"إنهم أناس يتطهرون".. لماذا هاجمت ألمانيا منتخب المغرب في مونديال قطر؟

عالي عبداتي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بعدما غادر منتخبهم الكروي مونديال قطر 2022 بخفي حنين، حيث تفرغ لدعم الشذوذ الجنسي على حساب التركيز على كرة القدم، شرع جزء كبير من الإعلام الألماني في مهاجمة المنتخب المغربي إثر دعم لاعبيه للأخلاق ورفع العلم الفلسطيني.

وبدأ لاعبو المنتخب الألماني مبارياتهم المحدودة في المونديال بوضع أيديهم على أفواههم احتجاجا على موقف قطر الأخلاقي ضد الشذوذ، ليخرجوا سريعا من دور المجموعات بعد مباراتهم مع اليابان، في فضيحة كروية من العيار الثقيل.

المنتخب المغربي في المقابل تبارى لاعبوه في كل مباراة على الفوز بخلق جديد، من دعم فلسطين ورفع علمها، واهتمامهم اللافت بأسرهم وأمهاتهم، إضافة إلى تحقيق انتصارات كروية مدوية دفعتهم إلى المربع الذهبي للمرة الأولى عربيا وإفريقيا.

هذه المواقف ما كان من ألمانيا إلا أن ردت عليها بمحاولة تشويه المنتخب المغربي فلم تجد إلا إنجازات أخلاقية لكنها تراها عكس ذلك، ما دفع متابعين للتذكير بموقف قوم نبي الله لوط، الذي جاء في قوله تعالى: "فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ".

انزعاج ألماني

وتفاعلا مع خروج منتخبها وانتصارات المغرب، زعمت "أكسل شبرينقر"، أكبر شركة نشر صحف وتوزيع في ألمانيا التي تعج باللوبيات الصهيونية، أن رفع العلم الفلسطيني في ملاعب قطر يعد "معاداة للسامية".

فيما نشرت صحيفة "تاز" الألمانية في صدر صفحتها مقالا في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2022، حمل عنوان "المغرب لا فلسطين"، تهجمت فيه الصحيفة على قضية فلسطين والتضامن القطري والعربي الكبير معها.

قناة "ويلت" الألمانية نشرت أيضا تقريرا في 12 ديسمبر، انتقد احتفالية لاعبي المنتخب المغربي برفع سبابتهم، متسائلة "هل يعلم هؤلاء بأنها إشارة تعود إلى أعضاء تنظيم الدولة؟".

وتفاعلا مع الخبر الأخير، كتب المدون والناشط الإعلامي المغربي عبدالمنعم بيدوري عبر صفحته على فيسبوك، "الخبر ليس طرفة.. يبدو أن الألمان فقدوا عقلهم".

ونشر بيدوري العنوان الذي استخدمته القناة الألمانية لخبرها، والذي جاء فيه: "كأس العالم 2022 في قطر: فضيحة في المغرب! تظهر هذه الصورة ثلاثة لاعبين بتحية تنظيم الدولة".

من جانبه، استعرض المهدي دبرة، وهو مهاجر مغربي مقيم بألمانيا، في تدوينة عبر فيسبوك، أوجه الضغط الذي تمارسه أوروبا والصحافة الألمانية على المغرب، بسبب رفع العلم الفلسطيني بعد كل مباراة.

وقال دبرة إن الصحافة الألمانية وصفت الأمر بأنه "عداء صريح للسامية وطلبت توضيحا من الجهات الرسمية"، وتساءلت إن كان المغرب في فلسطين حتى يرفع علمها؟

وأضاف: الصحافة الألمانية تسأل أيضا لماذا هددت فيفا بمعاقبة حارس مرمى المنتخب الألماني في حالة إذا رفع علم الشواذ جنسيا ولم تعاقب لاعبي المنتخب المغربي الذين رفعوا علم فلسطين؟

وتابع: "صحفي ألماني قال إن بطولة كأس العالم في هذه النسخة شارك فيها 33 دولة لا 32، في إشارة إلى فلسطين"، متهما قطر بـ"دعم الإرهاب"، كما طالب أحد الصهاينة اعتذار ملك المغرب لإسرائيل نظير رفع لاعبي المملكة العلم الفلسطيني".

أحداث متسلسلة

في تفاعله مع هذه العناوين، أكد إعلامي عربي يشتغل في إذاعة صوت ألمانيا "دويتشه فيله"، أن تطور الهجوم على المغرب بدأ تدريجيا، حيث كانت البداية بالحديث عنه كأول بلد عربي/إفريقي يصل إلى هذا المستوى، ولا سيما وأنه أسقط دولا أوروبية كبرى.

