مستقبل غامض.. ما الأسباب وراء مغادرة العمالة المصرية دول الخليج؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أبرز موقع بريطاني أزمة العمالة المصرية في دول الخليج العربي، مشيرا إلى أن المصريين باتوا يغادرون الخليج طوعا أو كرها، لأسباب عديدة، في مقدمتها كراهية الأجانب والنظرة الفوقية تجاههم.

وعقد موقع "ميدل إيست آي" عدة لقاءات مع عمال مصريين بالخليج، أكد جميعهم انزعاجهم من التغييرات الإدارية والاقتصادية التي طرأت في الشهور الأخيرة على دول مثل السعودية والكويت وتأثيرها السلبي على حياتهم.

بين عشية وضحاها

المصري يوسف، الذي يبلغ من العمر 56 عاما ، كان يعمل في الكويت لمدة عقدين، ووجد نفسه فجأة مضطرا لمغادرة البلاد، بعد طرده من وظيفته لسبب غير مفهوم.

وقال يوسف لموقع ميدل إيست آي، إن "كل شيء تغير بين عشية وضحاها، فبدون وجود سبب واضح، أنهى الكفيل عقد عملي، وفرض عليّ العودة إلى مصر سريعا".

وأكد يوسف أنه "في السنوات الأخيرة، تجد أعدادا متزايدة من العمالة المصرية نفسها في مواجهة هذا الوضع، فإما أن يقرر صاحب العمل التخلص منهم دون سابق إنذار، أو أن السياسات الحكومية الرامية إلى توظيف مواطني البلد الأصليين هي التي تدفع إلى ذلك".

وأضاف: "نحن المصريين لم يعد مُرحبا بنا في دول الخليج، إذ إن وصولنا إلى هناك بات أكثر صعوبة من ذي قبل".

وللمرة الأولى منذ سبعينيات القرن العشرين، بدأت القوى المصرية العاملة في الممالك الخليجية تشعر بالإحباط، بسبب سياسات تأميم الوظائف، التي تتبعها بعض دول الخليج، حسب الموقع البريطاني.

ففي عام 2020، كان نصيب الإمارات والكويت وقطر والسعودية من جميع العمالة المصرية في الخارج، نحو 64 بالمئة، لكن من المقرر أن تنخفض هذه النسبة بشكل كبير في العقد القادم، وفق التقرير.

وذكر الموقع أن أعداد المُرَحَّلين خلال السنوات الأخيرة في تصاعد مستمر، فقد صدرت أوامر لـ 2000 مصري بمغادرة الكويت في عام 2019، وفي السعودية، طُلب من حوالي 30 ألف مصري العودة إلى بلدهم في عام 2017.

وفي عام 2020، أعدت السلطات الكويتية خطة لتأميم الوظائف وضبط التركيبة السكانية في البلاد، آملة في تحقيق نسبة "70 بالمئة من الكويتيين إلى 30 بالمئة من المغتربين" بحلول عام 2030.

وفي المقابل، فإن خطة "رؤية 2030" التي أعدها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان في عام 2016، تُلزم الشركات بزيادة عدد الموظفين السعوديين، وإلا فستعرض نفسها للعقوبات.

"كراهية الأجانب"

ووفق شاب مصري، تخرج من جامعة مصرية لكنه قضى معظم طفولته في بلد خليجي، فإن سياسات توطين الوظائف الجارية في دول خليجية هي في الأساس مدفوعة بـ"كراهية الأجانب".

وقال الشاب المصري– البالغ من العمر 25 عاما، والذي رفض ذكر اسمه- إنه "منذ نعومة أظفارنا، جعَلَنا بعض المواطنين هناك أن نشعر أننا نحن المصريين أقل شأنا منهم". 

وأوضح أنه "بعيدا عن الإهانات، فإن صفة "مصري" يستخدمها بعض الخليجيين للإشارة إلى الشخص الجاهل، كما أن القوانين هناك معادية للأجانب إلى حد بعيد."

فعلى سبيل المثال، حتى أغسطس/ آب 2021، لم يُسمح لغير السعوديين بامتلاك عقارات في المملكة، أما في الكويت، فلا تزال هناك العديد من القيود على التملك.

ووفق التقرير، فإنه على مدى العِقد الماضي، ألقى بعض الخليجيين باللوم علنا على المهاجرين في جميع مشاكلهم، مطالبين بإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.

ففي عام 2018، دعت النائبة الكويتية، صفاء الهاشم، إلى استيفاء رسوم على الخدمات التي يستفيد منها الوافدون "حتى على الهواء الذي يتنفسونه".

وبعد عام، طالبت مجموعة من السياسيين الكويتيين الحكومة بترحيل نصف المغتربين الذين يعيشون في البلاد، والذين يزيد عددهم عن ثلاثة ملايين.

بدوره، قال عمر، طالب الطب الذي نشأ في السعودية قبل عودته إلى مصر في سن 15 عاما، إنه مازال يتذكر شعوره بالعداء المتزايد تجاهه أثناء إقامته في البلد الخليجي.

وأردف: "لدى الأجانب شعور قوي جدا بالتمييز ضدهم، حيث إن كُره الأجانب موجود في كل مكان، على مستوى الفرد والدولة".

وتابع: "على سبيل المثال، حتى منتصف 2021، لم يُسمح للأجانب بامتلاك العقارات في السعودية، وهذا يشعرنا بأننا مختلفون، يعني أننا لن نشعر بتاتا بأننا في موطننا".

وذكر "ميدل إيست آي" أن من بين القوانين التي وضعتها "الملكيات النفطية" لتنظيم الهجرة، نظام الكفالة المثير للجدل.

