بعد موجة تطبيع مظلمة.. مونديال قطر يضيء شعلة القضية الفلسطينية مجددا

الدوحة - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

لم تتأهل فلسطين إلى كأس العالم 2022 في قطر، لكن بدا وكأن كثيرا من الفرق لعبت باسمها وآلاف الجماهير رفعت علمها، لتصبح الأكثر حضورا وتمثيلا عربيا ودوليا.

واستغلت الجماهير العربية والأجنبية الفرصة الفريدة التي أتاحتها البطولة المقامة في بلد عربي وإسلامي للمرة الأولى، لتؤكد أن فلسطين مازالت قضية حية لدى الشعوب الحرة. 

وتزينت قطر بالعلم الفلسطيني وارتدت الجماهير الكوفية في إجماع فريد على قضية فلسطين شمل شعوبا غير عربية رافضة للاحتلال الإسرائيلي.

ومثل المونديال أول فرصة حقيقية لدى الشعوب لإسماع صوتها وإعلائه نصرة للقضية الفلسطينية.

وجاء ذلك بعد موجة تطبيع جارفة وغير مسبوقة، حاولت فيها أنظمة عربية "تسويق الوهم وتغييب الوعي" بضرورة عقد "سلام" مع إسرائيل، ليأتي الرد صادما للطرفين.

ووقعت أربع دول عربية، هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، اتفاقيات لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بوساطة أميركية عام 2020، وأطلق عليها اسم "اتفاقيات أبراهام".​​​​

لحظة تاريخية

وبعد أن أصبح المغرب في 6 ديسمبر/كانون الأول 2022، أول فريق عربي يصل إلى ربع نهائي كأس العالم لكرة القدم، استغرق اللاعبون لحظة للالتقاء بعد فوزه الشهير والتجمع لالتقاط صورة جماعية.

معا على العشب الأخضر، وقف منتخب "أسود الأطلس" بزيه الأحمر فوق استاد المدينة التعليمية، حيث لعبوا لأكثر من ساعتين للتغلب على إسبانيا، وانتظروا رفع العلم، لم يكن علم المغرب، بل فلسطين.

وتزامنا مع ذلك، عمت الاحتفالات في قطر، داخل الملعب وخارجه، وفي دول عربية برفع علمي المغرب وفلسطين والهتاف والغناء المستمر دعما لقضية تجاوز عمرها 70 سنة.

وقال المشجعون منذ انطلاق المونديال في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إن "فلسطين هي الدولة 33 في المونديال".

وفي 7 ديسمبر 2022، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن "إحدى ميزات كأس العالم الأولى التي تُلعب في العالم الإسلامي، هي الوجود المنتشر للألوان الأحمر والأبيض والأخضر والأسود لفريق هو عضو في الفيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم) ولكنه ليس غير كامل العضوية في الأمم المتحدة".

وتابعت: "قدمت البطولة لحظة نادرة من التضامن العربي، وهتف المشجعون من مختلف البلدان لفرق بعضهم البعض - وأعربوا عن دعمهم للقضية الفلسطينية - حتى مع تطبيع بعض الحكومات العربية بما في ذلك المغرب العلاقات أخيرا مع إسرائيل".

هذا النوع من التطبيع لا ينعكس في الشارع العربي، كما هو معروف، ويكشف الانفصال عن القيادة العربية، وشعور بأن القضية الفلسطينية لا تزال تلقى صدى واسعا لدى الناس في جميع أنحاء العالم العربي والشتات العربي، وفق الصحيفة الأميركية.

وبعد أن غادرت الدول العربية والإسلامية الأخرى التي تأهلت للبطولة (السعودية، تونس، قطر) أصبح المغرب آخر منتخب لا يزال يلعب، ويحمل لواء القضية الفلسطينية، بحسب وصف "نيويورك تايمز".

وكان للتضامن المغربي مع القضية الفلسطينية وقع خاص وفريد من نوعه، خاصة أن المملكة التي يقودها العاهل محمد السادس كانت من بين الدول التي طبعت العلاقات مع إسرائيل عام 2020.

ورددت جماهير منتخبات المغرب وتونس والسعودية وقطر وغيرها الأغاني احتفالا بفريق آخر غير موجود هنا وهو فلسطين.

