"خليجي25".. بطولة قربت العراق من الحضن العربي وأربكت "أوهام" إيران 

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

لم تمر بطولة كأس الخليج العربي بنسختها الـ25 التي أقيمت في مدينة البصرة العراقية، دون مناكفات سياسية بين إيران والدول العربية، ولا سيما الخليجية منها، والتي تجدد فيها الصراع بين الطرفين بشكل غير مباشر بخصوص علاقة العراق بمحيطه العربي والإقليمي.

وفي 19 يناير/ كانون الثاني 2023، اختتمت البطولة الكروية الخليجية، بتتويج العراق باللقب للمرة الرابعة في تاريخ كأس الخليج العربي الذي انطلقت نسخته الأولى عام 1970، وتشارك فيه، السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، البحرين، عُمان، العراق، اليمن.

عودة للصف

ولعل نظر البعض إلى البطولة الخليجية على أنها أعادت العراق إلى الحضن العربي، أثار الكثير من المناكفات داخل العراق، وربما حتى خارجه بشكل غير مباشر، وذلك بعد كثرة التصريحات اللافتة من مسؤولين خليجيين وعرب، باركت للعراق نجاحه في تنظيم "خليجي25".

أولى تلك التصريحات، كانت من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي واصل تحديه لإيران بتسمية "الخليج العربي"، بعدما استفزتها كثيرا تغريدة سابقة له مع انطلاق البطولة في 6 يناير 2023 ورد فيها ذكر "الخليج العربي"، وعبرت طهران حينها عن احتجاجها رسميا لدى العراق على ذلك كونها تطلق عليه "الخليج الفارسي".

وكتب الصدر تغريدته بعد انتهاء البطولة في 19 يناير 2023، قال فيها: "نهنئ شعبنا ومنتخبنا العراقي بفوزه الكبير في المباراة النهائية في كأس (الخليج العربي) في نسخته الخامسة والعشرين التي أُقيمت في (عراقنا الحبيب)".

وأضاف زعيم التيار الصدري: "كما نشكر كل المنتخبات العربية التي شاركتنا في هذه الدورة التي أرجعت العراق إلى الصف العربي بثوب جديد ملؤه الحب والسلام.

وأنهى تغريدته بقوله: "فأهلا بكم يا دول (الخليج العربي) في عراق العروبة والإباء".

رسالة الصدر في عبارة "الصف العربي" عبر تغريدته، لاقت تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي في الداخل، بالتأييد للتقارب العراقي العربي، والرفض لنفوذ إيران في بلادهم، والتي ظهرت أيضا في ملامح الاستقبال والترحيب من جانب المواطنين بالزوار الخليجيين والعرب للمشاركة في كأس الخليج.

وعلق العراقي حيدر الساعدي على تغريد الصدر، قائلا: "مبروك يا عربي يا ابن الخليج العربي فوز المنتخب العراقي بكأس الخليج العربي".

وفي السياق ذاته، كتب المغرد العراقي علي الدرويش، قائلا: "مولاي هواي (كثيرا) مكثر كلمة العربي خاف يزعلون ذولاك (أولئك) الناس"، في إشارة إلى غضب إيران وحلفائها في العراق.

وعلى مدار أيام البطولة، تفاعل العراقيون مع الزوار العرب، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لقطات مصورة لحجم الترحاب الذي شارك فيه مسؤولون وشيوخ عشائر وقبائل عراقية، عبر إقامة ولائم للمشاركين، ورفض تقاضي أموال مقابل الخدمات المقدمة، فضلا عن استقبال العديد من العراقيين للضيوف في منازلهم.

وخلال السنوات الماضية، استعرضت تقارير غربية مظاهر الهيمنة الإيرانية على العراق.

وأشار تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" نشرته في يوليو/ تموز 2017، إلى أن "هذه الهيمنة تتجسد في كل شيء، ابتداء من البضائع الاستهلاكية على رفوف المتاجر وشركات الأعمال وتكوين المليشيات الموالية لها وحتى تعيين رئيس الحكومة ووزرائها".

