"خليجي 25".. بطولة كروية نجحت بجهود عراقية وكشفت نوايا إيران الاستعمارية

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

مع انطلاق النسخة الـ25 من كأس الخليج العربي لكرة القدم في مدينة البصرة العراقية، أعربت أطراف إيرانية عدة عن غضبها الشديد من إطلاق تسمية "الخليج العربي" على البطولة الكروية التي تأسست منذ عام 1970 بالعنوان ذاته.

وفي 6 يناير/ كانون الثاني 2023، انطلقت بطولة "خليجي 25"، وتستمر حتى 19 من الشهر ذاته، بمشاركة 8 منتخبات دول مطلة على الخليج العربي، هي: "العراق، والكويت، والسعودية، والإمارات، وقطر، وعمان، واليمن"، وذلك بعد غياب 43 عاما عن العراق.

مطالبات بالاعتذار

واندلعت الأزمة بعد تغريدة نشرها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في 6 يناير، رحب فيها بضيوف العراق العرب من دول "الخليج العربي" المشاركين في بطولة كأس الخليج 25 المقامة في البصرة.

كما أطلق رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني التسمية ذاتها "الخليج العربي" أثناء افتتاحه فعاليات بطولة "خليجي 25" على ملعب جذع النخلة في البصرة، بحضور جماهيري ورسمي عراقي وعربي.

لكن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، قال خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي في 9 يناير، إن بلاده أبلغت الحكومة العراقية رفضها تسمية "خليجي 25" ببطولة "الخليج العربي" لكرة القدم بدلا من "الخليج الفارسي".

وتابع أن "الجهاز الدبلوماسي الإيراني كان له رد فعل حول نشر العراق اسم الخليج العربي بدلا من الخليج الفارسي الذي لا يمكن تغييره بأي واقع سواء كان رياضيا أم بأي مكان آخر".

كما أعلن الاتحاد الإيراني لكرة القدم، خلال بيان في 6 يناير، أنه سيحتج أمام "الفيفا" على استخدام ما أسماه "اسما مزيفا وكلمة وهمية" لبطولة "خليجي 25"، بدلا من اللقب التاريخي للخليج الفارسي في مسابقات كأس الدول العربية، وفق قوله.

ورأى أن "الخليج الفارسي هو اسم أصلي وتاريخي تم استخدامه بشكل مستمر لسنوات عديدة في جميع اللغات والأدب العالمي، وفي الأطالس التي تحتوي على خرائط قديمة وخرائط تاريخية".

كذلك استنكر وزير الرياضة والشباب الإيراني حامد سجادي، ما قال إنه "تحريف اسم الخليج الفارسي في مسابقات الدول العربية واستخدام اسم مزيف من قبل رئيس فيفا".

سجادي طالب بإجراء "تحقيق جاد في الموضوع، ودعا اتحاد الكرة الإيراني إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة ووضع الاحتجاج الرسمي والمتابعة القانونية على جدول الأعمال في أسرع وقت ممكن".

وفي السياق ذاته، دعا البرلمان الإيراني رئيس التيار الصدري العراقي مقتدى الصدر إلى الاعتذار عن تغريدة رحب فيها بضيوف العراق العرب من دول "الخليج العربي".

وقال النائب الإيراني، ولي الله بياتي، خلال تصريح نقلته وكالة "فارس" في 8 يناير، إن "الصدر والسوداني استخدما في إجراء عجيب مفردة الخليج العربي المزيفة بدلا من تسميته الأصلية الخليج الفارسي، الذي كان بهذا الاسم على مر الدهور والعصور وسيبقى إلى الأبد".

سر التصعيد

وعن سر الهجوم الإيراني على بطولة الخليج العربي رغم أنها ليست الأولى، أكد السياسي العراقي المعارض أحمد الأبيض، لـ"الاستقلال"، أن "إيران تنظر إلى العراق على اعتبار أنه جزء منها أو محافظة من محافظاتها".

وأوضح أن "إيران تغضب عندما تعقد هذه البطولة بالطريقة التي رآها العالم وأنجحها الشعب العراقي بكرم الضيافة وحسن الاستقبال كونها فعاليات شعبية، وهي لم تعترض على الدورات السابقة لكأس الخليج لأنه كان هناك تنسيق  من بعض أنظمة دول الخليج مع إيران".

