رغبات كبيرة ووقائع مغايرة.. صحيفة تركية تشرح عملية التطبيع مع النظام السوري
سلطت صحيفة تركية الضوء على كواليس لقاء وزير الدفاع خلوصي أكار ورئيس المخابرات هاكان فيدان مع نظيريهما الروسيين والسوريين في موسكو في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2022، ما عدّ إعلاميا بداية عملية تطبيع بين أنقرة ودمشق.
وأوضحت صحيفة "ستار"، أن هذا اللقاء الذي أثار حفيظة عدة أطراف إقليمية ودولية لم يسفر عن أي اتفاقيات أو مذكرات تفاهم، لكنه يشي بكثير من النقاط المهمة التي قد تحدد مستقبل هذه المنطقة المتوترة.
عملية تطبيع
وذكرت الصحيفة أن لقاء أكار وفيدان مع نظيريهما السوريين في موسكو أعطى انطباعًا بأن عملية فعلية قد بدأت لإعادة تطبيع العلاقات المتدهورة بين البلدين.
وبينما لم يكن هناك أي ذكر لمذكرة تفاهم حتى في إطار المبادئ أو خارطة الطريق للتطبيع، جاءت ردود فعل مختلفة من العديد من الجهات الفعالة والمتدخلة المحلية والدولية.
وفسرت وسائل الإعلام الغربية وأجهزة الإعلام التابعة لحزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، عملية التطبيع على أنها خطوة تتعلق بالانتخابات التركية (صيف 2023)، وحاولت تصوير الأمر وكأنه مبادرة من جانب واحد من قبل تركيا.
من جانبه صرح وزير الدفاع أكار بأنه بحث خلال الاجتماع الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين والنضال المشترك ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا.
كما أشار إلى أنهم أعلنوا عزمهم تشكيل لجنة ثلاثية مكونة من تركيا وسوريا وروسيا فيما يتعلق بعملية التطبيع.
وأوضحت الصحيفة أن تركيا قدمت سلسلة من المطالب، مثل القضاء على حزب العمال الكردستاني في سوريا نهائيا، وتهيئة الظروف المواتية لعودة اللاجئين السوريين، وزيادة العمق الإقليمي المحدد في بروتوكول أضنة لمكافحة الإرهاب من 5 كيلومترات إلى 30 كيلومترًا.
من ناحية أخرى، أفادت الصحيفة بأن النظام السوري طلب خلال الاجتماع تسليم البوابات الحدودية ومحافظة إدلب بأكملها، وتقييد الأنشطة السياسية والإعلامية للمعارضة السورية في تركيا، وانسحاب الجيش التركي من سوريا.
ليرد عليه أكار مؤكدا حرص تركيا على وحدة أراضي سوريا، وأن وجود القوات المسلحة التركية في سوريا ليس انتهاكًا للسيادة إنما ضرورة مشروطة.
وأوضحت الصحيفة أنه من هذه التصريحات يفهم أن النظام السوري وحده لا يستطيع إحلال السلام والاستقرار في شمال سوريا.
وبتصريحاته عن الحرب ضد الإرهاب، كان الوزير أكار يبعث برسالة إلى الولايات المتحدة وحزب العمال الكردستاني، وفق الصحيفة.
وهي أن حرب تركيا ضد إرهاب حزب العمال الكردستاني ستستمر على أساس التعاون المحلي والإقليمي، ويفهم ذلك من تصريحه أن وجود حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا يعد من الآن فصاعدا مسألة أمن قومي لكلا البلدين.
كما أن التصريحات تشكل دعوة ملحة للنظام السوري لاتخاذ موقف عاجل ضد حزب العمال الكردستاني، حتى لا يصبح الوجود العسكري للقوات المسلحة التركية في سوريا هيكليا.
كما أشار أكار إلى أن تركيا لم تنتهج سياسة من شأنها أن تضع المنشقين وطالبي اللجوء في موقف صعب، مؤكداً أن تركيا ستضطلع بدور الضامن في عملية الحل السياسي في سوريا من خلال حماية حقوق ومصالح هذه المجموعات.
