الزلزال وتأثيره على الانتخابات.. هل يستطيع أردوغان تحويل المحنة إلى منحة؟ 

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أكد مركز دراسات إيطالي أن الزلزال الذي ضرب جنوب شرقي تركيا في 6 فبراير/ شباط 2023، زاد من تعقيد رقعة شطرنج السياسة الداخلية في البلاد التي كانت تقف على أبواب انتخابات رئاسية وبرلمانية مصيرية في مايو/ أيار من العام نفسه.

ورأى مركز الدراسات الدولية أن إدارة مرحلة ما بعد الزلزال في تركيا ستحدد اسم الفائز بالانتخابات سواء بالنسبة للرئيس رجب طيب أردوغان أو للمعارضة التي لم تتفق على مرشح بعد، ويتقدمها رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو.

فترة صعبة

وقال المركز الإيطالي، إنه لا يُستبعد أن يمدد الرئيس أردوغان حالة الطوارئ، التي أُعلن عنها عقب الكارثة للاستجابة للأزمة التي خلفها الزلزال ما يطرح احتمال تأجيل الانتخابات إلى موعد لاحق.

وذكر أن أنقرة تولت منذ  اللحظات الأولى عقب وقوع الزلزال، مسؤولية الطوارئ على المستوى الوطني وحشدت فرق الإنقاذ وفي الوقت نفسه، رحب أردوغان بالمساعدات الدولية التي وعدت بها أكثر من 50 دولة. 

ولفت إلى أن "استجابة الحكومة التركية، تعرضت لانتقادات كثيرة داخليا بسبب البطء في عمليات الإغاثة وبشأن الاستجابات السياسية في الوقاية من الكوارث وتطوير خدمات الطوارئ الكافية التي يجب اعتمادها في مثل هذه الحالات". 

على ضوء هذه العناصر، يستنتج المركز أن الكارثة قد يكون لها تأثير حاسم في الانتخابات القادمة والمنتظر أن تعقد عدة عوامل بدلا من تسهيل، استقرار حزب العدالة والتنمية  الحاكم في الأشهر المقبلة. 

وبالنظر إلى ما أدى إليه الزلزال الذي ضرب البلاد في عام 1999، يتوقع المركز أن تكون هناك العديد من الاستفسارات حول "مسؤولية" ما حدث  بالنظر إلى قوانين البناء ومعايير السلامة.

وأشار إلى أنه على الرغم من أن تركيا صادقت على تشريعات مكافحة الزلازل في عام 2018، إلى أنه "تم منح العديد من العقود العامة في البلاد لشركات يديرها شخصيات مقربة من الرئيس غالبا ما تتهم بالتورط في الفساد والمحسوبية". 

عنصر من شأنه، بحسب المركز، أن "يعرض مصداقية أردوغان للخطر ويمكن، على العكس من ذلك، أن يصب في مصلحة المعارضة، خاصة كمال كيليتشدار أوغلو، زعيم حزب المعارضة الرئيس، حزب الشعب الجمهوري  والمنتقد منذ فترة طويلة لفساد نظام المشتريات العمومي."

وأشار المركز إلى أن تركيا تواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ وصول أردوغان وحزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002".

مع تضخم سنوي تجاوز 84 بالمئة، وانخفاض قيمة الليرة بنسبة 30 بالمئة مقابل الدولار، بالإضافة إلى عجز يصل إلى ما يقرب من 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. 

وهو ما أدى بالتزامن مع ارتفاع أسعار الطاقة والضروريات الأساسية بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إلى إضعاف شعبية الرئيس وتراجع نسبة تأييد أداء حزبه، التي انخفضت إلى 31 بالمئة بعد أن كانت في حدود 42.56 بالمئة في 2018.

 بينما ظل حازما في موقفه المثير للجدل بشأن خفض أسعار الفائدة لمكافحة التضخم بدل من رفعها، ركز أردوغان في الأشهر الأخيرة، على الإنفاق لمحاولة تنشيط الاقتصاد ووعد بزيادة رواتب موظفي القطاع العام، ورفع المعاشات التقاعدية وزيادة دعم الطاقة، يشير المركز. 