وخلال مباراة تونس في دور المجموعات أمام فرنسا، ركض أحد المتظاهرين إلى داخل الملعب حاملا العلم الفلسطيني، مما أدى إلى توقف مفاجئ في المباراة لكنه جذب المزيد من الانتباه إلى القضية الفلسطينية.

ولعل أقوى رسالة جاءت من المشجعين التونسيين والمغاربة الذين رفعوا لافتة ضخمة عليها عبارة "فلسطين حرة" في الدقيقة 48 من المباراتين ضد أستراليا وبلجيكا على التوالي.

وبدأت النكبة بالفعل عام 1948 عندما أنشئت ما تسمى دولة إسرائيل على أنقاض الأراضي الفلسطينية المحتلة.

على الجانب المقابل، توحد الفلسطينيون في دعم المنتخبات العربية بما في ذلك السعودية التي لم تحظ خلال السنوات الأخيرة بشعبية بين الفلسطينيين بسبب سياسات المملكة الأخيرة وانفتاحها على التطبيع مع تل أبيب.

وعززت إنجازات الفرق العربية والإسلامية الشعور بالقوة والوحدة لكن أكثر من ذلك، من الواضح أن كأس العالم أعاد القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني إلى صدارة العالم العربي بعد سنوات من التراجع والشعور العام بالعزلة.

حاضرة بقوة

ياسر محمد، أحد المشجعين الفلسطينيين في قطر، أكد أن "فلسطين حاضرة بقوة وأعلامها مرفوعة من قبل الجماهير بشكل لا مثيل له".

وقال محمد في حديث لـ"الاستقلال": "بلا مبالغة، أعلام فلسطين منتشرة وأعدادها أكبر بكثير من أعلام قطر نفسها وأي فريق آخر".

وبين أن "أعلام فلسطين تباع إلى جانب أعلام أي منتخب آخر وكأنها مشاركة في المونديال، وقطر ساعدت في هذا الأمر ودعمته، في المقابل لا ترى أعلام أي دولة أخرى غير مشاركة".

وأردف: "الناس تسير في الشوارع بعلم فلسطين وكوفيتها بدون مناسبة، حتى أن مقدمي الحفلات في الدوحة يوجهون تحية لها على الدوام".

وأينما ذهبت، ستلتقي قطريين وعربا وأجانب يرتدون الزي التقليدي مع العلم الفلسطيني في أيديهم أو يلفونه على رقبتهم.

حتى مشجعو أميركا الجنوبية يأتون لالتقاط الصور مع الفلسطينيين والعرب ويهتفون "تحيا فلسطين"، يقول محمد.

وبرزت مساهمة قطر هنا في عدة جوانب من بينها التعريف بفلسطين في المعارض والفعاليات الخاصة بالمونديال.

على سبيل المثال، افتتحت مؤسسة الدوحة للأفلام، في 8 ديسمبر، معرض "إنتاج"، المتعدد الوسائط الذي يتتبع تاريخ السينما والتلفزيون والمسرح في قطر، بالتزامن مع تنظيم بطولة كأس العالم.

وضمن المعرض المذكور، زاوية تتحدث عن فلسطين وتاريخها. ويقول محمد: "تضع عينك في منظار لدى دخولك هذه الغرفة وترى صورا عن القدس وتذهب برحلة إلى الأراضي المقدسة".

كما انطلقت مع بداية المونديال، حملة إلكترونية تحت اسم “حلم فلسطيني” بهدف تعريف العالم بالقضية الفلسطينية خلال البطولة.

ودعت الحملة الجماهير العربية الحاضرة للمباريات والفعاليات المصاحبة إلى رفع علم فلسطين، والهتاف لفلسطين في المدرجات والساحات وعند تجمع جماهير المنتخبات، وهو ما يجري بشكل لا مثيل له.

ولاقت الحملة رواجا واسعا في منصات التواصل في الدول العربية، ودعا الناشطون إلى المشاركة في الحملة والتفاعل مع وسمي “حلم فلسطيني” و”ليش لا”.

