حرب متعددة الجبهات.. سيناريوهات التصعيد بين المقاومة والاحتلال بعد مجزة نابلس

القدس المحتلة – الاستقلال | a year ago

12

طباعة

مشاركة

يدٌ تحمل نعش ابنها والأخرى تحمل بندقية، هكذا بدت والدة الشهيد منتصر الشوا في جنازة ابنها صاحب الـ16 عاما، الذي قتله الاحتلال في 20 فبراير/ شباط، 2023 في مخيم بلاطة شرقي مدينة نابلس.

تلت هذه الجريمة مجزرة كبيرة في البلدة القديمة بمدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، صباح 22 فبراير، إثر اقتحام ضخم من قبل الاحتلال لمحاصرة أعضاء بمجموعة عرين الأسود المقاومة، ما تسبب بارتقاء 11 شهيدا وإصابة العشرات.

وانتهى الاقتحام باغتيال قائد سرايا القدس في محافظة نابلس محمد أبو بكر، رفقة المقاوم في عرين الأسود الشهيد حسام سليم، وارتقى عدد من المارة برصاص الاحتلال، بينهم مسن بعمر 72 عاما.

"عملية واسعة"

وبات هذا المشهد يوميا في شوارع الضفة الغربية، التي تتعرض لحملة أمنية إسرائيلية دموية، اشتدت وتيرتها عقب تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير نهاية عام 2022. 

وتجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين منذ بداية العام، 60 شهيدا برصاص واعتداءات جيش الاحتلال والمستوطنين؛ بينهم 12 طفلا وسيدة مسنة وأسيرا استشهدوا في سجون الاحتلال.

لكن لم تبق العمليات الإجرامية للاحتلال دون رد، حيث قُتل 10 مستوطنين في عمليتين للمقاومة الفلسطينية في أحياء استيطانية في مدينة القدس، نفذها مقدسيون.

العملية الأولى للشهيد خيري علقم في مستوطنة "النبي يعقوب" قرب بيت حنينا، وأسفرت عن مقتل 7 مستوطنين في 27 يناير/ كانون الثاني 2023.

والثانية عملية للشهيد حسين قراقع في حي راموت الاستيطاني، وأسفرت عن مقتل 3 مستوطنين في 10  فبراير 2023.

وتلتها العشرات من عمليات إطلاق النار في جنين ونابلس والخليل ورام الله، وعدة عمليات دهس وطعن في القدس والضفة الغربية.

وأتت سلسلة العمليات مباشرة بعد مجزرتين إسرائيليتين في الضفة المحتلة، أسفرتا عن استشهاد 15 فلسطينيا، عشرة منهم في مخيم جنين، وخمسة مخيم عقبة جبر في مدينة أريحا.

بالمقابل، هدد نتنياهو، لدى افتتاح اجتماع حكومته الأسبوعي في 12 فبراير  2023، بشن "عملية عسكرية واسعة في القدس والضفة الغربية"، زاعما أن من شأنها وقف العمليات المسلحة.

وقال نتنياهو إن المجلس الوزاري  المصغر (الكابينيت) "اجتمع من أجل الاستعداد لعملية أوسع ضد منفذي الإرهاب وداعميه في شرقي القدس والضفة".

وأضاف أن "الحكومة ستخول اليوم الكابينيت بتعزيز الاستيطان في بلادنا، الذي يحاول المخربون اقتلاعه".

وعقب نتنياهو على عملية الدهس في مستوطنة "راموت" في القدس المحتلة، ويرى أن "الرد المناسب على الإرهاب هو بضربه بقوة وتعميق جذورنا في بلادنا أكثر".

أما وزير الأمن القومي الإسرائيلي، المتطرف إيتمار بن غفير، فقد أوعز الشرطة بالاستعداد لبدء عملية "السور الواقي 2" ضد الفلسطينيين في القدس المحتلة.

وأعلن فرض حصار على بلدة العيساوية في القدس، وتفتيش سيارات الخارجين منها لأسباب قانونية وأمنية.

وفي عملية السور الواقي الأولى هاجمت إسرائيل مدن السلطة الفلسطينية للقضاء نهائيا على الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وانطلقت العملية في 29 مارس/ آذار 2002 وانتهت في 10 مايو/ أيار 2002، وحشدت لها إسرائيل نحو 30 ألف جندي.

دم مقابل دم

وفي قراءته للمشهد، قال المختص في الشأن الإسرائيلي الدكتور حاتم أبو زايدة لـ"الاستقلال" إن هذه الموجة من العمليات نتاج طبيعي لطابع العلاقة بين الشعب الفلسطيني والاحتلال، أما الزيادة في منحى العمل المقاوم فهو ما تجنيه إسرائيل من الإيغال في الدماء.

