درجات وسرعات.. ما قصة "الإنترنت الطبقي" الذي أحدث ضجة في إيران؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تعتزم الحكومة الإيرانية توفير شرائح للهواتف المحمولة للسياح الأجانب، ليتمكنوا من استخدامها في الحصول على خدمة إنترنت مميزة، والوصول إلى المواقع المحجوبة والتطبيقات المحظورة في إيران.

هذا القرار الذي أعلن عنه وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الإيراني، عيسى زارع بور، نهاية فبراير/ شباط 2023، يأتي في ظل حرمان الدولة المواطنين الإيرانيين من الوصول بحرية إلى هذه المواقع والتطبيقات منذ أن اندلعت المظاهرات الاحتجاجية بسبب موت الفتاة الإيرانية مهسا أميني.

وفي 16 سبتمبر/ أيلول 2022، اندلعت احتجاجات بأنحاء إيران إثر وفاة أميني (22 عاما) بعد 3 أيام على توقيفها لدى "شرطة الأخلاق" المعنية بمراقبة قواعد لباس النساء.

وأثارت الحادثة غضبا شعبيا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية بإيران، وسط روايات متضاربة عن أسباب الوفاة، وتقلص معها الوصول إلى الإنترنت والكثير من الخدمات والتطبيقات الإلكترونية.

والمقصود بالإنترنت "الطبقي" هو توفير خدمة الإنترنت لطبقات وشرائح ومجموعات معينة، مثل الصحفيين والباحثين الموالين للنظام الإيراني.

ونشر موقع "روز نو" الإيراني تقريرًا استعرض فيه ما أحدثه تصريح الوزير من جدل وغضب في الإعلام الإيراني وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب هذه المعاملة التمييزية، وهو ما رأى فيه البعض عودة إلى عصر "الامتيازات" التي كانت تقدم للأجانب في الماضي.

وطرح التقرير بعض الأسئلة حول جدوى القرار بالنسبة للسياحة الإيرانية المتراجعة، وقانونية هذه الخطوة التي تنتهك حقوق الإيرانيين وتجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية.

من الدرجة الثانية

لقيت تصريحات وزير الاتصالات انتقادات كثيرة من جانب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين عبروا عن غضبهم من حرمان الشعب الإيراني من الحصول على إنترنت فائق السرعة وغير مقيد في بلادهم.

ويأتي هذا في الوقت الذي يُسمَح فيه للسيَّاح الأجانب الذين يمكثون في إيران أسبوعا أو أسبوعين بالحصول على هذه الخدمة والوصول إلى المواقع والتطبيقات المحجوبة عن الإيرانيين.

وينقل التقرير عن أحد المواطنين قوله إن هناك 21 ألف إيراني يفكرون في طلب اللجوء إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو الخبر الذي نشرته وسائل الإعلام الإيرانية نقلا عن موقع يورونيوز. 

ويستشهد التقرير بالخبر المذكور، والذي جاء ضمن تقرير مفصل نشرته وكالة اللاجئين التابعة للاتحاد الأوروبي، بناء على إحصائيات، للدلالة على أن الشعب الإيراني على رأس المجموعات التي ترغب في الهجرة وطلب اللجوء، بسبب سوء الأوضاع والتضييق، خاصة في الأشهر الخمسة الماضية.

هذا بالإضافة إلى الأجانب المقيمين في إيران، والذين استشهد التقرير بحالة أحدهم، وهو اللاعب الهولندي يورغن لوكاديا، المحترف في نادي برسيبوليس الإيراني.

وصرح لوكاديا بأن أحد الأسباب التي اتخذ بسببها قراره بإنهاء تعاقده ومغادرة إيران هو عدم قدرته على الحديث مع أسرته خارج البلاد بسبب حظر الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة واتس آب.

