موارد سوريا بقبضتهم.. هل يفقد الأكراد مكتسباتهم بعد انسحاب أمريكا؟

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تبسط التنظيمات المسلحة الكردية بدعم من واشنطن، سيطرتها على مساحات واسعة وغنية من الأراضي السورية، لكن قرار الرئيس ترامب سحب قواته، فتح الباب واسعا أمام تساؤلات حول مصير هذه المناطق بعد مكتسبات تحققت على الأرض؟.

وشكل قرار الرئيس الأمريكي، مفاجأة لأكراد سوريا بعد تصاعد نفوذهم وتوسعه مع انسحاب قوات النظام من مناطقهم تدريجيا منذ العام 2012. وفي العام اللاحق، أعلنوا إقامة إدارة ذاتية على مناطق سيطرتهم، بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

مناطق غنية بحوزة الأكراد

تحتفظ "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) و "وحدات حماية الشعب الكردي" بمناطق غنية وواسعة تقدر بثلث مساحة سوريا، متجاوز بذلك حدود الجغرافيا القومية، بعد طرد تنظيم الدولة من الرقة وحقول النفط والغاز الغزيرة الانتاج في دير الزور شرقا.  

وبدعم من واشنطن، فإن "قسد" تسيطر على نصف الموارد السورية الاستراتيجية، بما في ذلك العديد من السدود وحقول النفط ومعظم الأراضي الزراعية الخصبة في المنطقة.

وتضم هذه المنطقة كلا من الجزيرة (محافظة الحسكة) والفرات (شمال وسط، تشمل أجزاء من محافظة حلب وأخرى من محافظة الرقة) وعفرين (شمال غرب) التي باتت منذ أشهر تحت سيطرة قوات تركية وفصائل سورية موالية لها.

ويتقاسم كل من النظام السوري وقوات (قسد)، محافظة الحسكة، إذ يسيطر الأول على مربع أمني بداخل مركز المدينة، إلى جانب احتفاظه بمقار أمنية وعسكرية في القامشلي والمطار، بينما تسيطر "قسد" على ما تبقى من المدينة وريفها.

كما وتسيطر "قسد" على محافظة دير الزور، وتحاصر حاليا تنظيم الدولة في منطقة تبلغ مساحتها أربعة كيلومترات مربعة قرب الحدود العراقية وتستعد للتقدم ضده، وفق ما قال القيادي بـ"قسد" هيجين هفال روني للوكالة الفرنسية.

ما مصير هذا المناطق؟

ولعل إنطلاق أول دورية مشتركة للجيش التركي مع الشرطة الروسية في محيط مدينة منبج بريف حلب الشمالي، الخميس، على الخط الفاصل مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، ينذر بتفاهمات جديدة حول مصير هذه المناطق.

ويأتي هذا التطور بالتزامن مع انعقاد قمة "سوتشي" للدول الضامنة (روسيا، تركيا وإيران)، حيث أكد بيانها الختامي على "التصدي للمخططات الانفصالية التي تهدف إلى نسف سيادة سوريا ووحدتها الترابية، وكذلك أمن الدول المجاورة لها".

لكن الرئيس الروسي فلادمين بوتين، قال إنه "إذا سحبت الولايات المتحدة في الواقع قواتها من سوريا، فإن القوات السورية يجب أن تسيطر على هذه المناطق"، حبسما أورد موقع "روسيا اليوم".

وحول مصير هذه المناطق بعد الانسحاب الامريكي، رأى الباحث في العلاقات الدولية جلال سلمي أن "واشنطن تسعى لتحقيق انسحاب نسبي أو جزئي، ومن ثم الميل إلى تأسيس نفوذها في منطقة شرق الفرات من خلال منح الوكلاء أو المحليين الفاعلين، دورا في تأسيس مجالس إدارية مستقلة جزئيا عن دمشق، للوصول إلى هدف بناء مجتمع ينعم بالتعددية السياسية.

وقال سلمي أن "الولايات المتحدة تعمد إلى استراتيجية التعاون الإقليمي التكاملي النشط، والذي قد يشمل تركيا من خلال منحها حق الانتشار في منبج وعدد من المناطق الحدودية"، مؤكدا " نشر خارطة المنطقة الآمنة التي ستحقق تركيا فيها الانتشار التشاركي مع واشنطن، وتمتد من نهر الساجور غربا حتى المالكية شرقا وبعمق 32 كيلومترا".