وأضاف: "حكومة نتنياهو جاءت ببرنامج يهدف لتصفية القضية الفلسطينية، ومن ضمنها تصفية المقاومة لهذا نجد أن هذه الحكومة بالذات مع تولي إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي تتجه خيارات أكثر حسما وإجراما في هذا الجانب، ولكن ما ثبت أن هذه السياسة تؤدي لتأجيج المقاومة وليس تصفيتها".

واستدل أبو زايدة على فشل سياسة الحكومة الجديدة باستمرار العمليات بدرجة تصاعدية وأكثر تقانا وتكلفة للاحتلال منذ استلام حكومة نتنياهو زمام الأمور، وبدء تطبيق فلسفة بن غفير الأمنية والقمعية.

وأوضح أن تعليمات بن غفير الاستعداد لعملية السور الواقي في القدس قد تكون أشد العمليات الأمنية والعسكرية على المدينة المقدسة، وقد ينفذها بن غفير تحت ذرائع تأمين المستوطنين وفي الواقع يكون الهدف منها الانتقام وارتكاب مجازر وحتى تهجير الفلسطينيين من عاصمتهم.

وتابع أبو زايدة: "الصلاحيات بيد بن غفير شبه مطلقة، ولديه السلطة الكافية لاستخدام كل الأساليب الدموية ضد الفلسطينيين، وخصوصا أنه يعلم أن هذه الطريقة الأكثر إرضاء للشارع الصهيوني.

ومضى يقول: "من الواضح أن هناك جملة من الخطوات التي تقدم عليها الحكومة الإسرائيلية من ضمنها الإجراءات في القدس، كهدم المنازل والاعتقالات العمياء على ذمة الاعتقال الإداري، وزيادة الضرائب ومصادرة الأراضي".

وأوضح أن نتنياهو أعلن بصريح العبارة أن الرد على العمليات سيكون من ضمنه زيادة الاستيطان، ومباشرة عقب عملية الدهس أعلن عن 9000 وحدة سكنية جديد في قلب الضفة المحتلة، مع تشريع 9 بؤر استيطانية وضمها رسميا لدولة الاحتلال.

وأكد المحلل الفلسطيني أنه من ضمن مشاريع الحكومة إحكام السيطرة على المسجد الأقصى، وزيادة أعداد الاقتحامات، وترسيخ التقسيم الزماني والمكاني في الحرم القدسي، وما هو مسموح اليوم داخله لم يكن يحدث قبل عدة سنوات.

وشدد على أن اشتعال الأوضاع في القدس، وخصوصا مع ما يحاك للمسجد الأقصى وبجانب الهجمة الشرسة على الأسرى وكذلك الحملات الدموية في الضفة الغربية، من المرجح أن يدخل المقاومة في غزة هذه المعركة بكامل قوتها، وقد نشهد حربا كبيرة متعددة الجبهات.

سيناريوهات التصعيد

وتنفذ قوات الاحتلال حملات اقتحام يومية لمحافظات الضفة الغربية وهو الأمر الذي بات أكثر كثافة ودموية بعد سلسلة العمليات الفلسطينية، ويقابل المقاومون القوات الإسرائيلية بالاشتباكات المسلحة، خصوصا في نابلس ومخيم جنين.

ومع وصول حكومة نتنياهو، شهد العمل المقاومة في الضفة الغربية ارتفاعا كبيرا، بالتوازي مع ما ينفذه جيش الاحتلال من عمليات اغتيال وقتل واعتقال.

ورصد مركز المعلومات الفلسطيني “معطى”، (1448) عملا مقاوما خلال يناير / كانون الثاني 2023، ، أدت لمقتل (7) إسرائيليين، وإصابة (48) آخرين، فيما استشهد (35) فلسطينيا بنيران الاحتلال ومستوطنيه.

وتنبئ هذه الزيادة في الجرائم الإسرائيلية وما يقابلها من رد فلسطيني مقاوم، بتصعيد كبير في الضفة الغربية والقدس وقد يمتد لمناطق فلسطينية أخرى، حسب مراقبين.

بدوره، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور فايز أبوشمالة لـ"الاستقلال"، إن إسرائيل تمر بمرحلة أمنية حرجة وخطيرة، في ظل تنامي المقاومة في الضفة الغربية والقدس والتقديرات بموجات من العمليات الفردية، وخشيتها من تفجير الوضع مع غزة.

