اقتحام سفارة البحرين.. هل العراق مقبل على عزلة عربية جديدة؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثارت حادثة اقتحام سفارة البحرين في العاصمة العراقية بغداد، الجمعة الماضية، على خليفة عقد "ورشة البحرين" لمناقشة الشق الاقتصادي من "صفقة القرن"، تساؤلات عدة حول تبعات هذه التطورات، ولا سيما بعدما تبنّت مليشيات عراقية مقربة من إيران التصعيد.

وكانت "ورشة البحرين" الاقتصادية قد عقدت في المنامة يومي 25 و26 يونيو/حزيران المنصرم، برعاية صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر، وسط مقاطعة فلسطينية، الأمر الذي تسبب بموجة غضب شعبية كبيرة في العالمين العربي والإسلامي.

نصرة الحليفتين

على الرغم من رفض العراق رسميا للمشاركة في "ورشة البحرين" وتمسكه بموقفه الثابت إزاء القضية الفلسطينية، الداعم لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الموحدة وعاصمتها القدس الشريف، بحسب وزارة الخارجية، إلا أن الأمور على المستوى الشعبي لم تقف عند هذا الحد، بل تطورت باقتحام عشرات العراقيين لمقر السفارة البحرينية في بغداد.

هذه التطورات، أغضبت البحرين وحليفتيها المقربتين الإمارات والسعودية، ففي وقت استنكرت فيه المنامة "الاعتداء" على سفارتها واستدعاء سفيرها في بغداد للتشاور، اعتبرت أبوظبي في بيان لوزارة الخارجية، أن ما جرى "انتهاك سافر"، ودعت الحكومة العراقية إلى القيام بمسؤولياتها لحفظ أمن العمل الدبلوماسي.

وأكدت خارجية أبوظبي، وقوف دولة الإمارات التام مع مملكة البحرين في مواجهة أي تهديد يمس أمنها وأمن بعثاتها الدبلوماسية، مستنكرة عملية التحشيد التي تقوم بها بعض الجهات تجاه البحرين، معربة عن قلقها إزاء أمن البعثات الدبلوماسية في العراق.

وعلى الوتيرة ذاتها، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، إن "الاعتداء على سفارة مملكة البحرين الشقيقة في بغداد مرفوض ومستهجن وتصعيد خطير على المستوى القانوني والسياسي".

ودعا قرقاش في تغريدة عبر حسابه على موقع "تويتر"، الحكومة العراقية، إلى الوفاء بمسؤولياتها والتزاماتها القانونية تجاه حماية العمل الدبلوماسي ومقار البعثات في العاصمة والمدن العراقية.

أما موقف السعودية، فقد تأخر قليلا، إذ أدان مصدر مسؤول في وزارة خارجية المملكة، الأحد الماضي، اقتحام سفارة البحرين في بغداد مؤخرا من متظاهرين، مرحبة في الوقت بموقف الحكومة العراقية المدين للحادث الذي وعد بمحاسبة المسؤولين عنه.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس" عن المصدر إعرابه عن استنكار المملكة الشديد لما تعرضت له السفارة البحرينية من "أحداث مؤسفة"، مضيفا أن المملكة تدين هذه الأحداث "التي تتنافى مع أبسط قواعد الأعراف الدبلوماسية وتخالف كافة المواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة".

وأهاب المصدر بقدرة كل من البحرين والعراق على تجاوز ذلك الحادث، مؤكدا وقوف المملكة السعودية إلى جانب الدولتين الشقيقتين في كل المساعي التي من شأنها تعزيز الأمن والاستقرار في المنقطة.

تحرك رسمي

وحاول العراق على المستوى الرسمي إنهاء الأزمة سريعا خشية تأثيرها في علاقاته مع محيطه العربي، فقد وصل وزيري الخارجية والداخلية العراقيين إلى مقر السفارة ساعة الهجوم والتقى بالقائمين عليها، إذ أكد هذا الأخير، "اعتقال مجموعة ساهمت في اقتحام السفارة، وأنهم سينالون جزاءهم العادل".

أما الرئيس العراقي برهم صالح، فقد شدد في اتصال هاتفي مع ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، على كل ما فيه خير وتعزيز العلاقات الأخوية والتاريخية بين البلدين، وأكد على أن بلاده لا يمكن أن تسمح أبدا للنيل من تلك العلاقات الوثيقة.

وتوالت المواقف من رئيسي برلمان وحكومة العراق، اللذين أعربا عن أسفهما للأحداث التي رافقت التظاهر أمام سفارة البحرين، والقيام بأعمال تخريبية مخالفة للقانون وسلطة الدولة وحصانة البعثات الدبلوماسية.

وقال بيان لرئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، في اتصال مع نظيرته البحرينية فوزية عبد الله: إن "الحكومة العراقية اتخذت إجراءات فورية لاعتقال المتسببين باقتحام السفارة البحرينية في بغداد"، مؤكدا استمرارَ المجلس بمساعيه في تعزيز العلاقات مع البرلمانات العربية والآسيوية والدولية.

وأعرب الحلبوسي عن أمله بأن لا تؤثر مثل هذه الأعمال الخارجة عن القانون على علاقات العراق مع الدول العربية بشكل عام ومملكة البحرين بشكل خاص، ولا سيما بعد تحقيق العراق خطوات كبيرة بانفتاحه على محيطه العربي والإقليمي.

وكان بيان رئيس الحكومة العراقية، قد أكد اتخاذ الأجهزة الأمنية الإجراءات الحازمة والفورية كافة لإخراجهم من السفارة وكذلك لإعادة النظام وتوفير الحماية اللازمة واعتقال المتسببين تمهيدا لتقديمهم للقضاء.