وبعد تفاعل كبير، قال ناشطون على مواقع التواصل إن "الحملة ليست حلما فلسطينيا فقط، ولكنها حلم كل عربي"، في إشارة إلى الآمال بالتحرر من ظلم الأنظمة وديكتاتورية الحكام.

عزلة إسرائيلية

بعد اتفاقات التطبيع الأخيرة، بدا أن الفلسطينيين أكثر عزلة إثر تهميشهم من قبل الدول العربية المطبعة ومحاولة دفعهم نحو القبول بما تفرضه إسرائيل واتهامهم بالتعنت ورفض كل الحلول مع الاحتلال.

لكن الآية انقلبت خلال مونديال قطر، وذكّرت الجماهير العربية المراسلين الإسرائيليين بأنهم "غرباء غير مرحب بهم" في العالم العربي، حتى بعد الاعتقاد بأن "اتفاقيات أبراهام" ستؤدي بطريقة سحرية إلى جعل وجودهم مقبول وشرعي في المنطقة.

وانتشر بشكل كبير مقطع فيديو لمشجع سعودي يوبخ مراسلا تلفزيونيا إسرائيليا ويقول له "هناك فلسطين فقط، لا توجد إسرائيل.. أنت غير مرحب بك هنا".

كما أن المشجعين العرب الذين تدفقوا على قطر يرفضون التحدث مع وسائل الإعلام العبرية، فيما يهتف البعض "تحيا فلسطين" أمام كاميرات التلفزيون الإسرائيلي.

وتوسعت تلك العزلة داخل قطر، حتى رفض مشجعون من أميركا الجنوبية الحديث معهم، وكذلك فعل آخرون من اليابان وكوريا الجنوبية وغيرها بسبب الاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية.

وقالت صحيفة "إسرائيل اليوم" نهاية نوفمبر: "شهدت مباراة هولندا وقطر، هتافات حارة من الجماهير تأييدا لفلسطين ورفضا للاحتلال وسُمع صوت الجماهير وهي تهتف (بالروح بالدم نفديكِ يا فلسطين) وهم يلوحون بالعلم الفلسطيني في المدرجات".

ومنذ انطلاق مونديال قطر، شهد الصحفيون الإسرائيليون مواقف تظهر مدى الانتماء للقضية الفلسطينية ورفض التعاطي معهم من الجماهير العربية التي أثبتت فشل مشروع “التطبيع الإسرائيلي” شعبيا.

ورصدت الكاميرات بشكل يومي اشتباكا بالألسن لدى مشجعي المنتخبات من دول عربية مثل المغرب والسعودية وتونس وغيرها مع مبعوثين من إسرائيل وهم يلوحون بالأعلام الفلسطينية خلال المباريات.

وعد الصحفيون الإسرائيليون رفض مشجعي كرة القدم العرب التحدث إليهم "دليلا على فشل" قرار التطبيع مع بعض الدول العربية والإسلامية.

وقال الصحفي الإسرائيلي راز شيشنيك: "تجربتي في قطر أنهت أي أمل في تحسين علاقاتنا مع الشعوب العربية".

وزعم صحفي آخر أنه "طُرد" من مطعم أخذ صاحبه هاتفه و"حذف جميع صور قطر" منه.

وقال: "يغضب العرب والعديد من الأجانب ويبتعدون عنا عندما يعلمون أننا إسرائيليون".

أما صحيفة "هآرتس" العبرية فتحدثت عن مظاهر التأييد في مونديال قطر 2022 والحضور الواسع للعلم الفلسطيني وغياب العلم الإسرائيلي.

وقالت الصحيفة في 6 ديسمبر إن كأس العالم “فيه وحدة هدفها فحص وتحديد الأعلام المسموح بها في الملاعب، لا ترحب إلا بعلم واحد لا ينتمي للفرق المشاركة وهو علم فلسطين”.

وأضافت: “الشيء الوحيد الذي لا يمكن رؤيته هو العلم الإسرائيلي الذي اعتدنا على مشاهدته في كل مونديال ومباراة مهمة على مستوى الفرق والمنتخبات، ودوري الأبطال، والكلاسيكو وغيرها، هذه المرة الأعلام الإسرائيلية غائبة”.