ويُجبر هذا النظام المرشحين للسفر للعمل في الخليج على التوصل لمواطن محلي من البلد الخليجي نفسه، يكون راعيا لهم عند دخولهم البلاد، وكفيلا لهم طوال فترة إقامتهم فيها. 

وحتى إدخال الإصلاحات الأخيرة على القانون في السعودية وقطر، كان لابد من استشارة الكفيل- صاحب العمل عادة- قبل أن يتمكن موظفه من مغادرة البلاد، ما جعل هروب الموظفين الذين يعانون من الاستغلال مستحيلا.

وأضاف يوسف لـ"ميدل إيست آي": "نحن جميعا خاضعون لإرادة الكفيل، فهو من يضع القواعد، وفي حالة عدم منحنا الإذن بالسفر، فحينئذ لا يمكننا السفر مطلقا".

وتابع: "هكذا يتم الأمر في البلد ككل، لدي صديق لم يتمكن من العودة إلى مصر لسنوات عديدة بسبب كفيله الذي رفض بشكل قطعي عودته لموطنه".

أوضاع عصيبة

هذه الأوضاع العصيبة، بجانب الأمل في أن يغير الربيع العربي أوضاع مصر إلى الأفضل على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، دفعا الشاب المصري للعودة بمفرده إلى القاهرة عام 2013 لمواصلة دراسته، تاركا أسرته وراءه.

"لم يعد بإمكاني تحمل الطريقة التي يُنظر بها إليّ، فقد كان عليّ محو هويتي كي يقبلني بعض مواطني البلد الخليجي"، يضيف يوسف.

وأردف: "بعض زملائي المصريين هناك تركوا لهجتهم الأصلية وتحدثوا باللهجة الشامية، لأن الكويتيين يقبلون اللهجة الشامية أكثر من المصرية".

وأكمل يوسف: "عندما عدت إلى مصر، كان الأمر كما لو كنت وُلدت من جديد، و أخيرا  كنت حيث كان من المفترض أن أكون، في مصر"، مؤكدا: "لن أضع نفسي أبدا في موضع أعاني فيه آلام الغربة مجددا".

لكن بالنسبة لبعض أحفاد العمالة، لم تكن العودة إلى مصر سهلة كما كان متوقعا، وفق تقرير ميدل إيست آي.

وتحدثت "سلمى"، طالبة الطب البالغة من العمر 24 عاما، عن الصعوبات التي واجهتها في مصر عندما عادت إليها.

وأوضحت: "عندما عدت إلى هنا في سن السادسة عشرة لإكمال دراستي، كان علي التعود على العيش في بلد لم أكن أعرف عنه أي شيء على الإطلاق". 

وتابعت: "رأيت الفجوة بيني وبين نظرائي، فلم يكن لدي أي معرفة بالثقافة المصرية، ولم أكن أعرف المصطلحات الخاصة بهم، كنت غريبة في بلدي".

الشعور نفسه عبّر عنه عمر بالقول: "لم أشعر أني مصري بشكل كامل عندما كنت في السعودية، لأنني بعيد جدا عن وطني، وعندما عدت إلى مصر، لم أشعر بأنني مصري أيضا، بسبب الفجوة في اللهجة والقيم والتجارب والعادات بيني وبين أبناء وطني".

هذا البحث المستمر عن الهوية هو الذي ألهم معرض "خرج والمفروض يعد (Being Borrowed)"، وهو أول معرض فني عن مجتمعات العمالة المصرية في الخليج.

وقالت فرح حلابة، مبتكرة المشروع الذي تم افتتاحه في القاهرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، "إن التجربة العصيبة للهجرة لا تُستعرض إلا قليلا في المجالات الأكاديمية والفنية".

وأضافت: "لدى كل مصري فرد من أفراد أسرته انتقل إلى الخليج، إنها تجربة طبيعية للغاية، لكن هناك القليل جدا من التوثيق للموضوع".

وزادت: "وما يوجد فهو يعطي صورة كاريكاتورية ساخرة للغاية عن المصريين العاملين في الخليج، فهم يُصوّرون إما كمتطرفين دينيا أو أثرياء جدا".

وأشارت "حلابة" إلى أن هناك ضغطا هائلا يُمارس على المغترب لتحقيق النجاح ماليا، وعندما لا يحقق ذلك، فإن المجتمع يعامله على أنه حالة شاذة، ليس فقط لأنه غادر بلده، بل أيضا لأن الأمر لم يكن يستحق ذلك".

أما بالنسبة لعمر، الذي نشأ في بيئة متعددة الثقافات في السعودية، فقد كانت تجربته في الخارج نعمة ونقمة في الوقت نفسه.

وقال: "بالنظر إلى الوراء، فأنا مقتنع بأن نشأتي في بلدي الأصلي كان سيحميني من التعرض للكثير من الصدمات".

"ومع ذلك، فأنا محظوظ بما فيه الكفاية لتلقي تعليمي في مدرسة دولية بالخليج، ما أتاح لي الوصول إلى العديد من الامتيازات والفرص في مصر"، يضيف عمر.

وأردف: "بالإضافة لقدرتي على التحدث باللغة الإنجليزية، ورأسمالي الاقتصادي والثقافي، وانفتاحي على الآخرين، كل هذا أصبح ممكنا بفضل تجربتي كأحد أبناء العاملين في الخليج". 

"لذا، وحتى إذا كنت لا أتمنى أن يمر أحد بما مررت به، بسبب القلق الهوياتي الذي عانيت منه، فلا يسعني إلا القول إن هذه التجربة لها الفضل فيما أنا عليه اليوم".