ثم ينتقل التقرير إلى الباحث الاجتماعي، أمير محمود حريرجي، الذي يتساءل عن كيفية توصل الحكومة إلى مثل هذا القرار الذي يوفر المزيد من التسهيلات للأجانب بدلا من إيلاء الاهتمام بالشعب الإيراني.

يقول حريرجي إن العديد من الشركات واجهت مشاكل عديدة في الشهور الماضية بسبب خدمة الإنترنت التي تخضع لسياسة الحجب والتقييد والحظر.

ويضيف أنه يعرف العديد من الأشخاص الذين أجبروا على إغلاق متاجرهم بسبب عدم قدرتهم على الوصول إلى الشبكات الاجتماعية على الإنترنت، لأن معظم مبيعاتهم تتم عن طريقها.

ويتعجب من إقدام المسؤولين الإيرانيين في مثل هذا الوضع الذي يعيشه الإيرانيون الذين يحرمون من خدمة الإنترنت على التفكير في توفير شرائح هاتف خاصة للسيَّاح الأجانب حتى يتمكنوا من التحدث مع الآخرين بسهولة عبر تطبيق واتس آب، بدلا من التفكير في تحسين الخدمة للمواطن الإيراني.

ويصف حريرجي مثل هذه القرارات بأنها مدهشة، ولا يمكن تصديقها، لأن الأجانب سيصبحون مواطنين من الدرجة الأولى في إيران، بينما يغدو الإيرانيون مواطنين من الدرجة الثانية في بلادهم.

إحياء الامتيازات

يذكر التقرير أن الحكومة الإيرانية تحدثت في الشهرين الماضيين عن تفعيل "الإنترنت الطبقي" بشكل غير مباشر، حينما وعدت بتقديم خدمة إنترنت أفضل ولا تخضع لسياسة الحجب لأساتذة الجامعات والطلاب وبعض المجموعات الأخرى، ولكن لم تفِ بوعدها حتى الآن.

ثم جاء الحديث عن توفير شرائح الهاتف الخاصة بالأجانب ليتماشى مع سبق أن ذكرته الحكومة عن "الإنترنت الطبقي".

وفي تعليقه على هذا الامتياز، يقول الباحث الإيراني محمد رهبري، إنه بعد رد الفعل القوي لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ربما تتراجع الحكومة مؤقتا، وتسير في تطبيق هذه السياسة بطريقة مختلفة.

وكانت صفحة المعلومات الحكومية على تويتر قد حذفت ما قيل عن توفير شرائح الهاتف المخصصة للأجانب بسبب موجة الاحتجاجات التي صاحبت هذا الإعلان.

وبغض النظر عن حذف الخبر المتعلق بخدمة الإنترنت المقدمة للأجانب، فإن رهبري يرى أن القرار سينفذ قريبا، لاعتقاد الحكومة أن ذلك سيساعدها في زيادة أعداد السياح الأجانب.

ويعلق رهبري على تنفيذ هذا القرار فيقول إن تنفيذ الحكومة له يعني أن السائحين والأجانب لديهم حقوق أكثر من الشعب الإيراني.

وسوف يحصل الأجنبي على إماكنيات يُحرَم منها المواطن الإيراني، وهو ما يجعلنا أمام نوع من "الامتيازات" التي كانت تمنح للأجنبي في العصور الماضية، وفق تقديره.

في عام 2022، نُشِر تقرير صادرعن "المجلس العالمي للسفر والسياحة"، وضع إيران في المرتبة 81 في جذب السيَّاح على مستوى العالم.

هذا الأمر يُظهر انخفاض عدد السائحين القادمين إلى إيران، بسبب الظروف الخاصة بالدولة، وهو الوضع الذي تريد الحكومة معالجته، من خلال القضاء على مشاكل السائح الأجنبي، ومنها التواصل عبر الإنترنت.

