"الحرب" تطفو على السطح.. لماذا لا يهدأ الخطاب التصعيدي بين الجزائر والمغرب؟

الرباط - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أثار الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون جدلا كبيرا في الأوساط المغاربية، مع استخدامه تعبير "الحرب" عند حديثه عن العلاقات المتوترة بين بلاده والمغرب.

وفي 30 ديسمبر/ كانون الأول 2022، قال تبون في حوار مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، إن "قطع العلاقات مع المغرب كان بديلا للحرب معه"، مستبعدا قبول أي وساطة لحل الأزمة بين البلدين الشقيقين.

ولم يفوت الرئيس الجزائري وهو يتحدث عن حاضر ومستقبل التوتر مع المغرب، التطرق لجروح الماضي وتحديدا سنة 1963 المعروفة إعلاميا بـ"حرب الرمال"، حين اندلعت مواجهات عسكرية بين الرباط والجزائر، تبادل فيها الطرفان الاتهامات.

وتقول الرواية الجزائرية إن المغرب هاجم الجزائر المستقلة حديثا، دون وجود دوافع لذلك، بينما تقول الرباط إن الحكومة الجزائرية رفضت إعادة الأراضي المغربية التي اقتطعتها فرنسا من المملكة وضمتها للجارة الشرقية خلال حقبة الاستعمار.

مسار تصعيدي

وفي الحوار الذي نشرت الرئاسة الجزائرية مقتطفات منه، قال تبون، إن قرار قطع العلاقات مع الجارة المغرب  صيف العام 2021 كان "بديلاً لنشوب حرب بين الدولتين ونتيجة تراكمات منذ عام 1963".

وأضاف أن "النظام المغربي هو من سبب المشاكل وليس الشعب فهناك 80 ألف مغربي يعيشون في الجزائر بكرامة"، وتنفي الرباط عادة اتهامات الجزائر بهذا الشأن.

وذكر تبون، أنه صفق "للمنتخب المغربي لتشريفه كرة القدم المغاربية والعربية في المونديال (قطر 2022)، لأن الشعب المغربي أيضاً صفق لنا لإحرازنا التاج الإفريقي" في مصر عام 2019.

وأكد أن "الوساطة غير ممكنة" بين المغرب والجزائر، في إشارة إلى ما أشيع عن أن ملك الأردن عبدالله الثاني قام خلال زيارته إلى الجزائر مطلع ديسمبر بوساطة بين البلدين تشمل إعادة تشغيل أنبوب الغاز الذي يصل إسبانيا مرورا بالأراضي المغربية.

وفي نهاية اجتماع استثنائي للمجلس الأعلى للأمن في الجزائر، برئاسة تبون، أعلنت الجزائر قطع علاقاتها مع المغرب في 18 أغسطس/آب 2021.

وجاء القرار الجزائري على خلفية الحرائق الضخمة التي عاشتها البلاد في 2021، والتي خلفت خسائر بشرية ومادية كبيرة.

وخصص الاجتماع لـ"تقييم الوضع العام للبلاد عقب الأحداث الأليمة الأخيرة والأعمال العدائية المتواصلة من طرف المغرب وحليفه الكيان الصهيوني ضد الجزائر"، وفق وكالة الأنباء الحكومية.

واتهمت الجزائر في بيان قطع العلاقات، المغرب بالقيام بـ"أعمال عدائية"، معلنة "إعادة النظر في العلاقات بين البلدين وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية".

وقبل ذلك، كان المغرب أعرب في 11 أغسطس، عن استعداده لمساعدة الجزائر في مكافحة حرائق الغابات.

وفي 24 من أغسطس 2021، أصدر وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، بيانا، أكد فيه أن " الجزائر ترفض أن تخضع لسلوكيات وأفعال مرفوضة تدينها بقوة، وترفض كذلك منطق الأمر الواقع والسياسات أحادية الجانب بعواقبها الكارثية على الشعوب المغاربية". 

وأضاف: "فلكل هذه الأسباب، وبناء على العوامل والمعطيات السالفة الذكر، قررت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية".

تجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين البلدين تطورت للغاية، إثر إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، اتفاق المغرب وإسرائيل على تطبيع العلاقات بينهما بوساطة أميركية.

وجاء هذا الاتفاق الأميركي المغربي الإسرائيلي، إثر توقيع ترامب إعلانا يعترف فيه بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، الذي تدعم الجزائر جبهة البوليساريو فيه للاستقلال.

بينما يقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا بإقليم الصحراء تحت سيادته، بينما تدعو البوليساريو إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

C:\Users\DELL\Desktop\حرائق الجزائر صيف 2021.jpg

شرارات مقلقة

وبعد شهرين من قطع العلاقات تصاعدت المخاوف من بدء حرب بين البلدين، مع وقوع حادثة أمنية حدودية راح ضحيتها ثلاثة جزائريين في المنطقة المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو،.

