اتفاق الخرطوم.. هل يصمد أمام طموحات "العسكري" وإصرار المعارضة؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد توقف استمر نحو شهر كامل عقب سقوط قتلى وجرحى في 3 يونيو/حزيران 2019 خلال فض اعتصام المتظاهرين أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم، استأنف المجلس العسكري وقادة حركة الاحتجاج بالسودان، محادثاتهم في العاصمة، بشأن من يتولى قيادة البلاد لحين إجراء انتخابات.

في 3 يوليو/ تموز الجاري، التقى 3 جنرالات، بينهم نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي"، و5 ممثلين عن "تحالف قوى الحرية والتغيير" الذي يقود الاحتجاجات، بحضور وسطاء من إثيوبيا والاتحاد الإفريقي في فندق بالخرطوم.

في اليوم التالي (4 يوليو/ تموز) توصّل "العسكري الانتقالي" الحاكم في السودان، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وتحالف من أحزاب المعارضة وقوى الاحتجاج، على رأسهم تجمع المهنيين السودانيين، إلى اتفاق لتقاسم السلطة خلال فترة انتقالية تقود إلى انتخابات.

جاء الحدث بالتزامن، مع إعلان "قوى التغيير" بدء تنظيم لقاءات جماهيرية بعدد من أحياء العاصمة الخرطوم والمدن الأخرى، لشرح مسار العملية السياسية بعد توقيع الاتفاق. فيما دعا تجمع المهنيين السودانيين في بيان له إثر توقيع الاتفاق، إلى "التماسك من أجل حراسة الثورة وضمان تحقيق أهدافها".

بيان تجمع المهنيين قال: إن "تنحي عمر البشير كان مطلبا أولا، وتسليم السلطة للمدنيين ثانيا، وسنمضي في إنجاز أهداف الثورة.. الآن يتسع الطريق شيئا فشيئا، شدوا الأيادي وسدوا الفراغ بالتلاحم".

قوبل الاتفاق بترحيب داخلي ومن بعض الأطراف الإقليمية، ومعارضة من أطراف أخرى، وكثير من التساؤلات حول جدية واستمرارية الاتفاق.

تفاصيل الاتفاق

وسيط الاتحاد الإفريقي محمد الحسن ولد لبات أكد في المؤتمر الصحفي لجمعة 5 يوليو/ تموز 2019 أن الجانبين، اللذين عقدا محادثات على مدى يومين في العاصمة الخرطوم، اتفقا على إقامة مجلس للسيادة بالتناوب بين العسكريين والمدنيين ولمدة 3 سنوات أو تزيد قليلا".

وقال ولد لبات للصحفيين: إن "الطرفين أجريا مفاوضات مسؤولة"، مضيفا أنه "تقرر الإفراج عن جميع السجناء السياسيين وستتواصل المفاوضات".

وقبيل استئناف الحوار أصدر رئيس المجلس العسكري الفريق أول عبد الفتاح البرهان عفوا عن 235 من متمردي "جيش تحرير السودان"، أحد أبرز الفصائل المتمردة في دارفور وإحدى "قوى تحالف الحرية والتغيير".

وتوصل العسكري الانتقالي وتحالف من أحزاب المعارضة وجماعات الاحتجاج إلى اتفاق لتقاسم السلطة خلال فترة انتقالية تقود إلى انتخابات. واتفق الطرفان على تشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة لإجراء التحقيق بشأن قتل المدنيين منذ الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير في 11 أبريل/ نيسان الماضي.

والمجلس السيادي من المتوقع أن يتكون من 11 عضوا، بينهم 5 مدنيين و5 عسكريين، على أن يتمّ اختيار شخصية مدنية مستقلة أخرى يتفق عليها الطرفان. 

ومجلس الوزراء سيتم تشكيله بشكل كامل من قبل قوى إعلان الحرية والتغيير.

وتم الاتفاق على تأجيل النقاش حول تشكيل مجلس الوزراء إلى فترة أقصاها 90 يوما من توقيع الاتفاق.

وأكد تجمع المهنيين السودانيين في بيان له أن "الواحد وعشرين شهرا الأولى تكون رئاستها للعسكريين، وآخر ثمانية عشر شهرا تكون رئاستها للمدنيين"، مبينا أن "مجلس الوزراء سيتكون من كفاءات وطنية تقوم بتشكيله قوى الحرية والتغيير".

