المخابرات الباكستانية فضحتهم.. لماذا يمتهن سفراء محمود عباس وأبناؤه التهريب؟

حسن عبود | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أثارت حادثة تهريب مشروبات كحولية لحساب السفارة الفلسطينية في باكستان، جدلا واسعا في الأوساط الفلسطينية، فاتحة ملف التهريب لدى السلطة محمود عباس وسفاراتها وقياداتها المتنفذة في الداخل والخارج.

وعلى مدار السنوات الماضية، انتشرت كثير من فضائح الفساد المتعلقة بقيادات السلطة الفلسطينية من أعلى الهرم السياسي وحتى سفاراتها في الخارج.

وتبدأ هذه الفضائح من التعيين بالواسطة وحتى التكسب غير المشروع من تلك المناصب، ما حول السفراء إلى تجار ومهربين، وسط غياب تام للرقابة والمساءلة.

فضيحة باكستان

وكان آخر تلك الأحداث ما كشف عنه في 11 يناير/ كانون الثاني 2023، إذ تقدمت المخابرات الجمركية في مدينة كراتشي الباكستانية بشكوى ضد ثلاث شركات استيراد وتصدير محلية.

واتهمت المخابرات هذه الشركات بتهريب مشروبات كحولية لحساب السفارة الفلسطينية في البلاد من خلال استصدار تصاريح استيراد تحت غطاء بضائع دبلوماسية.

وبحسب ما نقل موقع "كاستوم نيوز" الإخباري المتخصص في أخبار النقل والجمارك في باكستان، فإنه بناء على تعليمات من المخابرات الجمركية في كراتشي، جرى مصادرة في ذات الأسبوع حاوية جرى استيرادها باسم سفارة دولة فلسطين.

وأوضحت أنه "تبين أن الحاوية تحتوي على مشروبات كحولية، وليس كما يشير تصريح الاستيراد إلى أنها بضائع دبلوماسية، مما عُدّ انتهاكا للأعراف الدبلوماسية المتفق عليها دوليا".

واحتوت الشحنة بعد فحصها كما ذكر تقرير المخابرات الجمركية على 10 آلاف و548 زجاجة لمشروبات كحولية متنوعة.

وكانت الخارجية الباكستانية قد طلبت من السفارة الفلسطينية الحضور خلال فحص الحاوية، غير أن الأخيرة نفت صلتها بالحاوية، ولم ترسل أي مندوبا عنها لحضور عملية الفحص.

كما تحدثت وسائل إعلام باكستانية عن استغلال السفير الفلسطيني في باكستان أحمد الربعي للإعفاء الجمركي الخاص بالبعثات الدبلوماسية للاتجار في استيراد السيارات بالتعاون مع تجار سيارات.

ويعد السلك الدبلوماسي الفلسطيني أكثر جهة تتلقى الانتقادات والاتهامات بالفساد ووصل الأمر إلى المحاباة بالتوظيف، نظرا لما يوفره العمل في السفارات والقنصليات من امتيازات.

وقالت مصادر لصحيفة "إكسبريس تريبيون" الباكستانية إن مديرية المخابرات العامة والتحقيقات في كراتشي أحبطت محاولة تهريب كمية كبيرة من المشروبات الكحولية غير المشروعة، وصادرت الشحنة المشبوهة في صالة المطار بالمدينة وأوقف التصريح عنها.

وبعدها بيومين، أصدرت السفارة توضيحا قالت فيه: "تابعنا بأسف ما تتناقله بعض وسائل الإعلام من أخبار مسيئة لنا دون مراجعتنا والتواصل معنا التزاما بالقواعد المهنية للصحافة والإعلام التي تعتمد على مبدأ نقل الحقائق من مصدرها وليس التشهير بنشر أخبار مزورة أو مبتورة".

وأوضحت عبر صفحتها على فيسبوك أن "البيان الأولي الصادر عن دائرة الجمارك الباكستانية نفى علاقة السفارة بهذه الشحنة".

وبينت أن "الشركة الناقلة أقرت برسالة رسمية بأن هناك خطأ بشريا من العاملين في مخازنها بإرسال الشحنة الخاصة بالسفارة إلى بلد آخر بينما الشحنة التي وصلت إلى ميناء كراتشي كان المفترض أن تصل إلى دولة أخرى".

