تهديد جديد.. هل يستطيع عباس إلغاء اتفاقية أوسلو مع إسرائيل؟

مهدي محمد | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

من جديد يطلق رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تهديداته بإلغاء اتفاقية "أوسلو" وجميع الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي، تزامنا مع فشل مُنيت به "ورشة البحرين" التي شكلت الجانب الاقتصادي من "صفقة القرن" الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية.

الشكوك التي تحوم حول جدية تهديدات عباس تبدو منطقية، إذ لم تكن تلك المرة الأولى التي يتحدث فيها عن إلغاء اتفاقية أوجدت سلطة يرأسها حاليا، كما تُثار تساؤلات بشأن مآلات وتداعيات هذا الإلغاء على فلسطين والمنطقة برمتها.

عباس يهدد

في تصريحات أدلى بها للصحافة العربية والفلسطينية برام الله، هدد عباس بإلغاء جميع الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل إذا واصلت عدم الالتزام بها، وقال إنه لن يقبل بأن تقوم إسرائيل بخرق جميع الاتفاقيات وتبقي السلطة الفلسطينية بدون سلطة.

وأضاف، أنه منذ أُبرم اتفاق أوسلو وإسرائيل تعمل على تدميره، وقد نقضت كل الاتفاقات، معلنا رفضه استلام أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية في حال كانت منقوصة.

وتابع عباس، قائلا: "نريد أموالنا كاملة، بل ومن الآن فصاعدا سنناقش مع الإسرائيليين كل قرش يخصمونه وليس فقط ما يتعلق بالشهداء والأسرى والجرحى".

وتجبي إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية حوالي 190 مليون دولار شهريا من عائدات الضرائب، لكن بدأت في فبراير/ شباط الماضي بخصم نحو 10 ملايين دولار من هذا المبلغ، متعللة بأنها قيمة ما تدفعه السلطة شهريا لصالح أسر المعتقلين في السجون الإسرائيلية أو الذين قتلوا خلال مواجهات مع الاحتلال.

جعجعة بلا طحين

لكن ببحث بسيط حول مواقف عباس من اتفاقية أوسلو تحديدا، نجد أن تهديد عباس هذا لم يكن الأول من نوعه، بل سبقته على مدار أعوام مضت تهديدات مماثلة، يطلقها لغرض أو آخر وتحديدا كلما ازدادت سياسات وممارسات الاحتلال عنفا.

في يناير/كانون الثاني 2018، قال عباس إن السلطة الفلسطينية لم تسقط خيار المفاوضات مع إسرائيل، على الرغم من أن اتفاق أوسلو الذي أُنشئت بموجبه السلطة الفلسطينية قد "مات"، وذلك عقب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.

وجاء حديث عباس حول انتهاء اتفاق أوسلو في وقت تصاعدت فيه المواجهة بين السلطة وإدارة الرئيس ترامب، بسبب تهديدات الأخير لعباس والسلطة، وإعلانها النجاح في إزالة القدس عن طاولة المفاوضات، واتهامها لعباس بتخريب السلام.

تلك التهديدات ردت عليها الرئاسة الفلسطينية بالقول، إن القدس لن تباع أو تشترى، وإنها إذا أصبحت خارج الطاولة، فإن السلام كله سيكون خارج الطاولة كذلك.

لكن بعد مرور أكثر من عام ونصف على تلك التهديدات، فضلا عن أن أمريكا زادت الطين بلة بنقل سفارتها لاحقا من تل أبيب إلى القدس المحتلة، لم تدفع كلها عباس إلى تنفيذ تهديداته، بل أقصى ما قام به إطلاق تهديدات جديدة.

وفي مارس/آذار 2015 أطلق عباس تهديدا آخر بإلغاء الاتفاقية، وصفه مراقبون بالتهديد الأجوف، بينما اعتبره كثيرون مجرد تلويح لفك قيد عائدات الضرائب التي تحتجزها إسرائيل، وتسبب أزمة خانقة للسلطة.

صفقة القرن

تهديدات عباس الأخيرة اقترنت بالحديث عن صفقة القرن، مؤكدا أنها انتهت وستفشل كما فشلت "ورشة البحرين الاقتصادية" التي بدأت بخطاب لكوشنر وانتهت بخطاب له أيضا، على حد تعبيره.