فرصة للمناكفة

وحول تجدد الصراع العربي الإيراني بخصوص علاقة العراق بمحيطه العربي مع انطلاق "خليجي25"، قال الباحث والصحفي العراقي، لؤي المنذر، إن "المناكفات بين إيران ودول الخليج العربي حاضرة في كل مناسبة، فما بالنا بحدث كبير يقرّب العراق مع الدول العربية، وهذا قد يسبب عزلة أكبر لإيران".

وأوضح المنذر لـ"الاستقلال" أن "إيران لا تريد رؤية حالة الاندماج بين الشعوب العربية مع العراق الذي يمثل بالنسبة لها الحديقة الخلفية، وتبسط هيمنتها عليه منذ الاحتلال الأميركي للبلد عام 2003، وأوقفت الصناعة والتجارة والزراعة وكل شيء فيه حتى تسد هي مكان ذلك كله وتجني الأموال الطائلة من العراق".

ورأى المنذر أن "حالة التفاعل الكبيرة من زعماء وقادة خليجيين مع العراق واستضافته للحدث الكروي الخليجي، يؤكد رغبة هذه الدول بعودة العلاقة بين شعوبهم والشعب العراقي، وكذلك على صعيد الحكومات، وهذا بالضرورة سيكون على حساب إيران التي ترفض أي تقارب من هذا القبيل".

من جهته، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" العراقي، إحسان الشمري، إن "المشاهد التي رأيناها في بطولة كأس الخليج، وما يجرى اليوم، لا يرتبط فقط بتلميحات مقتدى الصدر، وطبيعة الاحتفاء العراقي، كشعب وحتى بعض القيادات السياسية، بالمنتخبات، والمشجعين بصورة أكبر، يكشف مدى المشاعر العربية بصورة لا تقبل الشك".

وأوضح الشمري لموقع "عربي21" أن "الرسالة الواضحة بعيدا عن كرة القدم، أن العراق والعراقيين انتماؤهم عربي، ووجدوا من خلال بطولة كأس الخليج العربي، بعد هذه السنوات الصعبة، أفضل وسيلة للتعبير عن هذا الشعور".

وأكد أن "الشخصية العراقية احتفائية بطبيعتها، تجاه أي زائر، فكيف إذا كان الضيف هو الشقيق، وكانت هناك سياسات لإبعاد هذا الشقيق عن العراق، والسياسات التي مورست، وسعت لها أجندات مرتبطة بإيران، من أجل الزحف الطائفي، على مدار 20 عاما، انهارت، أمام لحظة الاحتفاء العراقي بدول الخليج ومنتخباتهم ومشجعيهم".

وشدد الشمري بالقول: "نحن الآن أمام رسالة واضحة، رسالة شعب، ولا أتحدث عن رسائل دبلوماسية، لكن الشعب هو من يملك القرار بالنهاية، في طبيعة انتمائه، ولهذا أتصور أنه يتحدث بصوت عال لرفض تلك السياسات التي مورست لإبعاد الشعب العراقي عن انتمائه ومحيطه العربي".

وتابع: "هذه السياسة ستواجه برفض، ونحن أمام تحول مجتمعي، أكثر مما هو تحول سياسي، نحو المنظومة العربية".

ولفت الشمري، إلى أن "تعامل الشعب العراقي مع المشجعين العرب كان بدافع الهوية، ولم يترك مجالا لصعود أي هويات ثانوية أو طائفية على حساب الانتماء، ولم نلاحظ حتى طائفية سياسية في المشهد رغم أنها مورست سابقا، وجرى العمل عليها بشكل ممنهج".

واستطرد: "نحن أمام مرحلة جديدة بكل المقاييس ولا مكان للهويات الطائفية على حساب هوية العراق العربية منذ القدم".

تفاعل مختلف

وعلى صعيد المواقف الرسمية الخليجية والعربية، التي عدّها مراقبون بأنها مناكفة مبطنة وغير مباشرة مع إيران بسبب الإصرار على تسمية "الخليج العربي" وحجم التفاعل الذي كان لافتا مع العراق المنظم للبطولة الخليجية، والحاصل على لقب النسخة الـ25.