وأضاف لـ"الاستقلال"، مفضلا عدم الكشف عن اسمه لاعتبارات شخصية: "ثم صدر مقال صحيفة تاز الذي تحدث عن رفع اللاعبين المغاربة علم فلسطين، والذي رأى أن فيفا تتعامل بازدواجية مع الأمر، لأنها ترفض ما هو سياسي، لكنها لم تمنع رفع العلم الفلسطيني".

وتابع: ثم تطور خطاب هذه المنابر، وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للقول إن حمل العلم الفلسطيني هو معاداة للسامية، نظرا لأن فيه إنكارا لإسرائيل بشكل عام، وعليه، أصبح الأمر جريمة في نظرهم تستوجب المعاقبة والمحاسبة القانونية.

وقال المصدر إن ما أغضب هذه المنابر ومن يقف خلفها، أن جميع العرب خرجوا في برلين وفرانكفورت وغيرها من المدن الألمانية، وبكثير من المدن الأوروبية، للاحتفال بالنتائج التي حققها المنتخب المغربي، وكانوا يحملون الأعلام المغربية والفلسطينية.

ومضى يقول: هذه الصور الرمزية لا تعجب اللوبي الصهيوني وأتباعه بألمانيا وبعموم أوروبا، لأنه يعكس وجها جميلا لوحدة الأمة العربية، ما خلق لدى هذا اللوبي تخوفا من استعادة العرب لوعيهم التاريخي بأنهم جسم واحد وحي.

وهذه اللوبيات، وفق الإعلامي العربي، ترى أن الضمير أو الجسم العربي ما يزال حيا، رغم الأحداث التي شهدتها المنطقة، بما فيها انخفاض المسيرات المليونية الداعمة لفلسطين، ما يؤكد أن الوعي مستمر لدى الصغير والكبير، بل على المستوى الدولي أيضا، عبر أجانب ينتمون لدول غربية.

أبواق الاحتلال

وفي مقال لافت، كتب المراسل الرياضي لصحيفة "تاز" مارتين كراوس، أنه يجب أن "نفرح لمنتخب المغرب للمستوى الذي يظهره في المونديال"، مستدركا بالقول: "لكن إضافة لمسة معادية للسامية للفرح تجعل الأمور صعبة".

وقال: "كيف لا نكون سعداء لأن المغرب لديه واحد من أفضل ثمانية فرق كرة قدم في العالم"، مشيدا بوصول فريق من خارج القارة الأوروبية ومن أميركا الجنوبية إلى مرحلة متقدمة في المونديال.

وأضاف أنه "علاوة على ذلك، نجح فريق شمال إفريقي في إقصاء منتخبات دول استعمارية تلو الأخرى: بلجيكا في الدور الأول، وإسبانيا في دور الـ16، ثم جاء الدور على البرتغال".

ورأى كراوس أن "النجاح المغربي أضيف إليه قدر كبير من رمزية فلسطين، حيث رفع المنتخب المغربي علم فلسطين بعد فوزه على إسبانيا ثم البرتغال".

ومضى يقول: "مشجعون تونسيون فعلوا شيئا مماثلا في الدور الأول أيضا. وبعض القطريين يرتدون الآن شارة مؤيدة لفلسطين؛ ردا على شارة الأوروبيين التي تحمل شعار حب واحد، التي يرون أنها وقاحة".

وبالنسبة للكاتب، فإنه "من الناحية السياسية، يتم استخدام الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في قطر لتأكيد الوحدة العربية"، مضيفا: "وكأن المشجعين من البلدان المغاربية كانوا في قارب الأسر الحاكمة القطرية نفسه".

وأعرب الكاتب عن امتعاضه مما رأه "سابقة تاريخية للدعاية الشفافة المؤيدة لفلسطين التي تميز كأس العالم".

ولتوضيح هذه المقاربة الألمانية الغربية، ذكر موقع "وطن سرب" (يصدر من أميركا) أنه بعد فشل الحملة الكبيرة التي شنتها وسائل الإعلام الغربية ضد استضافة قطر لبطولة كأس العالم تحت مزاعم "حقوق الإنسان"، ورفضها رفع شعارات مؤيدة للشذوذ الجنسي.

لجأت الصحافة الألمانية لخلق سبب جديد لممارسة التحريض ضد الدوحة، بعد الهزيمة المذلة التي تعرض لها المنتخب الألماني، ومغادرته للبطولة من دور المجموعات.

وقال إن تضامن المنتخبات العربية الكبير والواسع مع القضية الفلسطينية، والذي أتاحته قطر بقيادة أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كان يبدو كأنه ذريعة جديدة للصحافة الألمانية لتشن هجوما جديدا على قطر وقيادتها.

وبعد أن استعرض الموقع ما ورد بصحفية "تاز"، أكد أنه لا تكاد تخلو مباراة من مباريات مونديال قطر، من رفع الجماهير لعلم فلسطين، والتوشح بالكوفية الفلسطينية، وترديد الشعارات والهتافات المتضامنة مع الشعب الفلسطيني.