"القصف" الذي وقع في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، دفع أعلى السلطات الجزائرية للتحرك، حيث صدر بيان من رئاسة الجمهورية توعد فيه بأن "الجريمة لن تمضي دون عقاب".

وقال البيان إن "اغتيال ثلاثة رعايا جزائريين بشكل جبان في قصف همجي لشاحناتهم، أثناء تنقلهم بين نواكشوط وورقلة، في إطار حركة مبادلات تجارية عادية بين شعوب المنطقة، يعد مظهراً جديداً لعدوان وحشي يمثل ميزة لسياسة معروفة بالتوسع الإقليمي والترهيب".

وأضاف أن "السلطات الجزائرية قد اتخذت على الفور، التدابير اللازمة للتحقيق حول هذا العمل الحقير، وكشف ملابساته".

ولم يفوت بيان الرئاسة الجزائرية التشديد على أن "اغتيال الجزائريين الثلاثة في غمرة احتفال الشعب الجزائري بالذكرى الـ67 لاندلاع ثورة التحرير المجيدة في فاتح نوفمبر 2021، لن يمضي دون عقاب".

بينما جاء الرد المغربي غامضا في ندوة صحفية للناطق باسم الحكومة المغربية مصطفى بايتاس، قال فيها إن "الرباط تتمسك باحترام دقيق لمبادئ حسن الجوار مع الجميع"، لكن الأمور توقفت عند هذا الحد.

 C:\Users\DELL\Desktop\آثار قصف تعرضت له شاحنتان بين ورقلة ونواكشوط راح ضحيته 3 جزائريين.jpg

وفي تعليقه على عودة التصعيد الخطابي، قال أستاذ تحليل الخطاب في مركز تكوين الأساتذة بالدار البيضاء خالد بكاري، لـ"الاستقلال" إن "خطاب العداء والكراهية في تصريحات حكام الجزائر والإعلام الموجه المقرب من دوائر صنع القرار ضد المغرب ليس أمرا جديدا".

واستدرك: "بل يكاد يصبح مكونا ثابتا من مكونات البروباغندا الدولية بالجزائر، منذ الحقبة البومدينية (1965 - 1978)، والجديد هو الزيادة في جرعات هذه النبرة العدائية شكلا ومضمونا، وتوظيف شبكات التواصل الاجتماعي إلى جانب الإعلام الكلاسيكي".

وأضاف: "طبعا لا يجب أن نغض الطرف أن بعض الأطراف في المغرب بدورها انجرت إلى هذا المستنقع، وبدأنا نرى حملات منظمة في بعض الإعلام الخاص الذي تقف وراءه شخصيات نافذة، وكذلك في مواقع التواصل الاجتماعي".

لكن للموضوعية، يوضح بكاري، التصريحات الرسمية المغربية، وخصوصا من طرف الملك مازالت تحافظ على خطاب متوازن يحاول المزاوجة بين الدفاع عما يراه النظام حقوقا وطنية غير قابلة للتنازلات وبين عدم قطع شعرة معاوية مع الجار الشرقي.

وادعى أن "الإعلام الرسمي المغربي مقارنة بالإعلام الرسمي الجزائري يبقى على العموم بعيدا عن ترويج خطاب عدائي تجاه الجزائر".                              

وأعرب المحلل المغربي عن اعتقاده أن "خلفيات تركيز الخطاب الجزائري الرسمي والإعلامي على معاداة المغرب مرتبطة في أصولها بشرعية النظام الجزائري الذي يسوق لشرعية حرب التحرير من الاستعمار الفرنسي".

ومضى شارحا: "أي أن الشرعية قائمة على المواجهة مع الآخر، وليست شرعية ديمقراطية، وبالتالي فأمام أي أزمة سياسية لهذا النظام يلجأ لتجديد مصدر شرعيته، بالترويج لاستهداف البلاد من طرف عدو خارجي، ويراوح بين الاستثمار العاطفي في معاداة فرنسا أحيانا، أو في معاداة المغرب في أغلب الأحيان".

"كما يوظف في بعض الأحيان التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية للادعاء بوجود مخطط إسرائيلي ضد الجزائر"، يستكمل بكاري ادعاءاته.

و"لفهم تصاعد نبرة العداء تجاه المغرب في الخطابين الرسمي والإعلامي الجزائريين، يقول الخبير المغربي إنه يجب الإحالة إلى محطة الحراك الشعبي الذي بدأ بعد تجديد العهدة الرئاسية للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.