وتابع بلهجة متحدية: "لن نقبل أن تفرض علينا أمريكا رأيا، ولن نقبل بأمريكا وحدها وسيطا، ونرفض التعامل مع الإدارة الأمريكية ما لم تتراجع عن القرارات التي اتخذتها بحق القضية الفلسطينية، ومن ثم تطبيق الشرعية الدولية".

ويعد جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره عراب الخطة التي تصوغها الولايات المتحدة لتصفية القضية الفلسطينية، ويتوقع أن يتم الكشف عن الخطة بعد الانتخابات الإسرائيلية العامة المقررة 17 سبتمبر/أيلول المقبل.

وفي سياق الدور الأمريكي المشبوه لتصفية القضية ولأجل مزيد من الضغط على مكونات الشعب الفلسطيني وقيادته، أوقف ترامب تمويل بلاده لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) والبالغة 630 مليون دولار.

وكان لافتا السياق الذي تحدث فيه عباس عن إلغاء اتفاقية أوسلو هذه المرة، وربطه بصفقة القرن المرفوضة من السلطة الفلسطينية، وكأنه يضغط في الاتجاه المقابل، ويسعى لعرقلة الصفقة بالتلويح بخطوة أوسلو، التي إن ألغيت فإن سلطته تكون ملغية لأنها جاءت بالاتفاق ذاته.

مجرد مناورة

إذا، فالأمر يبدو برمته لا يعدو كونه مجرد ورقة ضغط أو مناورة يحتفظ بها رئيس السلطة الفلسطينية في جيبه دوما ولا يخرجها أو يلوح بها، إلا إذا واجهته أزمة مالية، أو دفعته لذلك التطورات السياسية للقضية الفلسطينية والتي يظهر فيها عجزه بشدة عن أي تحرك جاد.

يترافق ذلك مع تقارير إعلامية نُشرت عام 2015 أفادت بأن محمود عباس، أبلغ دبلوماسيين أوروبيين أنه لا ينوي الإعلان عن إلغاء اتفاقية أوسلو وحل السلطة، في خطابه المزمع في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة حينها.

صحيفة "هآرتس" العبرية نقلت عن مسؤول إسرائيلي لم تسمه، قوله: "إن دبلوماسيين أوروبيين توجهوا إلى عباس وطلبوا منه توضيحا، في أعقاب ما نشر في وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية حول نيته الإعلان عن إلقاء قنبلة في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة".

وكانت تقارير أخرى، نقلت عن مسؤولين فلسطينيين مقربين من عباس نيته الإعلان عن فلسطين دولة تحت الاحتلال، وإلغاء الاتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي واحتمال حل السلطة.

المسؤول الإسرائيلي، أوضح أن عباس طمأن الدبلوماسيين الأوروبيين الذين طالبوه بتوضيحات حول نيته تفكيك السلطة الفلسطينية وإلغاء اتفاق أوسلو، وقال إنه "لا ينوي القيام بخطوات كوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل".

وأضاف المصدر: "على الرغم من عدم طلب عباس ذلك، إلا أن بعض الدبلوماسيين الأوروبيين أطلعوا حكومة تل أبيب على أقواله"، في حين يواصل بعض المقربين من رئيس السلطة الفلسطينية بث رسائل معكوسة.

يضاف إلى ذلك حديث عباس عن رغبته في المفاوضات مع إسرائيل، الأمر الذي يطرح تساؤلا: هل يرغب رئيس السلطة الذي ينوي إلغاء اتفاقية أوسلو في مزيد من التفاوض؟

في خضم القرارات الأمريكية المتعسفة بحق القدس المحتلة، قال عباس: "لم نسقط خيار المفاوضات، حتى بعد الأزمة التي تسبب بها ترامب بإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل.. نحن مستعدون للعودة إلى المفاوضات، ولم نرغب أبدا في تركها، لكن للأسف لا أحد يقترح علينا مفاوضات".

الرجل يبدو لاهثا نحو مفاوضات لا أحد يريدها غيره، وفي الوقت نفسه يطلق تهديدات جوفاء بإلغاء اتفاقية شارك في مفاوضاتها قبل أكثر من ربع قرن وأسست لوجوده.

