"الأهم منذ 20 عاما".. ما مكاسب ليبيا وإيطاليا من صفقة الغاز الجديدة؟

قسم الترجمة | a year ago

12

طباعة

مشاركة

رأت وكالة الأناضول التركية أن اتفاقية الغاز الأخيرة بين ليبيا وإيطاليا لن تزيد من قدرة طرابلس التصديرية فحسب، بل تمكن أيضا حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة من تحقيق أهداف سياسية مختلفة، وإن كان ذلك ببعض التكلفة.

وفي 28 يناير/ كانون الثاني 2023، وقعت الحكومتان الليبية والإيطالية، صفقة للغاز بقيمة 8 مليارات دولار، في "أكبر استثمار بقطاع الطاقة الليبي منذ أكثر من عقدين".

جاء ذلك خلال زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، للعاصمة الليبية طرابلس، في ذات اليوم، حيث أجرت محادثات مع الدبيبة، بشأن عدة مواضيع على رأسها ملفا الطاقة والهجرة اللذان يعدان من أهم القضايا لإيطاليا والاتحاد الأوروبي.

اتفاق كبير

ويتضمن الاتفاق المُوَقَّع بين المؤسسة الوطنية الليبية للنفط وشركة الغاز الإيطالية "إيني"، تطوير حقول باحتياطي إجمالي للغاز يقدر بنحو 6 تريليونات متر مكعب. 

وتهدف الاتفاقية إلى زيادة الإنتاج في هذه المواقع إلى 750 مليون قدم مكعبة يوميا بدءا من عام 2026 وتخصيص ثلث الإنتاج لإيطاليا للتصدير.

وذكرت وكالة الأناضول أنَّه وعلى الرغم من اكتشاف الحَقلَين الخاضعين للاتفاق من قبل، فإنَّ هذا الاتفاق يُعَدُّ أهم اتفاق منذ 20 عاما.

ولذلك جرى تحديث الاتفاق الذي توصل إليه بين الطرفين في عام 2008 بشأن تطوير الحقلين وزيادة حصة إيني من الشركاء الأجانب من 30 إلى 37 بالمئة.

من جهته، أعلن رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة أن الاتفاقية "ستتيح استثمار 8 مليار دولار لمدة 3 سنوات" مؤكداً أنها شراكة "لم يرها قطاع النفط منذ 25 سنة".

وقال الكاتبان التركيان "حليمة أفرا أكسوي" و"مصطفى ضالا" إن ما يجعل هذا الاتفاق مهما أنه يأتي بعد فشل الحكومات المتعاقبة، بما في ذلك عهد معمر القذافي، في جعل ليبيا جذابة لشركات الطاقة العالمية.

وفي الوقت نفسه، تتصاعد الأصوات الناقدة للصفقة، أحدها انتقاد وزير النفط محمد عون من داخل حكومة الوحدة الوطنية مضمونَ الاتفاق. وقال إن مؤسسة النفط الليبية لم تتشاور مع وزارته، وفقاً الوكالة التركية.

وتمرّ ليبيا بأزمة سياسية تتمثّل في وجود حكومتين، الأولى برئاسة فتحي باشاغا كلّفها مجلس النواب، والثانية معترَف بها من الأمم المتحدة هي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض التسليم إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.

ولحلّ ذلك ترعى الأمم المتحدة مفاوضات بين مجلسَي النواب والدولة للتوافق على قاعدة دستورية تقود إلى تلك الانتخابات، إلا أن تلك المفاوضات متعثرة.

وأردف الكاتبان: "تعاني ليبيا من تراجع الإنتاج بسبب تقادم حقول الغاز، ومحدودية فرص الاستثمار لتطوير الحقول، فضلا عن عدم الاستقرار السياسي والضعف الأمني الذي يؤدي إلى تآكل الإنتاج".

يضاف إلى ذلك زيادة الطلب المحلي على الغاز، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي بما يتناسب بشكل مباشر مع هذه الزيادات، حتى إن وزير النفط عون قد أعلن عن عدم وجود غاز للتصدير في بلاده.

وتابعا بأن طرابلس اضطرت إلى تصدير الغاز إلى روما في إطار التزاماتها التعاقدية، وإن استمر الوضع على هذا النحو، فإنَّ ذلك سيضطر ليبيا، التي تمتلك احتياطيات الغاز المقدرة بحوالي 80 تريليون قدم مكعب، لأن تكون دولةً مستوردةً للغاز.

تحديث الطاقة

ونظراً لهذا الوضع القائم في ليبيا، فإنَّ الاتفاقية الجديدة الموقعة مع إيني ستعمل على تحديث قطاع الغاز في البلاد وزيادة الإنتاج وتلبية الطلب المحلي وزيادة حجم الصادرات.

وقدَّر رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط "فرحات بن قدارة " تكلفة الاستثمارات في حقلين بحريين بما يتراوح بين 7 و9 مليارات دولار.

وأوضح أنه سيكون بالإمكان توفير دخل صافٍ يصل إلى 13 مليار دولار للدولة. ويمكن أن يصل الإنتاج في الحقلين إلى حوالي 850 مليون قدم مكعب يوميا.

ولفت الكاتبان إلى "أهمية استثمار شركة الطاقة الإيطالية إيني في المشروع الذي سيشجع الشركات الدولية الأخرى في قطاع الطاقة على العودة إلى السوق الليبية".