وأردف البيان: "هذا ينفي بشكل قاطع علاقة سفارة دولة فلسطين بهذه الشحنة من قريب أو بعيد".

لكن كثيرين شككوا في رواية السفارة بالنظر إلى شبهات مستمرة حول عمل الممثليات الدبلوماسية الفلسطينية في الخارج وأيضا المتنفذين في السلطة بالضفة الغربية.

امتهان التهريب

هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها، فقد ظهرت تقارير خلال السنوات الأخيرة تتحدث عن عمليات تهريب كبيرة تورط فيها قيادات ومسؤولون في السلطة الفلسطينية.

وكشفت تقارير عن تورط طارق نجل الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأيضا رئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج، في عملية تهريب آثار تاريخية من مدينة دورا جنوبي الضفة الغربية.

وجرى تهريب تلك الآثار إلى قصر عباس في العاصمة الأردنية عمان، وبيعها في الخارج بمبلغ تجاوز 400 مليون دولار، بحسب ما نشر موقع "بدون رقابة" العربي وتناقلته وسائل إعلام محلية في أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

وقال الموقع إن طارق استخدم نفوذه في السلطة الفلسطينية وحصانته واستخدم المركبات الدبلوماسية الخاصة بوالده لنقل الآثار من مدينة رام الله إلى الأردن، بسبب عدم خضوعها للتفتيش على المعابر.

ويُشغل طارق محمود عباس عددا من السماسرة والمنقبين عن الآثار في أنحاء مناطق الضفة الغربية، من أجل استخراج الكنوز والآثار القيمة رغم منع القانون الفلسطيني ذلك، وفق الموقع.

وفي تقرير نشره مركز القدس للشؤون العامة (عبري) عام 2016، بين أن ابني عباس (طارق وياسر) يمتلكان مجموعة تجارية كبيرة تسمى “الصقر”، استولت على تجارة الضفة الغربية وسوق العمل فيها”، ما أسهم في تضخم ثروة العائلة بشكل كبير.

وفي عام 2012، كشفت مواقع أردنية عن تورط ياسر على مدار سنوات بعمليات تهريب أطنان من الذهب من الأردن إلى الضفة الغربية، ما شكل ضررا كبيرا للاقتصاديين الأردني والفلسطيني.

وطارق وياسر محمود عباس اللذان تولى والدهما رئاسة السلطة الفلسطينية في يناير 2005، ارتبطت أسماؤهما بتهم فساد كشفتها تقارير لوسائل إعلام أجنبية بين عامي 2009 و2015.

وفي عام 2016، ظهر اسم طارق عباس ضمن وثائق بنما، التي تحدثت عن امتلاكه شركة يبلغ رأس مالها ما يقارب المليون دولار وهي "الشركة العربية الفلسطينية للاستثمار".

وترتبط هذه الشركة أيضا بأعضاء من السلطة الفلسطينية، وقد جرى إنشاؤها في سبتمبر/ أيلول 1994 وتسجيلها في الجزر العذراء البريطانية.

وقالت صحيفة هآرتس العبية وقتها إنه جرى قبول طارق عباس ضمن أعضاء مجلس إدارة الشركة العربية الفلسطينية للاستثمار سنة 2011. وبلغت قيمة أسهمه سنة 2013 ما يقارب المليون دولار (982 ألف دولار)، وذلك وفقا لوثائق بنما.

وإضافة إلى نجلي عباس، كان من أبرز تلك الفضائح في تاريخ السلطة، ضبط السلطات الإسرائيلية ألفا هاتف نقال في سيارة روحي فتوح الذي تولى رئاسة السلطة الفلسطينية بعيد وفاة الرئيس ياسر عرفات كما شغل منصب رئيس المجلس التشريعي لسنوات.

وضبطت إسرائيل في مارس/آذار 2008 تلك الهواتف في سيارة فتوح, الذي يحمل بطاقة شخصية هامة (VIP), أثناء عودته من الأردن إلى الأراضي الفلسطينية. ونفى أي علاقة له بها, واتهم سائقه الشخصي بالضلوع في قضية التهريب هذه.

وبعد أن أثارت القضية ضجة كبيرة، قررت اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" إعفاء روحي فتوح مستشار محمود عباس من مسؤولياته الرسمية كافة في الحركة وفي السلطة في ذلك الوقت، لكنه عاد بعد أن هدأت القضية ليتبوأ مراكز قيادية أخرى.

