"مرجعية السُنة" بالعراق.. هل تفلح في رأب الصدع السياسي للمكوّن؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

برزت عقب الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، هيئات ومجالس دينية عدة، حاولت تأسيس مرجعية للمكون السني تتولى جانب الفتوى، وكذلك توحيد وجمع الشتات السياسي، في ظل ظروف مضطربة يعيشها البلد، بعيدا عن ديوان الوقف السني الذي يعتبر جزءا من الحكومة، على الرغم من أهميته.

عقب سقوط نظام صدام حسين، تأسست عام 2003 "هيئة علماء المسلمين"، وكان من أبرز مؤسسيها الشيح الراحل حارث الضاري والشيخ أحمد حسن الطه، والدكتور محمد عبيد الكبيسي، والشيخ الدكتور بشار الفيضي، والشيخ الدكتور عبدالسلام الكبيسي، والشيخ الدكتور إسماعيل البدري، والشيخ عدنان العاني، والشيخ الدكتور فهمي القزاز.

"ضيّعت أهل السنة"

"الهيئة" التي ترأسها حارث الضاري منذ تأسيسها في أبريل/ نيسان 2003 وحتى وفاته في مارس/آذار 2015، ليخلفه ابنه مثنى حارث الضاري، غادرها أغلب علماء السنة، وتعرضت لانشقاقات كبيرة على مستوى المؤسسين، حتى غاب تأثيرها في الشارع السني، بسبب مواقف عدة، ولا سيما السياسية منها.

من أبرز المواقف التي اتخذتها الهيئة ولم يختلف معها كثير من علماء السنة، أنها دعت لمقاومة القوات الأجنبية في العراق بالسلاح قبل انسحابها رسميا، فهي تعد "المقاومة بكل أنواعها وعلى رأسها المقاومة المسلحة أمرا مشروعا دينيا وقانونيا".

لكن ما أثار جدلا واسعا، أنها دعت أهل السنة والجماعة في العراق إلى مقاطعة العملية السياسية وعدم الدخول في قوات الجيش والشرطة والأمن، ومقاطعة الانتخابات، الأمر الذي اعتبرته الأحزاب السنية بأنه السبب الرئيس في تهميش المكون.

وقال الرئيس الأسبق للحزب الإسلامي العراقي، محسن عبدالحميد في تصريحات صحفية سابقة، إن "النتائج النهائية التي انتهى إليها أهل السنة في العراق تثبت بصورة قطعية، أن مواقف هيئة علماء المسلمين قد ضيعت أهل السُنة".

وأضاف عبدالحميد، الذي ترأس الهيئة قبل أن يتركها للضاري ويذهب للحزب: "لقد نصحناهم، ولا سيما المرحوم الشيخ حارث الضاري، ولكن لم يُفد. وتدريجيا ابتعد الكثير ممن شعروا بأن هذا الموقف سُيردي بأهل السنة إلى الهلاك. سامحهم الله.. وسامحنا إذا كنا مخطئين في اجتهادنا".

ولم تعترف الهيئة يوما بشرعية العملية السياسية في العراق، ابتداء من "مجلس الحكم" وانتهاء بحكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، كما أنها رفضت ببيانها الأول في يوليو/تموز 2003 نظام المحاصصة الطائفية، واعتبار يوم سقوط بغداد عيدا وطنيا.

وبشأن مشروع الفدرالية الذي طالبت به بعض الأطراف، أوضحت الهيئة وقتها -على لسان أمينها العام الشيخ حارث الضاري- أن "الفدراليات إذا صارت لا قدّر الله ستكون فدراليات طائفية وعنصرية، وبالتالي ستؤسس لتقسيم العراق، والتقسيم رغبة أجنبية".

تأسيس بديل للهيئة

وعلى وقع الانشقاقات الكبيرة في "هيئة علماء المسلمين" وغياب تأثيرها في الشارع السني، وفي خطوة على ما يبدو أنها جاءت لإيجاد بديل لـ"الهيئة" أسس مجموعة من العلماء السنة في أبريل/نيسان 2007 "مجلس علماء العراق" خلال مؤتمر أول عقدوه في العاصمة الأردنية عمّان.

لكن "الهيئة" وعلى لسان نجل رئيسها ورئيس لجنتها الإعلامية، مثنى حارث الضاري، قالت: إنه "لم تتم استشارة الهيئة في مجلس علماء العراق الذي تم الإعلان عنه في مؤتمر استضافه الأردن"، ونفت بشدة أن "يكون المجلس بديلا عن الهيئة".

وبرر الضاري الحضور الكبير لعدد من أعضاء الهيئة للمؤتمر، بأن الكثير من أعضاء الهيئة الذين شاركوا في المؤتمر جاؤوا بناء على تلقيهم دعوات لحضور المؤتمر الخامس لديوان الوقف السني الذي يعقد سنويا في بغداد "وجاء هؤلاء لتدارس شؤون المساجد وحرقها وما تتعرض له من اعتداءات واغتيال لأئمتها وتهجيرهم للخارج".