ورأى الأبيض أن "سبب الاستياء هو شعور القادة الإيرانيين بأن العراق بدأ ينفلت شعبيا لا سياسيا، بعدما رأوا هذه الألفة بين العراقيين والشعوب الخليجية، وهذا أزعجهم جدا وبرروا هذا الموضوع بأن الخليج العربي ذكر في تغريدة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر".

السياسي العراقي أشار أيضا إلى أن " إيران رأت عزوف العراقيين عن الفعاليات غير العفوية التي نظمها قادة الحشد الشعبي بمناسبة ذكرى مقتل قاسم سليماني وأبومهدي المهندس ببغداد في نفس وقت انطلاق بطولة خليجي25. وهذا يمثل أكبر هزيمة لسياسة النظام الإيراني بالعراق".

ويحي حلفاء إيران بالعراق في كل عام ذكرى مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي في العراق أبومهدي المهندس بغارة جوية أميركية بالقرب من مطار بغداد الدولي في 3 يناير 2020.

ورأى الأبيض أن "سبب صمت الحكومة العراقية إزاء التصريحات الإيرانية يأتي من كونها معينة من المرشد الإيراني علي خامنئي بالاتفاق مع المرجعية الشيعية في النجف وهذه حقيقية يجب الأخذ بها".

واستدرك قائلا: "لكن المؤلم هو الصمت العربي فلا تزال حتى الصحافة والإعلام لم ترد على الهجوم الإيراني على تسمية الخليج العربي، ولا سيما تلك التي تدار من أبو ظبي".

وأردف: "لكن ذيول السياسة الإيرانية في العراق يدافعون عن إيران في كل مناسبة، لذلك الشعب العراقي رافض لهذه السياسة والسياسيين التابعين لها، وكذلك موقف الشعوب الخليجية مشجع على مستوى التقارب والمحبة، لكننا لم نعد نعول على الأنظمة التي ستسقط مع سقوط النظام الإيراني، لأن هناك تخادما فيما بينهم".

"نقطة نظام"

في المقابل، رأى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة طهران حسين رابوان أن "ما طرح من قبل البعض في إيران ومنهم وزارة الخارجية هو نقطة نظام ليس إلا، ففي أي مؤتمر أو حوار عندما يكون هناك شيء خارج هذا الإطار تكون هناك نقطة نظام تطرح، ولا أرى التذكير بهذا موقفا سلبيا، فإيران موقفها داعم للعراق لأبعد حدود".

وأضاف خلال مقابلة تلفزيونية في 9 يناير، أن "هذا المكان سمي ببحر فارس قديما وهناك العديد من المخطوطات التاريخية ومنها اليونانية، وأيضا عندما جاء الرومان أطلقوا عليه الاسم ذاته، وبعد الفتح الإسلامي أطلق عليه كل المؤرخين العرب والمسلمين اسم خليج فارس".

وتابع رابوان: "حتى معاهدة القسطنطينية بين العثمانيين وبين الحكومة القاجارية الإيرانية هي أيضا أشارت إلى الخليج الفارسي، وحتى عام 1956 لم يكن هناك نصا واحدا يشير إلى غير هذه التسمية التاريخية".

ولفت إلى أنه "بسبب موقف الشاه في إيران آنذاك تجاه القضية الفلسطينية، طرح الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر تسمية الخليج العربي كموقف سياسي من إيران، لكن طهران اليوم تدعم القضية الفلسطينية بشكل غير مسبوق لكن التسمية ما تزال قائمة".

من جانبه، أعرب القيادي الصدري عصام حسين، في تصريح لوكالة "شفق نيوز" العراقية في 8 يناير، عن استغرابه من مطالبة الصدر بالاعتذار دون أن تصدر منه أي إساءة للدولة الإيرانية.