بلا رقابة 

وتعليقا على الحادثة الأخيرة، توقع المحامي والحقوقي الفلسطيني عصام عابدين، جعل باكستان سفير السلطة "شخصا غير مرغوب" على أراضيها وفقا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 لانتهاكه الفج للأصول والأعراف الدبلوماسية واستغلال الصفة لتهريب مواد كحولية وغيرها والاتجار غير المشروع بها.

وقال عابدين في تدوينة عبر فيسبوك: "حال السفارات والبعثات الدبلوماسية الفلسطينية في الخارج والسلك الدبلوماسي بالمجمل وأداء وزارة الخارجية لا يقل فسادا وفضائح عما يجرى حاليا في باكستان".

وتابع: "فساد مُستشري وأعمال عصابات وفضائح مُشينة يندى لها الجبين، تمضي كما كل شيء في هذا البلد (بلد المشعوذين) دون رقابة ومساءلة وعقوبات رادعة تضمن عدم التكرار وإنصاف الضحايا الأبرياء".

ومضى يقول إننا "أمام فضيحة دبلوماسية فلسطينية عالمية، ولطالما تكررت تلك الفضائح (جرائم الفساد) في أداء سفاراتنا وبعثاتنا في الخارج، ومقر وزارة الخارجية، ما أدى لاحتقار وانهيار الثقة بالدبلوماسية الفلسطينية عموما في عيون الفلسطينيين والمتضامنين مع القضية".

وقال عابدين في تدوينة لاحقة: "لا يُمكن أن يتجرّأ السفراء والسلك الدبلوماسي في الداخل والخارج، إلى هذا الحد من الفساد المُمَنهج والانحطاط والتمادي الفج وحدهم، هؤلاء مجرّد موظفين صغار"، في إشارة إلى انتهاج قيادة السلطة ذات الأمر.

وفي السياق ذاته، قال أستاذ العلوم السياسية عبد الستار قاسم إن السفارات فاسدة في عمومها وتدار بطريقة "فهلوية" معتمدة على الوساطات والمحسوبيات والتمييز بين الفلسطينيين، وهناك سوء إدارة وعجرفة من قبل الموظفين تلحق الكثير من الأذى بأفراد الجاليات الفلسطينية.

وفي مقال نشره قاسم عام 2016 بموقع "الجزيرة نت"، قال قاسم إنه استند إلى شهادات عديدة من أشخاص عاشوا في الخارج، تؤكد أن السفارات الفلسطينية "أوكار للفاسدين والفاشلين والمتعصبين لتنظيم معين، وهم يستعملونها لتحقيق مآرب شخصية هي في الغالب شهوانية".

وأردف: "موظفو السفارة يعملون في الغالب بالتجارة، ويستغلون مناصبهم وتمثيلهم لتمرير مصالحهم التجارية التي تتعمق مع الزمن مع تجار محليين"، مبينا أن السفير مشغول غالبا باللهو والمتع، وقلما تشغل باله القضية الفلسطينية.

والسفارات الفلسطينية لا يمكن أن تختلف عن باقي المؤسسات، فهي ابنة النظام، ولا مفر ستعكس أخلاقيات نظام أوسلو، ولو كان لها أن تعكس الأخلاق الوطنية والالتزام الوطني لكان موظفوها عرضة للاستبدال السريع والفوري، كما قال.

بدوره، يقول ناشط سياسي من الضفة الغربية لـ"الاستقلال" إن استمرار عمليات التهريب يؤكد الدور الوظيفي الأساسي للسلطة الفلسطينية وقياداتها المتمثل بالعيش والمحافظة على المكتسبات الفردية بأي ثمن.

وأوضح الناشط الذي رفض الكشف عن اسمه خوفا من الملاحقة: "قيادات السلطة وصلت في السنوات الأخيرة إلى الحضيض عبر التكسب المادي غير المشروع والتهريب بدء من أبناء عباس ومسؤولين في المخابرات والأجهزة الأمنية".

وتابع بالقول: "لم يعد هناك وظيفة ودور للسلطة سوى ملاحقة الناشطين المنتقدين والمعارضين لسياستها وحتى المطالبين بالمحاسبة وإنهاء الفساد، وأغلب القيادات تستغل مناصبها لمحاولة كسب أكبر قدر ممكن خوفا من قادم أسوأ حال رحيل عباس وانتشار الفوضى".