وفي هذا الصدد، هنأ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده محمد بن سلمان، الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد بمناسبتي نجاح بلاده في تنظيم بطولة كأس "الخليج العربي" لكرة القدم وفوز المنتخب بكأس البطولة، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية في 22 يناير/ كانون الثاني 2023.

وقال الملك سلمان، في برقيته: "يسرنا بمناسبتي نجاح العراق في تنظيم بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم الخامسة والعشرين، وفوز المنتخب العراقي الأول لكرة القدم بكأس البطولة، أن نبعث لفخامتكم أصدق التهاني، وأطيب التمنيات بتحقيق مزيد من الإنجازات، ولشعب جمهورية العراق الشقيق التقدم والازدهار".

كما بعث ابن سلمان برقية تهنئة مماثلة إلى الرئيس العراقي هنأه فيها بنجاح تنظيم بلاده للبطولة الخليجية وفوز المنتخب بلقبها.

وعلى الوتيرة ذاتها، هنأ أميرا قطر والكويت ونائب رئيس الإمارات، العراق بمناسبة نجاح بطولة "خليجي 25"، وفوز منتخب "أسود الرافدين" في البطولة.

وقال الديوان الأميري القطري إن الأمير تميم بن حمد، هنأ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بنجاح بلاده في تنظيم بطولة "خليجي 25"، وأعرب عن تمنياته للعراق بدوام التقدم، وذلك في اتصال هاتفي جرى في 19 يناير/ كانون الثاني 2023.

من جانبها، قالت وكالة الأنباء الكويتية إن الأمير نواف الأحمد، بعث ببرقيتي تهنئة إلى الرئيس العراقي، ورئيس الوزراء، أعرب فيهما عن خالص تهانيه بفوز المنتخب العراقي لكرة القدم في بطولة  كأس الخليج.

كما أشاد أمير الكويت بـ"الروح العالية والتنافس الأخوي اللذين تحلت بهما جميع المنتخبات المشاركة في هذه البطولة، وبمستوى الأداء الفني الرفيع الذي أداه المنتخب العراقي والذي أهله للفوز بكأس البطولة".

بدوره، عبّر نائب رئيس الإمارات حاكم دبي، محمد بن راشد، في 20 يناير/ كانون الثاني 2023، عن سعادته بفوز المنتخب العراقي بنهائي كأس الخليج العربي.

وقال في تغريدة على "تويتر": "فرح العراق اليوم بعد طول صبر وانتظار، وفرحت معه الشعوب والقلوب.. كلنا اليوم عراقيون في الفرحة.. كلنا اليوم عراقيون في الانتصار.. مبروك ‎كأس الخليج العربي يا أهلنا وأحبابنا".

وأضاف: "شكرا أهل البصرة وأهل العراق على حسن التنظيم والاستضافة".

بدوره، عبّر رئيس مجلس النواب الأردني، أحمد الصفدي، في 20 يناير 2023 عن أطيب التهاني للمنتخب العراقي، بفوزه ببطولة كأس الخليج.

وكتب الصفدي، في تغريدة له على تويتر، نشرها الحساب الرسمي لمجلس النواب: "نبارك للأشقاء العراقيين نجاح التنظيم في  البصرة، حيث سعدنا برؤية منتخبات الخليج العربي بحدث رياضي يستضيفه العراق، ما يعكس حالة الأمن والاستقرار التي نسأل الله دوامها لأرض الرافدين".

في غضون ذلك، هنأ أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، المنتخب العراقي بالفوز بالكأس، كما هنأ العراق لنجاحه في استضافة البطولة، مؤكدا أن "الرياضة سبيل مهم لتعزيز أواصر الصداقة والمحبة بين الشعوب العربية"، بحسب تغريدة له في 20 يناير 2023.

أما الجانب الإيراني، فقد شنت الصحف هجوما شرسا على رئيس الوزراء العراقي، وذلك بعد الاحتجاج الرسمي الذي قدمته طهران في 11 يناير 2023، بسبب تسمية "الخليج العربي" التي وردت على لسان السوداني، أثناء ترحيبه بالمنتخبات الخليجية خلال مراسم افتتاح البطولة في 6 يناير.

