قصص مؤلمة.. لماذا تهرب الأميرات من قصور الإمارات؟

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ماذا رأت الأميرة هيا بنت الحسين داخل قصور الإمارات حتى تقرر الهروب منها؟ ماذا فعل معها زوجها الأمير محمد بن راشد آل مكتوم رئيس الوزراء الإماراتي وحاكم دبي حتى تخشى على حياتها معه، حتى تهجر عشرته وتطلب الطلاق بعد زواج دام 15 عاماً وتفر من الإمارات بحسب ما أكدته صحف غربية؟

أنباء هروب الأميرة الأردنية البالغة من العمر 45 عاما ابنة الملك الحسين بن طلال والأخت غير الشقيقة للملك عبد الله بن الحسين آل ثاني ملك الأردن، لم تصرح بها الإمارات علناً لكن لم تنفها أيضا، فيما تتحفظ الأردن على الخوض في تفاصيلها، إلا أن الأمر المؤكد أنها ليست حادثة الهروب الأولى من قصور الإمارات.

سبقتها الأميرتين الشقيقتين شمسة ولطيفة ابنتا الشيخ راشد آل مكتوم، إذ حاولت الأولى الهرب عام 2001 وتم إعادتها، كما أعادت الثانية المحاولة في 2018.

لتعلن لطيفة أنها سجنت في الفترة ما بين 2002 إلى 2005 وكانت تتعرض للاضطهاد داخل قصر والدها حاكم دبي، لتعاد قصة الهروب مرة ثانية مع زوجته الأردنية هيا بنت الحسين، برفقة أولادها "جليلة 12 عاماً وزايد 7 سنوات" دون إعلان الأسباب.

تزوجت الأميرة هيا الملياردير محمد بن راشد عام 2004، الذي يكبرها بـ24 عاماً، وهي زوجته السادسة، تعلمت في المدارس الخاصة في المملكة المتحدة ودرست الفلسفة والسياسة والاقتصاد في جامعة أكسفورد، وعملت كذلك في اللجنة الأولمبية الدولية، وهي أيضاً سفيرة للنوايا الحسنة لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.

قرائن الهروب

وسائل الإعلام الغربية استندت في توقعاتها بشأن هروب الأميرة الأردنية إلى عدة قرائن أبرزها، عدم ظهورها إلى جانب زوجها في سباق خيول "رويال أسكوت" الأخير الذي أقيم في بريطانيا في الفترة من 18-22 يونيو/حزيران الماضي، والتي اعتادت الظهور فيه مع زوجها بن راشد، كل عام.

كانت الرواية الأولى لوجهة الأميرة بعد الهروب هي اللجوء إلى ألمانيا بمساعدة صديقة دبلوماسية مقربة، بينما ظهرت رواية أخرى تفيد بأنها انتقلت إلى بريطانيا وتقيم على ما يعتقد في بيت كبير قريب من قصر كنسينغتون في لندن، ويقدر ثمنه بـ 85 مليون جنيه إسترليني، اشترته عام 2017.

صحيفة الديلي ميل البريطانية نسبت إلى مصادر عربية حديثاً إمكانية نشوب أزمة دبلوماسية بين الإمارات وألمانيا، على خلفية مساعدة دبلوماسية ألمانية للأميرة على الهرب، إذ لجأت أولاً إلى ألمانيا قبل الوصول إلى لندن بسرّية.

القرينة الثانية التي استند إليها المراقبون في إعلان هروب الأميرة، هي غياب هيا عن التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي على غير عادتها، إذ كانت تشارك بصورها الشخصية وصور أولادها وأخرى تجمعها مع زوجها، لتضع على حسابها بـ"فيس بوك" تدوينة ترثي فيها والدها، ناشرة صورة تجمعهما.

وعقبت عليها قائلة: "بابا الأغلى.. عشرون عاماً مضت لم تغب فيها ولا لحظة عن بالنا.. فكيف ذلك وأنت بحق ملك القلوب وتسكن قلبي وقلب أخوتي وأخواتي وعشيرتك وعزوتك الأردنية ..؟".

وأضافت: "أعاهدك بأن أمضي كما ربيتني وعلمتني.. وهكذا أواصل مع أحفادك الجليلة وزايد.. أحبك بابا.. هيا".

وكانت آخر التدوينات التي نشرتها، شعرا للشاعر مايا أنجيلو بعنوان "عندما تسقط الأشجار العظيمة".