وفي سلسلة تغريدات نشرها على تويتر، عبّر مدير تحرير الشؤون السياسية في صحيفة "بيلد" الألمانية جوليان روبكه، عن انزعاجه من قرار فيفا عدم السماح للاعبين بحمل شارات وأعلام الشذوذ الجنسي في مونديال قطر، متهما رافعي العلم الفلسطيني في المونديال بأنهم "معادون للسامية".

وزعم أن العلم الفلسطيني هو "علم دولة غير موجودة"، واصفا مطالب الشعب الفلسطيني بتحرير أرضه من الاحتلال "رغبةً بإلقاء ملايين من اليهود في البحر"، على حد زعمه.

ولم يكتفِ روبكه بذلك بل نشر ضمن تغريدات تعد تحريضا صريحا على بعض الأكاديميين والأكاديميات العرب الذين يعملون في جامعات ألمانية لمجرّد أنهم نشروا منشورات متعاطفة مع فلسطين ومفتخرة برفع العلم الفلسطيني في الملاعب، متهما إياهم بـ"معاداة السامية".

واقع محرج

لا شك أن إسرائيل ارتبكت أمام الالتفاف الجماهيري العربي حول القضية الفلسطينية في مونديال قطر، حيث عنونت الإعلامية الإسرائيلية "ميخال أهروني" مقالَها بصحيفة "يسرائيل هيوم"، بجملة: "الفلسطينيون كلهم في قطر، الواقع محرِج".

وتحدثت فيه "أهروني" عن حالة من التفوق الفلسطيني خلال كأس العالم، وأضافت في رسالة بعثت بها للمجتمع الإسرائيلي: "ها نحن نكتشف أن هناك شعبا فلسطينيا ينبض بالحياة، ولندرك ذلك كان يتعين على وسائل الإعلام الإسرائيلية أن تطير حتى قطر لنتذكر هذه الحقيقة".

وجاء في مقال الكاتبة الإسرائيلية: "هي المشاعر التي عبر عنها الناس العاديون أو المسؤولون على حد سواء. وبعضهم عرفوا أنفسهم كفلسطينيين.. وبعضهم ببساطة يتذكر علاقته بالشعب الفلسطيني، وذلك خلافا لنا نحن الإسرائيليين الذين نسينا أصلا بأنه خلف الخط الأخضر يوجد هناك بشر".

أكد الإعلامي العربي العامل بدويتشه فيله، أن عموم الرأي العام الألماني لم تقتنع بالخطاب الإعلامي المحرض على المغرب والمسلمين، وعلى الدلالات التي أعطيت لحمل العلم الفلسطيني أو لرفع اللاعبين لسبابتهم.

وأكد لـ "الاستقلال"، أن هذا الرفض، تجلى في انتشار هاشتاغ #zeigdeinfinger  يوم 12 ديسمبر، والذي حصد أكثر من 65 مليون تفاعل في ساعات قليلة، ويعرف بالتوحيد، بمعنى رفع السبابة في الدين الإسلامي وغيره من الديانات السماوية وينتقد سخافة الإعلام التافه.

وعن الخلفيات التي جعلت الإعلام الألماني ينحو في هذا الاتجاه، قال الإعلامي العربي، إن السبب يكمن في الرمزيات، لأن المغرب اليوم يقدم هذه الرمزيات الثقافية والإنسانية والحضارية عبر لاعبيه وفي مونديال يتابعه العالم كله.

واسترسل قائلا: فالأمر فيه شيء من صراع أو صدام الحضارات والثقافات، كما أوضح ذلك عالم السياسة الأميركي صامويل هنتغتون ومن قبله عالم المستقبليات المغربي المهدي المنجرة.

وأردف، الهدف أيضا من هذا السلوك غير المبرر، والبروباغندا المفضوحة، التي تم الانتقال عبرها من الرياضة إلى السياسة بشكل فج، هو تكسير صورة المنتخب المغربي الجميلة، والذي حاز على زخم كبير من الدعم والتعاطف بألمانيا، وتحديدا على المستوى الشعبي.

وشدد على أن التخوف الذي يسكن القائمين على الشأن الإعلامي بألمانيا ومن خلفهم اللوبيات الصهيونية وغيرها، يتمثل في التخوف من حجم المتابعة العامة لهذه الرمزيات، بما تعنيه من تقديس وتعظيم لقيم الأسرة والأم، ومعاني تقدير الوالدين، والانتصار للقضية الفلسطينية.

والخلاصة، يقول الإعلامي العربي، ما يقوم به الإعلام الألماني أنه يسعى لتشويه كل ما له علاقة بالدين الإسلامي، لأن عمق المشكلة لديهم مع الدين نفسه، ولذلك لا يقولون هذا بشكل مباشر، بل يتسترون خلف روايات وشعارات حقوقية مزيفة ومغلفة، لضرب الهوية والدين معا.