وأوضح، أن معظم أعضاء الهيئة فوجئوا في عمان بطبيعة المؤتمر الذي حضروه "وهذا ما أكدوه للأمين العام للهيئة الشيخ حارث الضاري أثناء زيارتهم له في عمان حيث يقيم"، لافتا إلى أن "الهيئة لا يقلقها وجود تشكيلات وتنظيمات على الساحة العراقية "تسعى لخدمة مصالح العراقيين".

واتخذ "مجلس علماء العراق" الذي يترأسه الشيخ محمود عبد العزيز العاني، منذ تأسيسه خطا مغايرا لما ذهبت إليه "هيئة علماء المسلمين" إذ دعا المكون السني إلى المشاركة بقوة في الانتخابات البرلمانية، بناء على معيار الكفاءة والنزاهة، لاسترداد حقوق السُنة في العراق.

وعلى العكس من موقف "الهيئة" من الأقاليم التي تراها "تقسيما" للبلد، فقد كان "المجلس" من أبرز الداعين والداعمين لإقامة الأقاليم في العراق، بل ودعا ناخبي "المكون السني" إلى اختيار المرشح الذي ينطبق برنامجه الانتخابي "مع مشروع الإقليم لخلاص أهل السنة في العراق من الظلم والتهميش والتمييز الطائفي".

وحذّر المجلس في بيان من انتخاب من "وقف في صف الظالم واشتهر بالفساد"، داعيا أهل السنة إلى النفير العام "لنصرة المظلومين وإحداث التغيير من خلال المشاركة الفعالة في الانتخابات لإثبات هويتهم ووجودهم وتحصيل حقوقهم".

ولم يغب "المجلس" عن الحراك السني في المحافظات ذات الغالبية السنية، الذي انطلق عام 2012، حيث تصدر مشايخه منصات التظاهرات في الميادين والمحافظات، مطالبين برفع الغبن عن المكون السني.

"مرجعية عليا للسنة"

وفي فبراير/ شباط 2010، جاء إعلان تأسيس "المجمع الفقهي لكبار العلماء للدعوة والافتاء" في العراق، ويعتبر جامعا لهيئات ومجالس ومؤسسات دينية سنية، من مختلف التوجهات الفكرية "سلفية، إخوانية، صوفية".

"المجمع" الذي يزوره كبار مسؤولي الدولة العراقية، من رئاسات البلد "الجمهورية، البرلمان، والحكومة" إلى الوزراء والقادة السياسيين والسفراء العرب والأجانب، بات يحظى برمزية غطت على من سبقه من المؤسسات الدينية.

ولا يطرح "المجمع الفقهي العراقي" نفسه بديلا لأحد ولا مرجعية وحيدة لأهل السنة والجماعة في العراق، بحسب المتحدث باسمه الشيخ مصطفى البياتي، الذي قال لـ"الاستقلال": إن "المجمع يعتبر المرجعية العليا".

وأوضح، أن "المجمع هو المؤسسة الوحيدة التي تمثل جميع المكونات السنية في داخل البلد، وتضم كبار العلماء من كل التوجهات والمدارس الفكرية، وهذا أُُقر بقانون شرعه مجلس النواب العراقي".

وأشار البياتي إلى أن "القانون يتيح للمجمع الفقهي (مقره جامع الإمام الأعظم أبي حنيفة ببغداد) أن يرشح من يراه مناسبا لشغل منصب رئيس ديوان الوقف السني، كما أن المرجعية الدينية الشيعية في النجف، التي يترأسها آية الله علي السيستاني، هي المعنية بترشيح رئيس ديوان الوقف الشيعي".

وبخصوص الشأن السياسي السني وتصدعه، قال البياتي: إن "المجمع لا يتدخل في تفاصيل السياسة، لكن القضايا العامة التي تخص البلد والمكون السني أكيد يكون له رأي فيها ورأيه مسموع ومقبول، وعلى سبيل المثال، فإن الساسة السنة على مختلف توجهاتهم لم يستطع أحد أن يجمعهم في مكان واحد سوى المجمع الفقهي".

وكان "المجمع الفقهي" قد وجه دعوة إفطار لجميع السياسيين السنة في شهر رمضان الماضي، حضرها قادة بارزون عقب خلافات شديدة بين السياسيين واتهامات متبادلة بينهم، جراء حدوث انشقاقات في الكتل السياسية بعد انتخابات عام 2018.

ولفت البياتي إلى أن "قرارات المجمع الفقهي تؤخذ بالشورى، فالهيئة العليا فيه مكونة من 30 عالما هي التي تأخذ القرارات، وليس الحق لشخص واحد في ذلك"، مؤكدا في الوقت ذاته أن المجمع "لا يتقاطع مع ديوان الوقف السني، ولا أية مؤسسة أخرى داخل البلد".