ترحيب دولي

رحبت واشنطن باستئناف الحوار، مؤكدة على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية موغان أورتيغاس أن "الوقت حان كي يتوصّل المجلس العسكري الانتقالي إلى اتّفاق مع تحالف الحرية والتغيير". وأضافت أن واشنطن تدعم "مطلب الشعب السوداني تشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية".

كما رحبت وزارة الخارجية التركية بالاتفاق في بيان عبر موقعها الإلكتروني، قائلة: إنها "ترحب بالاتفاق الذي نتج عن المباحثات التي جرت بين المجلس العسكري الانتقالي، وقوى الحرية والتغيير في السودان"، معربة عن أملها في أن تسهم هذه الخطوة في إرساء الاستقرار في السودان، وضمان تقدم عملية الانتقال وفق مفهوم شامل.

ورحب الاتحاد الأوروبي بالاتفاق المبرم، وفي بيان صادر عن مكتب الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، فيديريكا موغريني، لفت إلى "أن المفاوضات بين الأطراف السودانية تكللت بنتيجة، واعتبر أن الاتفاق يعد تقدما كبيرا".

وأكد الاتحاد على "أهمية تطبيق كافة الأطراف، للاتفاق الذي تم التوصل إليه بحسن نية". ودعا إلى "تشكيل الحكومة المدنية التي من شأنها بناء السلام وتحقيق التنمية الإقتصادية، بأسرع وقت".

كما أعلنت كل من المملكة العربية السعودية والأردن وتونس ومنظمتي مجلس "التعاون الخليجي" و"التعاون الإسلامي" ترحيبهم بالاتفاق.

رفض الاتفاق

على الجانب الآخر، وبعد ساعات من إعلان الاتفاق أعلنت حركتا تمرد في السودان، رفضهما له.

وقال رئيس "حركة "تحرير السودان" المتمردة "مني أركو مناوي" في بيان إن الاتفاق "لا يعبر عن قضايا الوطن، ولا يقدّر تضحياته، وأي اتفاق لم يؤسس على أرضية السلام يعتبر امتدادا للنظام السابق".

وشدد على أن الأشهر الستة الأولى المحددة في الاتفاق ضمن الفترة الانتقالية لتحقيق السلام، "جاءت بشكل انتقائي وانتهازي، ولا تؤدي غرض بناء السودان الذي عانى من أزمات حادة ومتشعبة".

ومن جهتها، أعلنت حركة تحرير السودان جناح "عبد الواحد نور"، في بيان رسمي رفضها الاتفاق السياسي بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير.

والحركتان المتمردتان في دارفور، دأبتا على مقاتلة الحكومة السودانية في عهد البشير.

10 تساؤلات فاصلة

الناشط السياسي السوداني بلال ضياء الدين طرح مجموعة من الأسئلة بعد عقد الاتفاق، تتمحور حول آلية العمل السياسي خلال المرحلة القادمة.

ضياء الدين كتب عبر صفحته على فيسبوك، "هناك أسئلة على الطريق ولا نقول ألغام، السؤال الأول هل سينتقل الصراع بين العسكريين والمدنيين من الشارع إلى أجهزة الحكم؟".

مضيفا: "السؤال الثاني: هل ستكون الشراكة تشاكسية مثل ما حدث بعد نيفاشا بين الوطني والشعبية، أم شراكة وطنية؟ والسؤال الثالث: هل ستكون قوى الحرية والتغيير حاكمة ومعارضة في ذات الوقت، مثل ما فعلت الحركة الشعبية ما بعد نيفاشا؟".

وتابع "السؤال الرابع: اتخاذ القرار داخل المجلس السيادي بالثلثين هل سيعطل أجهزة الدولة أم يساعد على التوافق؟ السؤال الخامس: هل ستدير قوى الحرية والتغيير الوزراء بالريموت كنترول أم تساندهم جماهيريا أم ستعارضهم في القرارات غير الشعبية، مثل رفع الدعم عن السلع، أم ستكون على الحياد؟".

وطرح ضياء الدين السؤال السادس بقوله: "ماذا إذا قررت لجنة التحقيق المستقلة اتهام حميدتي، أو قيادات في الدعم السريع في أحداث فض الاعتصام؟ والسؤال السابع: ما هي مرجعية حل الخلافات بين العسكريين والمدنيين داخل أجهزة الدولة، الوسطاء أم الاتحاد الإفريقي؟".