اتفاق أوسلو

في 13 سبتمبر/أيلول 1993، وقعت منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، في العاصمة الأمريكية واشنطن، اتفاق "أوسلو" نسبة إلى المدينة النرويجية التي شهدت عامين من التفاوض أو ما سمي "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي"، ليكون بذلك الاعتراف الفلسطيني الرسمي الأول بالاحتلال الإسرائيلي.

وقّع الاتفاق رئيس دائرة الشؤون القومية والدولية في منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، محمود عباس، رئيس السلطة الحالي، ووزير الخارجية الإسرائيلي شيمون بيريز، بحضور رئيس منظمة التحرير الراحل ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إسحق رابين، والرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون.

نص الاتفاق على "وضع حد لعقود من المواجهات والصراع بين الجانبين، والاعتراف المتبادل لحقوقهم السياسية والشرعية"، كما نص أيضا على "تحقيق تعايش سلمي وكرامة وأمن متبادل، والوصول إلى تسوية سلمية عادلة وشاملة ودائمة، ومصالحة تاريخية من خلال العملية السلمية المتفق عليها"، وأسس الاتفاق أيضا لإقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ومن أهم بنود الاتفاق اتفاق الطرفين على أن الهدف الرئيسي من المفاوضات ضمن إطار عملية السلام، هو تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية ذاتية ومجلس منتخب (المجلس التشريعي) للفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة، لمرحلة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات، بحيث تؤدي إلى تسوية نهائية مبنية على أساس قراري مجلس الأمن رقم 242 و338 (إقرار مبادئ سلام عادل بالشرق الأوسط).

وينص القرار رقم (242) على سحب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع عقب حرب يونيو/ حزيران 1967، وهي سيناء في مصر، والجولان في سوريا، وقطاع غزة والضفة الغربية في فلسطين.

أقر الاتفاق بانطلاق مفاوضات الوضع النهائي "في أقرب وقت ممكن، على أن لا يتعدى ذلك بداية السنة الثالثة للفترة الانتقالية بين حكومة إسرائيل وممثلي الشعب الفلسطيني"، وكان يفترض أن تغطي تلك المفاوضات القضايا المتبقية والتي تشمل "القدس، واللاجئين، والمستوطنات، والترتيبات الأمنية، والحدود، والعلاقات والتعاون مع جيران آخرين، وقضايا أخرى ذات أهمية مشتركة".

كما أقر الاتفاق أنه مع دخول إعلان المبادئ حيز التنفيذ والانسحاب من قطاع غزة وأريحا، فإنه سيبدأ رسميا نقل السلطة من الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية، إلى الفلسطينيين المخولين بهذه المهمة.

وتُنقل السلطة إلى الفلسطينيين في المجالات التالية: التعليم والثقافة والصحة، الشؤون الاجتماعية، والضرائب المباشرة والسياحة، كما نص على أن الجانب الفلسطيني سيشرع في تشكيل قوة الشرطة الفلسطينية، حسب ما هو متفق عليه.

فيما نص الاتفاق على تشكيل المجلس التشريعي للقوة الشرطية الفلسطينية، من أجل ضمان النظام العام والأمن الداخلي لفلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما تواصل إسرائيل تحمل مسؤولية الدفاع ضد المخاطر الخارجية، وكذلك مسؤولية أمن الإسرائيليين العام بغرض حماية أمنهم الداخلي والنظام العام.

ويرى مراقبون، أن خطيئة أوسلو الأساسية كانت في قبول الفلسطينيين بعدم نص الاتفاق على مسألة السيطرة على المستوطنات التي كانت في ذلك الوقت منتشرة على نطاق صغير، أما الآن، فقد صار انتشارها يحول دون بناء دولة فلسطينية يتحقق فيها اتصال جغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

الجانب الإسرائيلي كان المستفيد الوحيد من الاتفاق، بينما لم يستفد الجانب الفلسطيني منه بأي شكل، بل على العكس عطل القضية الفلسطينية، رغم أنه في الأساس خرج بهدف إجراء مفاوضات للانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية وغزة على مرحلتين.

ولم يتبق من الاتفاق حاليا، وفق خبراء، سوى التزامات خاصة بالسلطة الفلسطينية، تعفي الجانب الإسرائيلي من مسؤولياته في المناطق الخاضعة مدنيا وأمنيا لإدارة السلطة الفلسطينية.