"الطريق السيار".. إلى أين وصلت محاكمات حيتان فساد حقبة بوتفليقة بالجزائر؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

عاد اسم تاجر الأسلحة الفرنسي بيير فالكون، إلى التداول في الجزائر ضمن المحاكمات المتعلقة بقضية الطريق السيار شرق-غرب، والتي طالب من خلالها المدعي العام بتطبيق أحكام قاسية ضد وزراء سابقين.

واستمرت المحاكمة التي تعد إحدى أكبر فضائح عهد الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة، في 9 يناير/كانون الثاني في محكمة الجزائر العاصمة بإدانات ضد المتهمين الرئيسيين.

وبعد ثلاثة أيام من المداولات، طالب المدعي العام بالسجن لمدة 12 عاما ضد وزير الأشغال العمومية الأسبق، عمار غول، المسؤول عن تنفيذ هذا المشروع، والذي بلغت تكلفته رسميا 11.4 مليار دولار.

لكن وفقًا للمدير السابق للمشاريع الجديدة في الوكالة الوطنية للطرق السريعة، محمد الخلدي، فقد بلغت التكلفة 17.5 مليار دولار.

قضايا شائكة

كما حكمت محكمة سيدي امحمد في الجزائر العاصمة على مسؤولين كبار سابقين آخرين، بالسجن لمدد تراوح بين 5 و10 سنوات.

ومن بين المدانين وزير الخارجية السابق محمد بجاوي ورئيسان سابقان لشركة النفط والغاز العملاقة سوناطراك، هما نورالدين بوطرفة وعبدالمؤمن ولد قدور.

ولوحق هؤلاء بتهم تتعلق بالفساد، أهمها "تبديد المال العام من خلال إبرام صفقات مع مؤسسات أجنبية". كما أيدت المحكمة مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق وزير الطاقة الجزائري الأسبق شكيب خليل.

وأصدر القضاء الجزائري عام 2013 مذكرة توقيف دولية بحق خليل، في إطار تحقيق حول تلقيه عمولات من شركة تابعة لمجموعة إيني الإيطالية للطاقة لمنحها عقود عمل في الجزائر، وهي فضيحة كانت موضع عدة محاكمات في إيطاليا والجزائر.

وبعد لجوئه إلى الولايات المتحدة، عاد شكيب خليل إلى الجزائر عام 2016 إثر إسقاط التهم الموجهة إليه، لكنه غادر البلاد مجددا عندما لوحق مرة أخرى بعد تنحي بوتفليقة في 2 أبريل/ نيسان 2019 بضغط من الحراك الاحتجاجي والجيش.

وتطرقت صحيفة لكسبريسيون الجزائرية الناطقة بالفرنسية إلى مرافعات الدفاع في الملف المرفوع لمحكمة سيدي أمحمد والمتعلق بأربع قضايا.

تتمثل الأولى في العقد المرتبط بالطريق السيار شرق -غرب، بينما تتجلى الثانية في الصفقات الممنوحة للشركة متعددة الجنسيات BRC في عهد شكيب خليل.

بالإضافة إلى قضية عقود محطتي توليد الكهرباء في سكيكدة وحجرة النص بتيبازة، ومشروعي الغاز في قاسي الطويل بحاسي مسعود ورود النص في حاسي الرمل وهي مناطق تقع جنوب الجزائر.

بالنسبة لعقود الغاز، فازت الشركة اليابانية JGC بالمناقصة الأولى من مرحلة المشروع الإنشائية (PC) في عام 2007، والثانية فازت بها شركة SNC-Lavalin الكندية.

أما عن مرحلة دراسة المشروع، فقد ظفرت بها شركة Saipem في قاسي الطويل وشركة Petrofact في موقع رود النص.

وأشار محاميا Saipem إلى أن هذه الشركة الإيطالية للهندسة والتنقيب عن النفط والغاز - التابعة لشركة إيني العملاقة - والتي تعمل في الجزائر منذ 50 عامًا، هي "شريك إستراتيجي للبلاد".

وبحسب دفاع الشركة، "كانت هي من أنشأ مصفاة التكرير في سكيكدة عام 1977 حيث أنشأت 1250 كيلومترًا من الأنابيب و1200 بئر تنقيب، إلخ".