أما السؤال الثامن فطرحه الناشط السياسي السوداني بقوله: "هل لمجلس السيادة حق الفيتو في بعض قرارات مجلس الوزراء؟ السؤال التاسع: ماذا إذا فشلت حكومة الكفاءات في مهامها التنفيذية من يملك سلطة الاقالة والتعيين وحل الحكومة؟".

وختم ضياء الدين تدوينته بالسؤال العاشر: "ماذا لو استمرت الأزمة الاقتصادية وأغلق الخليج منافذ الدعم وخرجت مظاهرات مضادة تدعو للعصيان وإغلاق الطرق بالمتاريس، كيف سيكون التعامل معها؟".

انقلاب حميدتي

في 26 يونيو/ حزيران الماضي نشر موقع "الجزيرة.نت" أسرار الانقلاب العسكري في السودان، وكيفية الإطاحة بالبشير يوم 11 أبريل/ نيسان 2019، ثم الانقلاب الثاني، والإطاحة بنائبه الفريق أول عوض بن عوف أول رئيس للمجلس العسكري الانتقالي.

وذكر التسريب أنه قبيل اجتماع اللجنة الأمنية، كانت هناك تفاهمات ثنائية أبرمها  حميدتي مع بعض القيادات الأمنية والعسكرية، مما عزز إحساس جميع الجنرالات بأن قوات الدعم السريع ستكون القوة المرجحة في معركة خلافة الرئيس.

كما فهم بعضهم أن طموحات حميدتي قد ارتفعت من مجرد مراقبة الأحداث إلى مستوى صناعتها.

وأكد الموقع عبر مصادره الخاصة أنه "بعد التفاهم مع حميدتي تم عقد اجتماع في الخرطوم بإحدى البنايات التابعة لقوات الدعم السريع، شارك فيه بن عوف الذي كان وقتها لا يزال رئيسا للمجلس العسكري، والفريق أول صلاح عبد الله قوش الذي كان وقتها مديرا للمخابرات.

وأردف أنه كان الاجتماع صريحا وحاسما، واتضح للجميع أن حميدتي أحكم التنسيق مع أكثر من جهة، ومن ثم "لا يمكن استبعاده من كعكة السلطة.. هنا حسم أمر توليه منصب نائب رئيس المجلس الجديد".

هذه السياسة التي لعبها حميدتي منذ البداية، وصولا إلى الاتفاق القائم، وتمركزه في مفاصل الدولة، وانتشار قواته على جميع المحاور، هل سيتجاوزها في المستقبل؟ ويترك كعكة السلطة، ويسلمها إلى المدنيين بهذه السهولة؟

الثورة المضادة 

في 6 يوليو/ تموز 2019، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا لرئيس تحرير صفحات الرأي "آدم تايلور" بالاشتراك مع الكاتبة "كلير باركر" قالا فيه: "إن مشاركة القادة العسكريين ذوي الصيت غير المحمود في الانتقال المخطط للسودان إلى الحكم المدني يشير إلى أن هذه البلاد سوف تتبع قواعد اللعبة التي أصبحت راسخة وأجهضت غالبية ثورات الربيع العربي التي بدأت عام 2011".   

وأكد المقال "رغم أن الاتفاقية تنص على أنه لا ينبغي السماح للمتورطين في العنف ضد المحتجين بالمشاركة في السلطة القادمة فإنه لا يستبعد من المشاركة في السلطة أكثر القادة العسكريين عنفا والذي عُرفت قواته بالدعم السريع ضد الثوار وهو الفريق أول حميدتي". 

وقال الكاتبان: "إن حميدتي جزء من مجلس عسكري حاكم ينظر إليه الكثيرون في السودان على أنه امتداد لحكم البشير، إذ قام بقمع الاحتجاجات منذ تنحي الرئيس، بما في ذلك حادثة فض الاعتصام الشهيرة الشهر الماضي أمام القيادة العامة للجيش والتي قُتل فيها ما لا يقل عن 100 شخص".

وأردفا أنه "إذا قام القادة العسكريون بتأخير الإصلاح، فسيتبعون النمط المعمول به في بلدان الربيع العربي الأخرى، حيث تمكن رجال النظام الذي يريد السودانيون التخلص منه من التشبث بالسلطة، وفي بعض الحالات يوقفون محاولات الإصلاح الديمقراطي".

لكن رغم كل هذه المخاوف أكد الكاتبان أن "الثوار يدركون المخاطر، ففي ذروة الاحتجاجات، حمل البعض لافتات كتب عليها (لا نريد أن نكون مثل مصر)".