وتوقع الباحث، حبسما نقلت صحيفة "عربي21" أن "تسعى واشنطن لتنفيذ خطتها عبر مجالس إدارات محلية شرعية مدعومة أمريكيا وغربيا وتتصل مع دمشق عبر حكم فيدرالي أو حكم استقلال إداري جزئي"، معتبرا أنها "بذلك تتفق إلى حد كبير مع التوجه الروسي الذي اتضحت معالمه برؤية غير معلنة رسيما من قبل موسكو، لكنها ملموسة".

وفي المقابل، رجح الخبير في الجغرافيا السورية والأستاذ في جامعة "ليون 2" فابريس بالانش في تصريحات لوكالة "فرانس برس" أن "يصار إلى تقاسم مناطق قوات سوريا الديموقراطية بين الأتراك والجيش السوري".

وبحسب قول الباحث في مجموعة الأزمات الدولية هايكو فيمن، فإن الأمر يحتاج وقتا، "لأنه من غير المرجح في الوقت الحالي أن يتحرك النظام من دون اتفاق، إن كان مع قوات سوريا الديموقراطية أو تركيا. وينطبق الأمر ذاته على تركيا التي تحتاج موافقة روسية".

نقلت صحيفة "الوطن" السورية المقربة من السلطات فيو وقت سابق، عن ديبلوماسي عربي في موسكو أن التفاهمات الأخيرة بين أنقرة وموسكو إثر القرار الأمريكي تتضمن "أن تعود (مدينة) منبج تحت إشراف الدولة السورية كاملة وكذلك المناطق المحيطة بها”.

أما في ما يخص مناطق الأكراد الأخرى الواقعة شرق نهر الفرات، وفق الصحيفة، فسيتم بحث مستقبلها و"عودة مؤسسات الدولة إليها، في اجتماع أستانا المقبل" الذي ترعاه كل من روسيا وإيران وتركيا.

ويرى بالانش أن السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن "يعبر الجيش السوري نهر الفرات ويعود إلى الرقة، ودير الزور وحتى الحسكة". والهدف الأبرز لدمشق، وفق قوله، استعادة حقول النفط والغاز في محافظة دير الزور، مرجحا أن يحصل ذلك إثر تفاهم مع الأكراد.

اتصالات الأكراد مع الأسد

عقب إعلان الرئيس الأمريكي سحب قواته، هرولت القوات الكردية التي تصنفها تركيا على لائحة "الإرهاب" نحو التفاوض مع النظام من أجل دخول قواته إلى مدينة منبج في محاولة لمنع القوات التركية من دخولها.

ويعمل الجيش التركي على استقدام تعزيزات إلى محيط منبج، في ظل استنفار من فصائل "الجيش الوطني" في خطوة لبدء عملية عسكرية تجاه المدينة.

تسيطر كل من قوات سوريا الديمقراطية ومجلس منبج العسكري وعدد قليل من "وحدات حماية الشعب" على مركز المدينة وريفها، امتدادا إلى خطوط التماس في شمال منبج المحاذية للحدود التركية وحتى مدينة الباب وجرابلس الواقعتين في غربها.

وجاء في وكالة "سانا" الحكومية السورية في الثاني من يناير/كانون الثاني الحالي نقلا عن جيش النظام، أن وحدات حماية الشعب بدأت سحب 400 عنصر من مقاتليها إلى شرق الفرات "تنفيذا لاتفاق عودة الحياة الطبيعية إلى المدينة".

وأعلن النظام السوري دخول قواته إلى منبج بعد دعوة وجهتها "وحدات الشعب" قالت فيها "ندعو الدولة السورية التي ننتمي إليها أرضا وشعبا وحدودا إلى إرسال قواتها المسلحة لاستلام هذه النقاط وحماية منطقة منبج أمام التهديدات التركية".

واقتصر دخول قوات الأسد على منطقة العريمة فقط الواقعة إلى الغرب من منبج المدينة، على عكس ما أعلنت عنه وزارة الدفاع في بيانها، فيما حذرت وزارة الدفاع التركية النظام السوري من أي أعمال استفزازية في منبج، وطلبت "الابتعاد عن كل التصرفات والخطابات الاستفزازية التي من شأنها مفاقمة الوضع".

ولم تكتف القوات الكردية بالتواصل مع الأسد، وإنما توجه عدد من مسؤوليها في الشمال السوري إلى موسكو، على أمل أن تضغط روسيا على دمشق "للقيام بواجبها السيادي"، وفقا للسياسي الكردي ألدار خليل.

وقال خليل الذي وضع خطط الحكم الذاتي في شمال سوريا إن "اتصالاتنا مع روسيا ومع النظام هي للبحث عن آليات واضحة لحماية الحدود الشمالية للقيام بواجبه السيادي. نريد أن تلعب روسيا دورا مهما في التطورات الحاصلة لما يحقق الأمن والاستقرار".