وأشار حسين إلى أن الصدر لم يتطرق إلى التسميات أو الخرائط الدولية، مكتفيا بتسمية "الخليج العربي" لبطولة جميع البلدان المشاركة فيها هم "عرب فقط"، مرجحا أن "مطالبة البرلمان الإيراني بالاعتذار من الصدر هو بسبب الانزعاج من تقارب العراق نحو المحيط العربي من خلال بطولة الخليج".

ويرى أن إيران "تخشى على نفوذها وعملها السياسي والتجاري في العراق بسبب التقارب مع المحيط العربي"، ولهذا وجدت في تغريدة الصدر "حجة لشن هذه الحملة لإبعاد العراق عن محيطه العربي"، وفق حسين.

التسمية التاريخية

وعلى مدى التاريخ الحديث، تعارفت الأمم والشعوب على تسمية المسطح المائي الممتد من خليج عمان جنوبا عبر مضيق هرمز إلى شط العرب في مدينة البصرة العراقية باسم "خليج البصرة" وفق وثائق الدولة العثمانية.

إضافة إلى تسميات أخرى منها "خليج عمان" و"خليج البحرين"، بينما لم يُعرف بـ"خليج فارس" أو "الخليج الفارسي".

وفي خرائط قديمة تعود إلى 1634 نُشرت في "الأطلس الصغير" لرسامي الخرائط قدميركاتور وهندويس يظهر الخليج بتسمية لاتينية "sinus arabicus" أي "الخليج العربي".

وسبق أن أسماه المؤرخ الإغريقي بطليموس عام 150 قبل الميلاد بـ"خليج ميسان" نسبة إلى "مملكة ميسان العربية" الواقعة في الأحواز في شمال "الخليج العربي".

بينما انفردت الإمبراطورية الفارسية بتسميته "بحر فارس" من قبل الملك الفارسي داريوش الأول (521.486 ق.م). لكن مؤرخين يعتقدون أن الإسكندر الأكبر هو أول من أطلق هذه التسمية بعد رحلة موفده أمير البحر نياركوس عام 326 ق. م إلى الهند.

وتتشاطأ سبع دول عربية على نحو ثلثي سواحل الخليج، فيما تطل إيران على حوالي الثلث من السواحل الجنوبية والغربية للخليج وتقطنه في الغالب قبائل عربية وتخلو تماما من السكان الفرس.

كما أن "بلاد فارس" لم تعد من المسميات المتداولة رسميا في إيران خارج السجلات التاريخية، بعد أن أصدر شاه إيران رضا شاه بهلوي مرسوما استحدثت بموجبه دولة "المملكة الإيرانية" عام 1935.

وتعليقا على هذا الجدل، قال الباحث والكاتب السعودي مهنا الجبيل خلال سلسلة تغريدات على "تويتر" في 9 يناير، إن "الأساس لدينا في التسمية ليس لتعصب قومي ولكن لحق التسمية الوارد أصله ثم تحوله هوية ضد التدخل الخارجي المعبر عنه رسميًا من إيران".

وأضاف: "الصراع مع فارس كقوة قومية أو في نفوذها في هرمز الذي واجه عمان وسلطنة الجبور العقيليين الممتدة إلى البصرة على الخصوص ومعقلها الأحساء شهد تعاونًا فارسيًا مع البرتغاليين ضد الإقليم العربي في حملة لشبونة على عرب الخليج والوصول إلى طريق للديار المقدسة".

ويبين الجبيل أن "المواجهة تضمنت الصراع على (البحرين) المسماة اوال قديمًا وشهد الخليج مواجهات بين السلطنة العربية للجبور العقيليين وبين نفوذ فارس واحتلالها شارك في الصراع عدة قبائل عربية وإيران حتى اليوم تتبنى تبعيتها لها مع مناطق أخرى فنحن نواجه أرضية ترصيف ذات أطماع سياسية".

وأردف الكاتب قائلا: "في هذه البطولة لم يستدع أحد إيران، هي من قام بالتحريض المكثف غيرة ورفضا، لأن يتردد مصطلح الخليج العربي بين الأشقاء في العراق في مرحلة نفوذها وتدخلها فيه".

وتساءل: "فمن هو المتعصب ومن الذي يستدعي العداوات بيت القوميات وأين مفهوم الإسلام من هذا التحريض الذي تقوم به إيران؟"