وأطلقت صحيفة "آرمان أمروز" الإيرانية في 17 يناير/ كانون الثاني 2023 ألقابا مسيئة بحق رئيس وزراء العراق، وحمل أحد مقالاتها عنوان "السوداني يظهر ذيله"، وآخر بعنوان "السوداني يسير على خطى صدام حسين".

وقالت الصحيفة إن "استخدام هذه الأسماء (الخليج العربي) يدل على أن لدى المسؤولين العراقيين أهدافا قومية تتمثل في التقارب مع العرب".

وأثار هذا التصريح حنقا داخل إيران أيضا، حيث قالت "آرمان أمروز" في مقال آخر إن "السوداني أخرج ذيله الحقيقي"، في إشارة إلى مثل فارسي يعني ظهور النوايا الحقيقية المخفية.

ترابط متين

وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تقريرا سلط الضوء على أجواء "خليجي 25" التي استضافها العراق للمرة الأولى منذ عام 1979، مشيرة إلى أن البطولة "تحولت إلى احتفالية بالوحدة العربية".

وقالت الصحيفة في 18 يناير 2023، إن "استضافة هذا الحدث الرياضي يأتي ضمن مساعي العراق لطي صفحة عقود من العنف وعدم الاستقرار والعزلة".

ونقلت عن رئيس الوزراء العراقي قوله إن "خليجي 25 فرصة يمكن أن تساعد في تعزيز العلاقات بين العراق وبقية دول الخليج"، مضيفا أن استضافة البطولة "تمثل علامة على التعافي بعد السنوات العجاف والاضطرابات السياسية".

وشددت "واشنطن بوست" على أن "استضافة البطولة -التي تقام كل عامين وتشارك فيها دول مجلس التعاون الخليجي الست إضافة إلى اليمن والعراق- شكلت أول فرصة للعديد من مواطني الخليج لزيارة العراق والتعرف على ثقافته".

وأشارت إلى أن "البطولة مثلت فرصة نادرة لسكان العراق لمشاهدة حدث كروي دولي في بلادهم، والأهم من ذلك التعبير عن اعتزازهم بوطنهم وسعادتهم بما يمثله الحدث الرياضي من تضامن إقليمي".

كما تطرقت إلى "مظاهر الكرم العراقي اللافت والذي ترجمه الاحتفاء الشعبي بالزوار الذي تدفقوا على العراق لحضور هذا الحدث الرياضي"، لافتة إلى أن "سكان البصرة فتحوا بيوتهم لاستضافة المشجعين في ظل اكتظاظ فنادق المدينة".

وقالت الصحيفة الأميركية إن "ما يزيد على 50 ألف زائر خليجي تدفقوا نحو العراق خلال أيام البطولة، وفقا للسلطات، حيث خففت البلاد القيود على الحدود ومنحت تأشيرات الدخول مجانا، وشقوا طريقهم إلى البصرة ثاني أكبر مدن البلاد، حيث استقبلهم الشعب بالترحيب".

وأشارت إلى أن بطولة هذا العام لم تسلم من الجدل السياسي، فقد اعترضت إيران على عبارة "الخليج العربي" في اسم البطولة، بحجة أنه ينبغي أن يطلق عليها اسم "الخليج الفارسي"، واستدعت طهران السفير العراقي لتقديم احتجاج رسمي لهذا السبب.

بيد أن السوداني قلّل من أهمية الخلاف بهذا الشأن، وقال "نحترم جميع وجهات النظر، ونحن اليوم جزء من النظام العربي، ونحرص على ديمومة علاقاتنا مع دول الخليج العربي"، وفق تقرير الصحيفة.

وختمت "واشنطن بوست" تقريرها بتعليق للمهندس العراقي محمد البزوني (34 عاما) من مدينة البصرة الذي قال: "على مدى 20 عاما حاولت إيران نزع الهوية العربية عن العراق بشكل عام وعن المجتمع القبلي في الجنوب بشكل خاص، لكن ما حدث في هذه البطولة أغضب إيران كثيرا، لقد أدركوا أن ما بيننا وبين أهل الخليج أكبر من أن يكسر".