"يلعب دور الضحية".. كيف يخطط الأسد لاستغلال الزلزال في فك عزلة النظام السوري؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أكد موقع "ميدل إيست آي" البريطاني أن رئيس النظام السوري يستغل الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا في فك العزلة المفروضة على نظامه، وتحريك عملية التطبيع معه إقليميا ودوليا.

وأورد الموقع في نسخته الفرنسية، العديد من الاتصالات التي تلقاها الأسد من رؤساء وقادة دول حول العالم، منهم من اتصل به للمرة الأولى منذ الثورة السورية عام 2011.

ملف شائك

وأوضح الموقع أن أصوات غربية عدة ارتفعت أخيرا من أجل تعليق العقوبات المفروضة على سوريا، وكان من بين هذه الأصوات جمعية "سانت إيجيديو الكاثوليكية" التي تتخذ من روما مقرا لها. 

وفي 7 فبراير/ شباط 2023، ذكرت صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان يُفكّر جدّيا قبل وقوع الزلزال بإعادة العلاقات مع الأسد.

ومنذ الزلزال المميت الذي ضرب تركيا وسوريا، في 6 فبراير/ شباط 2023، أكد العديد من المحللين أن الرئيس السوري "قد يستغل المأساة للخروج من عزلته الدبلوماسية".

وأشار الموقع إلى أن الأسد يسيطر على معظم الأراضي السورية – بدعم إيراني وروسي- باستثناء بعض المناطق في الشمال، والتي تسيطر المعارضة على جزء منها، ويعيش فيها 4.8 ملايين نسمة.

ويجرى إرسال جميع المساعدات الإنسانية إلى سوريا من تركيا عبر معبر "باب الهوى"، وهو المعبر الوحيد الذي يضمنه قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

لكن الزلزال الأخير ألحق أضرارا بالطرق وأعاق تسليم المعونات الإنسانية للمتضررين من السوريين. 

وفي الوقت ذاته، فإن إيصال المساعدات من جهة الأراضي السورية التي تسيطر عليها دمشق يعد أمرا شائكا من الناحية الدبلوماسية، وفق الموقع.

وبعد وقوع الزلزال، طالب نظام الأسد -الخاضع للعقوبات الدولية منذ بدء الحرب في سوريا عام 2011- المجتمع الدولي بتقديم المساعدات، مع استمرار تزايد حصيلة ضحايا الزلزال.

وبالتالي، فإن إرسال المساعدات للشعب السوري عبر السلطات التابعة لنظام الأسد يعد أمرا معقدا، بحسب "ميدل إيست آي".

من جانبها، صرحت وزيرة الخارجية الفرنسية لورنس بوون، في 7 فبراير، بأن "فرنسا تفضل تقديم مساعداتها لسوريا عبر المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة".

وبدوره، يرى رئيس برنامج سوريا في مؤسسة أطباء بلا حدود، مارك شكال، أن "سوريا لا تزال منطقة رمادية من الناحية القانونية والدبلوماسية"، داعيا إلى إرسال المساعدات "في أقرب وقت ممكن".

كما أوضح رافائيل بيتي، الطبيب في منظمة مهاد الفرنسية غير الحكومية، أن تقديم المساعدات لإدلب اليوم هو أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، باعتبار أن وضع السكان كان في الأساس مأساويا" قبل الزلزال.

ووفق الباحث في معهد "نيولاينز" نيك هيراس، فإن "المأساة المروعة التي عصفت بسوريا وتركيا هي فرصة واضحة للأسد من أجل محاولة دفع عملية تطبيع نظامه مع بقية العالم العربي، والتي إن كانت تسير ببطء، لكنها تتقدم". 

وأضاف: "حتى لو كانت هذه الأزمة الإنسانية لن تبرئ نظامه في أعين الدول الغربية، فإن هناك عدة إشارات تشير إلى أن التقارب لم يعد مستحيلا كما كان من قبل".

ويرى هيراس أن المساعدات الإنسانية يمكن أن تمهد الطريق لفتح قنوات دبلوماسية دائمة مع نظام الأسد.

تطبيع عربي

وبعد ساعات قليلة من وقوع الزلزال، تلقى الأسد اتصالا هاتفيا من رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، حيث قدم تعازيه، وهو أول اتصال بينهما على الإطلاق.

الإمارات أيضا - التي سعت في السنوات الأخيرة لإعادة دمشق إلى الحظيرة العربية، وأعادت فتح سفارتها في دمشق عام 2018 واستضافت الأسد عام 2022، تعهدت  بتقديم مساعدات لا تقل عن 50 مليون دولار، وأرسلت طائرات محملة بالمساعدات الإنسانية.

كما اتصل ملك البحرين حمد بن عيسى، بالأسد، وهو  أول اتصال رسمي بين الرجلين منذ أكثر من عشر سنوات.

كذلك أرسل لبنان وفدا إلى دمشق، في 8 فبراير، وكانت تلك أول زيارة رسمية رفيعة المستوى منذ بدء الصراع.

وتعهدت السعودية، التي قطعت العلاقات مع دمشق في 2012، ودعمت المعارضة في وقت مبكر من الصراع، بتقديم مساعدات بما في ذلك للمناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

وكشف مصدر في "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية" لوكالة فرانس برس أنه سيتم إرسال المساعدات مباشرة إلى مطار حلب الدولي الخاضع لسيطرة قوات الأسد، وكذلك إلى الهلال الأحمر السوري في العاصمة.

