تجاهل صندوق النقد أزمة تونس.. هذه نتائج احتكار قيس سعيد القرار الاقتصادي

زياد المزغني | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

قرر صندوق النقد الدولي بصورة مفاجئة حذف ملف تونس من جدول أعمال كان مقررا في 19 ديسمبر/كانون الأول 2022، لأسباب لم يفصح عنها لا من قبل المسؤولين في الصندوق ولا من المسؤولين الحكوميين.

وتوصل الصندوق إلى اتفاق مبدئي مع تونس بشأن حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار لمدة 48 شهرًا، لمساعدتها على استعادة استقرار اقتصادها وتنفيذ إصلاحات، وذلك بالتزامن مع مظاهرات ضد الرئيس قيس سعيد وتدهور الوضع الاقتصادي.

القرار المفاجئ من قبل صندوق النقد فتح باب التساؤلات بشأن الأسباب الحقيقية التي دفعته لاتخاذه، في ظل صمت رسمي في تونس وتأخّر غير مبرر في إصدار قانون المالية الخاص بالعام 2023.

وكان ينتظر أن يضم قانون المالية حزمة من القرارات الاقتصادية خاصة المرتبطة بملفات الدعم والضرائب وخصخصة عدد من المؤسسات العمومية. 

ويذهب جلّ الخبراء الاقتصاديين لجعل مواقف رئيس الجمهورية من الإصلاحات الاقتصادية المرتقبة ومن مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي سببا لذلك، مما قد يدخل البلاد في عجز مالي خطير يهدد كل توازناتها الاقتصادية.

معارضة الرئيس 

تزامن قرار صندوق النقد الدولي مع وجود الرئيس التونسي قيس سعيّد في واشنطن للمشاركة في القمة الأميركية الإفريقية.

وصرح سعيد على هامش القمة لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (الرسمية): "نحن عندما نسافر إلى الخارج، نصر باستمرار على مبدأ سيادة الشعب".

وشدد على أن المسائل التونسية تتصدر الأولويات التي يجب إيجاد حلول لها على أساس مقاربة تونسية حصرية، حسب وصفه.

وأضاف أن "إيجاد حلول لمشاكل تونس لا يمكن أن يجرى فقط عبر الأرقام، ولا من قبل صندوق النقد الدولي ولا أي صندوق آخر".

وتابع: "لا يمكن لأي طرف أجنبي أن يفرض علينا حلوله أو بدائله الخاصة بمشاكلنا".

من جهة أخرى أصر سعيد في تصريحه على أن الحلول المقترحة من الجهات الخارجية يجب أن تأخذ قبل كل شيء في الحسبان الوضع الاقتصادي والاجتماعي لتونس.

وأضاف: "لا نريد حلولا من الخارج تكون مفيدة بشكل كبير للطرف الذي اقترحها بينما يظل الوضع في تونس دون تغيير" ، مؤكدا أن علاقات البلاد الخارجية تقوم على مبدأ سيادة الشعب.

وفي الوقت الذي كانت فيه حكومة سعيد تفاوض صندوق النقد الدولي، وتتحدث مديرته كريستينا جورجيفا عن حصول اتفاق مع الدولة التونسية التي تعهدت بالتوجه نحو الخصخصة ورفع الدعم، كان للرئيس التونسي موقف مختلف.

فخلال لقائه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أكد قيس سعيد حرصه على مقاربة هذه القضايا مقاربة جديدة تقوم على العدل والإنصاف وعلى عدم تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي.

وأشار إلى أن الحل الناجع يجب أن ينطلق من إرادة الشعب، ولن يكون هناك تفريط، كما يدعي البعض، في المؤسسات والمنشآت العمومية. 

ورأى الخبير الاقتصادي التونسي عز الدين سعيدان وقتها أنه من الطبيعي أن تصريحات رئيس الدولة ستؤثر على مسار المفاوضات.

فصندوق النقد الدولي معني بالتزام الحكومة بإجراء برنامج الإصلاحات المتفق عليه، لذلك اشترط هذه المرة أن يوقع رئيس الجمهورية على الاتفاق.

وأكد سعيدان لـ"الاستقلال" أن صندوق النقد الدولي اشترط الاطلاع على قانون المالية التكميلي لسنة 2022، وقانون المالية للعام 2023 للتأكد من أن التوجه فعلا مطابق لبرنامج الإصلاح الذي تقدمت به الحكومة خلال المفاوضات.

ولكن لم يجر إصدار قانون المالية للعام 2023، الذي من المنتظر أن يتضمن إجراءات تقشفية تتوافق مع العجز المالي الحاصل والأزمة الاقتصادية المتفاقمة.

وضع سيئ 

ويواجه التونسيون موجة غلاء، وارتفاع معدل التضخم السنوي، الذي وصل إلى 9.8 بالمئة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وهو مستوى قياسي، مقابل 9.2 بالمئة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وسط توقعات برفع البنك المركزي أسعار الفائدة الرئيسية مرة أخرى.

