مبادرات للسلطة وأخرى للمعارضة.. هل ترضي حراك الجزائر؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يزال الجزائريون ماكثون في مواقعهم التي اختاروها منذ انطلاق الحراك الشعبي في 22 من فبراير/شباط 2019، رغم الإطاحة برأس السلطة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بعد أسابيع من الاحتجاجات الواسعة، وتنصيب عبد القادر بن صالح رئيسا مؤقتا للبلاد.

إذ يتمسك  الحراك بإزاحة كل من كان جزءا من نظام بوتفليقة، قبل الانطلاق في أي مسار انتخابي، في المقابل يتمسّك النظام بالسير أولا نحو انتخابات رئاسية، وهو ما يتردّد بشكل متكرّر على لسان رئيس أركان الجيش أحمد قائد صالح الذي يعتبر اللاعب الرئيسي في الساحة السياسية في الجزائر.

إلا أنّ الأيام القليلة الماضية حملت في طياتها مبادرات جديدة من عدد من الشخصيات السياسية، كان أبرزها وأهمها مبادرة الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، التي أثارت تفاعلا واسعا وتساؤلات عن إمكانية نجاحها وتوفيرها مناخا ملائما لانتقال ديمقراطي حقيقي.

سيل المبادرات

أمام حالة الركود المستمرّة التي تكتنف الوضع السياسي في الجزائر، منذ استقالة بوتفليقة في 2 أبريل/ نيسان الماضي، وعلى الرغم من حملة الاعتقالات لعدد من رموز نظامه السياسية والاقتصادية، والتي وإن لاقت ترحيبا من الشعب المنتفض أسبوعيا في 20 جمعة على التوالي تشهدها شوارع مختلف مدن البلاد، إلا أنها لم تؤثر على موقفهم السياسي الذي يشترط مرحلة انتقالية قبل المرور إلى انتخابات رئاسية.

وأمام الفترة الزمنية التي طالت دون وجود حل عملي للخروج من الأزمة، خاصّة بعد تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان من المزمع تنظيمها خلال شهر يوليو/تموز الجاري، لكن عدم تقديم أي مرشّح جدّي لنفسه لخوض هذه الانتخابات، دفع بالسلطة إلى اتخاذ قرار بتأجيلها إلى موعد غير معلوم.

ووسط هذه الظروف، قدّمت عدد من الأحزاب السياسية المعارضة مبادرة لتنظيم أكبر اجتماع لأحزاب المعارضة وقوى التغيير المجتمعية يوم 6 يوليو/تموز الجاري، وقد كلف المبادرون باللقاء الدبلوماسي والوزير السابق عبد العزيز رحابي بتنسيق "منتدى الحوار الوطني"، الذي من المرتقب أن يتمخض عن ورقة لتشكيل أرضية تفاوض باسم الحراك، بعد إلحاح الجيش ورئاسة الدولة على التقارب، بهدف الخروج من وضع الانسداد القائم دون بروز آفاق سياسية للحل.

وقال عبد العزيز الرحابي، إن التحضير للندوة بدأ منذ أكثر من شهر، وقمنا بالاتصالات مع كل الأحزاب المعارضة دون استثناء وفتحنا الباب للمجتمع المدني والتنظيمات الطلابية والنقابات ورجال المال والأعمال غير المتورطين في الفساد. هدفنا وحيد وهو المساهمة بطريقتنا في الخروج من الأزمة".

وأضاف منسق الحوار في حديث صحفي:  "إننا نُحبذ الحل الذي يمزج بين الحل السياسي والمؤسساتي أي الدستوري، نقترح الرجوع إلى المسار الانتخابي بعد اتفاق واسع وشامل بين المعارضة والمجتمع المدني، وكل الأطراف التي تحمل المطالب الحقيقة للحراك".

ومن المرتقب أن يشارك في ندوة  الحوار الوطني لفعاليات قوى التغيير والمجتمع المدني أكثر من 500 شخصية ممثلين لأحزاب سياسية، نقابات ومجتمع مدني وشخصيات وطنية للخروج بمقاربة سياسية موحدة قد تسهم في إنهاء حالة الجمود السياسي الذي تعيشه البلاد منذ بداية الحراك الشعبي، وتستبق الحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح في 3 يوليو/تموز2019.

مبادرة الرئيس

في الجهة المقابلة من المعارضة الجزائرية التي تسعى لتفعيل دورها السياسي في المرحلة المقبلة، خرج الرئيس الجزائري المؤقت الذي يعتبر ظهوره نادرا منذ توليه المنصب، في خطاب للأمّة بمناسبة الاحتفال بعيد الاستقلال، أعلن إطلاق حوار وطني بقيادة شخصيات مستقلة هدفها التوافق بشأن الانتخابات الرئاسية، على ألا تشارك السلطة أو الجيش في الحوار.

وأضاف عبد القادر بن صالح: إن "رئيس الجمهورية المنتخب هو وحده الذي يمتلك صلاحيات تحقيق التغيير، وتلبية المطالب المشروعة، وأن الحوار أضحى أمرا مستعجلا يتعين على بلادنا اللجوء إليه وفي أسرع وقت ممكن لاستعادة سجيتها السياسية والمؤسساتية"، مضيفا أن "مسار هذا الحوار الذي "سيتم إطلاقه من الآن، ستتم قيادته وتسييره بحرية وشفافية كاملة من قبل شخصيات وطنية مستقلة ذات مصداقية".

