"يكرهون نجاحنا".. ماذا وراء اعتداء الأمن الإسباني على مشجعات مغربيات؟

الرباط - الاستقلال | a year ago

12

طباعة

مشاركة

موجة غضب صادمة أثارها اعتداء عناصر أمن ينتمون للشرطة المحلية بمدينة سبتة المغربية الخاضعة لإسبانيا على مشجعات كن يحتفلن بتأهل المنتخب المغربي إلى نصف نهائي كأس العالم على حساب البرتغال.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2022، أظهر فيديو متداول عبر المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، أفرادا من شرطة سبتة يعتدون بالعصي على مواطنات إسبانيات من أصول مغربية وسط صراخهن وبكائهن.

اعتداءات متكررة

وجاء اعتداء الشرطة الإسبانية على النساء المغربيات بسبب احتفالهن بالتأهل التاريخي للمنتخب المغربي التاريخي للدور نصف النهائي من منافسات كأس العالم في قطر على حساب المنتخب البرتغالي، وهو أول بلد عربي وإفريقي يحقق هذا الإنجاز الكروي غير المسبوق.

وقبل مواجهة منتخب البرتغال، وجه المنتخب المغربي ضربة قاضية لنظيره الإسباني في واحدة من أكثر السيناريوهات إثارة في كأس العالم، وفاز عليه في دور 16 الإقصائية بركلات الترجيح.

وفي 6 ديسمبر 2022، قدم المنتخب المغربي، أداء استثنائيا حاز على إعجاب الخبراء والمحللين الرياضيين حول العالم، وحول ما كان ينظر إليه على نطاق واسع بأنها مباراة سهلة نسبيا لإسبانيا، الفريق المتخم بالنجوم، إلى هزيمة ستتذكرها مدريد طويلا.

ورغم خضوع سبتة الواقعة شمال المغرب، لإدارة إسبانيا، فإن المغرب يعدها مدينة محتلة، في حين يعرفها باقي العالم كجيب إسباني في شمال إفريقيا.

وتمثل سبتة إضافة لمدينة مليلية الجزء الوحيد من الأراضي الأوروبية في البر الإفريقي، وهو واقع سياسي وقانوني لم يعترف به المغرب قط.

واستمر المغرب في المطالبة باستعادة سبتة بجانب أربعة جيوب أخرى صغيرة في البحر المتوسط، وكلها تقع في شريط مضيق جبل طارق الضيق.

ويعد الاعتداء الذي تعرضت له المشجعات الإسبانيات من أصل مغربي بمدينة سبتة، استمرارا لمسلسل التضييق والممارسات العنصرية ضد المهاجرين المغاربة أو الإسبانيين من أصل مغربي.

وترجع أسباب هذه الاعتداءات المتكررة إلى حملة العداء والكراهية الصريحة ضد المغرب والمغاربة التي يقودها اليمين المتطرف بإسبانيا والذي يحاول تعزيز شعبيته بناء على أجندة عنصرية تنصب العداء للمغاربة والمسلمين، وتناهض التعددية السياسية.

هذا التجييش العنصري من اليمين المتطرف أدى إلى عدة حالات اعتداء على مغاربة بإسبانيا، من قبيل إقدام "عنصر إسباني" في 13 يونيو/حزيران 2021، على قتل المهاجر المغربي يونس بلال (35 سنة)، عبر إطلاق رصاصات عليه بمنطقة مورسيا (جنوب شرق).

وبعدها تعرض شاب مغربي يدعى مؤمن قطيبي، ويبلغ من العمر 22 سنة، لاعتداء بالضرب على يد رجل إسباني وفقا لأسرة الضحية، مرتين على الأقل في ظهره بقضيب حديدي في رأسه وكسر جمجمته مما أدى إلى دخوله في غيبوبة ووضعه تحت المراقبة الصحية.

وفي حادثة مماثلة تعرض مغربي آخر، يبلغ من العمر 40 سنة، للطعن، في يونيو 2021، في كارتاخينا، وجرى نقله مستشفى سانتا لوسيا، في سلسلة حوادث لا تنتهي.

أعداء النجاح

الاعتداء على المشجعات المغربيات بمدينة سبتة أثار موجة غضب واستنكار عربية ومغربية على مواقع التواصل الاجتماعي.

الأكاديمية في العلوم التربوية فاطمة الوحش، قالت في تغريدة غبر تويتر، إن "اعتداء الإسبان على نساء من المغرب يحتفلن بفوز فريق الوطن في منطقة سبتة المحتلة"، يؤكد "أنهم يكرهون نجاحنا".

بدوره، انتقد إيهاب عيسى، "اعتداء الشرطة الإسبانية على فتيات مغربيات "بدون أي أسباب حتى المرأة التي كانت تقف مسالمة دفعها الشرطي وضربها"، مضيفا "انكشف القناع الزائف عن هذه الحضارة".

الباحث السعودي في الأديان والتاريخ عبدالرحمن العبيد، أكد في تغريدة عبر تويتر، أن "اعتداء شرطة الاحتلال الإسباني على مواطنات مغربيات، كشفت حقيقة الغربيين الذين يتشدقون بحقوق الإنسان، يعتدون على نساء ضعيفات!".

الناقد السينمائي المغربي مصطفى الطالب، علق عبر فيسبوك بالقول إن "اعتداء الشرطة الإسبانية جريمة"، مضيفا "هذه هي أوروبا المدافعة عن الحريات الفردية وحقوق المرأة والروح الرياضية".