يضاف إلى ذلك زيادة الحد الأدنى للأجور في يناير بنسبة تصل إلى 55 بالمئة مقارنةً بشهر يوليو 2022 ليصل إلى 8500 ليرة تركية (حوالي 425 يورو)، ووعد كذلك ببناء نصف مليون منزل للأسر ذات الدخل المنخفض. 

استمرارا لسياسة "الرفاهية" الداخلية، أكد المركز ضرورة النظر إلى بعض القرارات السياسية الدولية، مثل الإرادة الإستراتيجية للسعي إلى انفراج جديد في العلاقات مع دول الخليج  وعلى رأسها الإمارات والسعودية وذلك لإبرام اتفاقيات تجارية واقتصادية جديدة. 

اختبار حاسم

كان لهذه الخيارات، وفق المركز الإيطالي، "إلى جانب دور الوساطة الذي اضطلعت به تركيا في الصراع الروسي الأوكراني، الآثار الإيجابية الأولى على أردوغان داخليا لكنها قد لا تكون كافية في فترة ما بعد الزلزال". 

ربما شجع تقارب أنقرة مع دول الخليج على التدخل لمساعدة ضحايا الزلزال التركي من خلال التدخلات الطارئة المختلفة، لكن هذه المساعدة بالكاد يمكن أن تخفف من الآثار الهائلة للزلزال، على حد تقديره. 

وعدت السعودية والإمارات والكويت على غرار جزء كبير من المجتمع الدولي، بحزمة كبيرة من الأموال لكل من تركيا وسوريا، بالإضافة إلى إنشاء الجسور الجوية والمستشفيات الميدانية وإمدادات الإغاثة العاجلة ونشر فرق البحث والإنقاذ. 

ومع ذلك، يرى المركز الإيطالي أن هذا "لا يحد من الصعوبات والإشكاليات الهيكلية في توفير الإغاثة على المدى القصير، نظرا لتعقيد الوصول إلى المواقع التي ضربها الزلزال المعزولة بشكل أكبر بسبب انهيار الطرق، كما أنها غير كافية كذلك على المدى الطويل".

وتابع بأن "مخلفات الزلزال يمكن أن تؤدي إلى زيادة الاستياء الشعبي الناجم عن المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، مع احتمال تفاقم مسائل اجتماعية شائكة أخرى، وفي مقدمتها مسألة اللاجئين السوريين". 

وأوضح أن "العداء المتزايد للرأي العام تجاه وجود قرابة 4 ملايين لاجئ سوري مقيم في تركيا كان قد دفع الرئيس إلى الإعلان في مارس 2022، عن خطة شاملة للعودة الطوعية ل1.5 مليون لاجئ سوري إلى مناطق شمال سوريا على مدى 15-20 شهرا وعلى ثماني مراحل". 

إلا أن الزلزال دمر جزءا كبيرا من الأراضي السورية المتضمنة في خطة أردوغان مما يجعل تنفيذها في وقت قصير صعبا للغاية إن لم يكن مستحيلا، يشرح المركز الإيطالي. 

ويضيف: "دون إغفال حقيقة أنه قد يكون من الصعب الآن على الحكومة التركية تبرير أي تحويل للأموال إلى شمال سوريا، وكذلك الاستمرار في نوايا شن عملية عسكرية جديدة على أثر هجوم إسطنبول في نوفمبر الماضي في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا التي يسيطر عليها الأكراد".

وعد المركز  ذلك بأنه "عنصر آخر بدا أنه قادر على مساعدة أردوغان في استعادة الإجماع الداخلي".

وبالتالي، يستنتج أن "تداعيات الزلزال ستجعل المناخ السياسي التركي قبل الانتخابات أكثر تعقيدا، مما يزيد من تعقيد موقف أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه على رقعة الشطرنج الداخلية". 

ويؤكد "لذلك إدارة ما بعد الزلزال ستكون حاسمة بالنسبة للرئيس فيما يتعلق بمستقبله السياسي المهتز بالفعل بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد". 

وقال إن "الأيام المقبلة ستكشف إلى أي مدى سيكون أردوغان قادرا على تحويل المحن لصالحه ومدى  قدرة القيادة والسلطة التي يتمتع بها في إظهار قوته السياسية للأتراك".