ففي بلد يستورد كل شيء ما عدا النفط والغاز، يمنح هذا القطاع المالي والتجاري صورة أكثر استقرارًا ومصداقية للاستثمار خارج قطاع الوقود.

واستدرك الكاتبان: "تعرضت الصفقة لانتقادات شديدة من قبل فتحي باشاغا، الذي انتخب رئيسا للوزراء من قبل مجلس النواب في طبرق، وكذلك من قبل وزير النفط عون من داخل حكومة الوحدة الوطنية نفسها".

وعلى الرغم من ذلك، حقق الاتفاق بعض الأهداف السياسية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة.

وذكر الكاتبان أنه من خلال الاتفاقية، اكتسب الدبيبة شريكا دوليا كان له وزن في الصراع على الشرعية بين الحكومتين الموجودتين بالفعل في ليبيا.

ومن جهة أخرى، تضمنت زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية "جورجيا ميلوني" إلى طرابلس وتوقيع العديد من الاتفاقيات مع حكومة الدبيبة في نطاق هذه الزيارة رسائل متعددة للخارج.

ووفقاً للكاتبين فإنَّ هذه الرسالة تفيد بأنَّ العاصمة طرابلس أصبحت مُعتَمَدَة وموثوقة مع وجود حكومة الدبيبة، بالإضافة إلى أنَّه أصبح من الممكن استضافة أسماء رفيعة المستوى في الساحة الدولية في طرابلس.

وأضافا أن "زيارات رئيسة الوزراء الإيطالية ومدير الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز ستشجّع الآخرين على زيارة طرابلس وتعزيز شرعية حكومة الدبيبة".

بالإضافة إلى أنَّ هذه التطورات، يمكن أن تدفع دولاً أوروبيةً أخرى لتوقيع اتفاقيات مماثلة، مثل فرنسا وألمانيا اللتين تسعيان إلى توفير احتياجاتهما من الغاز بعيداً عن روسيا.

ولفت الكاتبان التركيان إلى أنَّ توقيع حكومة الوحدة الوطنية اتفاقية الغاز مع إيطاليا كان ردّاً على مصر واليونان.

فالدولتان الأخيرتان اعترضتا على صفقة الهيدروكربون الموقعة بين تركيا وحكومة الوحدة الوطنية في أكتوبر/تشرين الأول 2022.

مكاسب سياسية

واستدرك الكاتبان: "على الرغم من كونه عضوا في مجلس الوحدة الوطنية، اعترض وزير النفط عون على الاتفاق الذي جرى التوصل إليه مع شركة إيني الإيطالية مع إعطاء بعض الأسباب".

وفسّرَ عون اعتراضه بأن تقسيم سعر الاستثمار في الصفقة بالتساوي بين خزانة الدولة والشركة الإيطالية ليس عادلاً.

وقال الوزير الليبي أيضا إنَّ زيادة حصة إيني من 30 إلى 37 بالمئة أمر غير مقبول.

كما عدّ عون، الذي لم يحضر مراسم التوقيع، تمرير الاتفاقية من خلال مجلس الطاقة بدلا من وزارة النفط وضعا سلبيا لسلطة الاتفاقية.

وأشار الكاتبان إلى أنَّ عون قد يكون على حق في انتقاداته من حيث الاقتصاد والقانون، كما أنه من وجهة نظر سياسية أو ككل، كان على المؤسسة الوطنية للنفط تقديم بعض التنازلات لإقناع إيني بتطوير حقول الغاز.

فاليوم أصبح الأمر واضحاً أكثر وبالأخص حين تكون الشركات العالمية التي توجّه مجالات نشاطها إلى الطاقة النظيفة غير مهتمة بالدول التي لا تمتلك قوانين جاذبة للاستثمار.

وأضاف الكاتبان: "من الناحية السياسية، كانت هناك حاجة إلى حليف أوروبي قوي لتحقيق التوازن بين الدعم الروسي والمصري لحكومة باشاغا". 

وأصبحت هذه الحاجة أكثر وضوحا خاصة بعد أن قاطعت دول مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن والمغرب الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية الدول العربية الذي عقد في طرابلس في 22 يناير 2023.

بينما حضرت قطر والجزائر وتونس الاجتماع على مستوى وزراء الخارجية، في حين حضرت عمان وفلسطين وجزر القمر بتمثيل دبلوماسي أقل.

وأفاد الكاتبان أنَّه وفي أعقاب هذا "الفشل"، احتاجت حكومة الوحدة الوطنية إلى الدعم السياسي لتأكيد شرعيتها الدولية.

وكان ثمن هذا الدعم هو زيادة حصة الشريك الأجنبي، وتقاسم تكلفة الاستثمار حتى لو كانت هناك أشياء أخرى. 

وفي المقابل أوضح الكاتبان التركيان أنَّ إيطاليا تحتاج أيضاً إلى بديل للغاز الروسي وتنويع مصادر الطاقة لديها.

وتصبح هذه الحاجة أكثر وضوحا، خاصة عندما نأخذ في الاعتبار أنَّه لا يوجد بلد إفريقي يمكنه أن يحل محل الغاز الروسي بمفرده، بما في ذلك الجزائر.