ولم يتضمن بيان وزير الدفاع أكار أي معلومة بشأن هيئة تحرير الشام والجماعات المتطرفة الأخرى في إدلب.
قلق عام
وأوضحت الصحيفة أنه في إطار نهجها التي تعمل به في عملية التطبيع، من الواضح أن تركيا تعترف بالهوية المؤسسية فقط للنظام السوري، لإعادة اللاجئين إلى موطنهم، ومنع الأزمات الإنسانية، ومكافحة إرهاب حزب العمال الكردستاني كأولوية.
ويمكن القول إن نية التطبيع بين تركيا وسوريا جعلت المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام متوترة، وأقلقت الولايات المتحدة أيضا.
وبعد الاجتماع الثلاثي مباشرة، خرجت مظاهرات حاشدة احتجاجية في مدن أعزاز والباب وتل أبيض الواقعة في مناطق النفوذ التركية في سوريا والتي تسيطر عليها المعارضة السورية.
كما لوحظت احتجاجات مماثلة في إدلب، وحسب الصحيفة فإن هذه الاحتجاجات هي ردود فعل عاطفية دون تقييم عقلاني.
وبعد هذه التطورات بقليل، استقبل وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو ممثلي المعارضة السورية، وفي هذا الاجتماع، تم التأكيد على أن تركيا هي الضامن للمعارضة السورية وأن التقارب مع النظام السوري لن يجلب انتهاكا لحقوق السوريين.
لكن وخلافا لمنهج تركيا العقلاني، جاءت تصريحات من ممثلي المعارضة السورية ومكونات الجيش الوطني السوري على أساس استمرار مسيرة الثورة وعدم التخلي عن الأهداف الثورية.
من جانبها، أصدرت هيئة تحرير الشام، التي تسيطر على جزء كبير من إدلب، بيانا ذكرت فيه أن خطوات التطبيع من شأنها إضفاء الشرعية على النظام السوري.
وتمامًا مثل المعارضة السورية، شددت هيئة تحرير الشام أيضًا على مصطلح "الثورة" وأعلنت أنها ستستمر في "الثورة" حتى تحقق أهدافها.
كما تدخلت الولايات المتحدة، حيث قال متحدث باسم وزارة الخارجية: "نحن لا نؤيد أي عملية تطبيع مع الديكتاتور الوحشي بشار الأسد". كما شدد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نظرته السلبية تجاه التطبيع مع النظام السوري في أوائل 2023.
ورأت الصحيفة أن تطبيع تركيا العلاقات مع النظام السوري سيدفعه إلى توسيع سيادته في شمال وشرق سوريا.
وهو أمر سيهدد بدوره التماسك الإقليمي والعسكري والسياسي لحزب العمال الكردستاني، وهذا مصدر قلق كبير للولايات المتحدة، لأنها تخشى أن يتقلص نفوذها في سوريا مع تعرض "بي كا كا" للخطر.
وشددت الصحيفة على أنه في حال لم يتم إقناع المعارضة السورية بالعملية، فلا ينبغي إغفال إمكانية التقارب بينها وبين هيئة تحرير الشام، والتي تشاركها الرأي بخصوص خطاب "الثورة".
وقد يتسبب ذلك في مناقشة شرعية المعارضة السورية من قبل الفاعلين المتدخلين الدوليين في بيئة عملية حل سياسي محتملة.
من ناحية أخرى، إذا لم تقتنع هيئة تحرير الشام بالاقتراب من النظام السوري ولم تتغير، فستواجه عملية صراع حتمية في إدلب، وقد يتسبب الصراع المحتمل بين النظام السوري وهيئة تحرير الشام في موجة مهاجرين جديدة تجاه تركيا.
وتوقعت الصحيفة التركية أن ترسم مبادئ التنفيذ وخارطة الطريق للتقارب والتطبيع بين البلدين في اجتماع وزراء الخارجية المقرر عقده في الأيام المقبلة.