واستنكرت هيئة الدفاع حقيقة اتهام هذه الشركة الإيطالية بالفساد، رغم أنها استجابت فقط للمناقصة. كما أكد محاموها أنه "لم يجر تقديم أي دليل مادي من قبل النيابة لتبرير تهم الفساد ضد هذه الشركة".

ومن جهته، طالب الممثل القانوني للخزينة العامة - الحاضر كطرف مدني في هذه القضية - بتعويض قدره 500 مليون دينار (1 دولار = 135,67 دينارا جزائريا).

وبالمقابل، يأسف الدفاع لحقيقة أن "شركة Saipem متهمة على أساس طريقة التشاور التنافسية التي انتهجتها للظفر بعقود الغاز هذه.

وبينت الشركة أن هذا النهج الذي جرى تقديمه في التعليمات الداخلية لشركة سوناطراك الجزائرية للغاز "R15"، لم يدرج عند منح العقود خلال عامي 2007 و2008".

وفي هذا السياق، يؤكد مصطفى حنفي محامي المدير العام للمحروقات بوزارة الطاقة والمعادن، أن الأخير وقع ضحية لخمس تهم على أساس طريقة التشاور التي اختارتها سوناطراك. 

وهذه التهم تتعلق بـ "إساءة استخدام المنصب، ومنح مزايا غير مبررة، وانتهاك قواعد الشراء، واستغلال النفوذ، وانتهاك التشريعات واللوائح بشأن النقد الأجنبي وتحركات رأس المال من وإلى البلدان الأجنبية".

وأشار حنفي إلى أن "هذا أمر مؤسف للغاية، لأن خيار موكله أتاح لسوناطراك توفير الوقت (عام واحد من الإنتاج) والمال (بمبلغ نصف مليار دولار)".

بالإضافة إلى ذلك، أكد المحامي أن "سوناطراك تتبنى حاليا نفس نهج موكله في إجراء الصفقات". 

أربعون متهما 

وذكر محامي الرئيس التنفيذي السابق لسونلغاز (1995-2004)، عبدالكريم بن غانم، أن تهميش موكله بدأ عندما تولى شكيب خليل رئاسة قطاع الطاقة. 

وقد نظر الأخير في وضع حد لطريقة تمويل المشروع المعمول بها، والتي تتمثل في عقد الإنشاء - التشغيل - نقل التكنولوجيا (B.O.T.)، الذي أعطى سونلغاز الفرصة للجوء إلى السوق المالية الدولية من أجل تمويل مشاريعها.

وأشارت الصحيفة إلى أن الوضع الجديد يسمح للمشغلين الأجانب باختيار التمويل الداخلي من خلال القروض المصرفية الممنوحة من البنوك العامة الجزائرية.

وأشار محامو غالبية المتهمين – وهم من صغار المديرين التنفيذيين لسوناطراك- إلى "صغر لائحة الاتهام المقدمة من النيابة"، وأكدوا أن الجناة الرئيسين "لا يزالون طلقاء". 

تجدر الإشارة إلى أن مقدمي العروض الأربعة الذين شاركوا في مشاورة حول "تحقيق التكلفة التنافسية" لدراسة وتنفيذ المشروعين المذكورين أعلاه، أبرموا صفقاتهم بعد مواءمة عروضهم التجارية.

بالإضافة إلى ذلك، طلب المدعي العام حكمًا بالسجن لمدة 20 عامًا على شكيب خليل - المدان الهارب.

فيما حكم بالسجن 12 عاما على محمد بجاوي و10 سنوات ضد كل من ابن أخيه فريد ومحمد رضا هامش، مع تأكيد مذكرات التوقيف الدولية الصادرة بحقهم.

وطالبت النيابة أيضًا بـ 12 سنة سجن في حق عمار غول، وعشر سنوات ضد عبدالمؤمن ولد قدور، و8  سنوات ضد محمد مزيان ونورالدين بوطرفة.

مع إصدار غرامة مالية قدرها مليون دينار جزائري بحق جميع المتهمين، طالب مقدم النيابة العامة بعقوبات تتراوح بين 3 و6 سنوات ضد 32 متهما آخرين.

