هل يحقق اليمن السلام في 2019؟

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

الاستقلال - قسم الترجمة

الشرق الأوسط هو مفترق طرق لإمبراطوريات، وحل الحرب في اليمن يتطلب إستراتيجية غربية عظيمة والانسحاب الأمريكي من سوريا لا يتماشى مع هذا الاتجاه.

قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2451 المتعلق باليمن، الذي تم التصويت عليه في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2018، قد يثير شكوكاً بشأن احتمالات السلام في البلد، بعد أن تحوّل لمسرح صراع غير مباشر بين طهران والأنظمة العربية السنية في الشرق الأوسط.

الإشارة إلى مسؤوليات الحوثيين تبقى ضرورية، لتسليط الضوء على المخاطر الجيوسياسية للحرب التي لا يمكن اختزالها في مجرد أبعاد قبلية وطائفية.

ويشير القرار، الذي اعتُمد بالإجماع، إلى الإطار العام لتسوية النزاع الذي حدده النص السابق: القرار 2216 المؤرخ 14 أبريل/ نيسان 2015. يعترف بشرعية رئيس اليمن، عبد ربه منصور هادي، والحكومة الشرعية لهذا البلد، ويطالب المتمردين الحوثيين بإلقاء بأسلحتهم، وإخلاء العاصمة صنعاء، فضلا عن موانئ الحديدة والسعدي وراس عيسى.

الحوثيين: "حزب الله" المحلي

 المتمردون الحوثيون هم السبب الرئيسي لحالة الحرب في اليمن. هذا البلد شديد التشرذم، سواء على المستويات القبلية أو الطائفية أو الجغرافية. ومنذ أمد بعيد، يتناقض تاريخ اليمن مع تسميته "العربية السعيدة"، ذلك المسمى الذي يذكره بسهولة هؤلاء الحانقون المتظاهرون.

يعتبرون حالة الحرب المزمنة ثمرة لتتابع ظروف مؤسفة، كما أصبح من الواضح أن مضغ القات لا يكفي لاحتواء العنف النابع من السكان المحليين.

ومع ذلك، فإن اليمن، بعد انتفاضة 2011 على خلفية "الربيع العربي"، بدأت عملية انتقالية سياسية. وفي غياب التحول الديمقراطي، أدت المحادثات، والتي اتسمت بالتخبط، إلى إعادة تحديد التوازنات القبلية والدينية. في سبتمبر/ أيلول 2014، استولى المتمردون الحوثيون من معاقلهم الجبلية في الشمال الغربي، على مدينة صنعاء، مما أرغم الرئيس والحكومة الشرعية اليمنية على الذهاب إلى المنفى.

وسرعان ما شاهد النظام الإيراني الشيعي، والذي يساهم بقدر كبير في شراكة تهيمن على المسرح السوري العراقي، في هذا الصراع لجلب الحرب إلي الفناء الخلفي للمملكة العربية السعودية. بدأ الفعل ورد الفعل ما أدى إلى تدخل السلطات الإماراتية، بناء على طلب من الحكومة اليمنية. ثم جاء القرار 2216 لتعزيز شرعية هذا التدخل العسكري.

بعض التحليلات للنزاع لا تولي اهتماماً كافياً لظاهرة الحوثيين. وفي الواقع، فإن الزيديين، وهي طائفه شيعية شمال اليمن، قد انغمست في التطرف الديني هي الأخرى وذلك في سياق التعصب المنتشر في المنطقة.

مؤهلين من طرف الحوثيين واعتماداً على اسم أحد أمرائهم في الحرب، فإن "أنصار الله" شكلوا نوعا من حزب الله يمني، وهكذا تم تحديد اسمهم من قبل طهران طبقاً للأصول المتعارف عليها، وتم مدهم بالصواريخ الباليستية والمواد العسكرية الأخرى.

هكذا فتحت جبهة جديدة بين النظام الإيراني الشيعي من جهة، والممالك السنية في الخليج العربي من جهة أخرى.