النسب والسياسة

خروج قضية هروب الأميرة هيا وامتناعها عن مرافقة زوجها الذي يمتلك امبراطورية للخيول ويقود صناعتها في العالم، في سباق الخيل الأخير ببريطانيا، جاء قبل أيام قليلة من مؤتمر المنامة الاقتصادي لتمرير صفقة القرن والذي عرف رسمياً بـ"ورشة عمل السلام" وعقد في 25، 26 يونيو/حزيران 2019.

تلك الصفقة تتضمن سلب مدينة القدس المحتلة ومنحها لـ"إسرائيل"، وتهدف لتصفية القضية الفلسطينية وشرعنة الاحتلال، أعدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وشاركت الإمارات في المؤتمر بوفد رأسه وزير الدولة للشؤون المالية، في تمثيل أعلى من مثيله من دول عربية أخرى أعلنت المشاركة. 

وكانت الأردن أعلنت في وقت سابق تعرضها لضغوط للقبول بصفقة القرن، دون أن توضح الجهة التي تحاول ابتزازها، لتشارك مؤخراً في مؤتمر المنامة ولكن بتمثيل دبلوماسي منخفض عن مشاركة الإمارات.

بدوره، تحدث مصدر مطلع عن تعرض الأميرة هيا إلى ضغوط من قبل زوجها (محمد بن راشد) لإقناع أخيها غير الشقيق الملك عبد الله (ملك الاردن) بالموافقة على صفقة القرن، مؤكدا أن ذلك كان السبب الأساسي وراء هروبها إلى خارج البلاد.

وتابع أن "الكثير من الخلافات حصلت في الأونة الأخيرة بسبب هذا الأمر وأن رد الأميرة كان برفض خلط الأوراق السياسية بأوراق النسب بين العائلتين الحاكمتين، لافتا إلى أن هذا الأمر صعّب من الحياة والتعامل داخل القصر الإماراتي.

بالتوازي مع تداول أنباء هروب الأميرة هيا توجه ملك الأردن، في 26 يونيو/حزيران الماضي، برفقة ولي عهده، إلى الإمارات لحضور تدريب عسكري مشترك بين البلدين، ليعقبه بتغريدة يشيد فيها بالعلاقات بين البلدين.

وتخرج إشادات من مسؤولين عرب ودوليين بالعلاقات المتينة القائمة بين البلدين، مؤكدين أهمية هذا التعاون، والحرص على تعزيزه في مختلف المجالات.

اختلفت وسائل التعامل مع أنباء هروب الأميرة، ففي وسائل التواصل الاجتماعي تسود حالة من الغموض ومطالبات بتقصي حقيقة الحادث، فيما يتبنى فريق محاولة الدفاع عن حاكم دبي من خلال نسب تغريدات مزيفة له يتوعد فيها الخائضين في مسألة هروب الأميرة.

في 25 يونيو/حزيران الماضي، تداول الناشطون صورة لتغريدة منسوبة إلى المكتب الإعلامي للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يقول فيها: "إلى كل من تسول له نفسه نشر الإشاعات والأكاذيب بهدف الشهرة والظهور الإعلامي، لن تنال سوى الخزي والعار الذي سيلاحقك طوال حياتك، تحية إجلال واحترام لزوجتي الأميرة هيا بنت الحسين".

وبالبحث تبين عدم وجود حساب على موقع تويتر يحمل هذا الاسم، وأن الحساب الرسمي الوحيد للأمير محمد هو HH Sheikh Mohammed، ولم يذكر عليه أي تفاصيل بشأن هروب زوجته حتى كتابة هذه السطور، وكل ما ينشره تغريدات متعلقة بالشأن الداخلي للبلاد.

رواية الاختلاس

وسائل الإعلام الغربية، تعاطت مع القضية بروايات مختلفة، كان أبرزها ما أعلنه أسامة فوزي، الباحث والصحفي والأديب الأمريكي من أصول فلسطينية، المختص في أخبار العائلات الحاكمة في الإمارات ومؤسس مجلة عرب تايمز التي تصدر من أمريكا، عن تلقيه رسالة من شيخة إماراتية في 22 مايو/أيار الماضي روت خلالها تفاصيل ما جرى مع الأميرة هيا وقصة لجوئها إلى ألمانيا ومحاولات شيخ دبي إرجاعها لكنه لم يتمكن.

لم تُظهر الرسالة التي وصلت فوزي السبب الذي دفع الأميرة هيا بنت الحسين لاتخاذ هذا القرار المفاجئ، لاسيما أن دبي كانت تعيش في تلك الفترة زواج 3 من أبناء الشيخ محمد بن راشد، لافتا إلى أن دبي لم تصدر أي بيان رسمي حول هذه القصة.

