الحزب الحاكم في تركيا السويد وفنلندا من الانضمام لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، ومن التنسيق التركي الوثيق مع روسيا، هذا فضلا عن توتر علاقات أنقرة مع واشنطن خلال العِقد الماضي.