لكن أكد المصدر في الوقت نفسه عدم وجود قنوات تواصل مباشرة مع حكومة الأسد.

وحسب "لو فيغارو" الفرنسية، فإن "ماكرون يعتقد أن هناك توافقا لإعادة تأهيل الأسد بقيادة الحلفاء العرب لفرنسا، وربما قريبا بمُشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان".

ومنذ عام 2018، تضغط بعض الدول العربية من أجل تطبيع العلاقات مع بشار الأسد، لا سيما عبر إعادة إدماج نظامه في جامعة الدول العربية.

فقد ظل مقعد سوريا فارغا منذ التعليق المؤقت لعضويتها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، بعد أن صوتت 18 دولة من أصل 22 دولة في الجامعة لصالح هذا الاستبعاد.

وفي عام 2018، أكد  النائب العراقي جاسم محمد جعفر، أن "العراق ومصر والجزائر وتونس يدعمون وبقوة عودة سوريا إلى وضعها الطبيعي وإعادة عضويتها في الجامعة العربية".

وأضاف أن "تلك الدول لا يهمها بقاء بشار الأسد من عدمه"، حيث إن استقرار سوريا يصب في صالح الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وفق زعمه.

وفي عام 2021، أعيد فتح الحدود بين الأردن وسوريا بالكامل أمام التجارة، واستؤنفت الرحلات الجوية بين العواصم، وكذلك التعاون الأمني والمائي.

وفي عام 2022، أعادت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) - التي تحكم قطاع غزة- العلاقات مع حكومة دمشق بعد أكثر من عقد من القطيعة.

وفي المقابل، تعارض الرياض والدوحة عودة الأسد للجامعة العربية، وتتهمانه بعدم فعل أي شيء يقبله المجتمع العربي مرة أخرى، بينما لم تفرض أبو ظبي أي شرط لإعادة دمج سوريا في الجامعة العربية.

لكن اشترطت القاهرة هذه العودة بقدرة دمشق على إظهار قدرتها على إدارة تداعيات السنوات العشر من الصراع في البلاد، لا سيما "البعد الإنساني وكذلك مشكلة اللاجئين".

الذوبان المعجل

من جانبه، حذر باحث بمركز القرن الدولي للأبحاث والسياسات، آرون لوند، من أن أزمة الزلزال قد تسهل الاتصالات الثنائية بين دمشق والدول المترددة في خوض عملية التطبيع، لكنه أكد أن الأسد "سيحاول اغتنام الفرصة الحالية".

ووفق لوند، يمكن أن يؤدي الزلزال إلى تسريع ذوبان الجليد في العلاقات المستمرة منذ بضعة أشهر بين دمشق وأنقرة، التي تدعم الثوار في شمال غرب البلاد.

وأضاف أن "البلدين لديهما الآن مشكلة مشتركة تتجاوز الحدود والخلافات السياسية"، في إشارة إلى الزلزال الذي وقع بالقرب من الحدود في كلتا الدولتين.

ومن جانب نظام الأسد، فهو مستعد "للعمل مع من يريد مساعدة السوريين"، حسبما أعلن السفير السوري لدى الأمم المتحدة، بسام الصباغ.

كما أعلن وزير خارجية النظام فيصل المقداد، أن دمشق مستعدة لـ"تسهيل" وصول المساعدات من المنظمات الدولية.

كذلك، صرح مفوض الاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمات، يانيز لينارتشيتش، بأن سوريا طلبت مساعدات إغاثة من الاتحاد الأوروبي، وشجع دول الاتحاد على تقديم المساعدة، مع التأكيد على أهمية ضمان وصول المساعدات لمستحقيها.

أما الولايات المتحدة فقد أشارت إلى أنها تعمل مع منظمات غير حكومية محلية في سوريا لمساعدة الضحايا، رافضة أي اتصال بدمشق.

إذ شدد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، على أن "الأموال ستذهب بالطبع إلى الشعب السوري، وليس للنظام".

في هذا السياق، أراد الصباغ أن يؤكد أن المساعدات ستذهب "إلى جميع السوريين في جميع أنحاء البلاد، بشرط واحد، وهو أن ترسل من داخل سوريا تحت سيطرة دمشق".

وعلقت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، قائلة: "يجب على جميع الأطراف الدولية، بما في ذلك روسيا، استخدام نفوذها على النظام السوري حتى تصل المساعدات الإنسانية للضحايا".

وفي معرض ردها على سؤال حول مطالبة دمشق للمساعدة من الاتحاد الأوروبي، ردت المتحدثة باسم الخارجية الألمانية، أندريا ساسي، بأن "برلين مستعدة للمساعدة، لكنها ستحافظ على الاتصالات مع النظام السوري في الحد الأدنى".

وختم ميدل إيست آي تقريره بالقول إنه بالنسبة للعديد من الخبراء، فإن التطبيع مع نظام الأسد جار بالفعل.

كما نقلت عن رئيس معهد المستقبل والأمن، إيمانويل دوبوي، قوله إن "دمشق من جهتها يمكن أن تطالب بالعودة إلى جامعة الدول العربية بصفتها ضحية لهذا الزلزال".