وأضاف: "تلقت إسرائيل ردا قاسيا على جرائمها الدموية في الضفة الغربية، وهذا الرد جعلها تعيد التفكير كثيرا في أسلوب تعاملها مع الفلسطينيين، وحتى بعد التهديدات بعمليات كبرى لازال الاعتقاد السائد لدى الاحتلال أن الدم الفلسطيني سيقابله دم لمستوطنين".

واستبعد الخبير قيام الاحتلال بتنفيذ عملية  في الضفة الغربية بحجم عدوان "السور الواقي" الذي حصل عام 2002، خصوصا أن مثل هذه العملية ستؤدي لانهيار السلطة التي تعتبر خط الدفاع الأول لإسرائيل في الضفة، حسب وصفه.

وتابع: "لدى إسرائيل عمليات اقتحام واغتيال نشطة في الضفة الغربية، وهي تحاول منذ عامين الاستعاضة بها عن العمليات الكبيرة، وتركزت هذه العمليات في جنين ونابلس مع تصاعد تشكيلات مسلحة ككتيبة جنين وعرين الأسود".

ولفت أبو شمالة إلى أن الاحتلال يراهن على تحركات الإدارة الأمريكية بقيادة وزير الخارجية بلينكين لخفض التصعيد، ومنع انفجار فلسطيني في وجه الاحتلال، حيث حاولت أمريكا إعادة ترميم العلاقة بين السلطة وإسرائيل وبالتحديد في جانب إعادة تنشيط التنسيق الأمني.

وشدد على أن إسرائيل تدرك أن السلطة الفلسطينية هي الأقدر على وقف العمل المقاوم المنطلق من الضفة الغربية، لهذا طلبت من أمريكا وحتى المخابرات البريطانية التدخل لترميم الأمور مع عباس وحثه على العمل لمنع ما يخشاه الاحتلال.

ومضى يقول: "المؤشرات تدل أننا نتجه نحو التصعيد، والمقاومة اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه في السنوات الماضية، وكل ما يقوم به الاحتلال من جرائم يدفع لمزيد من التصعيدات وهو ما لا يمكن أن يتنبأ أحد بنهايتها ومدى اتساعها".

وأكد أنه "ستكون الضفة والقدس والداخل المحتل وقطاع غزة، وربما المخيمات الفلسطينية في جنوب لبنان أطرافا في مواجهة كبرى لو حصلت، الاحتلال يخشى هذا السيناريو ويسعى بكل قوة لتجنبه".

انتفاضة قريبة

ومع زيادة العمل المقاوم في الضفة، تشير التقديرات الإسرائيلية بشأن تحرك المقاومة الفلسطينية لإطلاق انتفاضة جديدة في رمضان المقبل بمشاركة فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948، باعتبارهم نقطة الضعف لدولة الاحتلال، على غرار ما حصل في مايو 2021.

وترتفع فرص دخول المقاومة في غزة ضمن المعركة، حيث صرح قال الناطق العسكري باسم كتائب القسام ابو عبيدة، عقب عملية الاغتيال في نابلس، 22 فبراير 2023، أن "المقاومة في غزة تراقب جرائم العدو المتصاعدة تجاه أهلنا في الضفة المحتلة وصبرها آخذ بالنفاد".

وفي صباح اليوم التالي، تبادلت إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة عمليات قصف غداة مجزرة نابلس.

وشهد شهر يناير 2023، إطلاق 30 صاروخا من قطاع غزة، بجانب ارتفاع وتيرة عمليات تجارب إطلاق الصواريخ تجاه البحر، وهو ما يراه الاحتلال تمهيدا لتصعيد أمني كبير قبل شهر رمضان.

إسرائيليا، قال يوني بن مناحيم الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، أن إستراتيجية قوى المقاومة تتمثل في دفع المقدسيين وفلسطينيي الضفة الغربية ومناطق 48 لانتفاضة مسلحة قريبة، وبالتالي فسيكون لهم دور في المقاومة المسلحة.

 وأضاف في مقال نشره موقع زمن إسرائيل: "ما سيدفع بقوات أمن الاحتلال لمزيد من الانتشار في التجمعات العربية والمدن في الداخل المحتل، فيما تخطط حماس لحملة متعددة المجالات ضد الاحتلال، يلعب فيها فلسطينيو 48 دورا مهما".

وأوضح أن "سياسة حماس تتمثل في مشاركة الشعب الفلسطيني بأكمله في الحرب القادمة ضد الاحتلال، مع التركيز على القدس المحتلة، والمسجد الأقصى الذي يجب أن يعيد إشعال النار بين فلسطينيي 48، حتى لو ترددوا بالمشاركة".