ولوحظ في سوق واقف – المدينة القديمة في قطر - أن العلم الفلسطيني أكثر شعبية من أي علم آخر، بما في ذلك قطر، فكل متجر يحترم نفسه ويحترم المعجبين المحليين ومن الدول العربية يضع بفخر الأعلام الفلسطينية، وأحيانًا تكون ضخمة، وفق الصحيفة.

ازدواجية المعايير

"هآرتس" واصلت سردها بالقول: "في قطر أيضا هناك ترحيب بنقش FREE PALESTINE حتى في الملعب – الذي يُحظر فيه استخدام الرموز السياسية –".

و"قد سُمح للاعبين المغاربة بالاحتفال بالأعلام الفلسطينية عند التأهل إلى المستوى التالي، واستخدم لاعبو قطر العلم الفلسطيني أيضا"، وفق تعبيرها.

وعلق أحمد الطيبي عضو الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بالقول إنه "من المستحيل فصل السياسة عن الرياضة، العالم الذي استبعد روسيا من المسابقات الرياضية بسبب غزو أوكرانيا، يحتضن إسرائيل المسؤولة عن أطول احتلال في العالم".

وهنا يمكن التطرق إلى ألمانيا التي حاولت قمع لاعب منتخبها السابق مسعود أوزيل لأنه أظهر تضامنا مع مسلمي الإيغور المضطهدين في الصين، بينما تنتقد قطر اليوم في قضية رفضها لوجود علم الشواذ في بلادها.

وكشف كأس العالم معايير الغرب المزدوجة، كما فضح "السلوك الوقح" للصحفيين الإسرائيليين الذين "خاب أملهم" بسبب العداء لهم، وفق ما قال الطيبي لمجلة "972" التي تصدر من الأراضي المحتلة.

وأضاف عضو الكنيست: "تصرف الصحفيون الإسرائيليون بغطرسة وحاولوا دفع الميكروفون على الناس، متوقعين أن يجري الترحيب بهم بالورود والعناق، لكن الشعوب الحرة تكره الاحتلال والمحتلين".

وأردف: "هناك الكثير من النفاق في غضب الإسرائيليين (حول كيفية معاملتهم)، لأنهم ينسون كيف تتصرف إسرائيل تجاه الصحفيين الفلسطينيين من الشتائم إلى الاعتداءات الجسدية".

وبينما وصفت "يديعوت أحرونوت" إحدى الصحف اليومية العبرية الأكثر شعبية البطولة بـ"كأس العالم للكراهية"، أطلق الطيبي عليها اسم "كأس العالم للحرية، وكأس العالم لفلسطين والعرب".

وأردف: "كان حضور فلسطين محسوسا بقوة في كل ملعب وكان علمها يرفرف في كل مكان".

وبعد سنوات كان فيها الشعور بأن فلسطين أقل أهمية، أوضح الشعب العربي أن هذه القضية مركزية للأمة العربية بأكملها، "وهذا شعور لم نكن نعرفه من قبل"، يقول الطيبي.

في هذا السياق، أوضحت صحيفة "ميدل إيست مونيتور" البريطانية أن "الشعوب العربية والإسلامية أظهرت خلال مونديال قطر أن القضية الفلسطينية تحترق في قلوبهم وأن ألسنة اللهب لن تنطفئ مع مرور الوقت والتطبيع من قبل حكوماتهم".

وأردفت في تقرير نشرته في 5 ديسمبر: "بغض النظر عن مدى اندفاع الصهاينة في العالم العربي للتطبيع مع إسرائيل والتحديات التي يواجهها الفلسطينيون، سيستمر الشعب العربي في الحفاظ على القضية الفلسطينية".

وتابعت في تقرير آخر: "من الواضح أن أجندة التطبيع تعرضت لانتكاسة مع هذه البطولة، وأن فلسطين تعيش في قلوب الشعوب العربية. لا يمكن إزالتها أبدًا مهما حاول الصهاينة جاهدين".

وختمت بالقول: "بغض النظر عما تفكر فيه الحكومات العربية وتفعله، لا يزال الناس على يقين من أن العدو الحقيقي هو إسرائيل، حتى في الوقت الذي تسارع فيه الأنظمة إلى التطبيع مع دولة الاحتلال".