طريق مسدود.. لماذا غيرت الرياض سياستها تجاه طهران وخالفت واشنطن؟

قسم الترجمة | a year ago

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة روسية، الضوء على أسباب تغيير الرياض سياستها تجاه طهران، وكيف تتعارض آراء السعوديين بشدة مع مقاربات البيت الأبيض.

وقالت صحيفة "إزفستيا" إن " الرياض بدأت في الآونة الأخيرة تدعو إلى عودة المفاوضات مع منافستها الرئيسة في المنطقة إيران، لاستعادة الاتفاق النووي، مدعية أنه بخلاف ذلك سيتزعزع استقرار المنطقة".

وأضافت "في غضون ذلك، تفقد واشنطن -الشريك الإستراتيجي الرئيس للسعودية في الشرق الأوسط- اهتمامها بإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران".

حاجة ملحة

ونقلت الصحيفة تصريحات وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في مؤتمر ميونخ للأمن: "من الضروري العودة إلى المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الإيراني، وهناك حاجة ملحة لوضع خطة شاملة يشارك فيها مجلس التعاون لدول الخليج العربي، لأنها الدول الأكثر عرضة للتهديد من إيران".

وأضاف: "إننا قلقون من أن تكون المناقشات حول العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 قد توقفت فعليا، فهذا يمثل تهديدا كبيرا للاستقرار الإقليمي".

كما أبدى الوزير السعودي دعمه لجهود إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، مشيرا بذلك إلى خطورة تسريع إيران تطوير برنامجها النووي غير المفيد للمنطقة على الإطلاق.

وفي ذات السياق، أفاد وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، بأن بلاده "وضعت كل الوسائل الممكنة على طاولة المفاوضات لمنع إيران من حصولها على سلاح نووي".

لكنه لم يحدد تلك الآليات، وفق الصحيفة الروسية.

ولأن طهران -رغم العقوبات- مستمرة في توزيع الأسلحة المتطورة خارج المنطقة، يرى جالانت أنه "يجب على المجتمع الدولي إيجاد بديل فعال لعقوبة حظر الأسلحة"، قاصدا بذلك آلية عملية للردع والعقاب.

وذكرت الصحيفة الروسية أنه "بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018، وعودتها إلى سياسة العقوبات ضد طهران، بدأت السلطات الإيرانية في الابتعاد تدريجيا عن الالتزامات التي تعهدت بها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة".

واستدركت: "لكن بعد ذلك، أرادت إدارة بايدن العودة إلى الاتفاق النووي، حيث بدأت المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، من خلال وساطة الدول الأخرى الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة". 

وأشارت إلى أنه "بعد أن لوحظ أن الطرفين على وشك التوصل إلى حلول وسط واتفاقات، بدأت المفاوضات بالتعثر، ثم توقفت تماما، وبالتالي، لم يتمكن الطرفان من الاتفاق على رفع العقوبات عن إيران".

ولفتت الصحيفة إلى أن الدول الغربية اتهمت طهران بأن "مطالبها غير معقولة". 

وأتبعت: "لا تتوقع طهران أي اختراق في المستقبل القريب، وتواصل تطوير برنامجها النووي"، موضحة: "في عام 2022، توجهت طهران إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة في منشأة فوردو النووية، ردا على ما نشرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرارا وتكرارا من تقارير انتقادية لإيران".

وأردفت: "فضلا عن إنشاء شلالات طرد مركزي جديدة في منشأتي فوردو ونطنز النووية، كما أطلقت أجهزة طرد مركزي جديدة فيهما".

وأشارت "إزفستيا" إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أخطرت مطلع فبراير/ شباط 2022، بأن "الأنشطة في منشأة فوردو تتعارض مع الالتزامات التي تعهدت بها طهران".

وتعتقد الوكالة أن "إيران تتقدم في مسار قد يؤدي إلى امتلاك أسلحة نووية".

وفي تقرير لها، صرحت الوكالة بأن "مديرها العام رافائيل جروسي يشعر بالقلق من إجراء إيران تغييرات كبيرة على المعلومات المتعلقة بتصميم محطة تخصيب الوقود في فوردو دون إخطار مسبق للوكالة". 

بدورها، رفضت إيران مزاعم الوكالة، موضحة أن التقرير "يستند إلى معلومات قديمة".

وبالعودة إلى الوقت الحالي، تنوه الصحيفة الروسية إلى أن "الحوار بين إيران والمشاركين الآخرين في خطة العمل المشتركة الشاملة يمر عبر قطر بشكل أساسي".

تغيير المواقف

ووفقا للصحيفة، "اعتمدت الرياض في وقت سابق على العقوبات والضغط على طهران، أملا منها بهذه الطريقة في الحد من نشاط إيران في المنطقة".

لكنها غيرت موقفها أخيرا من خطة العمل الشاملة المشتركة.

وهنا تتعارض دعوة الرياض مع نهج إدارة بايدن، فدائما ما تبدي الولايات المتحدة عدم اهتمامها بالاتفاق النووي الإيراني.

وبدلا من محاولة التقارب بين البلدين، يقوم البيت الأبيض بفرض عقوبات جديدة على طهران، بحسب الصحيفة الروسية.

وفي هذا السياق، قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل: "في الوقت الحالي، لا يتركز اهتمامنا على الاتفاق النووي".

وأوضح أن الإيرانيين "دمروا فرصتهم في العودة إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي، بعدما أداروا ظهورهم له في سبتمبر/ كانون الأول =2022".

كما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس أخيرا أن "استعادة الاتفاق النووي ليست من أولويات السياسة الخارجية لواشنطن". 