كما تجدر الإشارة إلى أن حوالي أربعين متهما يُحاكمون في هذه القضية التي بدأ التحقيق فيها سنة 2006. وقرابة ثلاثين منهم مهندسون من سوناطراك أو صغار المديرين التنفيذيين. 

وبعد استدعائهم كشهود لسماع أقوالهم من قبل قاضي التحقيق، اكتُشف أن معظمهم كانوا موضع ملاحقات قضائية، أو حتى تحت إجراءات احترازية مثل مصادرة حساباتهم المصرفية، ومعاشاتهم التقاعدية وما إلى ذلك.

وتجرى مقاضاتهم الآن أيضا بتهمة المشاركة في "انتهاك قانون الاشتراء العمومي"، وفق صحيفة لكسبريسيون.

أما بالنسبة للمتهمين الرئيسين، فهم وزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل، وابن أخيه، محمد رضا هامش، الذي عمل "كوسيط" بين الوزير وشركات مجموعة سوناطراك.

إلى جانب محمد بجاوي وزير الخارجية السابق وابن أخته فريد بجاوي، وهو أيضا مستشار مالي لشكيب خليل.

وأشار التقرير إلى ذكر اسم بيير فالكون في الملف الضخم لقرار الإحالة، وهذا الأخير هو مهرب أسلحة ووسيط لصالح العديد من الشركات الأجنبية، بعد أن كان مقيمًا في الجزائر وقت الأحداث بدعوة من شكيب خليل وعمار غول.

وجاء بعدهم في قائمة المتهمين، الرؤساء التنفيذيون السابقون لسوناطراك، محمد مزيان ونورالدين بوطرفة، وولد قدور وكذلك وزير الأشغال العمومية السابق عمار غول.

وورد أن المتهمين الأخيرين، ولد قدور وعمار غول، متورطان أيضًا في قضايا أخرى. فيما جرى الإفراج المؤقت عن جميع المتهمين الآخرين.

وظهر خلال النقاشات أن "جلسات إسناد المشاريع إلى شركة BRC وكذلك لشركات أخرى، قد عُقدت في منزل شكيب خليل ومنزل رضا هامش".

مع العلم أنه جرى إنشاء شركة BRC التي حلت عام 2007 بأمر من الرئيس السابق المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة، بشراكة بين سوناطراك بحصة (40 بالمئة) وشركة Kellog Brown and Roots (KBR) بحصة (49 بالمئة). فيما يحتفظ مركز درارية النووي بنسبة 11 بالمئة المتبقية. 

وقد استفادت هذه الشركة بين عامي 2000 و2005 من عدد كبير من العقود التي جرت خارج السوق، ولا سيما مع سوناطراك والجيش الوطني الشعبي ANP. وانتهزت الفرصة لتضخيم فواتيرها مقابل خدماتها بطريقة أكثر من خيالية.

في عام 2010، طلب رئيس الوزراء الجزائري في ذلك الوقت (أحمد أويحيى) ببساطة إلغاء الشراكة الأجنبية لبناء محطات الطاقة.

واستدعت نقابة المحامين الرئيس التنفيذي لسوناطراك بين عامي 2003-2010، محمد مزيان، الذي أكد أن "جميع القرارات التي نفذوها جاءت من شكيب خليل الذي كان في الوقت نفسه وزير الطاقة والمدير التنفيذي لسوناطراك ورئيس مجلس إدارتها". 

وتابع مزيان: "في حين أنه كان على لجنة تنظيم الكهرباء والغاز (Creg) أن تشرف على الأسواق في مجال إنتاج الكهرباء، إلا أنه لم يجر إنشاؤها إلا بحلول عام 2006، بسبب عدم وجود نص التطبيق.

وقد مكّن ذلك شكيب خليل من التصرف "على أساس انتقالي قبل إنشاء لجنة تنظيم الكهرباء والغاز (Creg) وحتى منح شركة Kellog Brown and Roots (KBR)، صلاحيات إطلاق ومعالجة طلبات مناقصات إنشاء محطات توليد الكهرباء مع إصدار تصاريح التنقيب".