وأضاف: "وهي الهبة الشعبية التي كادت تعصف بمراكز النفوذ القوية داخل النظام، لولا انحناؤه للعاصفة مؤقتا بتحييد بوتفليقة، وتنظيم محاكمات صورية لبعض رموز الفساد، ثم استدعاء الحل التقليدي وهو استدعاء العدو التاريخي كما ينعتونه، الذي هو المغرب، عوض التناقض الثانوي الداخلي".

وخلص بكاري للقول: "ويمكن أن نؤكد نجاح هذا المخطط نسبيا، وهو ما يظهر في تحولات حتى في المزاج الشعبي ضحية البروباغندا، وهو الأمر نفسه الحاصل حتى في المغرب".

كما شدد على أنه "لا ينبغي إغفال تدخل قوى خارجية بعيدة عن المنطقة لتأجيج هذه العداوات المجانية والاستثمار فيها، ويمكن الاستشهاد بمجموعة من القنوات الإعلامية المدعومة خليجيا، خصوصا من طرف الإمارات"

وقال: "وقد كشفت مجموعة من التحقيقات أن بعض الحملات الإلكترونية التي كانت مسخرة لسب المغرب والجزائر عبر حسابات وهمية كان مصدرها جهات إماراتية أساسا".

الحاجة إلى عدو

من جانبه، أكد العضو المؤسس في حركة "رشاد" الجزائرية المعارضة، محمد العربي زيتوت، في حوار مع موقع "عربي21" الإلكتروني، أن "النظام الجزائري يحتاج إلى عدو خارجي، خصوصا في هذه الظروف".

واستدرك قائلا: "لكن قد يحدث له ما حدث لجنرالات الأرجنتين في عام 1982، عندما ظنوا أن محاولة استرجاعهم لجزر المالوين التي كانت تتبع لبريطانيا، قد يجمع حولهم الشعب الأرجنتيني فإذا بهم يخسرون الحرب، وبذلك انهارت الطغمة الأرجنتينية فيما بعد 1982".

وتابع زيتوت: "طبعا أنا هنا لا أتخذ موقفا مع أي جهة كانت، ورأى أن الحرب ليست لا في مصلحة المغرب ولا في مصلحة الجزائر ولا في مصلحة الصحراويين، سواء من كانوا داخل الصحراء أم من هم في تندوف".

وسجل أن "هذه حرب إذا اندلعت ستكون خطرا على المنطقة برمتها، وستكون خطرا على الشعبين، وربما تؤدي إلى حرب واسعة، وليس للشعبين أي فائدة في أن تقوم حرب بين المغرب والجزائر، وبالتأكيد فإن أحرار الجزائر لن يقبلوا بأن يكون هناك توتير زائد لما هي عليه المنطقة".

وزاد "الجزائر تحوم حولها أخطار كثيرة، وأعظم خطر عليها هو النظام القائم الذي يرفض تقرير مصير شعبه، إذ لا يمكن أن تنادي بتقرير مصير شعب آخر سواء عن حق أم عن باطل، وأنت ترفض تقرير مصير شعبك.. الذي يرى كمشة العسكر قوة أقرب للاحتلال منها إلى الطغيان وإن كانت تجمع بين الاثنين.                                                       

من جهته، يذهب الباحث في التواصل السياسي المغربي نورالدين لشهب، إلى أن "العلاقات بين المغرب والجزائر يجب أن تتطور في اتجاه التنافس السياسي والاستراتيجي، لكن الخطر هو اللعب بالنار في محيط مضطرب وفي زمن حساس جدا".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "حديث الرئيس الجزائري في حواره الأخير عن الحرب، الذي جاء مقرونا مع تكرار رفض أي وساطة مع المغرب، تستدعي من جميع العقلاء في الجزائر التحرك لئلا تنفلت الأمور".

ورأى لشهب "أن المغرب الرسمي كما المغرب الشعبي يرفض تحويل جوارنا مع الجزائر إلى حدود من نار، والسبب هو مراعاة التاريخ المشترك، والعلاقات الاجتماعية الممتدة، والروابط الثقافية والأخلاقية".

وشدد على أن "العلاقات المغربية الجزائرية يجب أن تبتعد عن الخطاب التصعيدي، والخلافات بين البلدين الجارين، الذين تجاوزا عبر تاريخهما كثيرا من المطبات والأعطاب بالتعقل والهدوء".

وأعرب عن مخاوفه من خروج الوضع عن السيطرة حال تواصل هذا النهج، قائلا: "الملاحظ أن القيادة الجزائرية شرعت منذ ما بعد الحراك الشعبي في توجيه الرأي العام الجزائري إلى الاعتقاد بأن جميع مشاكل البلد تأتي من المغرب".

وأضاف: "بالموازاة مع ذلك يجرى تصعيد تدريجي للخطاب الرسمي وصولا إلى استعمال مصطلح الحرب، وهو ما يثير المخاوف من خروج الأمور عن السيطرة".