وأوضح "فوزي" أنه تلقى رسالة بالسبب الذي دفع الأميرة هيا للهروب، لكنه رفض الإفصاح عنه "لأنه لا يمكن الحديث عنه على مواقع التواصل الاجتماعي بأي شكل من الأشكال".

وتساءل عن مكان الأميرة وعن سبب التكتم الإعلامي الرسمي في دبي بالنفي أو بالتأكيد، وسبب توقف نشاطها على وسائل التواصل الاجتماعي منذ السابع من فبراير/ شباط الماضي. وذكر أن الأميرة هيا طلبت فور وصولها من السلطات الألمانية اللجوء والطلاق من زوجها محمد بن راشد.

وأكد أن كلا من محمد بن راشد وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد طلبا من السلطات الألمانية إعادة الأميرة الأردنية وابنها وابنتها إلى الإمارات، إلا أن برلين رفضت هذا الطلب بشدة وأكدت التزامها بعدم ممارسة الإعادة القسرية تحت أي اعتبارات بحق الأميرة الأردنية.

تبنت بعض وسائل الإعلام رواية عن اختلاس الأميرة لأموال حاكم دبي، وقال موقع صحيفة "بيلد" الألمانية "من الواضح أن الأميرة هيا ابنة الملك الأردني الراحل الحسين، قد غادرت دبي برفقة ابنيها ومعها 35 مليون يورو".

إلا أن تلك الرواية لم تحظ بإقناع البعض، وقال مصدر مطلع إن "الاميرة هيا ورثت من والدتها الملكة (علياء) ما يقارب المليار دولار وأنها من العائلة الحاكمة في الأردن ولها استثماراتها هناك وفي الإمارات أيضا، لذا فمن غير المعقول أن تختلس أموال وتهرب إلى الخارج بدافع مادي.

فيما تحدثت وسائل إعلام أخرى عن وصول الأزمة إلى أروقة القضاء، إذ قالت صحيفة الجارديان البريطانية، 1 يوليو/ تموز 2019، إن معركة قضائية اندلعت في لندن بين حاكم دبي وزوجته على خلفية هروبها، مشيرا إلى أنهما قد انفصلا، ويخوضان نزاعا رسميا في المحكمة العليا، ومن المقرر أن يتم استئناف القضية في وقت لاحق من الشهر الحالي. 

محاولة فرار

أما الشيخة لطيفة ابنة الشيخ محمد فظهرت في تسجيل مصوّر نشر على الإنترنت في مارس/آذار 2018، أعلنت فيه فرارها من منزل عائلتها من أجل "استعادة حياتها". 

وقالت إنها واحدة من 30 من أبناء الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وإنها واحدة من 3 من بناته من نفس الأم، وأنها قريباً ستكون غادرت دبي بطريقة ما.

وأضافت: "ليس لدينا حرية الاختيار كما تعلمون، لهذا قررت الهروب في عام 2000 وفشلت المحاولة، وتم إعادتي إلى دبي، وتم إيداعي السجن وبقيت فيه 3 سنوات وأربعة شهور، لم يكن مسموحاً لي بقيادة السيارة، أو السفر أو مغادرة دبي على الإطلاق، كنت أطالب كثيراً بالسماح لي بالذهاب للسفر أو الدراسة".

وتابعت: "كان هناك حظر تجول علي عندما أخرج، وكان يجب أن أعود في مواعيد محددة، وكانت أمي تحصل على تقرير مني وتعرف من السائق أين ذهبت وترسل تقرير لمكتب والدي، كان لدينا سائقين محددين، لم يكن باستطاعتي حتى الذهاب إلى إمارة أخرى بالبلاد بدون الحصول على تصريح".

الإقامة الجبرية

أشارت تقارير إلى أن أبرز أسباب خلاف لطيفة مع والدها بشأن ما تعرضت له أختها شمسة التي تكبرها، وانتشرت قصتها مطلع عام 2001، حيث حاولت الهرب ووصلت إلى حدود عُمان، قبل أن يتم احتجازها وإعادتها إلى دبي.

فيما زعمت تقارير أخرى آنذاك أن شمسة فرّت من ضيعة الأسرة في بريطانيا، وعُثر عليها ونُقلت على متن طائرة خاصة إلى دبي. وحسب صحيفة الديلي ميل البريطانية، فإن "شمسة" وُضعت تحت الإقامة الجبرية ثم بدأ الأطباء بإعطائها أدوية مهدئة بعد أن أصيبت بحالة من الهستيريا.