وغير بعيد عن لغة الأرقام التي تصدرها الجهات الرسمية والمنظمات المهنية والخبراء، فإن  قائمة المواد المفقودة من الأسواق توسعت لتشمل الماء المعدني والمشروبات الغازية والحلويات الصناعية، إلى جانب الدواجن.

هذا فضلا عن فقدان أغلب المواد التي تحظى بدعم الدولة مثل الخبز والدقيق والسكر والزيت والشاي. فيما ارتفع إجمالي الزيادات هذا العام في سعر الوقود إلى حوالي 20 بالمئة.

ورغم هذه الزيادات يعيش التونسي يوميا معاناة الوقوف في طوابير طويلة للحصول على وقود لوسيلة نقله، قبل التحول إلى طوابير أخرى للحصول على علبة حليب من المحال التجارية.

كما أن قائمة الأدوية المفقودة من الصيدليات ضمت تحو 700 نوع بحسب بلاغ أصدرته جمعية الصيادلة، والتي قالت إنه سيقع تحيينها بشكل دوري إلى حدود نهاية العام الحالي .

وسبق لأمين مال المجلس الوطني لهيئة الصيادلة أن كشف، في أغسطس/آب 2022، أن "الصيدلية المركزية أصبحت عاجزة عن سداد المزودين الأجانب الذين يدينون لها بأكثر من 700 مليون دينار (221 مليون دولار).

فضلا عن أن المستشفيات والصندوق الوطني للتأمين على المرض يدينون لها بأكثر من 1100 مليون دينار (350 مليون دولار).

ورأى رئيس الهيئة التنفيذية لجبهة الخلاص الوطني (معارضة) أحمد نجيب الشابي أنه لا يوجد خلاف بين التونسيين إن كانوا في السلطة أو في المعارضة أو في موقع سياسي أو في منظمات اجتماعية أنه لا بد من إصلاح الأوضاع الاقتصادية.

وأردف في حديثه لـ"الاستقلال": "لا يوجد إنكار بوجود ثغرات كبيرة في البناء الاقتصادي ولكن السؤال هو كيف يمكن أن نصلح هذه الثغرات؟"

وأضاف الشابي: "هنالك من يعتقد أن البلاد بلاده وهو مالكها ويمكنه فعل ما يريد، وهذا خطأ وظهر أنه مخطئ، نحن نقول لا مفر ولا وجود لأكثر من حل ولكن علينا أن نهتدي له بشكل جماعي من خلال الحوار".

وبين أن أي إصلاحات يجب أن تكون في إطار الشفافية والعلنية، ليس مثلما يحصل الآن بين الحكومة وصندوق النقد الدولي.

وأردف: "نعلم أن هناك كلفة اجتماعية باهظة جدا لأي قرارات ستتضرر منها الطبقات الضعيفة والمتوسطة والدولة مسؤولة على تخفيف هذه الأضرار إلى أدنى مستوى لها".

حافة الهاوية 

وأكد زعيم المعارضة في تونس أن الجميع يتساءل عن المدة التي ستأخذها الإصلاحات لأنها ستمس مباشرة مئات الآلاف من الأسر، في علاقة بكتلة الأجور.

ففي تونس 680 ألف موظف وعامل في القطاع العام وكذلك بالنسبة لصندوق الدعم الذي يستفيد منه 70 بالمئة من الطبقات المتوسطة والضعيفة في تونس.

في الوقت نفسه نفى الاتحاد العام التونسي للشغل، خلال بيان له في 15 ديسمبر 2022، أي صلة للمنظمة بمشروع الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه السلطات التونسية.

وطالب بحق التونسيين بالاطلاع على ما وصفها بـ"العقود السرية بين الحكومة والدوائر المالية العالمية"، محذرا من تأجيج الغضب الشعبي.

ومع الأزمة الاقتصادية والعجز المتفاقم، فإن تونس مطالبة العام القادم بسداد أكثر من ملياري دولار من القروض الخارجية.

وهذا الأمر قد يشكل ضغطا كبيرا على الموازنة التي لم تكشف السلطات بعد عن مصادر تمويلها ولا خطة إغلاق موازنة العام 2022 التي فاقت نسبة عجزها 9 بالمئة.

وهو ما يؤكد أن السياسة التقشفية للحكومة مرجح استمرارها مع مواصلة توجيه الجزء الأكبر من الموازنة نحو سداد الدين الخارجي ونفقات التسيير والأجور، مقابل تراجع التمويل المخصص للاستثمار وخلق الثروة.

وبحسب جلّ الخبراء الاقتصاديين والماليين يتوقع أن يكون عام 2023 أكثر صعوبة، خاصة على صعيد الضغط على احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي الذي يغطي نحو 90 يوما من الاستيراد.

وستكون تونس في بداية السنة القادمة أمام خيار وحيد، الاعتماد على مواردها الذاتية إلى حين إمضاء اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي.

إلا أنه ليس من المعروف لدى أحد متى سيجرى تحديد موعد لاستئناف المفاوضات، في حين يرى بعض الخبراء أن قرار صندوق النقد الدولي أقرب إلى الإلغاء منه إلى التأجيل.