وأشار إلى أنها جادة في منع خرق النظام والقانون ولن تتسامح مطلقا مع مثل هذه الأعمال، وأضحت الحكومة رفضها المطلق لأي عمل يهدد البعثات الدبلوماسية وأمنها وسلامتها وسلامة العاملين فيها.

تخوف من عزلة

لعل الموقف الذي عبّرت عنه قوى عراقية سياسية وناشطون عراقيون، كان أكثر وضوحا من التصريحات الرسمية، إذ أعرب رئيس حزب "الحل"، جمال الكربولي، عن خشيته من عزلة جديدة قد يشهدها العراق بعد حادثة اقتحام السفارة البحرينية. 

وقال السياسي العراقي في تغريدة على "تويتر": إن "سنوات من العمل الدبلوماسي الشاق لإقناع الأشقاء العرب بأن بغداد بيتهم الآمن، تضيع بسبب تصرفات غير محسوبة لن تصب في مصلحة العراق".

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال المحلل السياسي مهند الأعظمي، أن "الغريب هو عدم هتاف المتظاهرين ضد الراعي الحقيقي لمؤتمر المنامة وهو الولايات المتحدة، ما يعني أن الهدف ليس فلسطين كما هو معلن وإنما مملكة البحرين ومن ورائها السعودية والخليج والعرب عموما".

ولم يستبعد الأعظمي أن "تكون إيران وراء هذا الهجوم لتأكد قدرتها على تحريك الشارع، والآن اللافتات في شوارع بغداد تلعن وتسب البحرين والخليج، وهو أسلوب رفض واضح للتقارب العربي".

وعلّق الإعلامي أحمد خضر على حسابه في "تويتر" قائلا: "التظاهر أمام سفارة البحرين في بغداد تظاهرة معد لها مسبقا، واقتحام السفارة دليل على همجية الجهة أو الجهات التي كانت وراء هذه التظاهرة، للأسف أطراف عراقية لا تريد للبلد الاستقرار.. أدمنوا على الدم والغضب ولا يريدون لهذا الشعب أن يستقر ويعيش كغيره من شعوب المنطقة".

وكتب المحلل السياسي العراقي، هشام الهاشمي تدوينة على "فيسبوك" قال فيها: "‏لستُ أكترث هنا بإسقاط الأحكام أو محاسبة أفعال المتجاوزين على حرم السفارة البحرينية في بغداد، وإنما أكترث بطريقة اتحاد مواقف رئاسة الجمهورية مع رئاسة الوزراء ووزارتي الداخلية والخارجية".

ورأى أنها "كانت تحركات واعية ومنسجمة مع المصلحة الوطنية العراقيّة، وكيف يمكن أن تدار الأزمات المحرجة إلى أن تكون متواطئة في المواقف مستعينة باحترام المواثيق الدولية".

يبدو أن تصاعد المخاوف من عزلة عربية جديد للعراق، جاءت بعدما أعلنت مليشيا "كتائب حزب الله" في العراق الموالية لإيران، بشكل صريح أنها هي من كانت وراء اقتحام السفارة البحرينية في بغداد، ردا على "ورشة البحرين".

وفي تصريح نقلته مواقع عربية ومحلية، قال المتحدث باسم "الكتائب" جعفر الحسيني، إن "ما حدث من اقتحام للسفارة البحرينية طبيعي، لأن حُكام البحرين خانوا القدس، وما حدث أيضا يعبر عن غضب المتظاهرين على ورشة المنامة".

وأضاف الحسيني: إن "جزءا كبيرا من المتظاهرين ينتمون إلى حركة كتائب حزب الله، التي قدمت الرعاية الأكبر لهذا النشاط".

وذكرت تقارير صحفية نشرتها وسائل إعلام عربية، نقلت عن مصادر عراقية لم تكشف هويتها، قولها: إن قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني أصدر أمرا لأبو مهدي المهندس نائب قائد قوات "الحشد الشعبي" لاقتحام سفارة البحرين في بغداد.

وأكدت أن الفصائل التي اقتحمت سفارة البحرين في بغداد تتصدرها "كتائب حزب الله" وعبد الأمير العبودي المسؤول السياسي في "كتائب سيد الشهداء"، وأمير القريشي مسؤول إعلام "حركة النجباء"، وشبل الزيدي زعيم "كتائب الإمام علي"، وعبد الأمير من مكتب "كتائب حزب الله"، وقاموا بجمع قرابة 100-150 عنصرا للتظاهر أمام سفارة البحرين في بغداد، احتجاجا على "ورشة البحرين"، وقد اقتحموا السياج الخارجي للسفارة.

وأشارت التقارير إلى أن رئيس الوزراء العراقي الأسبق المقرب من إيران، نوري المالكي، دعا مرة أخرى للتظاهر أمام السفارة، مؤكدا أن الداخلية العراقية اعتقلت الأتباع وتركت الرؤوس.

وكانت حقبة ما بعد الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003، قد شهدت عزلة عربية للعراق استمرت قرابة 11 عاما، ما أتاح المجال أمام إيران للتغلغل في جميع مفاصل الحياة السياسية بالعراق، وكانت أشدها هي فترة ولايتي نوري المالكي الممتدة من 2006 وحتى 2014، فقد كان الأخير يتهم دول الخليج والعالم العربي بإرسال الانتحاريين إلى العراق.

لكن مع مجيئ غريمه حيدر العبادي، وهو أحد قيادات "حزب الدعوة" بزعامة المالكي، خلفا له في رئاسة الحكومة عام 2014، اتبع العراق سياسة جديدة للانفتاح على العالم العربي، أفضت إلى إعادة عدد من الدول العربية وعلى رأسها السعودية وقطر افتتاح سفارتهما في بغداد.