دعا "المجمع الفقهي" العراقيين إلى المشاركة الفاعلة في الانتخابات البرلمانية عام 2018، وإلى الدقة في الاختيار، لا سيما في العاصمة بغداد من أجل إحداث التغيير وعدم ترك الساحة لمن وصفهم بالمفسدين.

وقال في بيان له، إن الانتخابات من وسائل التداول السلمي للسلطة، لذا يتوجب المشاركة فيها. ووصف بيع الناخب لبطاقته الانتخابية "جريمة كبرى" يشترك فيها المرشح والناخب لأنها شكل من أشكال الرشوة.

كما دعا المجمع -الذي يعرّف نفسه بأنه مرجعية مستقلة لأهل السنة والجماعة- السلطات وخص مفوضية الانتخابات إلى استبعاد من تحوم حوله شبهات الفساد. وقال في بيانه: "إن ترك الساحة للمفسدين تمكين لهم بالإفساد في الأرض".

من الأصلح للقيادة؟

من جهته، رأى الكاتب العراقي أحمد الحيالي في حديث لـ"الاستقلال"، أن "العرب السنة إجمالا يعانون من إشكالية غياب المرجعية الفاعلة التي تمثلهم في المحافل المحلية والدولية، التي أسهموا هم أنفسهم في غيابها أو إضعافها، بل قل تلاشيها أحيانا، ورد ذلك كله لأسباب عدة تتباين في ضعفها وقوتها -زمانيا ومكانيا- بمقتضى الأحداث".

فالسنة البعثيون على سبيل المثال، يشدد الحيالي، على أنهم ﻻ يقرون بالمرجعيات السنية ذات الخلفية الإسلامية ولا يزالون يدمغونها بذات اﻷوصاف التي درجوا عليها طيلة عقود ويطلقون عليها  تسمية "التيار الرجعي" محاكاة لخطاب خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي.

وتابع: "فيما ينظر إسلاميو العرب السنة إلى البعثيين من طائفتهم نظرة لا تختلف عن سابقتها ويصفونهم بأنهم علمانيون يريدون فصل الدين عن الدولة، وأنهم من أزلام النظام السابق وأنهم يريدون -العودة - إلى السلطة لينتقموا منهم كما فعلوا بهم فيما مضى وهكذا دواليك يغذي ذلك كله خصومهم".

وزاد الحيالي، أنه "كلما اجتمع القوم أو تقرب بعضهم من بعض سعى الخصوم إلى تشتيت شملهم وتفريق جمعهم ليظلوا مجرد ذنَب يتبع هذه الجهة أو تلك، ويتحالف معها ولو على حساب مصالح الجمهور السني".

ورأى، أن "هناك سببا لابد من وضع السبابة والإبهام عليه، أﻻ وهو الفصام الحاصل بين الإسلاميين السنة أنفسهم من جهة، وبين العلمانيين السنة كذلك، فهيئة علماء المسلمين تريد أن تتفرد بالقيادة من خارج العراق، الوقف السني بقيادة عبداللطيف الهميم يريد أن يتصدر الزعامة، الشيخ مهدي الصميدعي ممن يطلق على نفسه (مفتي عام العراق) وهو على خلاف مع الهميم يردها له".

وبحسب الحيالي، فإن "المجمع الفقهي" هو في تصوري الأصلح لقيادة جمهور السنة؛ لما يضم من نخبة تمثل خيرة علماء العراق يترأسهم الدكتور أحمد حسن الطه، وهم ينتهجون الوسطية ليس على مستوى الخطاب الشرعي فحسب، بل والخطاب السياسي أيضا. 

ولفت إلى أن "جناح المغتربين يحاولون بدورهم إيهام المنظمات والمؤسسات الدولية بأنهم ممثلو العرب السنة ومرجعيتهم للحصول على المغانم المادية والمعنوية وحضور المؤتمرات والندوات التي تقام خارج العراق باسمهم"، في إشارة على ما يبدو لهيئة علماء المسلمين.

ومن وجهة نظر الكاتب العراقي، فإن جمهور السنة لن ينصاع ﻷية مرجعية، إلا في حالة واحدة تتمثل بـ"اتحاد بين القوى العلمانية والإسلامية والعشائرية" لإنجاب مرجعية مشتركة تمثّل كل تياراتهم، بخلاف ذلك لا مرجعية سنية، بل مرجعيات تؤثر في هذا الطرف من دون ذاك فحسب.

ونوّه الحيالي في ختام حديثه لـ"الاستقلال" إلى أن "أي حزب سياسي، لن يتحول إلى مرجعية لعدم ثقة العراقيين عموما وجمهور السنة خصوصا بساسته".