وأكد الرئيس المؤقت، أنّ "هذه الشخصيات المعنية بتسيير مسار الحوار، بلا انتماء حزبي أو طموح انتخابي شخصي، كما أنها تتمتع بسلطة معنوية مؤكدة وتحظى بشرعية تاريخية أو سياسية أو مهنية تؤهلها لتحمل هذه المسؤولية النبيلة وتساعدها على حسن قيادة هذا الحوار".

وشدد على أن "الدولة بجميع مكوناتها، بما فيها المؤسسة العسكرية لن تكون طرفا في هذا الحوار وستلتزم بأقصى درجات الحياد طوال مراحل هذا المسار، حيث ستكتفي فقط بوضع الوسائل المادية واللوجستية تحت تصرف الفريق المسير".

الطريق إلى الحل

هذه المبادرة التي قدّمها الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، كشفت تمسك السلطات في البلاد بما بات يعرف بالحل الدستوري للأزمة، وهو المرور مباشرة إلى انتخابات رئاسية تحت إشراف السلطة الحالية رغم الرفض الشعبي الواسع لها،  ورفض أي مرحلة انتقالية طويلة الأمد كما تجاهلت مطالب برحيل رموز نظام الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة وعلى رأسهم عبد القادر بن صالح وحكومة نور الدين بدوي.

وفي الوقت الذي التزمت فيه  عدد من الأحزاب الصمت، دعت حركة البناء الوطني، إلى عدم تفويت فرصة الحوار الوطني، والذي جاء في خطاب رئيس الدولة المؤقت، عبد القادر بن صالح، للدفاع عن باقي مطالب الحراك الشعبي، كما أبدت استعدادها لإنجاحه والمشاركة فيه.

وأفاد بيان للحزب بأنه "لقد تلقينا بارتياح مضامين الخطاب الذي لبى كثيرا مما دعت إليه من قبل وأعلنت عنه من مقاربة سياسية مبنية على ضرورة الاستجابة للمطالب الواقعية والمشروعة للحراك الشعبي والتى لا تخرج عن الدستور، عن طريق حوار تقوده شخصيات كفريق يتولى مهمة الحوار غير المشروط حول مسعى الذهاب إلى انتخابات رئاسية بأسرع وقت وتوفير كل الشروط السياسية والقانونية والإطار التنظيمي المستقل عن الإدارة العمومية من أجل تحقيق مطلب الشعب ومختلف القوى الوطنية في إجراء انتخابات حرة وشفافة وفق معايير دولية".

أمّا حركة "مجتمع السلم" ورغم تثمينها لجميع الدعوات للحوار للخروج من الأزمة وتحقيق الانتقال الديمقراطي الذي يبدأ بالانتخابات الرئاسية الشفافة والنزيهة في أجل معقول غير بعيد، لكنها قالت في بيان إثر اجتماع مكتبها التنفيذي في 4 يوليو/تموز 2019 أنها "ستتخذ موقفها من كل حدث عند حدوثه وفق مدى توفر فرص الانتقال الديمقراطي الحقيقي ووفق ما يتطابق مع الإرادة الشعبية العامة".

وأكدت تمسكها برحيل كل الرموز السياسية للنظام البائد قبل تنظيم الانتخابات الرئاسية، مشيرة إلى أن "الذي يضمن تجسيد الإرادة الشعبية من خلال المسار الانتخابي النزيه هو الإرادة السياسية للمسؤولين أكثر من الآليات والهيئات والقوانين، وأن الذي يسمح لهذه الإنجازات المؤسسية والقانونية بتحقيق أثرها هو المسؤولية الوطنية لدى الحكام بقدرتهم على تقدير مخاطر الرجوع إلى ديمقراطية الواجهة على استقرار البلد ومصيره".

وكتبت النائبة بالبرلمان عن حزب "العمال" المعارض نادية شويتم، على صفحتها بموقع "فيسبوك" قائلة: "شكرا السيد بن صالح، برهنت مرة أخرى للمترددين أن النظام صم بكم. لا يسمع لشعبه ولا يراه".

من جهته، أعلن حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" في بيان له عن دعمه للمقاربة السياسية والرؤية العملية التي أعلن عنها عبد القادر بن صالح في خطابه، معبرا عن "ارتياحه لسلمية المطالب الشعبية، وللتفاعل الإيجابي لمؤسسات الدولة معها، ودعم المقاربة السياسية والرؤية العملية التي عرضتها رئاسة الدولة على الرأي العام الوطني للخروج من الأزمة".

إلى ذلك، قال رئيس جبهة "العدالة والتنمية" عبد الله جاب الله: إن "الخطاب الأخير لرئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح، بمناسبة عيد الاستقلال، حمل أشياء إيجابية لكنه يبقى غير كافٍ"، منبها إلى أن "منظومة الاستبداد التي حكمت البلاد كل هاته العقود لا تذهب بمجرد إقامة هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، وإنما بتظافر جملة من العوامل التي تكمّل بعضها البعض".