وأوضح أن "خطة العمل الشاملة المشتركة لم تكن في بؤرة اهتمامنا منذ عدة أشهر".

التفاوض أفضل

ويرى الصحفي المهتم بالشرق الأوسط، أندريه أونتيكوف، في مقابلة مع صحيفة "إزفستيا"، أن "التغيير في نهج الرياض يرتبط بشكل كبير بتغيير سياسة واشنطن نفسها".

وأوضح أنه "ففي عهد ترامب، كانت سياسة البيت الأبيض مناهضة للغاية لإيران، ومؤيدة للسعودية". 

وأكمل: "لكن مع مجيء الديمقراطيين بقيادة بايدن، شهدت أجندة الولايات المتحدة الخاصة بالشرق الأوسط في منطقة الخليج العربي تغييرات كبيرة". 

وعلقت الصحيفة: "لم يكن ذلك مفاجئا بالنسبة للقيادة السعودية، حيث أدركت أن السياسة المقبلة لن تكون كسابقتها في عهد ترامب".

وأتبعت: "لذلك، حاولت السعودية حل النزاعات مع الدول المجاورة في المنطقة، مثل قطر وتركيا، وبدأت كذلك في توثيق اتصالاتها وعلاقاتها مع إيران".

وبحسب المستشرق أونتيكوف، فإن الاتصالات بين الرياض وطهران مستمرة، ومن المرجح أن تؤدي إلى حوار بناء بين البلدين، رغم كل التناقضات الدينية والمشاكل المعقدة بينهما.

ولأنها تلعب دورا مهما في اليمن، يرى أونتيكوف أنه "من المفيد للسعوديين تحسين العلاقات مع إيران".

ولفت إلى أن "الوضع يسير على ما يرام بالنسبة للسعودية".

لكن أونتيكوف أوضح أنه "في الوقت الذي تتفاوض فيه الرياض مع طهران، يتزايد خطر حصول إيران على أسلحة نووية". 

وقال: "إذا رأينا نظريا أن إيران تمكنت من صنع قنبلة نووية، فهذا يضع السعودية في موقف صعب للغاية، مما قد يضطرها إلى محاولة امتلاك أسلحتها النووية الخاصة".

وأضاف أونتيكوف: "من حيث المبدأ، يمكن للسعوديين القيام بذلك، فهم يناقشون ذلك بشكل دوري".

وفي هذا الإطار، في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2021، اتهمت المخابرات الأميركية -نقلا عن صور الأقمار الصناعية- السعودية بتطوير صواريخها الباليستية بمساعدة الصين. 

وبحسب الولايات المتحدة، أُجريت تجارب إطلاق صواريخ في منشأة قرب محافظة الدوادمي السعودية.

ويعد الخبراء أن هذا الدليل هو الأول والقاطع على أن المملكة أنتجت صواريخ باليستية. 

وينوه المستشرق إلى أنه "بدلا من إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية، نحصل على منطقة مليئة بها".

وتمتلك إسرائيل أسلحة نووية بالفعل، وتقترب إيران من إنشائها، ومن المحتمل أن تحصل السعودية عليها، وفق قوله. 

ونظرا لمستوى التوتر بين إسرائيل وإيران، وبين طهران والرياض، فإن الوضع قابل للانفجار في أي لحظة، كما يعتقد أونتيكوف. 

وحسب المستشرق، يدرك السعوديون أن أي تصعيد مع إيران يهدد أمنهم، لذلك من الأفضل التوصل إلى اتفاقات معها.

ويتساءل أونتيكوف: "هل ستغير السعودية مسارها في حال عودة ترامب أو أي سياسي مثله إلى السلطة في الولايات المتحدة؟".

تحقيق الهدف

وأرجع الباحث في شؤون الشرق الأوسط، فاسيلي أوستانين-غولوفنيا، دعوة السعودية لعودة المفاوضات مع إيران إلى تصريحات إسرائيل، والتي طالبت المجتمع الدولي بمنع طهران من تنفيذ برنامجها النووي.

ووفقا له: "رغم تعارض المملكة السنية مع الجمهورية الشيعية، ورغم أيضا الصراعات القائمة في المنطقة، لا سيما في اليمن ولبنان وسوريا، إلا أن الخليج العربي هو الرابط الجغرافي بين تلك الدول المتناحرة".

وفي السياق، قال الباحث السياسي: "إذا قُبلت المقترحات الإسرائيلية حول الحلول الجذرية لأزمة إيران النووية، فسيؤدي ذلك إلى شل منطقة الخليج الفارسي، وهو ما يشكل خطورة على كل من السعودية وإيران".

وتابع: "ولأن الرياض مدركة لهذا تماما، على عكس إسرائيل، اقترحت حل المشكلة الإيرانية بطريقة جذرية، ولكن تبعا لوسائل دبلوماسية". 

ووفقا لأوستانين-غولوفنيا فإن "العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية تدهورت في السنوات القليلة الماضية، بشكل واضح، رغم كون الرياض الشريك الإستراتيجي الرئيس لواشنطن خارج الناتو".

وأضاف "لأن السعودية تسعى جاهدة لتأكيد سيادتها في الخليج العربي بشكل خاص، والشرق الأوسط بشكل عام، يسبب الوجود الدائم للولايات المتحدة ومحاولات تدخلها استياء الرياض".

وخلص الباحث إلى أن "الرياض مستفيدة من الاضطراب في النظام العالمي، حيث اتخذتها فرصة لتحقيق أهدافها على المدى القريب والبعيد ​​في المنطقة".