حرية الإبحار في البحر الأحمر

خففت روسيا، وهي الحليف الوحيد لإيران في المنطقة، من حدة القرار الأخير للأمم المتحدة الذي يوحد الإطار العام لتسويه النزاع. وحده التهديد بمعركة كبيرة حول الحديدة، تمكن من إحضار الحوثيين إلى طاولة المفاوضات (وقف إطلاق النار الموقع في ستوكهولم في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018). وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأخيرة رفضت المشاركة في المحادثات السابقة (جنيف 2018 سبتمبر/ أيلول)، إلا أن الإجراء الحاسم الذي اتخذه الائتلاف يرجع إلى سوء نوايا الحوثيين.

بالإضافة إلى إرسال فريق من المراقبين، من أجل رصد الامتثال لوقف إطلاق النار وانسحاب المقاتلين من موانئ الحديدة والسعدي وراس عيسى، ينص القرار 2225 على إنشاء آلية إشرافية لسلطة الموانئ. فميناء الحديدة الذي يضمن الجزء الأكبر من الواردات إلى اليمن وموارده في أيدي الحوثيين. وفي حاله تنفيذ هذا القرار، فإنه سيبعدهم تماما عن البحر الأحمر، مع سيطرة على جميع موانئ اليمن من قبل حلفاء دولة الإمارات العربية المتحدة.

ومن المعروف أن محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، يقود إستراتيجية بحرية كبيرة على جانبي شبه الجزيرة العربية والمحيط الهندي. وتوقعا لنزاع مفتوح مع إيران يسعى فيه الحرس الثوري إلى عرقلة مضيق هرمز، فإن بن زايد يقوم بنشر قوات بحرية متجاوزاً الخليج العربي. كما يقوم بكسب وسائل كفيلة تمنحه حرية الوصول إلى بحار العالم، وهذا يعني أن خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر ما زالوا بعيدين عن متناول وكلاء طهران.

ومن الخطأ الاعتقاد بأن الرؤية الجيوسياسية للمياه، بصيغتها الواضحة، تتعلق برغبة الإمارات الوحيدة في الأرض بوصفها حارسة لحرية الملاحة والبحر الأحمر والنهج المتبعة في شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي. يمثل الحوثيون قوة عنيفة مضادة للغرب، وهو ما يظهر في آمالهم وشعاراتهم مثل ("الموت لأمريكا! الموت لإسرائيل! موت لليهود!").

من ناحية أخرى، فإن طريق السويس هو الطريق الرئيسي للمرور بين أوروبا والخليج العربي وآسيا: ظروفه الأمنية تتحكم في إمدادات القارة القديمة.

لن نصلح قضية خاشقجي بتسليم اليمن إلى طهران

وفي المجموع، يبدو أن الصراع اليمني لا يحدث في مسرح غريب بعيد، وليس له مصلحة إستراتيجية حقيقية للغرب. ولا يمكن للمسألة الإنسانية، بقدر أهميتها، أن تحجب الأبعاد الأخرى لهذه الحرب، التي كانت خلفيتها المواجهة الكبيرة بين العالم السني، وإن كانت منقسمة، والكتلة الشيعية التي تسعي طهران إلى إنشائها. وإلي جانب ذلك، تشكل الإمبريالية الإيرانية-الشيعية جزءاً من المشروع العالمي روسيا-أوراسيا فلاديمير بوتن، والصين وقوى أخرى من القوى الرجعية، والمعروف بتدمير الهيمنة الغربية الطويلة الأمد.

في تقاطع الطرق بين الإمبراطوريات، فإن الشرق الأوسط يمثل عقدة إستراتيجية في قلب التنافس بين القوى منذ مطلع القرن الحادي والعشرين.

هكذا نفهم أيضا استعداد القوى الغربية لإدامة دعمها للنظم العربية السنية، وهو ما ينعكس في الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق القرار 2451: لن يتم إصلاح الآثام التي ترتكبها "قضية خاشقجي" من خلال تسليم اليمن لعملاء طهران ووكلائها.

ويبقي أن هذه المواجهة الواسعة، التي تلعب في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، تتطلب إستراتيجية غربية عظيمة. وفيما يتعلق بهذه النقطة، فإن الانسحاب المتسرع من الشمال الشرقي السوري لا يبشر بخير.