ودخل على خط التنديد بالاعتداء العنصري محامون مغاربة أعلنوا عن وضع التقدم بشكاوى تتعلق بالقضية.

وفي 13 ديسمبر 2022، كشف المحامي المغربي مراد العجوطي، أنه تقدم بشكوى لدى المدعية العامة الإسبانية تيريزا بيراماتو مارتين، تخص الاعتداء الذي تعرضت له ثلاث مغربيات مزدوجات الجنسية رفقة قاصر حين احتفالهن بتأهل المنتخب المغربي.

وأكد العطوجي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية المحلية، أن مغربيات سبتة "تعرضن لمعاملة لا إنسانية وحاطة من الكرامة".

وأوضح أن المدعية العامة الإسبانية المكلفة بالعنف ضد النساء أحالت الشكاية المذكورة على مكتب النائب العام للدولة، من أجل فتح تحقيق وتفعيل المسطرة القضائية في حق العناصر الأمنية التي ظهرت في شريط فيديو تعتدي على مغربيات.

وأشار المحامي ذاته، إلى أن هذا الاعتداء جرى بالرغم من أن الضحايا لم ينفذن أي عمل استفزازي للشرطة الإسبانية.

وعبر العطوجي، عن أمله بأن لا تؤثر هذه الأعمال والأحداث على العلاقات بين البلدين وأن يأخذ التحقيق مجراه بشكل سريع لتحديد المسؤوليات عن الأحداث المؤسفة.

تحرك قضائي

بدوره، استنكر المحامي المغربي ورئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان الحبيب الحاجي، "العنف العنصري الذي تعرضت له نساء مغربيات بطريقة وحشية بمدينة سبتة المحتلة". 

وأكد الحاجي، في تصريح لمواقع محلية، أن هذا الاعتداء يعد "جريمة عنصرية مرفوضة حقوقيا وقانونيا وإنسانيا".

ودعا المحامي المغربي، القضاء الإسباني إلى أن يكون في المستوى وأن يضرب بيد من حديد على مرتكبي هذه الجريمة الشنعاء، مطالبا بعزل عناصر الشرطة المعتدين على نساء مغربيات خرجن للاحتفال بطريقة سلمية.

وناشد الحاجي، الدولة المغربية بإصدار بيان لتوضيح موقفها مما وقع، مؤكدا على ضرورة متابعة السلطات المغربية هذا الملف لدى القضاء الإسباني بأي صيغة كانت. 

وأمام حالة الغضب والاستنكار لهذا العنف اللاإنساني وغير المبرر، فتحت السلطات القضائية الإسبانية تحقيقا بعد تداول فيديو لاعتداء الشرطة.

وفي 12 ديسمبر 2022، أعلنت السلطات المحلية بمدينة سبتة، عن فتح بحث قضائي، مع حوالي 60 عنصرا أمنيا تابعا لشرطة مكافحة الشغب بالمدينة، وذلك على خلفية استخدامهم العنف غير المبرر.

وحسب صحف محلية، انتقلت النساء ضحايا اعتداء الشرطة الإسبانية، مدعومات بفاعلين ومواطنين، إلى مقر الأمن الوطني بمدينة سبتة، حيث قدمن شكوى رسمية، مشفوعة بالفيديو، وبشهادات طبية تثبت الإصابة ومدة العجز المحتملة.

وفي تعليقه على اعتداء أفراد من شرطة مدينة سبتة بإسبانيا، استنكر حسن حمورو، القيادي بحزب العدالة والتنمية الإسلامي، ما وصفه بـ"الاعتداء الجبان على نساء مغربيات كُن يشجعن المنتخب المغربي بطريقة سلمية".

ورأى حمورو، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "هذا الاعتداء الجبان انتهاك صارخ للقانون ولحقوق الإنسان".

وأكد أن هذا "الاعتداء العنصري عمل مرفوض، ومن شأنه أن يؤدي إلى انعكاسات خطيرة على الوضع بمدينة سبتة المحتلة".

وخلص حمورو، إلى ضرورة أن تتدخل الجهات المخولة بتطبيق القانون بشكل صارم حتى لا تتكرر مثل هذه الاعتداءات العنصرية.

بدوره، أكد المحامي نور الدين بوبكر رئيس جمعية "محامون من أجل العدالة"، أن هذا الاعتداء الهمجي يؤكد ازدواجية معايير إسبانيا التي تتبجح باحترام حقوق الإنسان وبأنها دولة الحق والقانون.

واستنكر بوبكر، في حديث لـ"الاستقلال"، "التصرف الهمجي وغير المعقول ضد شغيلة مواطنة إسبانية ومغربية تحمل الجنسيتين المغربية والإسبانية، وتعمل وتتجمع وتجتاز الحدود في إطار القانون ولها كامل الصلاحيات القانونية في الإقامة وغير ذلك".

ويرى أن "هذا الاعتداء الهمجي للسلطات الإسبانية يقينا عمل انتقامي وهمجي بسبب ما تكبدته من خسارة فادحة أمام المغرب في مباراة كأس العالم بقطر".

وسجل بوبكر، أن سلوك المواطنات اللواتي كن يشجعن المنتخب المغربي يعبر عن "سمو المواطنة المغربية ضد الهمجية الإسبانية"، لافتا إلى أن هذا الاعتداء يتطلب تدخلا حقوقيا على المستوى القضائي إلى أقصى درجة.