ولفتت الشيخة لطيفة في الفيديو إلى أنها أيدت موقف الشيخة شمسة، وأنها إثر ذلك سُجنت 3 سنوات وعُذبت، ولم تظهر أي تفاصيل عن كيفية سفرها. 

صحيفة "الديلي ميل" البريطانية أكدت في 15 مارس/آذار 2018 أن لطيفة تمكنت من الهروب بمساعدة "جاسوس فرنسي سابق"، وقالت آنذاك إن الشيخة لطيفة "موجودة الآن على متن يخت قبالة سواحل الهند، وستطلب اللجوء إلى الولايات المتحدة حال تأمين اتصال لها مع أحد المحامين". إلا أن مصدرا مقربا من حكومة إمارة دبي، كشف في أبريل/نيسان 2018، أن لطيفة أعيدت إلى دبي، مبيناً أن وضعها ممتاز.

واعتبر المصدر بحسب ما ذكرت إذاعة "مونت كارلو الدولية"، أن قضية الشيخة لطيفة "مسألة شخصية"، مضيفاً: "تحوّلت إلى منطلق للقضاء على سمعة الإمارة عبر أفراد مطلوبين للعدالة"، متّهماً "جهات في قطر بتمويل هؤلاء الأفراد".

وبعد أشهر من إعادتها قسراً إلى بلادها إثر محاولتها الفرار، دعت جماعات حقوقية الإمارات إلى الكشف عن مكانها وحالتها، لتظهر بعدها الشيخة لطيفة في لقاء مع ماري روبنسون، المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ورئيسة إيرلندا السابقة، في 15 ديسمبر/كانون الأول 2018، بطلب من عائلة "آل مكتوم" الحاكمة في دبي.

وبدت الأميرة مرهقة وبعيدة عن مظهر أميرة شابة، لكن دولة الإمارات ادعت في بيان لها في 24 ديسمبر/كانون الأول 2018، أن لطيفة "في منزلها وتعيش مع أسرتها"، بعد أن حاولت الهروب سابقاً بسبب ضغوط تعرضت لها.

 

ذلك اللقاء الذي جمع لطيفة والمسؤولة الدولية السابقة، حظي بتغطية إعلامية واسعة، وحظي بانتقاد جماعات حقوق الإنسان، بسبب إدارته من طرف العائلة الحاكمة، في وقت تُعدّ روبنسون صديقة شخصية لزوجة حاكم دبي، الأميرة هيا الحسين.

وبعد مرور نحو عام على إعادة لطيفة خرجت مطالبات حقوقية تطالب بمعرفة مصيرها، وطالبت منظمة هيومن رايتس ووتش الإمارات بالسماح للطيفة بالسفر إلى دولة ثالثة، حيث يمكننا التأكّد من أنها غير مراقَبة وقادرة على أن تتحدث بحرية وبشكل مستقلّ دون خوف من الانتقام".

وأشارت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية إلى أن جماعات حقوق الإنسان الدولية طالبت الإمارات بمنحهم فرصة للوصول الفوري إليها.

الإخفاء القسري

يشار إلى أن تقارير حقوقية أطلقت على الإمارات "إمبراطورية الإخفاء القسري" لأن السلطات الاماراتية تنتهج هذه الوسيلة لتكميم الأفواه وملاحقة النشطاء، حيث إن  المئات من معتقلي الرأي يكونون هدفا لجهاز الأمن.

كما تماطل الإمارات في الانضمام إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، في مخالفة لمعايير القانون الدولي بإخفاء أماكن احتجاز المعتقلين وعدم التحقيق في حالات الخطف والاعتقال التعسفي.

ويستخدم أمن الدولة الإماراتي الإخفاء القسري باعتباره إستراتيجية قمع لنشر الرعب والخوف بين المعارضين والإصلاحيين ونشطاء حقوق الإنسان والتي عادة ما تحدث في سجون سرية قمعية.

كما ترفض الحكومة إعطاء موقع هذه السجون فهي إما مخبئة أو أنهم ينكرون وجودها، وحينما تبحث الأسر أو الأقارب عن هؤلاء المعتقلين ترفض الحكومة الاعتراف بوجودها، حتى الضحايا الذين أخفوا قسريا ثم أطلق سراحهم لا يستطيعون تذكر مكان هذه السجون فهم غير قادرين على تحديد مكان احتجازهم.