وفي إجابته على التساؤل حول وضع السياحة في إيران بعد توفير شرائح الهاتف الخاصة بالسيَّاح، وهل يتحسن هذا الوضع أم لا؟، يقول محمد رهبري إنه ربما تتصور الحكومة أنه إذا توفر الإنترنت عالي السرعة للسيَّاح الأجانب فسيجري حل المشكلات، لكن الأمر ليس على هذا النحو.

ويرى رهبري أن معدلات السياحة تنخفض عاما بعد عام، وعلى أية حال فإن مشكلة السيَّاح في إيران ليست الإنترنت فقط، ولن يزيد عدد القادمين إلى إيران بهذا القرار.

ويتفق حريرجي أيضًا مع رهبري، ويقول إن مشكلة السيَّاح القادمين إلى إيرن تتجاوز إزالة الحجب عن الإنترنت.

ويقول إن كثيرا من المسؤولين يعتقدون أن مشكلة السياح الأجانب في إيران هي "إنترنت" فقط، بينما الواقع غير ذلك، وإذا بحثنا قليلا في موضوع اجتذاب السياح الأجانب فسنلاحظ أن الإنترنت ليس بالتأكيد أولوية قصوى بالنسبة لهم.

حظر وتمييز

وينسب التقرير إلى الباحث كامبيز نوروزي أن إيرادات ولاية أنطاليا التركية من السياحة ضعف إيرادات إيران من النفط.

ومع ذلك تريد حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي جذب السيَّاح الأجانب عبر توفير شرائح للهاتف تمكنهم من الوصول إلى الإنترنت.

وينتقد الباحث الاجتماعي محمد فاضلي قرار الحكومة في تغريدة له على تويتر، قال فيها: "عدوا الشعب الإيراني أيضا سياحا، وكل ما هنالك هو أن متوسط إقامتنا نحن الإيرانيون 70 عاما".

وإذا كان السياح الأجانب يحتاجون إلى شرائح هاتف خاصة من أجل الإقامة عدة أيام لكي يستخدموا الفضاء الإلكتروني فنحن السياح الإيرانيين من أصحاب الإقامة الطويلة نحتاج إليها أيضًا، وفق قوله. 

وفيما يخص قانونية قرار توفير شرائح الهاتف الخاصة للسيَّاح الأجانب، يوضح كامبيز نوروزي أن القانون لا يُراعَى في اتخاذ مثل هذه القرارات.

ويقول نوروزي إن موضوع الإنترنت في إيران يفتقد بشكل عام إلى أي نظام قانوني، لأن الدولة لا تتبع أي قاعدة قانونية، وتفعل ما تريد من خلال المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني.

إذ تقلل النطاق الترددي، وتستخدم سياسة الحجب والحظر، وتمنع الشعب من الحصول على خدمة إنترنت جيدة.

هذا بالإضافة إلى أن مثل هذا القرار "مهين" للشعب الإيراني، لأنه دليل على أن الأجانب سيتمتعون بامتيازات كثيرة لا تتوفر لمواطني البلد. 

ويشير نوروزي إلى أن هذا الأمر يتعارض مع الدستور الإيراني الذي يضمن الحريات الاجتماعية والفردية وحرية الإعلام، طبقا للمادة 24 التي تنص على أن هذا الأمر جزء من الحقوق الأساسية للأمة.

ويعرب نوروزي عن أسفه لأن حرية الوصول إلى المصادر من "حريات الإعلام" التي لا يمكن خدشها في الدستور، ولكن لا تراعى في هذا المجال على أقل تقدير.

وفي النهاية يتساءل التقرير عن حرمان الشعب الإيراني المقيم على أرضه إقامة دائمة من الاستفادة من الشبكات الاجتماعية والمواقع المختلفة على الإنترنت.

ويأتي هذا في الوقت الذي تقدم هذه الامتيازات إلى الأجانب الذين يقيمون على الأراضي الإيرانية عدة أيام لا أكثر، وفق ما يقول موقع "روز نو" الخبري.