ديفيد فريدمان.. سفير أي دولة بالضبط؟

عبدالله معروف | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم أر في حياتي سفيراً يكون ولاؤه لدولةٍ أخرى غير دولته مثل السفير الأمريكي في دولة الاحتلال الإسرائيلي ديفيد فريدمان! فالناظر لهذا الرجل وسيرته وتصرفاته لا يكاد يشك أبداً أنه مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى وليس سفيراً يمثل دولةً أجنبية.

شكّل تعيين ديفيد فريدمان سفيراً في إسرائيل إشارةً واضحةً من الإدارة الأمريكية الحالية لانحيازها الكامل وغير المشروط لليمين الإسرائيلي المتطرف. إذ أن تعيين شخصية مثل فريدمان أدى إلى لغط كبير في داخل أروقة السياسة الأمريكية التي كان الديمقراطيون فيها على الأقل يحاولون الظهور بمظهر الراعي المتوازن لعملية السلام في منطقة الشرق الأوسط. ففريدمان يعتبر واحداً من أشد مناصري الجماعات الاستيطانية المتطرفة في مناطق الضفة الغربية، وهو أحد الداعمين الرئيسيين للاستيطان هناك، وتكلم غير مرةٍ عن دعمه فكرة ضم أراضيها لدولة الاحتلال بشكل كامل.

هذا المحامي اليهودي الأرثوذوكسي ولد عام 1958 لأسرة متدينة، فوالده كان حاخام كنيس Temple Hillel في نيويورك. وكان أول لقاء بينه وبين الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب عام 2005 عندما زاره ترامب لأداء واجب العزاء بوفاة والده. 

في ذلك الوقت كان فريدمان يعمل محامياً لقضايا الإفلاس، ومن هناك بدأت علاقته بترامب، إذ رتب له واحدة من قضايا إشهار الإفلاس الثلاثة التي مر بها ترامب خلال حياته العملية. وتعرَّف فريدمان كذلك على جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي الحالي، وحصل منه على تبرع لمنظمة American Friends of Bet El التي كان فريدمان يتطوع فيها، وهي منظمة متخصصة في الدفاع عن قضايا الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية، ومقاومة فكرة حل الدولتين التي كانت الولايات المتحدة تطرحها دائماً على طاولة المفاوضات.

فريدمان كان على الدوام يعتبر من صقور اليهود الأمريكيين الذين يقدمون مصلحة دولة الاحتلال على أية مصالح أخرى، فقد كان يكتب في صحيفة Jerusalem Post وفي موقع Arutz Sheva الإسرائيليين بشكل دائم، وكان من أشد مناصري فكرة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو ما كان قد صرح به بوضوح في بيان مشترك مع صديقه غرينبلانت (الذي أصبح الآن - للمفارقة الساخرة - مبعوث الولايات المتحدة لعملية السلام) قبيل الانتخابات الأمريكية، حيث عينه ترامب مستشاراً لحملته الانتخابية لشؤون الشرق الأوسط وإسرائيل. وهو ما أهّله لاحقاً ليصبح أول سفير أمريكي في دولة الاحتلال الإسرائيلي في عهد دونالد ترامب وبعد انتخابه مباشرة.

ذلك لم يمر بسهولة، إذ أثارت أخبار تعيينه عاصفة من الانتقادات والرفض ومحاولات عرقلة هذا التعيين من كثير من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين، إضافةً إلى منظمات يهودية أمريكية معادية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، بل وحاول عدد من أعضاء مجلسي الكونجرس والشيوخ الأمريكي اليهود عرقلة تعيينه، في مقابل ترحيب كبير من أقطاب اليمين الإسرائيلي المتطرف بهذا التعيين، وحتى من منظمات استيطانية ناشطة في الضفة الغربية مثل منظمة Yesha المتطرفة وغيرها. إلا أن فريدمان نجح في الحصول على الأصوات اللازمة من الكونجرس للتعيين.

ما إن تم تعيين هذا الشخص سفيراً حتى بدأ ينفذ الأجندة اليمينية المتطرفة حسب رؤية أعتى المتطرفين في دولة الاحتلال الإسرائيلي، بل وبشكل أشد تطرفاً وعنجهية حتى من "عقلاء" المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية. حيث ضغط بكل قوته باتجاه سرعة افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، وأعلن منتشياً في حفل الافتتاح أنه يفخر أنه كتب اسمه في التاريخ كأول سفير أمريكي يعمل في القدس.

وساهم أكثر من مرة في تسويق زيارات المسؤولين الأمريكيين وغيرهم إلى جوار المسجد الأقصى المبارك، وسوًّق –ولا زال– فكرة ضم أراضي الضفة الغربية لدولة الاحتلال ضمن ما يسمى "صفقة القرن"، وكان آخر تقليعاته مشاركته في افتتاح نفق جديد تحت بلدة سلوان باتجاه المسجد الأقصى المبارك في القدس، مدعياً في خطابه أن هذا النفق كان طريق الحج اليهودي إلى المعبد في القرن الأول الميلادي، وكان آخرَ من ضرب مطرقةً في جدار صغير معلناً بذلك افتتاح النفق للعموم، في خطوةٍ شديدة الرمزية لتدشين عهد جديد في الفضاء التحتي للمسجد الأقصى المبارك.

لمن لا يذكر، عندما زار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دولة الاحتلال قبل أعوام، وكان هذا الشخص في استقباله في المطار على عادة مراسم البروتوكول الدبلوماسية، فوجئت كغيري بفريدمان يغني بلسانه النشيد الوطني الإسرائيلي (هاتيكفا) عند عزفه كما فعل بنيامين نتنياهو وكافة الحضور الإسرائيلي!

ولابد من الإشارة كذلك إلى أن ابنة فريدمان (تاليا) هاجرت إلى إسرائيل وحصلت على الجنسية الإسرائيلية عام 2017. لهذه الأسباب كلها يحق لنا أن نسأل: من يمثل ديفيد فريدمان بالضبط؟ وسفير أي دولةٍ هو بالضبط؟ وأين تذهب الولايات المتحدة الأمريكية بمثل هذه الشخصيات؟!